المنشورات
أحلمًا نرى أم زمانًا جديدا ... أم الخلق في شخص حي أعيدا
وهي من المتقارب الأول في رأي الخليل. قد كثر في الشعر قولهم للرجل: كأنه الخلق, وكأنه الناس كلهم, ومن ذلك قول القائل:
وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
وهذا مما يخرج على العموم, والمراد به الخصوص؛ لأنه لو عم به الخلق كلهم لكان ذلك منقصةً عظيمةً على الممدوح؛ إذ كان العالم فيه المجنون, والأحمق, والأخرس, وغير ذلك من الأشياء المذمومة.
وقوله:
رأينا ببدرٍ وآبائه ... لبدرٍ ولودًا وبدرًا وليدا
(46/أ) إنما شبه الممدوح بالبدر إذ كان اسمه بدرًا, ادعى أنه قد رأى للبدر ولودًا؛ أي: أبًا, وللبدر وليدًا؛ أي: مولودًا, وهذه من الدعاوي الباطلة؛ لأنه لا يعني إلا بدر السماء, وقوله: لبدرٍ نكرة, ولا يحتمل أن يكون معرفةً؛ لأنه لو كان ذلك لم يكن فيه مدح.
وقوله:
وربتما حملةٍ في الوغى ... رددت بها الذبل السمر سودا
إذا جاءت بعد رب وربت فالأحسن الخفض, وتكون ما زائدةً, فيقال: ربما رجلٍ مررت به, وربتما خيلٍ شهدتها. قال ضمرة بن ضمرة: [السريع]
ماوي يا ربتما غارةٍ ... شعواء كاللذعة بالميسم
ولو رفع الاسم بعد ما وجعلت كافة لم يبعد ذلك. فأما قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا} فما وما بعدها في موضع خفضٍ كأنه قال: رب ودادٍ للذين كفروا. وقد يجيء في الشعر بعد ربما ما فيه الألف واللام فقال أبو دؤاد:
ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار
فيجوز أن يكون أشمر يكون كأنه قال: ربما يكون الجامل. ويجوز أن يجعل ما نكرة ويوقعها على زمان كأنه قال: رب زمانٍ الجامل في هؤلاء القوم فيه. وجعل الذبل تصير سودًا؛ لأن بعض الدم يكون أسود.
وقوله:
بهجر سيوفك أغمادها ... تمنى الطلى أن تكون الغمودا
إلى الهام تصدر عن مثله ... ترى صدرًا عن ورودٍ ورودا
البيت الأول قد كمل معناه وهو غير محتاجٍ إلى ما بعده. وقوله: إلى الهام: يفتقر إلى فعلٍ مضمرٍ يكون راجعًا إلى السيوف كأنه لما جرى في البيت الأول ذكر الهجر أضمر يهجر في البيت الثاني, يريد تهجر سيوفك أغمادها إلى الهام, كما قال: (هجرت إليه الغيث) أي: تركت الغيث لتتصل به, وكذلك سيوفه تهجر الأغماد لتقع في الهام.
وقوله:
قتلت نفوس العدى بالحديد ... حتى قتلت بهن الحديدا
يريد أنه يحطم السيوف في الأعداء, وهذا نحو من قول البعيث: [الطويل]
وإنا لنعطي المشرفية حقها ... فتقطع في أيماننا وتقطع
وقوله:
فأنت وحيد بني آدمٍ ... ولست لفقد نظيرٍ وحيدا
ادعى له الوحدة في أول البيت, ثم قال: ولست لفقد نظيرٍ وحيدًا؛ أي: أن الناس يشاركونك في الصورة الإنسية, وفي الأشياء التي يشترك فيها العالم, كالنوم والطعام والشراب, فإذا جاء السؤدد والشجاعة والكرم وما يحمد الرجل عليه كنت الأوحد.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)