المنشورات

ما الشوق مقتنعًا منب بذا الكمد ... حتى أكون بلا قلبٍ ولا كبد

وهي من البسيط الأول على قول الخليل, ومن السحل الثاني على رأي غيره, وقافيتها من المتراكب.
الكمد: وجد يستره الإنسان, يقال: رجل كامد, وكمد, وكميد, يقول: لا يقتنع الشوق مني بكمدٍ أجنه في القلب حتى يذهب بقلبي أو كبدي ..
وقوله:
مازال كل هزيم الودق ينحلها ... والسقم ينحلني حتى حكت جسدي
الهزيم: يجوز أن يكون من الصوت, من قولهم: سمعت هزمة الرعد, ويحتمل أن يكون من قولهم: تهزم السقاء؛ إذا قدم فتكسر وحدتث فيه خروق. يقال: مطر هزيم ومتهزم, وكل شيء كصسر فقد تهزم, قال المرقش: [مجزوء البسيط]
تبكي على الدهر والدهر الذي ... أبكاك فالجفن كالشن الهزيم
وقال جرير: [الطويل]
ويوم أبي قابوس لم نعطه المنى ... ولكن ضربنا البيض حتى تهزما
ومنه هزيمة الجيش. والودق: عظام القطر, وقيل: إنما هو مأخوذ من ودق إذا دنا فسمي القطر ودقًا لأنه يدون من الأرض. وروى عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباسٍ في تفسير قوله تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} أن الودق شبه الدخان يخرج من الغيم, والأشبه أن يراد به القطر إذا عظم وكثر, ومنه قيل: ودق الرجل إذا أكثر كلامه, قال الراجز: [الرجز]
إني إذا ما ذبت الأشداق
وكثر الضجاج واللقلاق
ثبت الجنان مرجم وداق
فأما قول امرئ القيس: [الطويل]
.............. ... تعفي بذيل الدرع إذ جئت مودقي
فإنه أراد الموضع الذي دنا منها فيه.
وقوله:
وكلما فاض دمعي غاض مصطبري ... كأن ما سال من جفني من جلدي
غاض: ضد فاض؛ لأن الغيض نقصان, والفيض زيادة, قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
إما تريني قد كبرت وغاضني .. ما نيل من بصري ومن أجلادي
وفي حديث بعض الصحابة: «لدرهم ينفقه أحدكم من جهد خير من ألفٍ ينفقه أحدنا غيضًا من فيضٍ».
وقوله:
ما دار في خلد الأيام لي فرح ... أبا عبادة حتى درت في خلدي
هذا الرجل كني بكنية جده أبي عبادة الوليد بن عبيدٍ البحتري الشاعر, وذكر ابن فارسٍ المنبجي فيما جمعه من أخبار أبي عبادة أنه كان يكنى أبا الحسن, وأن المتوكل كان عنده رجل أعرابي يعرف بأبي عبادة فمات, أو غاب غيبةً لم يعد منها, فلما قدم البحتري على المتوكل أعجبه وشبهه بأبي عبادة, فلزمته هذه الكنية.
وقوله:
قد كنت أحسب أن المجد من مضرٍ ... حتى تبحتر فهو اليوم من أدد
تبحتر: انتسب إلى بحترٍ, وإنما سمي الرجل بحترًا من قولهم للقصير: بحتر. وأدد والد طيء, واسم طيءٍ جلهمة. وأدد: يجوز أن يكون اشتقاقه من أد البعير يئد؛ إذا حن حنينًا شديدًا, وقالوا: أمر إد وأد؛ أي: عظيم منكر, وجعلوا القوة أدًا, قال الراجز: [الرجز]
نضون عني قوةً وأدا ... من بعدما كنت صملًا جلدا
(49/أ) فيجوز أن يكون أدد من هذا كله. وفعل إذا كان معرفةً ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون معدولًا عن معرفةٍ فلا ينصرف في المعرفة, وينصرف في النكرة؛ ومن ذلك قولهم: عمر وزفر وقثم.
والثاني أن يكون قد استعمل وصفًا مثل قولهم: رجل حطم, من قول الراجز: [الرجز]
قد لفها الليل بسواقٍ حطم فالبصريون يرون أن هذا إذا سمي به صرف, وقد خولفوا في ذلك.
والثالث أن يكون اسمًا لجنسٍ, مثل: جعلٍ وصردٍ ونغرٍ, فهذا مصروف أيضًا.
وقوله:
قوم إذا مطرت موتًا سيوفهم ... حسبتها سحبًا جادت على بلد
يقال: مطر السحاب وأمطر لغتان. وكان أبو عبيدة يذهب إلى أن أمطر في العذاب, ومطر في الرحمة, وكذلك هو في كتاب الله عز سلطانه؛ كقوله: {هذا عارض ممطرنا} , ونحوه من الآيات. وأصل البلد الأثر من الجرح وغيره. قال الشاعر, وهذا البيت يروى مرةً لمالك بن نويرة ومرة لأخيه متمم, وقد رواه بعضهم لأبي ذؤيب: [الكامل]
أفنين عادًا ثم آل محرقٍ ... فتركنهم بلدًا وما قد جمعوا
أي: أثرًا, وقولهم: هذا بلد كذا يعنون المدينة والإقليم, وإنما يراد به أنه أثر باقٍ من قوم ذاهبين.












مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید