المنشورات
أمساور أم قرن شمسٍ هذا ... أم ليث غابٍ يقدم الأستاذا
وهي من الكامل الثاني.
قوله:
شم ما انتضيت فقد تركت ذبابه ... قطعًا وقد ترك العباد جذاذا
شم: في معنى انتض السيف, وقد يستعمل في معنى أغمد, وهو هاهنا في معنى الإغماد, وينشد بيت يقال إنه لجرير: [الطويل]
إذا هي شيمت فالقوائم تحتها ... وإن لم تشم يومًا علتها القوائم
فشيمت هاهنا: في معنى سلت. وقال الفرزدق في أن الشيم الإغماد: [الطويل]
بأيدي رجالٍ لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلت
يقول: قد حطمت سيفك مما تضرب به الأعداء, فذبابه قطع, وقد ترك أعداءك جذاذا؛ أي: قطعهم, ومنه قوله تعالى: {فجعلهم جذاذا} قرئ بالضم والكسر. وقوله: ترك العباد عموم لا بد فيه من التخصيص.
وقوله:
هبك ابن يزداذٍ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا
(68/ب) هبك: كلمة منقولة من قولهم: وهبت الشيء إلا أنهم جعلوها في معنى اعدد, كأنه قال: اعدد نفسك أنك قتلت ابن يزداذ. قال الشاعر: [الطويل]
هبوني امرأً منكم أضل بعيره ... له ذمة إن الذمام كبير
أي عدوني واجعلوني.
وقوله:
غادرت أوجههم بحيث لقيتهم ... أقفاءهم وكبودهم أفلاذا
يحتمل أن يريد أن الضرب هتك وجوههم فأذهب الأنوف وما يعرف به الوجه, فقد صارت الوجوه كالأقفاء؛ لأنه لا تعرف لها صورة, وحذف حرف التشبيه لعلم السامع بما يريد, ويجوز أن يعني أنهم لقوه بوجوههم فلما هزمهم اتقوه بأقفائهم, فكأنه جعل وجوههم أقفاءهم. والأفلاذ: القطع. يقال: فلذ له من العطاء: إذا أعطاه قطعة منه. وفي الحديث: «قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها»؛ أي: بأهلها الذين هم العادة, وعليهم المعول.
وقوله:
في موقفٍ وقف الحمام عليهم ... في ضنكه واستحوذ استحواذا
الضنك الضيق. قال عنترة: [الكامل]
إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وقالوا: امرأة ضناك؛ أي: عظيمة الخلق, كأن لحمها ضايق بعضه بعضًا, فيجوز أن تكون مسماةً بالمصرد من ضانك يضانك ضناكًا, قال الشاعر: [الطويل]
ضناك على نيرين أمست لداتها ... بلين بلى الريطات وهي جديد
وأنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
يقول لها الرؤون أين خيارها ... أهاتيك أم هاتا التي لم تضانك
أي: التي لم تزاحم صاحبتها في المنبت. واستحوذ عليهم: إذا استولى, ولم يجئ أبو الطيب بمصدرٍ لأجل القافية إلا في هذا البيت.
وقوله:
جمدت نفوسهم فلما جئتها ... أجريتها وسقيتها الفولاذا
يقال: كأنهم من الفزع جمدت نفوسهم فلم تقدر على التصرف, فلما جئت أجريتها على السيوف, فكأنك سقيتها الفولاذ, وهو خالص الحديد, وليس أصله بعربي. والنفوس هاهنا بمعنى الدماء؛ لأنها تصحب الأنفس مادامت حيةً, فإذا الدم ذهب زالت النفس بزواله, وبعض العامة يقول: البولاذ بالباء, والأعاجم ينطقون بحرف بين الباء والفاء, وقد فعل ذلك بعض أهل اليمن, فإذا جاءت الكلمة الأعجمية جعلها العرب مرة فاءً ومرة باءً, كما قالوا: فرند السيف وبرنده, ويجوز أن يكون الفولاذ من هذا الحيز.
وقوله:
لما رأوك رأوا أباك محمدًا ... في جوشنٍ وأخا أبيك معاذا
جوشن الرجل: صدره, وسميت هذه الآلة جوشنًا؛ لأنها تكون على الصدر, وجواشن الليل: صدوره وغياهبه. قال الراجز: [الرجز]
مروا بهم على جواشن الليل ... مر الصعاليك بأرسان الخيل
وقالوا: مر جوشن من الليل: أي: قطعة, فيجوز أن تكون النون زائدة في جوشنٍ, كما قالوا في ضيفن, وهو من ضاف يضيف؛ لأنهم يقولون: مضى جوش من الليل, بغير نونٍ, والمعنى أنهم لما رأوا هذا المذكور رأوا أباه وعمه في جوشنٍ؛ لأنه قد جمع شبهًا للرجلين.
وقوله:
أعجلت ألسنهم بضرب رقابهم ... عن قولهم لا فارس إلا ذا
لما كانت (ذا) تستصحب حرف التنبيه كثيرًا وقع الفرق بين قولهم هذا وبين قولهم ذا, فخرج هذا الشعر بتلك العلة من الإيطاء, وقد يكون إيطاءً على مذهب قومٍ؛ لأن من أهل العلم من يتشدد في تشابه اللفظ وإن اختلفت المعاني, فيجعل ذهب إذا أريد به الفعل الماضي مع الذهب الذي يراد به هذا الشيء المعروف إيطاءً لاتفاق اللفظين, وكذلك يجعلون الرجل بالألف واللام مع رجل إذا نكر إيطاءً, وفي ذلك بينهم خلاف.
وقوله:
غر طلعت عليه طلعة عارضٍ ... مطر المنايا وابلًا ورذاذا
هذا الموضع على رأي أبي عبيدة يجب أن يستعمل فيه أمطر؛ لأن أمطر عنده للعذاب والسخط, ومطر للرحمة. وقال قوم: هما سواء. والوابل الشديد الوقع من المطر, والرذاذ يزيد على الطل شيئًا.
وقوله:
سدت عليه المشرفية طرقه ... فانصاع لا حلبًا ولا بغداذا
انصاع: أي: ذهب في شق, قال الأخطل: [البسيط]
فانصاع كالكوكب الدري منصلتًا ... والثور يخلط تقريبًا بإحضار
ونصب حلبًا بإضمار فعلٍ كأنه قال: لا أتي حلبًا ولا بغداذ. وبغداذ تستعمل بالذال (69/أ) تارة وبالدال أخرى, وإنما استعملوها في الإسلام بعد أن نزل بها أبو جعفر وقيل: إن ذاذا اسم صنمٍ, وبغ أصله باغ في كلامهم, وهو البستان, فكأنهم أرادوا بستان الصنم, وقيل: أرادوا ببغ العطية؛ وذاك غير ممتنعٍ؛ لأنه يقال: هذا بستان فلان, فإن قيل:
هذا عطية فلان احتمل وجهين: أحدهما أن يكون هو الذي أعطيه, والأحسن أن يكون هو الذي أعطاه.
ولأجل الصنم اختاروا أن يقولوا مدينة السلام ولا يقولون: بغداذ, وقد جاءت أشعار فيها ذكر بغداذ, وهي مما قيل في أيام بني العباس, وقالوا: بغدان, بالنون, قال الشاعر:
لعمرك لولا حاجة ما تعفرت ... ببغدان في بوغائها القدمان
وقد استشهدوا بهذا البيت؛ لأنه قد كان في أيام العباسيين فصحاء, كأبي حزامٍ العكلي وغيره.
وقوله:
طلب الإمارة في الثغور ونشؤه ... ما بين كرخايا إلى كلواذا
نشؤه: مصدر نشأ ينشأ نشئًا. وكرخايا وكلواذا: اسمان أعجميان. وذكر أحمد بن يحيى في (المقصور والممدود) أن كلواذا تمد وتقصر, وهي كلمة مولدة, وليس في كلامهم الكلد, فتكون هذه الكلمة مشتقةً منه أو موافقةً له كما يتفق اللفظان: أحدهما أعجمي, والآخر عربي, كقولهم: يعقوب في اسم النبي صلى الله عليه, ويعقوب لذكر الحجل.
وقوله:
فكأنه حسب الأسنة حلوةً ... أو ظنها البرني والآذاذا
البرني والآذاذ: ضربان من التمر, فأما البرني فقد تردد في شعر العرب, وليس بعربي في الأصل, ورووا أن وفدًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم إن كان معهم تمر برني. والذين يخبرون أنواع التمر يذكرون أنه أقلها مضرةً للآكل. وأنشد الأخفش: [الطويل]
باتوا يعشون القطيعاء ضيفهم ... وعندهم البرني في جلل ثجل
وأما الآذاذ فقليل التردد في الشعر. وحكي أن الكميت بن زيدٍ قدم على بعض السلاطين يمدحه. فقيل له: إن الأمير قد رد الشعراء ولم يسمع منهم, فقال: إنهم حملوا دقلًا وحملت آذاذًا.
وقوله:
أعجب بأخذكه وأعجب منكما ... ألا تكون لمثله أخاذا
إذا أضيف المصدر إلى الكاف, فكان متعديًا إلى مفعول, فأضمر ذلك المفعول, جاز أن يجاء بالضمير المنفصل تارة, والمتصل أخرى. فقوله: أعجب بأخذ كه: الهاء من الضمير المتصل, ولو أنه في غير الشعر لاحتمل أن يقول: أعجب بأخذك إياه, فإذا أضفت المصدر إلى الهاء قبح أن تقول عجبت من أخذهه, وهو على قبحه غير الممتنع, والأحسن أن تفصل بين الهاءين بياء فتقول: عجبت من أخذهيه كما تقول: من أخذه إياه, فإن قلت: عجبت من أخذهيك فمجيء الكاف بعد الهاء مكروه.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)