المنشورات
لقد حازني وجد بمن حازه بعد ... فياليتني بعد وياليته وجد
وهي من أول الطويل على رأي الخيل, ومن الخامس من ضروب السحل الأل على رأي غيره.
قوله (53/ب):
أسر بتجديد الهوى ذكر ما مضى ... وإن كان لا يبقى له الحجر الصلد
قوله: ذكر ما مضى: ينتصب على أحد وجهين: أجودهما أن يكون مفعولًا بتجديد الهوى إياه, والآخر أن يكون مفعولًا له, كأنه قال: أسر بتجديد الهوى لذكر ما مضى؛ أي: لذكري إياه, ويجوز أن يكون نصبًا على المصدر.
وقوله:
سهاد أتانا منك في العين عندنا ... رقاد وقلام رعى سربكم ورد
القلام: ضرب من الحمض, وبعض الناس يقول: هل القاقى, وأنشد أبو عمرو الشيباني: [الطويل]
أتوني بقلامٍ فقالوا تعشه ... وهل يأكل القلام إلا الأباعر
والسرب: المال الراعي, والورد هذا المشموم, يقال: إنه ليس بعربي في الأصل إلا أنهم قد تكلموا به قديمًا, وهو مفقود في شعر الجاهلية, وقد جاء في الشعر الإسلامي, قال الشاعر: [الطويل]
أرى عهدها كالورد ليس بدائمٍ ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
وعهدي بها كالآس حسنًا وبهجةً ... له نضرة تبقى إذا ما انقضى الورد
وقد استعملت العرب الورد في مواضع, ولا يريدون به المشموم, فقالوا: أسد ورد, وكأنهم يريدون أن لونه إلى الحمرة قال زهير: [الكامل]
ولأنت أشجع حين تنجه الـ ... أبطال من ليثٍ أبي أجر
وردٍ عريض الساعدين حديـ ... د الناب بين ضراغمٍ غثر
ويروى: ضراغمٍ غبر. والغثرة: حمرة كدرة, والأغثر: الأحمق. وقالوا: عنبر ورد, قال الأعشى: [البسيط]
إذا تقوم يضوغ المسك أصورةً ... والعنبر الورد من أردانها شمل
واستعملوا الورد في صفة الدم, قال الشاعر: [الطويل]
فلو أن أشياخًا ببدرٍ شهوده ... لبل نحور القوم معتبط ورد
وقالوا: فرس ورد, وهو الذي بين الشقرة والمغرة, وقال سحيم: [الطويل]
فلو كنت وردًا لونه لعشقنني ... ولكن ربي شانني بسواديا
أراد لو كنت إنسانًا وردًا لونه لعشقنني, فيرفع لونًا بمعنى الفعل الذي في وردٍ. ومنهم من ينشد: وردًا لونه, فيجعله الورد المشموم, وينصب لونه على البدل.
وقوله:
ممثلة حتى كأن لم تفارقي ... وحتى كأن اليأس من وصلك الوعد
ممثلة, أي: أنت ممثلة كأنك ما فارقتني, وكأن يأسي منك ومن لقائك وعد يطمعني في الوصل.
وقوله:
إذا غدرت حسناء أوفت بعدها ... ومن عهدها ألا يدوم لها عهد
كأنه قد جعل الحسناء لها عهد متقدم بالغدر, فإذا غدرت فهو وفاء منها بالعهد القديم.
وقوله:
وإن عشقت كانت أشد صبابةً ... وإن فركت فاذهب فما فركها قصد
ادعى على الحسناء أن صبابتها تكون أشد من صبابة الرجل, والصبابة: رقة الشوق والهوى, والفرك: بغض المرأة الرجل؛ يقال: فركته فهي فارك, وقال قوم: الفرك: اسم, والفرك مصدر, وقيل: بل الفرك الاسم, والفرك المصدر, والأول أشبه, وقد جاء الفرك مستعملًا في الرجال, ولكنه شاذ, وأنشدوا قول الراجز: [الرجز]
إن العجوز فارك ضجيعها ... تنهل من غير أسىً دموعها
فهذا ينشد على الفرك من البغض, ويجوز أن يكون فارك ها هنا من قولهم: قال فلان كذا, ثم فرك؛ أي: لم يثبت على ما قال, كأن الضجيع لا يدوم للعجوز على ما كان عقد. فأما بغض الرجل المرأة فهو الصلف, يقال: صلفت المرأة؛ إذا لم تخظ عند زوجها, فهي صلفة وقد صلفها هو, قال الشاعر: [الوافر]
وقد خبرت أنك تفركيني ... وأصلفك الغداة ولا أبالي
وقوله: فما فركها قصد؛ أي: أنها لا تقصد في الأمور؛ أي: لا تفعل فعلًا متوسطًا مأخوذًا من الاقتصاد؛ من قولهم: رجل قصد؛ أي ليس بالطويل ولا القصير, والمعنى أن فركها متجاوز فيه حد القصدو وهذا يشبه قوله: كانت أشد صبابة, ولا يحسن أن يكون القصد هاهنا مرادًا به التعمد؛ لأنها لا (54/أ) تفرك إلا وهي عامدة لما تفعل, ويدلك على أنه أراد الاقتصاد قوله: فاذهب؛ أي: ليقع منها اليأس.
وقوله:
سقى ابن علي كل مزنٍ سقتكم ... مكافأةً يغدو إليها كما تغدو
المزن: جمع مزنةٍ, وهي السحابة البيضاء, ويجوز أن يقال: سقتكم المزن, وسقاكم, فيؤنث الفعل تارةً ويذكر أخرى, كما جاز ذلك في النخل, وما كان مثله مما بينه وبين واحده الهاء.
دعا للمزن أن يسقيها جود الممدوح, وهو ابن علي, ليكون ذلك كالمكافأة لها على سقياها إياكم, ولعله ما سبق إلى هذا المعنى.
وقوله:
بمن تشخص الأبصار يوم ركوبه ... ويخرق من زخمٍ على الرجل البرد
الباء في قوله: بمن: متعلقة بقوله لتروى, وفي تروى ضمير يرجع على البلاد؛ أي: لتروى بلاد حللتها بسقيا من تشخص الأبصار إذا ركب؛ لأنها ترى منه ما لم تجر العادة بمثله.
وقوله:
وتلقي وما تدري البنان سلاحها ... لكثرة إيماء إليه إذا يبدو
أنث البنان, وتذكيره جائز؛ لأنه من باب المزن والنخل, جمع ليس بينه وبين الواحد إلا الهاء. وهذا الشعر يروى لنائلة بنة الفرافصة الكلبية التي تزوجها عثمان بن عفان.
ومحمد بن حبيبٍ يقول: الفرافصة, بفتح الفاء.
ألا إن خير الناس بعد ثلاثةٍ ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي ... وقد قبضت عني بنان أبي عمرو
وقوله:
ضروب لهام الضاربي الهام في الوغى ... خفيف إذا ما أثقل الفرس اللبد
الضاربي الهام: يجوز منه الخفض, وهو الوجه, والنصب على تقدير حذف النون لطول الاسم, وإذا قيل: هذا الضارب الرجل فالوجه النصب, ويجوز الخفض تشبيهًا بقولهم: مررت بالحسن الوجه, فإذا لم يكن في الاسم الثاني ألف ولام لم يحسن الخفض عند أهل البصرة, ولا يجيزون: هذا الضارب زيدٍ. وكان الفراء يجيزه على تأول حذف الألف واللام, كأنه قال: هذا ضارب زيدٍ.
فإذا ثنى البصريون أو جمعوا جمعًا على حد التثنية وفيه الألف واللام وجاؤوا بعد باسم علمٍ مثل زيدٍ وعمروٍ, أو اسمٍ فيه علامة التعريف مثل الرجل والغلام, ساووا بين الحيزين في إجازة الخفض فيقولون: هذان الضاربا زيدٍ والضاربو أخيك, كما يقولون: هذان الضاربا الرجل, والداخلو الدار, ويجيزون حذف النون مع النصب فيقولون: هذان الضاربا عمرًا, كأنهم يعتقدون إثبات النون إلا أنهم حذفوها تخفيفًا. والعرب تصف نفوسها بالخفة على ظهور الخيل؛ لأن ذلك يدل على قلة البدن, وهم يفتخرون بالهزال والشحوب وقلة الأكل, قال الشاعر: [الطويل]
فقلت لها ليس الشحوب على الفتى ... بعارٍ ولا خير الرجال سمينها
وقال الأعشى:
ترى همه نظرًا خصره ... وهمك في الغزو لا في السمن
وإنما آثروا خفة الجسم لأنه إذا خف كان أسرع لانتقاله, وأجدر بتمكنه من الطعن وغيره مما يعانيه أصحاب الحرب.
وقوله:
وسيفي لأنت السيف لا ما تسله ... لضربٍ ومما السيف منه لك الغمد
وسيفي: أراد به معنى القسم, كأنه آلى بسيفه أن هذا الممدوح هو السيف لا الذي يسله للضرب. ومما السيف منه لك الغمد؛ أي: عليك درع أو جوشن, وهما يتخذان من الحديد كما أن السيف منه يطبع. وقد ذهب قوم إلى أن قوله: وسيفي: يريد به ويا سيفي لأنت السيف, فحذف حرف النداء, وهذا لا يمتنع, ولكن الأول أحسن. والقول في قوله: ورمحي, مثل القول في قوله: وسيفيه؛ أي: أنت يا ممدوح سيفي ورمحي, والقسم أجود.
وقوله:
ورمحي لأنت الرمح لا ما تبله ... نجيعًا ولولا القدح لم يثقب الزند
الزند: الذي يقدح به معروف, وهما زندان, فلأعلى مذكر, والأسفل مؤنث, يقال فيه: زندة؛ لأنهم جعلوهما كالرجل والمرأة. وأثقب الزند: إذا أخرج نارًا, ثم قيل لما يطرح على النار لكي تشتعل: ثقوب.
وقوله:
صيام بأبواب القباب جيادهم ... وأشخاصها في قلب خائفهم تعدو
(54/ب) يقال: فرس صائم, وخيل صيام؛ إذا كانت واقفةً لا تأكل ولا تشرب, ويقال: هو في مصامه؛ أي: في الموضع الذي يثبت فيه. قال امرؤ القيس: [الطويل]
كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل
وقال النابغة: [البسيط]
خيل صيام وخيل غير صائمةٍ ... تحت العجاج وأخرى تألك اللجما
يريد أنهم يقفون الخيل بأبواب قبابهم لتكون معدةً إن صاح صائح عجلوا إلى الركوب, قال الشاعر:
ولهم قباب لا تزال منيفةً ... سدوا بكل مطهمٍ أبوابها
ويقولون للخيل التي يفعل بها ذلك: المقربة؛ أي: أنهم يقربونها منهم, وذهب قوم إلى أنهم لا يقولون مقربةً إلا للإناث؛ لأنهم يدنونها من البيوت خشية أن ينزو عليها فحل غير كريمٍ, والأشبه أن يكون ذلك عامًا للذكور والإناث.
وقوله:
وأنفسهم مبذولة لوفودهم ... وأموالهم في دار من لم يفد وفد
الوفد: جمع وافد, مثل صاحبٍ وصحبٍ, وأكثر ما يستعمل ذلك في القوم الذين يفدون على الملك يطلبون عطاءه أو عفوه, وكثرت هذه الكلمة حتا قالوا: وفد عليه الشيء؛ إذا جاءه, ويقولون: فلان وافد بني فلانٍ؛ إذا كان المعتمد عليه في الوفادة على الملوك؛ لأنه يصلح شأنهم ويتنجز مآربهم, قال الأعشى:
رأت رجلًا غائب الوافد يـ ... ـمن منتشل النحض أعشى ضريرا
أراد أن الذين يفدون عنه قد غابوا, ويروى الوافدين على التثنية, ويزعمون أنه أراد عينيه؛ لأنه جعلهما تفدان على الملوك.
وقوله:
كأن عطيات الحسين عساكر ... ففيها العبدى والمطهمة الجرد
العساكر: جمع عسكرٍ, يقال ذلك لكل جماعةٍ, إلا أن أكثر ما يستعمل في الجموع المجتمعة للحرب. قال الراجز: [الرجز]
هل لك في أجرٍ عظيمٍ تؤجره
تعين صعلوكًا كثيرًا عسكره
قد حدث النفس بمصرٍ يحضره
أراد بعسكره عياله, ويقال: جاءت عساكر الليل عساكيره؛ أي: ظلامه, وقد عسكر الرجل إذا كان حوله عسكر, قال الراجز:
لما رأيت الليل في حريمه
معسكرًا في الغر من نجومه
والعبدى: جمع عبدٍ على غير قياسٍ, وقد حكي فيه المد والقصر. والمطهمة من الخيل: التي يحسن منها كل شيء على حدته.
وربما قيل: المطهم: الحسن الخلق, وقالوا: رجل مطهم, وهو من هذا الاشتقاق, قال النمر ابن تولب: [المتقارب]
فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به جعظرًا مطهما
الجعظر: الكثير العضل الغليظ, والمطهم: الحسن الخلق التامه.
وقوله:
أرى القمر ابن الشمس قد لبس العلى ... رويدك حتى يلبس الشعر الخد
العرب مجمعون على تأنيث الشمس, والمنجمون يزعمون أنها نجم ذكر, وجرت عادة الشعراء بأن يشبهوا المرأة بالشمس؛ لأنها مؤنثة في كلامهم, وقد شبهوا الملك بالشمس, قال النابغة: [الطويل]
بأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ولا شك أن أبا الطيب لم يرد بالشمس إلا أبا الممدوح, فأما تشبيههم السيد بالقمر فكثير, قال الفرزدق:
كم من أبٍ لي يا جرير كأنه ... قمر الدجنة أو سراج نهار
وحذفوا حرف التشبيه كما فعلوا ذلك في مواضع كثيرة, قال الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع
يقال: إنه أراد بالقمرين النبى صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام. والأشبه أن يكون الفرزدق أراد بالقمرين والنجوم الطوالع سادات قومه خاصةً ولم يذهب إلى ما تقدم ذكره؛ لأنه يفخر في هذه القصيدة على جرير, ولجرير في الفخر بالنبى صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام مثل ما للفرزدق, وكلاهما من تميم بن مر.
وقوله:
وغال فضول الدرع من جنباتها ... على بدنٍ قد القناة له قد
لم تزل الشعراء تصف السادة بالطول, قال الشاعر, ويروى لابن ميادة: [الطويل]
ترى سيفه لا ينصف الساق نعله ... أجل لا وإن كانت طوالًا حمائله
وقال بعض الأعراب: [المتقارب]
نشدتك بالله هل تعلميـ ... ـن أني طويل وأني حسن
وقال آخر وهو معتذر من قصره: [الطويل]
إذا كنت في القوم الطوال وصلتهم ... بعارفةٍ حتى يقال طويل
وقوله: غال فضول الدرع؛ أي: أنها قصرت عليه (55/أ) فكأنه غال فضولها؛ أي: أهلكها؛ لأنه لم يترك لها فضلًا, بل هي قصيرة عليه, وهذا ضد ما قال قيس بن عيزارة الهذلي لما أسره تأبط شرًا وأخذ درعه فلبسها, وكان تأبط شرًا قصيرًا فسحبها: [الطويل]
فلله بز جر شعل على الحصى ... ووقر بز ما هنالك ضائع
وشعل: لقب تأبط شرًا.
وقوله:
وشهوة عودٍ إن جود يمينه ... ثناء ثناء والجواد بها فرد
ثناء: لا ينصرف في المعرفة ولا في النكرة, وكذلك أخواةته من أحاد إلى عشار, وردد ثناء مرتين لأنه أشد للمبالغة وأدل على تتابع العطاء, وترك صرف الأول على ما يجب,وصرف الثاني على معنى الضرورة؛ لأنه لو لم يصرفه لصار في البيت زحاف يسمى القبض, وكان أبو الطيب يجتنبه, وقد استعمله الطائيان, كقول حبيب بن أوس: [الطويل]
كساك من الأنوار أبيض ناصع ... وأحمر ساطع وأصفر فاقع
وكقول الوليد بن عبيد: [الطويل]
تبعت الرجال أطلب المال عندهم ... فكيف يكون المال مطلبًا عندي
وقوله:
وعندي قباطي الهمام وماله ... وعندهم مما ظفرت به الجحد
القباطي: جمع قبطية, وقالوا: قبطية, بكسر القاف, وهي ثياب بيض, كأنها كانت تأتيهم من بلاد القبط, وهي مصر وما حولها, فنسبوها إليهم, وغيروا في النسب؛ كما قالوا: بصري في بصري, ودهري في الرجل الذي تقادم عليه الدهر؛ قال زهير: [البسيط]
ليأتينك مني منطق قذع ... باقٍ كما دنس القبطية الودك
وقوله:
يرومون شأوي في الكلام وإنما ... يحاكي الفتى فيما خلا المنطق القرد
يريد أنهم يرومون مجاراته في الكلام, وأن يكون شأوهم مثل شأوه؛ أي: سبقهم مثل سبقه, والشأو: السبق, ثم سمي الطلق شأوًا يريد أنهم مثل القرود, والقرد يتشبه بابن آدم في أفعاله, ولا يقدر على أن ينطق كما ينطق الرجل, فهؤلاء إن تشبهوةا بي في بعض الشيم فلن يستطيعوا على الإتيان بمثل ما أقول.
وقوله:
فهم في جموعٍ لا يراها ابن دأيةٍ ... وهم في ضجيجٍ لا يحس به الخلد
ابن دأيةٍ: الغراب, وهو معرفة في الأصل, مثل: ابن عرسٍ وابن آوى, وصرفه هاهنا للضرورة, وإنما سمي بذلك لأنه يقف على دأية البعير, وهي الضلع. وقيل: إن الفقاء دأيات, ولا يمتنع أن يقال لكل عظيم غليظ: دأية, قال طرفة: [الطويل]
كأن علوب النسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهر قردد
ويجوز أن يجعل ابن دأيةٍ هاهنا نكرةً فلا يكون في البيت ضرورة؛ لأن تنكيره ممكن إذا كان سائغًا أن يقال: وقع على الناقة ابن دأيةٍ, ثم جاء ابن دأيةٍ آخر. والخلد هذه: الفأرة المعروفة, وهو موصوف بجودة السمع, كما أن الغراب موصوف بحدة النظر. قال ابن ميادة: [الطويل]
ألا طرقتنا أم عمروٍ ودونها ... حراج من الظلماء يعشى غرابها
بالغ في صفة الظلماء لأنه جعل الغراب لا يبصر فيها.
وقوله:
ومني استفاد الناس كل غريبةٍ ... فجازوا بترك الذم إن لم يكن حمد
تم الكلام عند قوله كل غريبة, وهو إخبار عن أغيابٍ, ثم ترك ذلك الكلام وخرج إلى صفة قوم مخاطبين, كأنه قال: فيا أيها الناس جازوا بترك الذم إن لم تحمدوي إذا كنت أستحق منكم الحمد. والخروج من الإخبار عن الغائب إلى مخاطبة الشاهد, ومن مخاطبة الشاهد إلى الإخبار عن الغائب كثير جدًا, وبعضه أحسن من بعضٍ, ومن أشده ما أنشده أبو عبيدة: [الطويل]
وما جأبه عصماء تأوي بغفرها ... إلى الهضبات الشم من وطدان
بأنفع لي منها وإني لذاكر ... هوى منك أفنى مهجتي وبراني
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)