المنشورات

حسم الصلح ما اشتهته الأعادي ... وأذاعته ألسن الحساد

وهي من الخفيف الأول.
الأعادي يجب أن يكون جمع أعداءٍ؛ لأنهم قد جمعوا أفعالًا على أفاعيل, كما قالوا أقطاع من المال, وأقاطيع, قال النابغة: [البسيط]
عدت أقاطيع أنعامٍ مؤبلةٍ ... لدى صليبٍ على الزوراء منصوب
(61/أ) ويروى: لذي صليب, ويجوز أن يكون أصل أعادٍ أعادي بالتشديد فخففوا الياء كما خففوها في أماني وأواقي, إلا أنهم لم يستعملوا التشديد في ياء الأعادي.
وقوله:
وأرادته أنفس حال تدبيـ ... ـرك ما بينها وبين المراد
أصل التدبير: أن يقلب الشيء فينظر إلى ما أدبر منه, ثم كثرت هذه الكلمة حتى قالوا: دبر المملكة إذا ساسها وأحسن القيام عليها, ويحتمل أن يقال: جعل كالذي ينظر إلى أدبار الأمور فيها. والعبد المدبر من هذا اشتقاقه؛ لأنه ينظر إلى عاقبة أمره.
وقوله:
صار ما أوضع المخبون فيه ... من عتابٍ زيادةً في الوداد
يقال: وضع الدابة وخب وهما ضربان من السير, وأوضع الراكب وأخب: إذا حمل دابته على الوضع والخبب, وإنما يريدون بهذا اللفظ تصرف الشاة والساعين فيما يفعلون من الإطناب في القول؛ لأنهم يقولون: مشى فلان بين القوم بشر, وفي الكتاب العزيز: {همازٍ مشاءٍ بنميم}.
فلما أرادوا المبالغة قالوا: أخب وأوضع؛ لأن الخبب والوضع يقعان على ما هو أكثر من المشي, وقال ابن أبي ربيعة: [الطويل]
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن امرؤ باغٍ أكل وأوضعا
ويروى: أخب. فأما قول دريد بن الصمة: [مجزوء الرجز]
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
فإنه جعل الخبب والوضع لنفسه لما كان يستعمل لفرسه؛ لأنهم يخبرون عما جاور الشيء كما يخبرون عنه. وجعل أبو الطيب الإخباب بعد الإيضاع على سبيل المجاز, ولو أن الكلام منثور لحسن أن يقول: صار ما أخب الموضعون فيه؛ لأن الخبب أشد من الوضع, وأكثر ما يستعمل الوضع للبعير.
وقوله:
وكلام الوشاة ليس على الأحـ ... ـباب سلطانه على الأضداد
هذا البيت يحتمل وجهين:
أقواهما أن يكون سلطانه مرفوعًا بليس, وقوله على الأضداد متعلق بقوله: سلطانه؛ أي ليس سلطان كلام الوشاة الذي يتسلط على الأضداد واقعًا على الأحباب.
والآخر أن يكون الكلام قد تم عند قوله على الأحباب, ثم ابتدأ مخبرًا فقال: سلطانه؛ أي: سلطان الكلام على الأضداد, كما تقول: ليس شرك على صديقك إنما هو على عدوك.
وقوله:
أشمت الخلف بالشرة عداها ... وشفى رب فارسٍ من إياد
الشراة: هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب - عليه السلام - لما حكم, وقالوا: لا حكم إلا الله, فالمسلمون يجعلون الشراة جمع شارٍ من قولهم: شرى إذا لج, وكذلك شرى البرق: إذا دام لمعانه. قال الشاعر: [المتقارب]
أجدك للبرق لم تغتمض ... ينام فوقًا ويشري فواقًا
كانت الخوارج تقول: نحن الشراة لأنا شرينا الدنيا بالآخرة؛ أي: بعناها, وفيما نطق به المهلب في حرب الخوارج كلام معناه: أني أنتظر بهم أن يختلفوا, فلما اختلفوا تمكنت منهم أعداؤهم. ويعني برب فارسٍ كسرى؛ لأن إيادًا كانت قد غلبت على العراق فقصدهم إلى أن أجلاهم في البلاد, ولا يعلم أنه بقيت لهم بادية, وإنما هم أوزاع في الحضر.
وقوله:
وتولى بني البريدي بالبصـ ... ـرة حتى تمزقوا في البلاد
بنو البريدي: كان أبوهم يلي البريد, فخرجوا بالبصرة وتغلبوا عليها, وقد كان ندب لقتالهم بنو حمدان, وكان فيهم رجل يقال له أبو يوسف, وحكى أبو عبد الله بن خالويه رحمه الله أن أبا بكر بن الخياط النحوي صاحب ثعلبٍ كان سبب موته أنه أكل مضيرةً عند البريديين.
وقوله:
وملوكًا كأمس في القرب منا ... وكطسمٍ وأختها في البعاد
كانت طسم وجديس من العرب العاربة, وكانت طسم تستطيل على جديس, وكان لهم ملك إذا زفت العروس أدخلت عليه قبل أن تمضي إلى زوجها فزفت عروس في ليلة فكره أهلها أن تدخل على الملك فأوقع بهم, فاستنصرت جديس حسان الحميري, فكان ذلك سبب هلاك طسمٍ, وضرب بتلك الليلة المثل, قال الراجز: [الرجز]
يا ليلةً ما ليلة العروس ... يا طسم ما لا قيت من جديس
إحدى لياليك فهيسي هيسي ... لا تطمعي الليلة في التعريس
وقوله:
فيه أيديكما على الظفر الحلـ ... ـو وأيدي قومٍ على الأكباد
(61/ب) قد جرت العادة أن يقال للذي يشق عليه الأمر من حزنٍ أو حب: يده على كبده؛ أي: هي توجعه فهو يضع يده عليها؛ لأن من عادة من يشتكي عضوًا أن يضع يده عليه. ويقيمون الكبد في هذه المواضع مقام القلب, قال الشاعر: [الطويل]
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدًا ليست بذات قروح
وقالوا في صفة الأعداء: أكبادهم سود, قال الأعشى: [الوافر]
وما جشمت من إتيان أرضٍ ... بها الأعداء والأكباد سود
وقوله:
كيف لا يترك الطريق لسيلٍ ... ضيقٍ عن أتيه كل واد
الأتي: سيل يجيء من بلدٍ غير الذي القوم فيه, وهو في معنى آتٍ, كما يقال: عالم وعليم, وماجد ومجيد, ويقال للغريب: أتي وأتاوي, قال الراجز: [الرجز]
يصبحن بالقفر أتاويات ... معترضاتٍ غير عرضيات











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید