المنشورات

إني لأعلم واللبيب خبير ... أن الحياة وإن حرصت غرور

وهي من ثاني الكامل.
يقال: حرصت, وهي اللغة الفصيحة. وحرصت, وهي قليلة. وقالوا: رجل حارص وحريص. واستعمالهم حريصًا أكثر من استعمالهم حارصًا, وهو الأصل, وإنما أخذ من حرصت السحابة الأرض إذا قشرت التراب, ومنه الشجة الحارصة التي تقشر الجلد, كأن هذا الطالب يبالغ في الطلب حتى يقشر ما يريد. قال الحادرة الذبياني: [الكامل]
ظلم البطاح له انهمال حريصةٍ ... فصفا النطاف له بعيد المكرع
يعني بالحريصة السحابة التي تقشر وجه الأرض.
وقوله:
أمجاور الديماس رهن قرارةٍ ... فيها الضياء بوجهه والنور
الديماس: بيت في بيتٍ, وكسر داله أكثر, وقد حكي فتح الدال, وهو مأخوذ من: دمست الشيء إذا واريته, ودمس الليل إذا أظلم فوارى الأشياء, قال بعض الكلبيين: [الطويل]
فقلت أبا الرمكاء إني محنب ... وقد تهت في الظلماء والليل دامس
وقوله:
ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى ... رضوى على أيدي الرجال تسير
رضوى: اسم جبل, وهو مؤنث, يقال لاحت لهم رضوى, فإن ذكر على معنى الجبل فحسن, وهي أنثى رضوان؛ وذلك من أسماء الرجال؛ أي: اشتقاقه من الرضى والرضوان, قال الشاعر: [المتقارب]
تجانف رضوان عن ضيفه ... ألم تأت رضوان عني النذر
واختار الشاعر أن يقول في القافية يسير فيذكر؛ لأنه رده إلى الممدوح, واصطلحت الجماعة في الإسلام على أن سموا سرير الميت نعشًا. وكان النعمان بن المنذر إذا مرض حمل على سريرٍ فطيف به كأنه يرتاح إلى ذلك على سبيل الفرجة, فسمى النابغة ذلك السرير نعشًا, فقال: (77/ب)
ألم تر خير الناس أصبح نعشه ... على فتيةٍ قد جاوز الحي سائرا
ونحن لديه نسألة الله خلده ... يرد لنا ملكًا وللأرض غامرا
ففي هذا دليل على أنهم لم يكونوا في ذلك الزمان يسمون سرير الميت نعشًا؛ لأن ذلك لو شهر بينهم لم يستعمله النابغة خيفةً من تطير النعمان.
وقوله:
خرجوا به ولكل باكٍ خلفه ... صعقات موسى يوم دك الطور
الصعقات: جمع صعقةٍ من: صعق الرجل إذا غشي عليه, كأنه أصابته صاعقة. ودك الجبل إذا انفرش, ودكت الأرض إذا سوي بعضها ببعضٍ فلم يكن فيها ارتفاع وهبوط. وقالوا: ناقة دكاء: إذا كانت منفرشة السنام, وقال قوم: كل جبلٍ طور, فإن صح ذلك فهو مشبه بطور موسى صلى الله عليه, وقيل: إنها كلمة ليست بالعربية.
وقوله:
والشمس في كبد السماء مريضة ... والأرض واجفة تكاد تمور
هذا المعنى قد استعمل قديمًا, ومنه قول أوس بن حجرٍ: [المتقارب]
ألم تكسف الشمس والبدر والـ ... ـكواكب للجبل الواجب
وجعل الأرض تجف لأجل هذا الميت, ومن شأن الشعراء إذا رثوا ميتًا أن يدعوا للأرض التغير, قال الشاعر:
لأصبح بطن مكة مقشعرًا ... كأن الأرض ليس بها هشام
يعني هشام بن المغيرة المخزومي. وقال النابغة يرثي حصن بن حذيفة:
يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم ... فكيف بحصنٍ والجبال جنوح
ولم تلفظ الأرض القبور ولم تزل ... نجوم السماء والأديم صحيح
وقوله:
وحفيف أجنحة الملائك حوله ... وعيون أهل اللاذقية صور
الحفيف صوت مثل صوت الجناح ونحوه, وقالوا في المثل: «هو يحف له ويرف له» إذا كان يتعهد أموره, ويجهد في مصلحته .. يراد أنه يسعى في شأنه حتى يسمع له حفيف ويرف له من قولهم: رف النبت إذا اهتز من نضارته, أي هو يظهر له الجميل. وحذف الهاء من الملائكة, كما يقال: صياقل وصياقلة, والمهالب والمهالبة. والصور: جمع أصور وصوراء, والأصور: الذي يميل إلى الشيء. قال الهذلي: [الكامل]
ثم انصرفت ولا أبثك حيبتي ... رعش العظام أطيش مشي الأصور
وقوله:
وكأنما عيسى بن مريم ذكره ... وكأن عازر شخصه المقبور
جعل ذكر الممدوح محببًا له, فكأنه عيسى بن مريم عليه السلام؛ لأنه كان يحيي الموتى, وهذا الكلام يقتضي أن يكون عيسى بن مريم أحيا عازر, وإنما جاء في التفسير أن عازر مر بالقرية التي ذكرت في قوله: {أو كالذي مر على قريةٍ وهي خاوية على عروشها} .. الآية هو يحتمل ألا يكون الشاعر ذهب إلى أن عازر أحياه المسيح, ولكنه لما شبه الذكر بعيسى بن مريم شبه الشخص المدفون بعازر, أي أن عيسى لم يكن يعزب عليه أن يحيي عازر, ولو أمره الله لأحياه.
وقوله:
نفر إذا غابت غمود سيوفهم ... عنها فآجال الرجال حضور
هذا اللفظ لابد فيه من التخصيص, لأن هؤلاء النفر داخلون في جملة العباد, وكذلك من هو في حيزهم من عبد أو تابعٍ أو صديق. وغمود: جمع غدٍ في الكثرة, وأغماد جمعه في القلة, وسمي غمدًا؛ لأنه يواري النصل, ومنه قولهم: تغمده الله برحمته, وقالوا غمائد فكأنه جمع جمعٍ, قال حميد بن ثورٍ: [الطويل]
كما سل سيف من غمائده نصل










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید