المنشورات
نسيت وما أنسى عتابًا على الصد ... ولا خفرًا زادت به حمرة الخد
وهي من الطويل الأول.
وقوله:
ولا ليلةً قصرتها بقصورةٍ ... أطالت يدي في جيدها صحبة العقد
القصورة: التي تقصر في خدرها؛ أي: تحبس, وهي القصيرة أيضًا, عدلت عن مقصورة, وفي الكتاب العزيز: {مقصورات في الخيام}؛ أي: هن لها لوازم. وجميع القصورة والقصيرة قصائر, قال كثير: [الطويل]
وأنت التي حببت كل قصيرةٍ ... إلي وما تدري بذاك القصائر
أردت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطى شر النساء البهاتر
ويروى: قصار القنا.
وقوله: (66/ب)
تمن يلذ المستهام بمثله ... وإن كان لا يغني فتيلًا ولا يجدي
قوله: تمن: أي هذا القول الذي أقوله تمن, والأماني, لا تجدي شيئًا, والفتيل: قشرة رقيقة تكون في بطن النواة, يضربون به المثل في قلة الشيء, ويستعملونه في النفي دون غيره, فيقولون: ما رزأه فتيلًا, قال النابغة: [الخفيف]
يجمع الجيش ذا الألوف فيغزو ... ثم لا يرزأ العدو فتيلا
وقوله:
فإما تريني لا أقيم ببلدةٍ ... فآفة غمدي في دلوقي من حدي
يقال: سيف دالق إذا خرج من غمده؛ لأن حده يشق الغمد, ويقال: طعن الحمار الوحشي أو الرجل فاندلق ما في بطنه؛ أي: خرج؛ يعنون الأمعاء, وكان عمارة بن زيادٍ العبسي يسمى دالقًا غاراته, شبه بالسيف الدالق, قال الفرزدق: [الطويل]
وهن بشرحافٍ تداركن دالقًا ... عمارة عبسٍ بعدما جنح العصر
وشرحاف الضبي هو الذي قتل عمارة.
وقوله:
يمر من السم الوحي بعاجزٍ ... ويعبر من أفواههن على درد
الدرد: جمع أدرد ودرداء. والدرد: ذهاب الأسنان, وهو الدرم أيضًا, والماضي درد, وربيعة تقول: درد كما تقول علم, قال الراجز: [الرجز]
من يشتري شيخًا بدرهمين ... قد انحنى ودرد مرتين
ويقال: إن مزردًا أخا الشماخ سمي مزردًا بقوله: [الطويل]
فقلت تزردها فإني مثلها ... لدرد الموالي في السنين مزرد
والوحي: السريع الإماتة, والمصدر منه: الوحى والوحاء, بالقصر والمد, ويقال للسرعة: وحى, وزعم بعضهم أن النار يقال لها وحًى لسرعة إحراقها, وكذلك يقولون للملك: وحًى؛ لأنه يمتثل أمره سريعًا.
وقوله:
كفانا الربيع العيس من بركاته ... فجاءته لم تسمع حداءً سوى الرعد
يقول: إن هذا الممدوح له بركات عظيمة, فلما سرنا إليه في الربيع كثرت الرعود فأغنتنا عن حداء الإبل؛ وهذا معنًى لم يعلم أنه سبق إليه, كأن الرعد يكون من خلفها, فيحثها على السير, فهو لها كالحادي.
وقوله:
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه ... كرعن بسبتٍ في إناء من الورد
استحين: في معنى استحيين. يقول: هذه الإبل غنية عن الورد, وهن يعبرن بالمياه كثيرًا. فالماء كالذي يعرض نفسه عليها فتستحيي منه ألا تشرب, فتكرع فيه. وأصل الكروع في الماشية التي تدخل في الماء حتى تغيب فيه أكرعها, ثم كثر ذلك حتى قيل: كرع الشارب في القدح في معنى شرب, قال النابغة: [الطويل]
وتسقى إذا ما شئت غير مصردٍ ... بزوراء في أكنافها المسك كارع
أي أن فيها مسكًا فكأنه قد كرع, وقالوا للنخل التي تسقى بالماء: مكرعات. ويجوز أن يقال للنخل التي تشرب بعروقها: مكرعات. وإنما استعاروا لها الأكارع من ذوات الظلف, قال امرؤ القيس: [الطويل]
أو المكرعات من سفين ابن يامنٍ ... دوين الصفا اللائي يلين المشقرا
وقال النابغة: [الطويل]
من الواردات الماء بالقاع تستقي ... بأعجازها قبل استقاء الحآجر
وقالوا للماء الذي يجتمع من السماء فترده الوحش وغيرها: كرع, وأصل ذلك أنها تخوضه فيبلغ أكارعها, قال الهذلي: [الكامل]
فشرعن في جنبات عذبٍ باردٍ ... حصب البطاح تغيب فيه الأكرع
يقول: كرعت هذه الإبل بسبتٍ؛ لأن مشافرها تشبه بالسبت, والسبت: نعال تدبغ بالقرظ. قال بعضهم: هي نعال يحلق الشعر عنها, وإنما أخذت من سبت رأسه إذا حلقه, قال رؤبة في صفة الإبل: [الرجز]
ينفضن أنقى من نعال السبت
وقوله: في إناء من الورد, يريد أن الماء قد اجتمع في موضع منخفضٍ وقد نبت الزهر حوله, وكل زهر يسمى وردًا على الاستعارة؛ فكأن ذلك الموضع إناء من وردٍ؛ لأن الماء قد غطى ما ليس فيه ورد منه, فقد صار كالماء في القدح, وما حوله من الزهر كفضلة الإناء التي ليس فيها ماء.
وقوله:
كأنا أرادت شكرنا الأرض عنده ... فلم يخلنا جو هبطناه من رفد
(67/أ) يقول: كأن الأرض أرادت أن نشكرها عند هذا الممدوح, فأعانتنا على السفر بالنبات والماء, فلم يخلنا جو؛ أي: وادٍ من رفدٍ؛ أي: عطاءٍ.
وقوله:
لنا مذهب العباد في ترك غيره ... وإتيانه نبغي الرغائب بالزهد
يقول: العباد يتركون ما في الدنيا من اللذات رغبةً فيما هو أعظم منه, وذلك ما يرجون من ثواب الآخرة, فنحن في قصد هذا الممدوح لنا مذهب العباد؛ لأنا قد زهدنا في غيره من الملوك, وإنما زهدنا فيهم لكثرة ما نرجو عنده من الرغائب التي لا نجدها لديهم, وهذا من اللفظ الذي ظاهره عموم ومعناه خصوص.
وقوله:
تعرض للزوار أعناق خيله ... تعرض وحشٍ خائفاتٍ من الطرد
يقول: أعناق خيله تعرض للزوار تعرض وحشٍ يخاف أن تطرد, كأنه ادعى لها أنها تفرق من أن يهبها؛ لأن كونها في ملكه أشرف لها من أن تكون في ملك غيره, وهذا نحو من قوله في الأخرى: [المنسرح]
من كل موهوبةٍ مولولةٍ ... قاطعةٍ زيرها ومثناها
وقوله:
وتلقى نواصيها المنايا مشيحةً ... ورود قطًا صم تشايحن في ورد
المشيح: يذكر في الأضداد, فيقولون: المشيح: الحذر, ويقال: الجاد في الأمر.
ومشيحةً في هذا البيت: يحتمل الوجهين, إلا أن الجد أغلب عليها من الحذر.
وتشايحن: أي: تجاهدن, يقال: شايح الرجل شياحًا؛ إذا كان يباري غيره في الجد, قال الراجز: [الرجز]
إذا سمعن الرز من رباح ... شايحن منه أيما شياح
ويقال رجل شيح؛ أي جاد مجتهد, قال أبو ذؤيب: [الطويل]
سبقتهم ثم اعتنقت أمامهم ... وشايحت قبل اليوم إنك شيح
وادعى قوم أن القطا صم, وأنشدوا قول الراجز: [الرجز]
ردي ردي ورد قطاةٍ صماء ... كدريةٍ أعجبها برد الماء
وقال قوم: إنما أراد أنها جادة في الطيران, فكأنها لا تسمع, أو أنها إذا سمعت صوتًا لم يشغلها عما هي فيه, فكأنها صمت عنه, ومثل هذا المعنى يستعمل في الناس, فيقال: هو أصم عن العذل وعن العتاب؛ أي: هو لا يقبله, فكأنه لم يطرق سمعه.
وقوله:
إذا الشرفاء البيض متو بقتوه ... أتى نسب أعلى من الأب والجد
القتو: الخدمة, يقال: قتاه يقتوه إذا خدمه, قال الشاعر: [المنسرح]
إني امرؤ من بني فزارة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا
ومنه قيل: رجل مقتوي للذي يخدم بطعام بطنه, قال الشاعر: [مجزوء الكامل]
من مبلغ عصمًا بأنـ ... ـي عن فتاحتكم غني
لا خالتي أمة ولا ... خالي لخالك مقتوي
وقال عمرو بن كلثوم: [الوافر]
تهددنا وأوعدنا رويدًا ... متى كنا لأمك مقتوينا
جمع مقتويًا على حذف ياء النسب, كما يقولون في جمع أشعري: أشعرون, قال الشاعر: [الطويل]
أنت امرؤ في الأشعرين مقابل ... وفي الركن والبطحاء أنت غريب
وقوله:
فتى فاتت العدوى من الناس عينه ... فما أرمدت أجفانه كثرة الرمد
أصل الفتى أن يستعمل للشباب, ثم كثر من الكلام حتى صاروا يصفون الكهل والشيخ بذلك؛ أي أنه يفعل أفعال الفتيان الذين يرغبون في الذكر الحسن, فيجودون بالمال, ويتسرعون إلى الحرب, قال كثير: [البسيط]
يا عز هل لك في شيخٍ فتًى أبدًا ... وقد يكون شباب غير فتيان
فأما قول طرفة: [الطويل]
إذا القوم قالوا من فتًى خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
فإنه كلام محمول على الحذف, كأنه قال: من فتًى يفعل كذا؛ أي: يقدم في حربٍ أو يبذل مالًا في مكرمةٍ, وهو نحو قول الآخر: [البسيط]
لو كان في الألف منا واحد فدعوا ... من فارس خالهم إياه يعنونا
والعدوى أن ينتقل الداء ممن هو فيه إلى من قاربه أو لاصقه, وهو غير منتقل عن الأول؛ وذلك من قولهم: عداه يعدوه إذا جاوزه, ويزعمون أن الجرب والرمد والثؤباء من المعديات, وقالوا في المثل: «هو أعدى من الثؤباء» وإنما ضرب الرمد هاهنا مثلًا لما في الناس من العيوب (67/ب)؛ أي أن فيهم البخلاء والجبناء ومن هو قليل اللب فما أعدوه بما فيهم من الأشياء المذمومة.
وقوله:
إذا ارتقبوا صبحًا رأوا قبل ضوئه ... كتائب لا يردي الصباح كما تردي
يقول: إذا ارتقب أعداؤه صبحًا, وإنما يرتقبونه؛ لأن الغارة تكون في الصباح فيقال:
صبحناهم غارة, فكأن خيل هذا المعني تجيئهم قبل الوقت الذي يخافون مجيئها فيه. وفرق بينها وبين الصبح بالرديان, كأنه يذهب إلى أنها أسرع انتشارًا منه.
وقوله:
ومبثوثةً لا تتقى بطليعةٍ ... ولا يحتمى منها بغورٍ ولا نجد
ومبثوثةً: أي: قد بثها صاحب الجيش, والمراد خيل لا تتقى بطليعة؛ أي: شأنها عظيم, فلا يبعث الأعداء إليها طليعةً, إذ كانوا عالمين بأنها الغالبة, ولا يحتمى منها بأرض مرتفعةٍ ولا منخفضة.
وقوله:
يغضن إذا ما عدن في متفاقدٍ ... من الكثر غانٍ بالعبيد عن الحشد
يقول: صاحب الخيل يبث خيلًا لتأخذ له أخبار العدو, فإذا عدن غصن في جيش بحرٍ؛ أي: غبن فيه, من غاضب الماء في الأرض إذا ذهب فيها, ووصف الجيش بمتفاقدٍ؛ لأنه كثير العدة, ومثل هذه الصفة يتردد في الأشعار, ومنه قول الأفوة في صفة الجيش: [الرمل]
زجل الأصوات حتى ما به ... ليس شتى حزق القوم شعار
ويروى: خرق القوم, ويعني بالشعار قول القائل: يال فلانٍ فينتسبون إلى أبيهم ليعرف بعضهم بعضًا, وربما تواصوا بلفظ يقولونه ليتعارفوا بذلك, ومن هذا النحو قولهم: جمع تضل فيه البلقاء, قال عبيد الله بن قيس الرقيات: [الوافر]
تضل العاند البلقاء فيه ... ويخطئ رحل صاحبه الزميل
فزعم الأفوه أنهم يجتمع بعضهم إلى بعضٍ خشية أن يفترقوا فيضلوا. والخرق الجماعات من الناس ومن روى: شتى خرق القوم, أراد الرايات. وقوله: غانٍ بالعبيد أي الجيش قد استغنى بعبيد قائده عن أن يحشد له أخلاط الناس.
وقوله:
حثت كل أرضٍ تربةً في غباره ... فهن عليه كالطرائق في البرد
يقول: هذا الجيش إذا مر بأرض حثت في غباره حثوةً, ففيه تراب أحمر وأسود وأغبر, فكأنهن الطرائق في البرد الموشي.
وقوله:
أأحزم ذي لب وأكرم ذي يدٍ ... وأشجع ذي قلبٍ وأرحم ذي كبد
يقال: رجل حازم وحزيم كما يقال: عالم وعليم. والحازم: الذي يجمع من أمره ما تشتت بحسن الرأي, ومن أمثالهم: «قد أحزم أو أعزم»؛ أي: أني أعرف كيف ينبغي أن تكون الأشياء, غير أني لا أقطع بالعزيمة. وإنما قيل للرجل: حازم من قولهم: حزم المتاع: إذا جمع أشتاته, يراد أنه يفعل ما يؤدي إلى السلامة والحفظ, ونسب الرحمة إلى الكبد لأن المتقدمين يذكرون ذلك, قال الشاعر: [البسيط]
إني لعمرك لا أقضي الغريم وإن ... طال المطال ومارقت له كبدي
إلاعصا أرزنٍ طارت برايتها ... تنوء ضربتها بالكف والعضد
وقالت امرأة من العرب: [الكامل]
لما رأوهم لم يحسوا مدركًا ... وضعوا أناملهم على الأكباد
أي: إنهم رقوا لفقد هذا المنعي, فوجدوا المضض في أكبادهم, فوضعوا عليها الأيدي, ويقال: كبد وكبد, وبعضهم يقول: كبد, فيفتح الكاف, ويسكن الباء, ويجب أن يكون ذلك على اللغة الربعية.
وقوله:
وأحسن معتم جلوسًا وركبةً ... على المنبر العالي أو الفرس النهد
الركبة: الهيأة التي يكون عليها الراكب. والركبة: المصدر, وهذا شيء كالمطرد يكسرون أول الهيئآت, ويفتحون أوائل المصادر, فيقولون: جلس جلسةً واحدة, وما أحسن جلسته, ومثل ذلك كثير متردد, والفرس: يقع على الذكر والأنثى, ومن الكلام المروي عن العرب:
خير المال فرس في بطنها فرس يتبعها فرس. والنهد: العالي الضخم, وهو من قولهم: نهد لكذا؛ أي: نهض له.
وقوله:
وقد كنت أدركت المنى غير أنني ... يعيرني أهلي بإدراكها وحدي
(68/أ) أصحاب النقل يختارون عيرته كذا بغير باء, وتوجد في كتبهم ومصنفاتهم الباء كثيرةً في هذا الموضع. فأما الشعر القديم فقلما يوجد فيه عيرته بكذا. قال المتلمس: [الطويل]
يعيرني أمي رجال ولن ترى ... أخا كرمٍ إلا بأن يتكرما
وقال آخر: [الطويل]
أعيرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار يابن ريطة ظاهر
وأنشد ابن الأعرابي في دخول البناء: [الرجز]
بالموت ما عيرت يالميس
وقد مضى هذا البيت.
وقوله:
وكل شريكٍ في السرور بمصحبي ... يرى بعده من لا يرى مثله بعدي
الهاء في قوله: يرى بعده عائدة على المصحب, وقد يجوز أن تكون عائدة على شريك.
والهاء في مثله: عائدة على الشريك.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)