المنشورات
ألا أذن فما أذكرت ناس ... ولا لينت قلبًا وهو قاس
وهما من أول الوافر.
قوله: ناسٍ في القافية: ليس مثل أن يأتي في حشو البيت؛ لأن ذلك عند البصريين من الضرورات, وعند الفراء لغة للعرب, وأنشد الكوفيون: [الكامل]
فكسوت عارٍ جسمه فتركته ... جذلان جاد قميصه ورداؤه
وإنما فرق بين مجيئه في القافية ومجيئه في غيرها؛ أن القوافي أجمعت الشعراء على أن تستعمل فيها أشياء لا تستعمل في حشو البيت, فمن ذلك حذف الإعراب في الشعر المقيدة, وتخفيف المشدد؛ ألا ترى أن قصيدة امرئ القيس التي على الراء قد جاءت فيها أشياء مشددةً خفف فيه التشديد, كقوله في القافية: هر وصر وقر, وأفر.
وكذلك جميع ما قيد من قصائد العرب, قلما يخلو من تخفيف المشدد, ولا يستعملون مثل ذلك في غير القافية, وإذا ندر منه شيء لم يجمعوا فيه بين تخفيف المشدد وترك الإعراب, فإن تركوا حركة المعرب لم يضيفوا إليها تخفيف المشدد, ومثل بيت أبي الطيب البيت المنسوب إلى بشر بن أبي خازمٍ: [الوافر]
كفى بالبين من أسماء كاف ... وليس لحبها ما عشت شاف
ولولا تغير الوزن لكان الوجه أن يقول: كافيًا.
وقوله:
ولا شغل الأمير عن المعالي ... ولا عن ذكر خالقه بكاس
الكأس, وما كان مثلها من الثلاثي, الذي وسطه همزة تكون له ثلاثة أحوالٍ في القريض إذا جاءت في حشو البيت؛ فالمنشد مخير: إن شاء همز, وإن شاء جعل الهمزة ألفًا, كقول القائل: [الوافر]
تصد الكاس عنا أم عمروٍ ... وكان الكاس مجراها اليمينا
وإذاجاءت في القافية مع حروفٍ ليست ذات لينٍ فالهمز واجب, ومن تركه فقد أساء, كقول الراجز: [الرجز]
قد خطب النوم إلى نفسي ... همسًا وأخفى من مقال الهمس
وما بأن أطلبه من بأس
فإن لم يهمز بأس في هذا الموضع؛ وإلا فهو عيب لم تجر العادة بمثله, وإذا شبه بعيوب الشعر حسب من السناد, إلا أن العرب ساندت في الواو والياء إذا كانتا ردفين, ولم يساندوا بالألف, لم يجيئوا مع جلس وحلسٍ بمثل ناسٍ, وجاؤوا مع نفسٍ وخمسٍ بقوسٍ, ويجوز عندهم أن يأتوا مع خمرٍ وأمرٍ بمثل سيرٍ إلا أنه عيب. وإذا كانت كأس ونظائرها مع حروف لين مثل ناسٍ وقاسٍ فهمزها خطأ, وذلك في مثل بيت أبي الطيب. ونحو منه مما لا يجوز فيه همز المهمور قول القائل: [الوافر]
يقول لي الأمير بغير جرمٍ ... تقدم حين جد بنا المراس
فمالي إن أطعتك من حياةٍ ... ولا لي غير هذا الراس راس
فرأس في القافية لا يجوز همزة.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)