المنشورات

أرى ذلك القرب صار ازورارا ... وصار طويل السلام اختصارا

وهي من أول المتقارب.
والازورار: مأخوذ من ازور, وهو الميل عن الشيء, وصحت الواو في ازور لسكون ما بعدها وما قبلها. ويقال: إن الزور والعور وما كان مثلهما صححت فيه الواو؛ لأنه بني على ازور واعور, ولولا ذلك لوجب أن تقلب الواو ألفًا فيقال في الزور: زار, وفي العور: عار.
وقولهم: اختصر الشيء إذا أخذ منه ما قل, وهو مأخوذ من خصر الإنسان؛ لأن العرب تصف نفوسها بالضمر ودقة الخصور.
وقوله:
تركتني اليوم في خجلةٍ ... أموت مرارًا وأحيا مرارا
الخجلة: مصدر خجل. وكان ابن دريد يذهب إلى أن قولهم للذي يستحيي: خجل: كلمة مولدة, وحكى ابن السكيت في الأضداد أنه يقال: رجل خجل أي: نشيط, وخجل أي: كسلان, وأنشد عن أبي تمام الباهلي:
إذا دعا الصارخ غير المتصل ... أتاك منهم كل ذيالٍ خجل
أي نشيط. وجاء في الحديث: «أنه أتى على وادٍ خجلٍ مغن» , وفسروا الخجل الذي قد طال نبته؛ فهذا يحتمل أن يكون من خجل إذا نشط؛ كأن النبت أدركه نشاط فطال, ويجوز أن يكون من خجل إذا كسل؛ لأن النبت إذا طال تعطف, فكأنه كسل عن الانتصاب, قال الشاعر في صفة نبت: [الرمل]
فتسامى زمخري وارم ... مالت الأعراق منه واكتهل
وقيل: إنما قالواك خجل الرجل: إذا استحيا واضطرب عليه أمره, من قولهم: خجل النبت إذا طال؛ لأنه يضطرب وتضعف أصوله (71/أ) عن حمل الفروع. وقالوا: الخجل: سوء احتمال الغنى, والدقع: سوء احتمال الفقر, وأنشدوا للكميت: [المتقارب]
فلم يدقعوا عندما نابهم ... لصرف زمانٍ ولم يخجلوا
وجاء في الحديث في مخاطبة النساء: «إنكن إذا جعتن دقعتن, وإذا شبعتن خجلتن».
أي: ليس فيكن صبر ولا احتمال.
وأصل الموت خلو الجسد من الروح, ثم قيل لمن تقل حركته: هو ميت, وقد مات, فكأن الشاعر جعل ضعف نفسه بالخجل موتًا, وذهاب ذلك عنه حياةً له. وقالوا: مات الثوب إذا خلق, وقالوا للبهيمة إذا غلب عليها الهزال: ميتة. قال الراجز: [الرجز]
يا قوم من يحلب عنزًا ميته ... قد حلبت خطة جنبًا مسفته
خطة: اسم عنزٍ بعينها, وجنب: أي علبة, ومسفتة: مثل مزفتةٍ من الزفت.
وقوله:
ولكن حمى الشعر إلا القليـ ... ـل هم حمى النوم إلا غرارا
الغرار: نوم قليل, كأنه يغار الإنسان؛ أي: يجيئه على غرةٍ. وقالوا: ناقة مغار إذا كانت قليلة اللبن, وهو الغرار, كأنها تغر الحالب, فمرةً تعطيه لبنًا, ومرة تمنعه. قال الشاعر في صفة خيلٍ, وقيل صفة إبلٍ: [الوافر]
تراها من يبيس الماء شهبًا ... مخالط درةٍ منها غرارا
وقال الآخر: [المديد]
لا أذوق النوم إلا غرارا ... مثل حسو الطير ماء الثماد
وقوله:
وعندي لك الشرد السائرا ... ت لا يختصصن من الأرض دارا
الشرد: جمع شرودٍ, وهي الأبيات والقصائد, يريد أنها تشرد في الأرض كما تشرد النعام والإبل, ولا تثبت على حال؛ لأنها سيارة في البلاد, وقد وصفت الشعراء الشعر بالشرود, قال القطامي: [البسيط]
وربما ذب عني سير شرد ... يصبحن فوق لسان الراكب الغادي
وقوله:
فإني إذا سرن من مقولي ... وثبن الجبال وخضن البحارا
المقول: اللسان. ويقال: رجل مقول إذا وصف بالقول, وقالوا لمن هو دون الملك: قيل, وقالوا في جمعه: أقيال وأقوال, فاستدل قوم على أنه من القول؛ فإن أصله قيل فخفف.
كما قالوا: ميت وميت, وهين وهين, وزعم قوم أن الذي دون الملك سمي قيلًا من قال بالمكان إذا أقام به, أو من قلهم: تقيل أباه؛ إذا أشبهه. وقوله: وثبن الجبال: يصفهن بالسرعة, وإنما يريد أن الرواة تحملهن فيبلغن إلى من بينه وبينهن جبال. وكذلك يحملن في البحار فكأنهن قد خضنها إذا وصلن إلى البلد الذي دونه بحر.
وقوله:
سما بك همي فوق الهموم ... فلست أعد يسارًا يسارا
ومن كنت بحرًا له يا علي ... لم يقبل الدر إلا كبارا
تقول: سمت بك همتي فوق همم الناس؛ لأن الهمة تسمى هما, فإذا كنت موسرًا لم أعد ما أنا فيه يسارًا؛ لأن همتي أكبر منه فهي تطلب ما هو فوقه, وهذا البيت يجعل البيت الذي بعده يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون محمولًا على قوله: فلست أعد يسارًا يسارًا؛ أي: أني إذا أعطيت الدر لم أقبله إلا أن يكون من كباره, فالمعنى يجوز أن يراد به اليسار من المال.
والآخر, وهو أحسن, أن يحمل الكلام على الشعر, كأنه يقول: وإن كنت أقدر على أن ما تيسر من الشعر فلا أعد ذلك يسارًا منه؛ إذ كنت لا أقنع بالأبيات, ولا أرضى لمدحك إلا القصائد, وإني أرضى بالقطعة التي هي كالدرة حتى آتي بقصيدةٍ تشبه بما كبر من الدر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید