المنشورات
برجاء جودك يطرد الفقر ... وبأن تعادى ينفد العمر
وهي من خامس الكامل.
يقال: نفد الشيء ينفد, بكسر الفاء في الماضي, وقد حكي نفد, وقالوا: ما للشيء نفد؛ أي: فناء, وقالوا للذي يخاصم على (76/ب) باب الحاكم منافد, وهو من نفد الشيء؛ لأن كل واحد من الخصمين يطلب نفاد الحجة من الآخر, قال الراجز: [الرجز]
وهو إذا ما قيل هل من كايد ... أو رجلٍ عن حقكم منافد
يكون للغائب مثل الشاهد
وقوله:
فخر الزجاج بأن شربت به ... وزرت على من عافها الخمر
ضم الزاي في الزجاج أفصح اللغات, وقد حكي كسرها وفتحها.
وقوله:
وسلمت منها وهي تسكرنا ... حتى كأنك هابك السكر
يقال: سكر وسكر بمعنى, مثل ما يقال: سقم وسقم, ورشد ورشد, فأما السكر المراد به المشروب الذي يسكر, وعلى ذلك تحمل الآية: {تتخذون منه سكرًا} , نزل هذا قبل تحريم الخمر, وقال قوم: السكر الخل, وقيل: هو الطعام, وليس هذا بشيءٍ.
ومن التي أولها
عذيري من عذارى من أمور ... سكن جوانحي بدل الخدور
وهي من أول الوافر.
عذيري: في معنى عاذري, والمراد: أريد عذيري, أو أطلبه, أو نحو ذلك من الأفعال المضمرة, وأكثر ما يستعملون عذيري وعذيرك في موضع نصبٍ, وعلى ذلك ينشدون قول الشاعر: [الوافر]
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
ورفع عذيرٍ لا يمتنع على أن يضمر له مبتدأ, ويجعل خبرًا, أو يضمر الخبر ويجعل مبتدأً, والعذير في غير هذا الموضع الحال, كما قال العجاج: [الرجز]
جاري لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري
أي: حالي كذلك يفسرونه. ويجوز أن يكون أصله: لا تستنكري حالي التي أعتذر منها, أو التي إذا رآها غيري عذرني, ونصب بدل الخدور؛ لأن معنى قوله: سكن جوانحي جعلنها مسكونةً, فكأنه عدى الفعل إلى مفعولين؛ أي: جعلن جوانحي بدل الخدور, ولا يمتنع أن يعتقد في هذا المضاف الانفصال, ويكون التقدير بدلًا من الخدور فينصبه على الحال, ويجوز أن يجعل بدل الخدور نعتًا لجوانحي.
وقوله:
ومبتسمات هيجاوات عصرٍ ... عن الأسياف ليس عن الثغور
الهيجاوات: جمع هيجاء بالمد. والذين ينقلون لفظ العرب يزعمون أنها تمد وتقصر, ويدل كلامهم على أن قصرها ليس بضرورةٍ, ولما جرت الهيجاء مجرى الأسماء جمعت بالألف والتاء.
ولو جرت مجرى الصفات لقيل في الجمع هيج كما يقال: بيضاء وبيض, وعيطاء وعيط, ولو كانت الهيجاء في حال القصر أصلًا في كلامهم؛ وجب أن يقال في جمعها هيجيات لأن الألف المقصورة إذا كانت في اسم إلى أربعة أحرفٍ فما زاد وجب أن تجمع بالياء, كما يقال في علقى علقيات وفي أرطى أرطيات. وقال الشاعر في مد الهيجاء: [الطويل]
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك عضب مهند
وقال لبيد فقصر: [الرجز]
يارب هيجا هي خير من دعه
وقوله:
ركبت مشمرًا قدمي إليها ... وكل عذافرٍ قلق الضفور
يوصف من جد في الأمر بالتشمير, وهو شبيه بقولهم: كشف عن ساقه, وخارج نصف ساقه, ورفع إزاره, ونحو ذلك, قال دريد: [الطويل]
كميش الإزار خارج نصف ساقه ... بعيد من الآفات طلاع أنجد
وقال سعد بن مالك: [مجزوء الكامل]
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح
وقال آخر: [الطويل]
وما طالب الحاجات في كل بلدةٍ ... من الناس إلا من أجد وشمرا
والعذافر من الإبل: الغليظ الشديد, والضفور: جمع ضفرٍ, وهو ما يضفر من أدمٍ أو غيره, ووصف الضفور بالقلق؛ لأن العذافر قد ضمر فجالت عليه, أو لأنه لشدة سيره يقلقها, وإن كان بعد في حال البدن.
وقوله:
أوانًا في بيوت البدو رحلي ... وآونةً على قتد البعير
الأوان: الوقت, وجمعه آونة, والمثل السائر: [الرجز]
هذا آوان الحرب فاشتدي زيم
وأصل آونةٍ أاونةٍ؛ لأن همزة أوانٍ أصلية, ولحقتها همزة أفعلةٍ, وصحت الواو؛ لأنهم لو أعلوها لالتقى ساكنان, فافتقروا إلى حذفٍ مخلٍ بالكلمة, قال ابن أحمر: [الوافر]
أبو حنشٍ يؤرثنا وطلق ... وعباد وآونةً أثالا
وقوله:
فقل في حاجةٍ لم أقص منها ... على تعبي بها شروى نقير
شروى الشيء: مثله. قال الحارث بن حلزة: [الكامل]
وإلى أبي حسان سرت وهل ... شروى أبي حسان في الإنس
وفي حديث علي عليه السلام: «أن غنمًا ازدحمت على جسر الكوفة فوقعت منها شاة في الماء فغرقت, فاستعدوا إليه فقال: إن وجدتموها بعينها فهي لكم, ولا فشرواها من الغنم, يعني الشاة التي كانت سبب غرق شاتهم».
والنقير: يقال: هو شق النواة, ويقال: بل هو شيء في ظهرها يتبدئ منه نبت النخلة, والنقير والفتيل: مما وضع استعماله في النفسي دون غيره. وشروى: اشتقاقها من شريت؛ أي: اشتريت (77/أ) أو بعت وإذا بنوا فعلى من ذوات الياء قلبوا ياءها واوًا, وكذلك موضوع التصريف, ولو بنوا من رميت اسمًا لقالوا: أرموي, فإن كانت فعلى صفةً أقرت الياء على حالها كقولهم: امرأة صديا وهي أنثى الصديان وقوله بعد هذا: ونفسٍ لا تجيب إلى خسيس معطوف على حاجةٍ. فكذلك المخفوضات التي في أوائل الأبيات التي جاءت بعد.
وقوله:
عدوي كل شيءٍ فيك حتى ... لخلت الأكم موغرة الصدور
جاء باللام بعد حتى لأنه يجوز أن تقع بعدها الجمل, كما يقال: أبغضني فلان حتى وجهه منصرف عني. وموغرة الصدور: من الوغر, وهو ما يثبت في صدر الإنسان من الحقد, فذلك مأخوذ من اللبن الوغير, وهو الذي تحمى الحجارة الرقاق وتلقى فيه؛ كي يسخن, يقال: أوغرت الماء إذا أغليته. قال الشاعر, والبيت يروى للمستوغر السعدي: [الوافر]
ينش الماء في الربلات منها ... نشيش الرضف في اللبن الوغير
وقوله:
فيا بن كروسٍ يا نصف أعمى ... وإن تفخر فيا نصف البصير
كروس: يقال: إنه في معنى الكبير الرأس, والواو فيه زائدة, وهو من قولهم: تكرس الشيء إذا ركب بعضه بعضًا, قال الراجز: [الرجز]
يا فقعسًا وأين مني فقعس ... أإبلي يأكلها كروس
فيجوز أن يكون كروس هاهنا اسم رجلٍ, ويجوز أن يكون وصفًا, وكذلك قول الآخر: [الطويل]
لعمري لقد جاء الكروس طاويًا ... على خبرٍ للمؤمنين وجيع
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)