المنشورات

عيد بأية حالٍ عدت يا عيد ... بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد

وهي من البسيط الثاني.
عيد: مرفوع؛ لأنه خبر ابتداء محذوف, كأنه جاءه فأنكر مجيئه, فقال له: أنت عيد,كما تقول للرجل إذا لقيته: فلان؛ أي: أنت فلان, ويدل على أنه أنكر لقاءه قوله: بأية حالٍ عدت. وقوله: بما مضى: يجب أن تكون الباء متعلقة بقوله: عدت, ودخلت أم هاهنا لأن في أول الكلام استفهامًا. ويحتمل أن يكون أراد ألف الاستفهام في قوله: بما مضى, كأنه قال: أبما مضى عدت أم لأمر لا نعلمه جددت؟ وقد رويت باللام مكان الباء في قوله: بما مضى, ومنهم من يروي: لأية حالٍ باللام أيضًا. واللام فيما أراه أحسن من الباء.
وقوله:
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها ... وجناء حرف ولا جرداء قيدود
قيدود: من صفات الإناث, وهي الطويلة على وجه الأرض, كأنها قيدت. وأصلها من ذوات الواو, ويرون أنها قيدود, بالتشديد, فخففت الياء, كما قالوا: كينونة, والأصل كينونة.
وقوله:
أصخرة أنا مالي ما تغيرني ... هذي المدام ولا هذي الأغاريد
الأغاريد: جمع يجب أن يكون واحده أغرودةً, كما قالوا: أسجوعة وأساجيع, وأعجوبة وأعاجيب, وقالوا في الفعل: غرد يغرد, وهو تحسين الصوت ورفعه.
وقوله:
ما يقبض الموت نفسًا من نفوسهم ... إلا وفي يده من نتنها عود
هذا البيت يحتمل وجهين:
أحسنهما: أن يكون العود مرادًا به الذي يتبخر به؛ لأنه يدفع ما يكره من رائحة الميت بإيقاد العود.
والآخر: أن يكون أراد عودًا من العيدان؛ لأن من عادة الإنسان إذا كره أن يمس شيئًا استعان على قلبه ونقله بعودٍ من عيدان الشجر. وقولهم للذي يتبخر به عود: اسم يراد به التفضيل على غيره من العيدان, كما يقال: فلان رجل؛ أي: لأه فضل على غيره من الرجال, وكأنهم دلوا بقولهم عود على أنهم يريدون الطيب, وأن يفضلوه على غيره من العيدان, وقد استعملوا ذلك قديمًا, قال كثير: [الكامل]
ووضعن فوق مجامرٍ أدخلنها ... بين المجاسد والمفارش عودا
وقوله:
نامت نواظير مصرٍ عن ثعالبها ... فقد بشمن وما تفنى العناقيد
يقال: إن النواظير كلمة نبطية, وأنهم أرادوا النواظير؛ أي: الذين ينظرون الكروم وغيرها على سبيل الحفظ. ومن شأن النبط أن تنقل الظاء إلى الطاء في بعض المواضع. والبشم أن يثقل الطعام على الإنسان ويكره الزيادة منه. قال الراجز:
يظل يمشي بينها مثل الصنم ... يشكو إلى جاراته طول البشم
والعناقيد: جمع عنقود وعنقادٍ, قال رؤبة: [الرجز]
إذ لمتي سوداء كالعنقاد ... كلمةٍ كانت على مصاد
يقول: إن النواطير قد نامت عن مصر فأكلت الثعالب من أعنابها حتى بشمت, وعناقيدها ليست بالفانية. وإنما ضرب المثل بالنواطير, وهو يريد السادة الذين يجب عليهم أن يحفظوها, وأراد بالثعالب الذين يأخذون نعمها ومالها, وجعل العناقيد كنايةً عما يصيبونه من الخير.
وحكى الأصمعي أنه سمع عقبة بن رؤبة بن العجاج يقول: أما ترى النجم كأنه عنقود ملاحي, يعني بالنجم الثريا.
وقوله:
العبد ليس لحر صالحٍ بأخٍ ... لو أنه في ثياب الحر مولود
لو أن هذا الكلام منثور لكان الأحسن أن يقول: ولو أنه, بالواو, كما يقال: لا تركن إلى عبدٍ ولو أنك قد (62/أ) وليت تربيته, وحذف الواو للضرورة وإقامة الوزن.
وقوله:
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا ... وأن مثل أبي البيضاء موجود
يقولون للأسود: أبو البيضاء, على سبيل التفؤل, كأنهم يريدون أنه يولد له بنت بيضاء, أو أن نفسه مبيضة وإن كان جلده أسود, ولا يمتنع أن يكونوا قالوا ذلك على معنى الهزء والعكس, وقالوا للأبيض: أبو الجون. والجون من الأضداد يقع على البياض والسواد, فعكسوا كنية الأبيض والأسود, كما قالوا للغراب: أعور.
وقوله:
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره ... تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
إذا وصفوا الإنسانا باللؤم ونسبوه إلى العبودية جعلوه شفته مشفرًا, قال الراجز: [الرجز]
قد كنت حذرتك لقط العصفر ... بالليل حتى تصبحي وتبصري
فإذا فعلت ما فعلت فاصبري ... إني زعيم لك أن تزحري
بواسع الجبهة عبل المشفر
والعضاريط: الأتباع, واحدهم عضروط, وحكى صاحب كتاب التقفية في باب الميم أنه يقال عضروم في معنى عضروطٍ, وإنما أخذ العضروط من العضرط وهو عظم الدبر قال الشاعر:
لا أعرفن ربربًا حورًا مدامعها ... كأنهن نعاج حول دوار
خلف العضاريط من عوذى ومن عمم ... مردفاتٍ على أحناء أكوار
وقوله:
إن امرأً أمة حبلى تدبره ... لمستضام سخين العين مفؤود
قولهم: سخين العين: أي يجب له أن يحزن فيبكي بدمع حارٍ فتسخن عينه, وقد جرت العادة أن يقولوا للمتخلف: هو سخين العين, وإن كان في سرورٍ ونعمة؛ أي: يحق له أن يبكي. والمفؤود: الذي قد أصيب فؤاده, كما يقال: مقلوب, إذا أصيب قلبه, وربما قالوا: المفؤود: الذاهب القلب. وقالوا للسفود: مفأد؛ لأنهم يدخلونه في فؤاد المشوي.
وقوله:
ويلمها خطةً ويلم قابلها ... لمثلها خلق المهرية القود
ويلم: من شواذ الكلام, وهي عندهم وي التي تستعمل للتعجب, ثم جاؤوا باللام الخافضة, فمنهم من يضمها لإسقاط الهمزة من أم, كأنه نقل الضمة إلى اللام, ومنهم من يجعلها مكسورةً على أصل ما يجب في لام الخفض, وبعض العرب يكسر همزة أم إذا وقع قبلها حرف مكسور أو ياء.
وقد قرأ الكوفيون: {فلامه السدس} , وحذفوا الهمزة من الأم لكثرة الاستعمال في هذا الموضع, وقد حذفوها في غيره, كما يتفق أن يحذفوا همزات القطع. قال حاتم: [الطويل]
أبوهم أبي والأمهات امهاتنا ... فأنعم فداك اليوم أهلي ومعشري
ونصب خطةً على التمييز, كأنه قال: ويلمها من خطةٍ, وهو متعجب منها ومن صعوبتها, وعجب من نفسه إذا تقبلها. وزعم أن المهرية القود إنما خلقت لمثل هذه الخطة, كيما ينجو عليها من بلي بها.
وقوله: المهرية منسوبة إلى مهرة بن حيدان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة, وهم يوصفون بجودة الإبل.
وقوله:
وعندها لذ طعم الموت شاربه ... إن المنية عند الذل قنديد
يذكرون أن القنديد شراب من عنبٍ يطبخ وتطرح فيه أفاويه. فأما القند فمعروف؛ لأنه ضرب من السكر, يقال: قندت السويق, فهو مقنود وقندته, قال الشاعر: [الطويل]
أهاجتك أظعان تحملن غدوةً ... بكرمان يصبحن السويق المقندا
واشتقاق القنديد من القند فيما يوجبه القياس.
وقوله:
وذالك أن الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السود
الخصية: جمع خصي, وهو فعيل معدول عن مفعولٍ, ولم تجر العادة أن يجمع مثله على فعلةٍ, إنما يقولون: صبي وصبية, وعلي وعلية, إلا أن ذلك لما كثر صار كالاسم الذي ليس بمعدولٍ عن مفعولٍ, فجمعوه على هذا اللفظ, ومما يشبهه قولهم: وليد وولدة؛ لأن الوليد في معنى المولود, فلما كثر استعمالهم له صار كالأسماء غير المعدولة. والفحل يقع على الذكور كلها من الإنس وغيرهم, قال الشاعر: [الطويل]
ونحن بنو الفحل الذي سال بوله ... بكل بلادٍ لا يبول بها فحل
يعني ببوله ولده. وقال قوم: لا يقال في ذكر النخل فحل, وإنما يقال: فحال, وهذا يحمل على الأكثر من كلامهم. وقد جاء فحل في النخل, قال الراجز: [الرجز]
تأبري يا خيرة الفسيل ... تأبري من حنذٍ فشولي
إذ ضن أهل النخل بالفحول
حنذ: موضع قريب من المدينة, فهذا يدل على أنهم قد استعملوا الفحل في النخل.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید