المنشورات
أباعث كل مكرمةٍ طموح ... وفارس كل سلهبةٍ سبوح
وهي من الوافر الأول على رأي الخليل, ومن السحل الرابع على رأي غيره.
الطموح: التي تطمح في السير وتبلغ أمدًا بعيدًا, ومنه الطماح في الخيل, وذلك إذا غلبت فوارسها على رؤوسها وتمادت في العدو, ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا
وقوله:
وطاعن كل نجلاءٍ غموسٍ ... وعاصي كل عذالٍ نصيح
النجلاء: الطعنة الواسعة, قال العجاج: [الرجز]
نطعنه نجلاء فيها ألمه ... كمرجل الصباغ جاش بقمه
والغموس: البعيدة القعر, قال الأفوه: [السريع]
وفرجوا الهبوة عن مذحجٍ ... بكل نجلاء فري غموس
والعرب تصرف ما لا ينصرف في الضرورة, مثل: مساجد, وعمر, وأفعل, وقلما يصرفون فعلاء, مثل: نجلاء وحمراء.
وقوله:
سقاني الله قبل الموت يومًا ... دم الأعداء من جوف الجروح
جوف: جمع أجوف, وهو الواسع الجوف من جميع الأشياء, والجروح: جمع جرحٍ, وذكر سيبويه أنهم لم يقولوا أجراح (37/أ) في أدنى العدد, وإنما يحمل هذا القول على أن أجراحًا غير كثير الاستعمال, وقد أنشد أبو زيد هذا البيت, وهو لعبدة بن الطبيب:
حتى تصرعن من حيث التبسن به ... مخرجاتٍ بأجراحٍ ومقتول
والعرب تقول: شربنا دماء بني فلانٍ؛ أي: قتلناهم, ولا يريدون أنهم يشربون الدم للغيظ, ولكنهم يعنون أنهم لما قتلوهم اشتفت صدورهم, فكأنهم نقعوا بالشراب.
ولا يمتنع أن يكون بعض العرب في الجاهلية قد شرب من دم ثأره؛ لأنهم يروون أن هند ابنة عتبة أرادت أكل كبد حمزة بن عبد المطلب, أو أكلتها لشدة حنقها عليه, فيقال: إنها جفت عن مضغها, والله أعلم بهذا الحديث. وهذا البيت يروى لعمرو بن الأيهم التغلبي: [الوافر]
شربنا من دماء بني سليمٍ ... بأطراق القنا حتى روينا
فأما قول الآخر:
شربت دمًا إن لم أرعك بضرةٍ ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
فيحتمل وجوهًا, منها: أن يكون حلف بهذه اليمين؛ لأن الدم تعافه النفس؛ فكأنه قال: أكلت ميتةً إن لم أفعل كذا.
وقيل: إنه أراد دم الحية؛ لأنه عنده سم. وقد جاء في دعائهم: سقيت دم الحيات, وسقيت دم الأساود. وفيه وجه ثالث, وهو أحسنها: وذلك أن يكون أراد: قتل لي قتيل فأخذت ديته إبلًا, فشربت لبنها, فكأني شربت دم ذلك القتيل. ومنه قول الشاعر:
أبا العوف إن الإبل ينقع رسلها وكان دم الثأر النميري أنقعا
تبكي على ريا إذا الحي أصعدوا ... وتترك ريان القتيل المضيعا
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه ... دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دعا
ونحو منه قول الآخر:
فإن دمًا بالجزع جزع شمابثٍ ... إذا حلبت منها لبون تضورًا
ونحو من ذلك قول القائل:
فظل يضوز التمر والثوب ناقع ... دمًا مثل لون الأرجوان سبائبه
يصف رجلًا أخذ الدية تمرًا فكأنه يشرب الدم فيجري على ثوبه. ويقولون: شربت بنو فلان دماءنا؛ أي: قتلت منا رجالًا. قال الشاعر: [الطويل]
لقد شربت منا عبادة مشربًا ... دمًا طيبًا يا ويحه أي مشرب
دمًا مثل ماء المزن إن فات فاتنا ... حميدًا وإلا ينفد الدهر يطلب
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)