المنشورات
مبيتي من دمشق على فراش ... حشاه لي بحر حشاي حاش
وهي عند الخليل من الوافر الأول, وعند غيره من السحل الرابع, وهو الثاني منه.
والمبيت هاهنا يجوز أن يكون مصدرًا ومكانًا وزمانًا. ودمشق: اسم أعجمي, وقد جاء في الشعر الجاهلي, قال المتلمس: [البسيط]
لم تدر بصرى بما آليت من قسمٍ ... ولا دمشق إذا ديس الكداديس
يعني بالكداديس ما يجمع في البيادر من الزروع, وقال بعضهم: دمشقة, فأدخل عليها الهاء, وإنما يجري ذلك مجرى الشذوذ والضرورة. قال رجل في صدر الإسلام كان في الجيش الذي حاصر دمشق: [الطويل]
أبلغ أمير المؤمنين بأننا ... على خير حالٍ كان جيش يكونها
بأنا على بابي دمشقة نرتمي ... وقد حان من بابي دمشقة حينها
ودمشق: موافقة في اللفظ قولهم: ناقة دمشق أي: سريعة, ودمشق عمله إذا أسرع فلم يحكمه؛ إلا أن الدمشق من النوق جاءت على مثال جعفرٍ, ودمشق على مثال درفسٍ:
وحشا الفراش: يجوز أن يعنى به ما فيه من الحشو, والحشا: الناحية, وهي مأخوذة من حاشية الثوب, قال الهذلي: [الطويل]
يقول الذي أمسى بحرزٍ عياله ... بأي حشًا أمسى الخليط المباين
وأحشاء الإنسان: نواحي بطنه, ويجوز أن يعنى بها ما فيه جوفه, مأخوذةً من حشو الفراش, ويقال في التثنية: حشيان وحشوان.
وقوله:
لقى ليلٍ كعين الظبي لونًا ... وهم كالحميا في المشاش
اللقى: الشيء الملقى, وجمعه ألقاء, قال اليشكري: [الخفيف]
فتأوت لهم قراضبة من ... كل حي كأنهم ألقاء
وموضع لقى نصب على الحال, والاسم الذي الحال منه إحدى الياءات في: مبيتي أو لي, أو حشاي. والعامل في الحال يجوز أن يكون قوله: حاشٍ كأنه قال: يحشوني بحر حشاي ملقًى, ويحتمل أن يكون العامل معنى الاستقرار, الذي تدل عليه على, كأنه قال: مبيتي مستقر على فراشٍ لقًى. ولو قيل: إن نصب لقًى على أنه خبر لفعلٍ من المبيت كأنه قال: أبيت لقى أو بت لقًى لكان ذلك وجهًا.
وهذه القصيدة مدح بها أبو الطيب أبا العشائر, وهو والي أنطاكية, ويمكن أن يكون قال أولها بدمشق؛ لأن الشاعر ربما قال البيت أو الأبيات, وتأخر إظهاره لها حتى يذهب زمن طويل. وجعل سواد الليل كسواد عين الظبي.
والحميا سورة الخمر؛ أي: حدتها ونزوانها عند المزج, وهذه اللفظة من الأسماء التي استعملت مصغرة, ولم ينطق منها بالمكبر, ولو استعمل لوجب أن يقال: الحموى على مثال: فعلى, وقد حكي: حمي الشمس وحموها, بالياء والواو. فإن كانت الحميا من الحمو فكبيرها حموى على الأصل, وليس فيه قلب, وإن كانت من الحمي, كما قال امرؤ القيس: [الطويل]
إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
فإنهم إذا بنوا فعلى اسمًا من ذوات الياء قلبوا ياءه إلى الواو, ومن ذلك قولهم: شروى الشيء؛ أي: مثله, وإنما اشتقاقه من شريت. فإن كانت الحميا مصغرة حميا؛ فالادغام وقع في الياءين لما اجتمعتا. وإن كان أصلها حموى فكأنهم قالوا: حميوى في التصغير؛ فلما جاءت الياء الساكنة, وبعدها واو قلبت الواو إلى الياء كما فعلوا ذلك في سيدٍ وميتٍ وهو فيعل من ساد يسود, ومات يموت, وأصله: سيود وميوت.
وإذا وقعت الواو موقع اللام, وقبلها ياء في التصغير قلبت الواو إلى الياء في مذهب البصريين ولا يجيزون غير ذلك.
وأهل الكوفة يجيزون إظهار الواو إذا كانت لامًا, كما يجيزون إظهارها إذا كانت عينًا, وكانت متحركةً, فيقولون في تصغير مروان وعدوان: مريوان وعديوان ولا اختلاف في أن القلب جائز, قال زهير: [الوافر]
يجرون البرود وقد تمشت ... حميا الكأس فيهم والغناء
والمشاش: ما رق من العظام.
وقوله:
وشوقٍ كالتوقد في فؤادٍ ... كجمرٍ في جوانح كالمحاش
الجوانح: الأضلاع, واحدتها جانحة, سميت بذلك؛ لأن فيها اعوجاجًا. يقال: جنح إذا مال, ومنه الجناح في المأثم؛ أي: الميل فيه, ومنه جناح الطائر أيضًا؛ لأنه يميله حيث شاء. والمحاش والمحاش: ما شوي على النار فأصابه احتراق, يقال: أمحشته النار ومحشته, فأما قول النابغة: [الكامل]
جمع محاشك يا يزيد فإنني ... جمعت يربوعًا لكم وتميما
فالمحاش فيما ذكروا: أقوام اجتمعوا فنحروا جزورًا وشووا لحمها, واحتلفوا عليه.
وقوله:
سقى الدم كل نصلٍ غير نابٍ ... وروى كل رمحٍ غير راش
النصل: يستعمل في السيف والسنان, ونصل السهم. قال الشاعر في السيف: [الوافر]
نقد بهن يوم الروع عنكم ... وإن كانت مثلمة النصال
فهذا يعني السيوف, وقال المتنخل الهذلي في أن النصل يستعمل للرمح: [البسيط]
أقول لما أتاني الناعيان به ... لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل
وقال الفرزدق: [الطويل]
فإن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
ويقال: رمح راش؛ أي: ضعيف, ولعله مأخوذ من ريش الطائر لخفة الريش وضعفه, وناقة راشة الظهر؛ أي: ضعيفته, قال الهذلي: [المتقارب]
من الحميريات لا كزةً ... لجونًا ولا راشة الظهر نابا
ومعنى البيت أنه جعل السيوف القاطعة والرماح القوية كالتي يدعى لها أن تروى من الدم كأنها يعجبها ذلك. وقد يجوز أن يكون البيت إخبارًا على غير معنى الدعاء. والأحسن أن يكون دعاءً؛ لأن من شأنهم أن يحمدوا ما يبلغهم المآرب من حيوانٍ وغيره.
وقوله:
فإن الفارس المبغوت خفت ... لمنصله المناصل كالرياش
المبغوت من قولهم: بغته إذا لقيه على فجاءةٍ. والرياش: مأخوذ هاهنا من ريش الطائر؛ لأنه نهاية في الخفة, وأكثر ما يستعمل الرياش في ملابس بني آدم, ويعني بالفارس الممدوح.
وقوله:
فقد أضحى أبا الغمرات يكنى ... كأن أبا العشائر غير فاش
الغمرات: الشدائد. وغمرة كل شيءٍ معظمه. يقال: غمرة الماء, وغمرة الحرب, كأنهم يريدون أنها تغمر من يقع فيها, وقالوا في الجمع: غمر على غير قياسٍ, قال القطامي: [الوافر]
تعلم أن بعد العي رشدًا ... وأن لهذه الغمر انقشاعًا
وإنما القياس: غمار, مثل جفنةٍ وجفانٍ, والغمرات: الجمع القليل. والمثل السائر:
الغمرات ثم ينجلينا ... ثمت يذهبن فلا يجينا
وفاشٍ: أصله الهمز. يقال: فشا الأمر وتفشأ, وقالت امرأة من العرب تصف الطاعون: [الطويل]
تفشأ إخوان الثقات فعمهم ... وأصمت عني المعولات البواكيا
وقال عمرو بن كلثوم فخفف: [الوافر]
فإن الضغن بعد الضغن يفشو ... عليك ويخرج الداء الدفينا
وقوله:
وقد نسي الحسين بما يسمى ... ردى الأبطال أو غيث العطاش
هذا البيت جارٍ مجرى الأول؛ لأنه زعم أن الممدوح كناه الناس أبا الغمرات فاستغنى عن كنيته, التي هي أبو العشائر, ونهسي الحسين, وهو اسمه؛ لأنهم سموه ردى الأبطال؛ أي: هلاكهم, وغيث العطاش؛ لأنه يرويهم. والحسين هاهنا لفظة لا تجري مجرى قولهم إذا رأوا الشخص الذي يسمى بهذا الاسم: جاءني الحسين, ورأيت الحسين؛ لأن الاسم في هذا الموضع واقع على شخص, والحسين في البيت لفظة لا تتصل بجسمٍ.
وقوله:
لقوه حاسرًا في درع ضربٍ ... دقيق النسج ملتهب الحواشي
ذكر الدرع, وقد حكي ذلك عن العرب.
وقد يجوز أن يجعل قوله: دقيق النسج صفةً للضرب إذ كان الدرع مضافًا إليه, كما يقال: جاء فلان في برد ثناءٍ سابغٍ؛ فيجوز أن يجعل سابغ نعتًا للبرد وللثناء إذ كان أحدهما متصلًا بالآخر. ولا يمتنع أن يوصف الضرب بدقة النسج والتهاب الحاشية؛ لأن هذا اللفظ مخصوص به اللباس, وإنما حسن ذلك؛ لأنه جعل الدرع متخذًا من الضرب فقد جعله مما يمكن نسجه, وأن تكون له حاشية؛ لأن الزرد أصل للدرع, كما أن الغزل عنصر للثوب.
وحاشية الثوب: كل ناحيةٍ من نواحيه, وقيل: هي جانب الهدب, وإنما أخذت من الحشى وهي الناحية.
وقوله:
كأن على الجماجم منه نارًا ... وأيدي القوم أجنحة الفراش
الهاء في منه عائدة على الضرب. ومن شأن الفراش أن يطلب النار فيحترق فيها, ومن شأن المضروب على رأسه أن يستره بيده, وإنما يفعل ذلك إذا كان الضرب بغير حديدٍ, وأما عند السيف فإن إشفاقه على يديه قريب من إشفاقه على هامته. والجماجم: جمع جمجمةٍ (95/أ) وهي معظم الرأس ومجتمعه. وجمع رؤبة جمجمةً على جمجمٍ فقال: [الرجز]
وهو إذا الضرب تفرى جمجمه
أي: الجمجم الذي يقع فيه, وهذا الجمع قليل إلا أنه قياس, كما قالوا: هامة وهام, وقصرة وقصر لأصل العنق.
وقوله:
كأن جواري المهجات ماء ... يعاودها المهند من عطاش
المهجات: واحدتها مهجة, وهي خالص النفس. وقال قوم: المهجة: دم القلب, وإذا جعل المهجات جمع مهجةٍ فقياسه أن يقال: مهجات بضم الهاء كما قالوا: ظلمة وظلمات. فهذا الوجه الجيد. ومنهم من يفتح الحرف الثاني, فيقول: الظلمات والحجرات. وقرأ ابن القعقاع المدني: {من وراء الحجرات} , بفتح الجيم, ومنهم من يسكن. وذهب قوم إلى أنهم إذا قالوا: مهجات, ففتحوا الهاء, فإنما يريدون جمع مهجٍ لا جمع مهجةٍ. وهذا قول لا يبعد, وأنشدوا بيتًا على وجهين: [الطويل]
ولما رأونا باديًا ركباتنا ... لدى موطنٍ لا نخلط الجد بالهزل
تضم الكاف في الركبات وتفتح, ولولا أن الوزن يتغير لجاز الإسكان.
والعطاش أن يأخذ الإنسان عطش فيعاود شربه للماء, والعطاش داء؛ فلذلك ضموا أوله, كما قالوا: الصداع والزكام. والمعنى أن هذا الممدوح يضرب بالمهند فيرويه من الدم, ثم كأنه يعطش فيعاود الورد؛ لأن الفارس يعاود الضرب به.
وقوله:
فولوا بين ذي روحٍ مفاتٍ ... وذي رمقٍ وذي عقلٍ مطاش
مفات من قولهم: فات الميت, وأفاته غيره, فيجوز أن يكون وصفًا لذي, ووصفًا للروح, والأحسن أن يكون على ذي. والروح تذكر وتؤنث, فلذلك حسن أن توصف بمفاتٍ. والرمق: بقية النفس. ولما قال: وذي رمق حسن ذلك أن يكون قوله: مفاتٍ وصفًا لذي لتكون المعطوفات متجانساتٍ. ومطاش: من قولهم: طاش إذا خف وتغير عقله, وطاش السهم إذا لم يصب, وأطاشه غيره.
وقوله:
ومنعفرٍ لنصف السيف فيه ... تواري الضب خاف من احتراش
منعفر: أي: رجل قد عفره غيره؛ أي: ألقاه على العفر, وهو التراب, وقيل: هو ظاهره, يقال: عفر وعفر. والاحتراش: صيد الضب, وهو الحرش أيضًا. وقالوا في المثل: «هذا أجل من الحرش». وأصل ذلك أن الضب قال لولده: يا بني اتق الحرش؛ وهو أن يجيء الرجل إلى بيت الضب, فيضرب بيده على بابه, فيظنه الضب حيةً فيخرج ذنبه ليضربها به, فيقبض عليه الحارش. فسمع الحسل يومًا صوت فأسٍ يحفر بها على جحره فقال لأبيه: يا أبة, أهذا الحرش فقال الضب: يا بني, هذا أجل من الحرش؛ أي: أعظم. وشبهوا الحقد بالضب لكمونه في الصدر, فقالوا: في قلبه على ضب؛ أي: حقد, وقالوا: احترش ضب صدره إذا كان عدوًا له فصنع معه جميلًا ليذهب ما حمله من الحقد, قال كثير: [الطويل]
ومحترشٍ ضب العداوة منهم ... بحلو الخلا حرش الضباب الخوادع
وقال أيضًا: [الوافر]
ومازالت رقاك تحل ضغني ... وتخرج من مكامنها ضبابي
ويحويني لك الحاوون حتى ... أجابت حية تحت الحجاب
وقالوا في مثلٍ: أخدع من ضب حرشته.
ومعنى بيت أبي الطيب أن الضربة قد أمعنت في جسد المضروب, وأن نصف السيف قد انكسر فدخل في جسمه, ونصفه الآخر في يد الضارب.
وقوله:
يدمي بعض أيدي الخيل بعضًا ... وما بعجايةٍ أثر ارتهاش
العجاية: العصب الذي في الوظيف, والارتهاش أن يصك الفرس إحدى يديه الأخرى فتألم بذلك العجاية, وإنما يصف أن الخيل في ضنكٍ فقد أدمى بعض أيديها بعضًا, وليس بها ارتهاش, وإنما هو من التزاحم. وبعض عند قومٍ تقع على ما دون النصف, وقيل: تقع على النصف فما دونه, وأنكر قوم وقوعها على النصف, وكرهوا: جاءني بعض الرجلين, وقالوا: إنما ينبغي أن يقال: جاءني أحدهما.
وقوله:
كأن تلوي النشاب فيه ... تلوي الخوص في سعف العشاس
النشاب: كلمة عربية, وهو مأخوذ من قولهم: نشب في الشيء إذا علق فيه. قال عمر ابن أبي ربيعة (95/ب): [الكامل]
فسمعت ما قالت فظلت كأنما ... يرمى الحشى بنوافذ النشاب
والخوص: واحدته خوصة من خوص النخل, وقد استعملوا الخوصة في غير النخلة, وقالوا: خوصت العرفجة, وهي الخوصة منها, ويروى لمالك بن الريب: [الطويل]
عجبت لعطارٍ أتاني يسومني ... بجبانة الديرين دهن البنفسج
فويحك يا عطار هلا أتيتني ... بنور الخزامى أبو بخوصة عرفج
والعشاش: جمع عشةٍ, وهي النخلة إذا يبس أعلاها. يقال: عشش النخل إذا أصابه ذلك, قال ابن هرمة: [الوافر]
وما شجرات بيتك في قريشٍ ... بعشات الفروع ولا ضواح
وقوله:
تشارك في الندام إذا نزلنا ... بطان لا تشارك في الجحاش
البطان: جمع بطين, وهو العظيم البطن. والأصل أن يستعمل فيمن تلك خلقته, وهم يحمدون خمص البطن, وربما قالوا: بطين لمن عظم بطنه من الطعام, قال ابن أحمر: [الوافر]
وبلي إن بللت بأريحي ... هجان اللون لا يمسي بطينا
والمبطنا: الذي لا يزال بطنه عظيمًا من الطعام, قال متمم: [الطويل]
لقد غيب المنهال تحت ردائه ... فتًى غير مبطان العشيات أروعا
والجحاش: مصدر جاحش إذا دافع. وفي كتاب «الأمثال» للأصمعي: «جاحش عن خيط رقبته» أي: دافع عن نفسه.
وقوله:
ومن قبل النطاح وقبل يأتي ... تبين لك النعاج من الكباش
حذف أن وهو يريدها على معنى الضرورة. والباب في قبل ألا يليها الفعل, وإنما تليها الأسماء, والتقدير: من قبل أن يأتي, وحذفها جائز, وقد حذفها في قوله: «من قبل يصطحبا» وأعملها مع الحذف فجمع بين ضرورتين, ويجوز كسر اللام من «قبل» على العطف على التي قبلها, ويجوز النصب على الموضع, وذلك مثل قول لبيد: [الطويل]
فإن لم تجد من دون عدنان والدًا ... ودون معد فلتزعك العواذل
والنعجة: الأنثى من الضأن, ويقال للبقرة الوحشية: نعجة, قال ذو الرمة: [الطويل]
إذا ما علاها راكب الجدب لم يزل ... يرى نعجةً في مريضٍ أو يثيرها
مولعةً خنساء ليست بنعجةٍ ... يدمن أعطان الحياض وقيرها
يكنون بالنعجة عن المرأة, في كتاب الله سبحانه: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً} وقرأ بعضهم نعجةٍ بتحريك العين, وقد مضى القول في الحرف الحلقي إذا توسط الثلاثي أو مؤنثه. ومثل كنايتهم عن المرأة بالنعجة قول الأعشى: [الكامل]
فرميت غفلة عينه عن شاته ... فأصبت حبة قلبها وطحالها
والكباش: جمع كبشٍ من الضأن, ويكنون به عن الشجاع, الذي يحامي في الحرب, لما كان الكبش من الضأن ينطح الغنم جعلوا الفارس مثله؛ لأنه ينطح الأقران, وقال الراجز وهو يعني ليلة صفين: [الرجز]
والليل داجٍ والكباش تنتطح ... ومن نجا برأسه فقد ربح
وكأنهم يعنون بالنطح الطعن بالرمح؛ لأنهم يسمون الرماح: قرون الخيل, ويقولون: خيل جمإذا لم يكن معها رماح, وفارس أجم إذا لم يكن معه رمح, قال عنترة: [الوافر]
ألم تعلم لحاك الله أني ... أجم إذا لقيت ذوي الرماح
وقال الأعشى: [المتقارب]
متى تدعهم للقاء الحرو ... ب تأتك خيل لهم غير جم
والكبش الأجم الذي لا قرني له. والنعجة جماء.
وقوله:
فيا بحر البحور ولا أوري ... ويا ملك الملوك ولا أحاشي
وروى عن الشيء إذا كنى عنه, وأظهر أنه يريد غيره, وهو مأخوذ من المواراة. وفي الحديث: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا وروى بغيره» , وقال الشاعر: [الطويل]
فلو كنت صلب العود أو كابن معمر ... لوريت عن مولاك والليل مظلم
وإذا قالوا للرجل: بحر البحور أو رجل الرجال, أو نحو ذلك فإنما يريدون أنه أعظمهم, وكذلك إذا قالوا للمرأة: هند الهنود فإنما يريدون أنها: كالسيدة لكل امرأةٍ تسمى بهندٍ. وإنما يكثر ذلك في النعوت؛ لأنها أكثر ما يمدح به الإنسان, فيقال: أسد الأسد للشجاع وكريم الكرماء. فأما الاسم الذي يسمى به الرجل فإن ذلك قليل فيه؛ إلا أنهم قالوا: طلحة الطلحات, كأنهم أرادوا تفضيله على غيره ممن سمي طلحة؛ والمعنى أنه يفضلهم في أخلاقه, فأما التسمية فتستوي فيها الجماعة, قال الشاعر, ويقال: إنه ابن الرقيات: [الخفيف]
نصر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
وقوله: (96/أ)
كأنك ناظر في كل قلبٍ ... فما يخفى عليك محل غاش
بعض الناس يذهب إلى أنه أراد محل غاشٍ من الغش, وتلك ضرورة قبيحة, والمعنى غير مفتقرٍ إلى ذلك. وإنما هو فاعل من غشي يغشى, وهو مؤد معنى الغش؛ لأنه يغشى القلب. وكثيرًا يقولون: على قلبه غشاوة. وفي الكتاب العزيز: {والليل إذا يغشى} وكل شيءٍ حل في موضعٍ فقد غشيه من الناس وغيرهم.
وتخفيف المشدد في الشعر المقيد كثير جدًا. ولكن ذلك إذا لم يكن قبله حرف لين, مثل: غاش وراد, ومثل تمود الثوب, وأصيم في تصغير أصم. والمقيد مما قبل رويه حرف لين أقل من المقيد, وقبل رويه حرف مصمت, وإذا جاءت للعرب أرجوزة مثل قول العجاج: [الرجز]
يا صاح ما هاجك من ربعٍ خال ... ومنزلٍ تعرفه وأطلال
لم يأت فيها تخفيف فاعلٍ من المضاعف, فإن اتفق فهو شاذ.
فأما ما قبل رويه واو أو ياء فإن ذلك أبعد فيه منه في فاعلٍ, وما كان مثله من المضاعف؛ لأنه كثير جدًا مثل قولك: فار, ومراد, وهو متردد في الكلام, فأما في قوافي الشعر المطلق فقلما يخففون المشدد, وقد ادعى بعضهم في قول الراجز: [الرجز]
دعوت قومي ودعوت معشري ... حتى إذا ما لم أجد غير الشر
كنت امرأً من مالك بن جعفر
أنه أراد الشر فخفف الراء, وأكثر الرواية: غير السري, والقوافي موضع حذفٍ. والمطلق يقف عليه بعضهم بسكون الروي فيصيره في حال المقيد, فيقول: [الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل
فيسكن اللام, فإذا كانوا ربما خففوا المشدد في حشو البيت فتخفيفه في القافية أيسر, وقد رووا أبي صخرٍ الهذلي: [الوافر]
إذا اختصم الصبى والشيب عندي ... فحكمت المشيب فلا أبالي
حلول الشيب ما لم أجن أمرًا ... يكون سواه أتي حلٍ حلال
أراد: أتي حل فخفف.
وقوله:
وكيف وأنت في الرؤساء عندي ... عتيق الطير ما بين الخشاش
بعد كيف شيء محذوف, كأنه قال: وكيف أصبر عنك, وذلك كثير في الكلام, وإنما يحذفون بعدها لشيء إذا تقدم قبلها ما يدل عليه, مثل أن يقول الرجل: أتروم أن أعطيك مالًا وكيف, وقد سألتك فلم تعطني؛ أي: كيف أعطيك؟ وفي كتاب الله سبحانه: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمةً} , كأنه قال: كيف يكون ذلك وإن يظهروا عليكم. وعتيق الطير: يراد به كريمها وأفضلها كالبازي والصقر والجوارح منها, وهم يشبهون الرئيس بعتيق الطير, قال لبيد: [الرمل]
فانتضلنا وابن سلمى قاعد ... كعتيق الطير يغضي ويجل
وخشاش الطير: ضعافها وما لا يصيد منها, وكذلك خشاش الأرض ما صغر من دوابها التي يقدر الهر على صيدها, وفي الحديث: «دخلت امرأة النار في هرةٍ ربطتها فلم تطعمها, ولم تسقها, ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض» وقالوا لرؤوس الحلي: خشاش, ولعلهم يريدون ما صغر من الحلي, مثل قطع الذهب التي تكون في المخانق. وبعض الرواة يروي في قصيدة ابن كلثوم: [الوافر]
وساريتي بلاطٍ أو رخامٍ ... يرن خشاش حليهما رنينا
وقوله:
فما خاشيك للتكذيب راجٍ ... ولا راجيك للتخييب خاش
التكذيب: هاهنا يحتمل وجهين: أحدهما, وهو الأشبه, أن يكون التكذيب من فعل الممدوح؛ أي: إنك لا تكذب خشيته, لأنك إذا خشيك ألحقت به ما يخشاه.
والآخر: أن يكون التكذيب من فعل الخاشي؛ أي: هو إذا سلم منك فكأنه قد كذب الخشية أو كذب الوعيد.
وأصل الكذب في القول, ثم نقلوه منه إلى الفعل, وإن لم يكن ثم كلام, فقالوا: حمل على قرنه فما كذب, أي: ما قصر في الحملة, وقالوا: كذب الوحشي في العدو إذا لم يجتهد فيه.
والتكذيب في البيت يجوز أن يكون لفعلٍ لا مقال فيه, وإن حمل على القول الأول فجائز, لأن الخاشي ربما ذكر الخشية بلسانه, ولأن المخشي قد جرت عادته بأن يوعد ويستدل على غضبه بما يقول.
وقوله:
تطاعن كل خيلٍ كنت فيها ... ولو كانوا النبيط على الجحاش
كثر في كلامهم أن ينسبوا (96/ب) أفعال الفرسان إلى الخيل؛ لأن الفارس يستعين على الضربة والطعنة بفرسه, فيقولون: قتلت الخيل فلانًا, وساقت الخيل نعم بني فلانٍ؛ لأن المعنى مفهوم, ولأن الفرسان يتوصلون إلى ذلك بالخيول. والنبيط: هذا الجيل المعروف, وهم النبط والأنباط, قال الراجز: [الرجز]
فهن يلغظن به إلغاطا ... كالترجمان لقي الأنباطا
وزعم بعض الناس أنهم سمواة نبيطًا؛ لأنهم يستنبطون ما في الأرض من ماء, ويحرثونها للباذر, فيؤدي ذلك إلى نبت الزرع؛ فكأنهم يستنبطونه منها. ومن ذلك قولهم: حفر فلان بئرًا فأنبط الماء, واسم الماء: النبط؛ لأنه أنبط. وإذا مدحوا الرجل قالوا: لا ينال نبطه؛ أي: لا يعلم ما في نفسه؛ لأن كتمان السر مما يوصف به الإنسان, قال الشاعر: [الطويل]
قريب ثراه لا ينال عدوه ... له نبطًا, صدق الفعال أريب
يريد بقوله: قريب ثراه: أنه إذا سئل وجده السائل قريب المعروف لا يتعب الطالب. وإنما زعم الزاعم أن النبيط اشتقوا من إنباط الأرض؛ لأنهم يباشرون العمل كثيرًا, ويكون منهم الفلاحون, والذين يعمرون القريات, ولذلك خصهم أبو الطيب لما قال:
ولو كانوا النبيط على الجحاش
لأنهم لم تجر عادتهم بركوب الخيل, وإنما يركبون الحمر. وقوله:
تطاعن كل خيلٍ كنت فيها
ثم قال: ولو كانوا؛ لأنه أراد فرسان الخيل, وهذا مما تقدم ذكره؛ أي: إن أصحابك يشجعون إذا رأوا شجاعتك, فيقاتلون تشبهًا بك, وذلك مناسب لقولهم في المثل: «العاشية تهيج الآبية».
والجحاش جمع جحشٍ, وهو ولد الحمار, ويقال في الجمع جحشان, قال القطامي: [الطويل]
مقدحةً قبًا خفافًا بطونها ... وقد وازنت جحشانها بالحوالب
ويمكن أن يقال له بعد أن يركب: جحش, كما قالوا لولد الفرس: مهر حين ينتج, ثم سموه بعد الركوب مهرًا, قال الأفوه: [الرمل]
إن يجل مهري فيكم جولةً ... فعليه الكر فيكم والغوار
وقال زيد الخيل: [الرمل]
عودوا مهري كما عودته ... دلج الليل وإيطاء القتيل
وقالوا لولد الظبية: جحش. قال أبو ذؤيب: [الطويل]
بأسفل ذات الدبر قد ضاع جحشها ... فقد ولهت يومين فهي خلوج
والجحاش في هذا البيت: مساوية للجحاش, فيما تقدم من الأبيات لفظًا لا معنًى, وإذا تشابهت الكلمتان في اللفظ, واختلفتا في المعنى, وجاءتنا في قوافي الشعر فذلك من الإيطاء عن بعضهم, ويقال: إنه مذهب الخليل, وغيره لا يرى بذلك بأسًا, وإذا توالت القافيتان في البيت فذلك أقبح ما يكون, وكلما بعد ما بينهما كان ذلك أسهل. فإن كانت الكلمة في تشبيبٍ أو معنًى غيره ثم جيء بها في معنًى آخر سهل ذلك عندهم, وهذا البيت يرويه بعضهم لامرئ القيس: [الطويل]
كأني غداة البين لما تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل
ثم قال في صفة الفرس:
مداك عروسٍ أو صلاية حنظل
فهذا يسهل لتباعد ما بين البيتين واختلاف الذي يقصد من المعنيين.
وقوله:
أرى الناس الظلام وأنت نور ... وإني فيهم لإليك عاش
أدخل اللام على إليك, وإنما حقيقتها أن تدخل على عاشٍ؛ ولكن العرب تفعل ذلك, ولها أحوال أربع:
الأولى: أن يقال: إني إليك لعاشٍ, فهذا الوجه؛ وهو أن تدخل اللام على الذي هو الخبر في الحقيقة.
والحال الثانية: أن يقال: إني لإليك عاشٍ؛ فتدخل اللام على ما هو متصل بالخبر, وليس ذلك بقبيحٍ, ومثله قول أبي زبيدٍ: [البسيط]
إن امرأً خصني عمدًا مودته ... على البعاد لعندي غير مكفور
وإنما الكلام: لغير مكفورٍ عندي.
والحال الثالثة: أن يقال: إني لإليك لعاشٍ؛ فتدخل اللام على إليك, ثم تدخل على عاشٍ؛ لأنه الذي تقع به الفائدة للسامع, وذلك أشد من الوجه الذي قبله.
والحال الرابعة: أن يقال: إني لعاشٍ لإليك فهذا لا يجوز عندهم؛ لأن اللام وقعت في موضعها, فلا حاجة إلى أن تعاد. والعاشي: الذي يسير في ظلمة الليل على ضوءٍ قليل, قال الحطيئة: [الطويل]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نارٍ عندها خير موقد
وقال الهذلي: [الطويل]
شهابي الذي أعشو الطريق بضوئه ... ودرعي فليل الناس بعدك أسود
وقوله: (97/أ)
بليت بهم بلاء الورد يلقى ... أنوفًا هن أولى بالخشاش
الخشاش: عود يجعل في أنف البعير, وجمعه أخشة, قال ذو الرمة: [الطويل]
إذا نحن حاذينا الأخشة شبنها ... بأشكل جارٍ من صديدٍ ومن دم
ويقال: خششت البعير فهو مخشوش.
جعل نفسه كالورد يلقى أنوفًا ينبغي أن تجعل فيها الأخشة. والإبل لا ريب أنها تجد رائحة الورد, فإما الورد فلا يحس ما صنع به, ولا يحفل أين وضع.
وقوله:
عليك إذا هزلت مع الليالي ... وحولك حين تسمن في هراش
يقال: هزلت الدابة, وهزلها صاحبها, فهذه اللغة الفصيحة, وقد حكي: أهزلتها. والمعنى أن هؤلاء الذين ذكرهم إذا رأوا صاحبهم في شدةٍ وضيقٍ من الزمان كانوا عليه, وإذا سمن تهارشوا حوله, وهراشهم حول السمين يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكونوا يريدون أكله فهم أعداء في حال الهزال والسمن.
والآخر أنك إذا سمنت؛ أي: استغنيت وحسنت حالك تهارشوا حولك يزدحمون على برك ومنفعتك, كما تهترش الكلاب على الشيء المأكول.
وقوله:
أتى خبر الأمير فقيل كروا ... فقلت نعم ولو لحقوا بشاش
شاش: هذا الموضوع الذي يقال فيه: شاش فرغانة, وهو يوافق في الاشتقاق قول العامة: شوش عليهم أمرهم, وهذه الكلمة لم أعلم أن أحدًا من الثقات حكاها عن العرب, ولا جاءت في الشعر الفصيح.
وقوله:
يقودهم إلى الهيجا لجوج ... يسن قتاله والكر ناشي
أصل القود في ذوات الأرسان, ثم قالوا: قاد الأمير الجيش؛ أي: كان أمر الجند إليه فاتبعوه فيما يختار, كما تتبع الدابة من يقودها, واستعار السن للقتال, كما استعار قطري ابن الفجاءة, الإجذاع للبصيرة, والقروح للإقدام في قوله: [الكامل]
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام
يريد أنه يديم القتال ويطيل فيه كما أن المسن من بني آدم يتقادم الوقت عليه. وأصل ناشي الهمز, وقد مضى القول في تخفيفه. يقول: إنه يحدث الكر في وقتٍ بعد وقتٍ فهو كأنه ناشئ في أول أمره لا يضعف لتقادم القتال.
وقوله:
وأسرجت الكميت فناقلت بي ... على إعقاقها وعلى غشاشي
الكميت: من الخيل معروف, والفرق بينه وبين الأشقر أنه يسود عرفه وذنبه, ويستعمل للذكر والأنثى بلفظ واحدٍ, وقد استعمله امرؤ القيس في المذكر لما قال: [الطويل]
كميت يزل اللبد عن حال متنه
وقال آخر فاستعمله للأنثى: [الوافر]
تسائلني بنو جشم بن بكرٍ ... أغراء العرادة أم بهيم
كميت غير محلفةٍ ولكن ... كلون الصرف عل به الأديم
وهذا البيت الذي أوله كميت يروى للكلحبة العرني ولابن الخرشب الأنماري, وحكي في جمع الكميت: كمات, ولم يصح ذلك, وقالوا في صفة التمرة: كميت إذا كانت تضرب إلى السواد في حمرةٍ, قال الأسود بن يعفر: [الطويل]
وكنت إذا ما قرب الزاد مولعًا ... بكل كميتٍ جلدةٍ لم توسف
أي لم تقشر, ووصفوا الخمر بالكميت أيضًا.
والإعقاق مصدر أعقت الفرس إذا عظم بطنها للحمل, فهي عقوق, وأكثر الناس يزعمون أنهم لم يقولون: معق على ما يوجبه القياس, وقد حكاه بعضهم. والمعنى أن بطنها ينشع ويتسع للحمل وكبر الولد. والغشاش: العجلة. قال البعيث: [الطويل]
يكون نزول القوم فيها كلا ولا ... غشاشًا ولا يدنون رحلًا إلى رحل
وفي النسخ: وعلى غشاشٍ, بلا ياء, ويجب أن يكون الشاعر قاله بالياء, أضاف الغشاش إلى نفسه؛ لأن ذلك أحسن في حكم النظم, ويدل على ثبات الياء قوله: ناقلت بي. وقوله: على إعقاقها فأضاف الإعقاق إليها, فأوجب ذلك أن يكون على إعقاق الفرس, وعجلة الفارس, وإنما يحسن حذف الياء لو كان الإعقاق منكرًا غير مضافٍ, مثل أن تقول في الكلام (97/ب) ناقلت بي على إعقاقٍ وغشاشٍ, فأما إذ جاء بالإعقاق مضافًا؛ فالأحسن أن يكون الغشاش مثله في الإضافة.
والنقال: ضرب من عدو الخيل, قال جرير: [الكامل]
من كل مشترفٍ وإن بعد المدى ... ضرم الرقاق مناقل الأجرال
وقوله:
من المتمردات تذب عنها ... برمحي كل طائرة الرشاش
أصل المرود الإعياء, يقال: مرد الشيطان إذا أعيا خبثًا, وكذلك مرد الإنسان, فهو مارد, ومريد, ومنه المثل المحكي عن الزباء: «مرد مارد وعز الأبلق» وهما حصنان أعياها أمرهما, ومنه قولهم: بناء ممرد؛ أي: إنه يعيي من طلبه, وقيل: الممرد: المملس والمطول, وتذب؛ أي: تذود, يستعمل ذلك في ذب العدو وغيره, قال الراجز: [الرجز]
من ذب منكم ذب عن صميمه ... أو فر منكم فر عن حريمه
ومن ذلك: ذبت الناقة وغيرها البعوض والذباب, وإنما قيل له: ذباب؛ لأنه يذب؛ أي: يطرد, قال الشماخ: [البسيط]
تذب ضيفًا من الشعراء منزله ... منها لبان وأقرب زهاليل
الشعراء: ضرب من الذباب. وزهاليل: ملس.
وكل طائرة: يحتمل «كل» الرفع والنصب. فإذا نصب فتذب للفرس كأنه جعلها تذب برمحه, وهذا مثل قولهم: قتلت الخيل وهزمت الأعداء, وإنما يريدون الفوارس. والمعنى أن هذه الفرس تذب برمحي عن نفسها كل طعنةٍ, إذا أصابت المطعون طار لها رشاش, وهو ما يفترق من الدم, أخذ من رشاش المطر, وإذا رفعت كل فالفعل لها, وليس للفرس فيه شيء, وإنما هي مذبوب عنها, والحمد في الوجهين للفارس؛ لأنه الذي يحمل الفرس على الطعن ويصرف الرمح.
وقوله:
إذا ذكرت مواقفه لحافٍ ... وشيك فما ينكس لانتقاش
شيك: إذا أصابته شوكه. والانتقاش: إخراج الشوكة من الرجل, وغيرها من الجسد, ومن ذلك قيل: المنقاش, وهو عربي صحيح, قال الشاعر: [الطويل]
فواأسفا إن الفراق يروعنا ... بمثل مناقيش الحلي قصار
يعني مناقير الغربان؛ لأنها تنعب بالفراق. ومن الأمثال: «لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها» , ويقال ذلك للرجل إذا استعان على عدوه بآخر هو له عدو. والمعنى أن هذا الممدوح يرغب القاصد في لقائه فلو أنه حافٍ, ووقعت في رجله شوكة لمنعته العجلة وإيثار لقائه من أن ينتقشها من قدمه.
وقوله:
تزيل مخافة المصبور عنه ... وتلهي ذا الفياش عن الفياش
الفياش: المفاخرة بالباطل, يقال: فاش الرجل وفايش غيره, والرجل فيوش, قال جرير: [الوافر]
فأوعد بالخزير مجاشعيًا ... إذا ما فاش وانتفخ الوريد
وقال أيضًا: [الكامل]
أيفايشون وقد رأوا حفاثهم ... قد عضه فقضى عليه الأشجع
الحفاث: حية عظيمة تنفخ ولا تؤذي. والمصبور: الذي يحبس ليقتل أو يكون حبسه لغير القتل. وفي الحديث: «أن رجلين أمسك أحدهما رجلًا, وقتله الآخر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا القاتل, واصبروا الصابر» وقال عنترة: [الكامل]
فصبرت عارفةً لذلك حرةً ... ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقوله:
وما وجد اشتياق كاشتياقي ... ولا عرف انكماش كانكماشي
الانكماش: السرعة في الأمر, والرغبة في قضائه.
وقوله:
فسرت إليك في طلب المعالي ... وسار سواي في طلب المعاش
المعاش: يستعمله الناس فيما يؤديهم إلى الحياة, فيقولون: معاشه من التجارة, أو خدمة الناس, ونحو ذلك؛ أي: يتوصل به إلى العيش, وأهل اليمن يسمون الطعام عيشًا, ويقولون للرجل: عش في معنى كل, ويقولون: معيشة في معنى المعاش. والمصدر من ذوات الياء, مثل عاش يعيش, وغاب يغيب يجيء على مفعلٍ كثيرًا, مثل: سار مسيرًا, وزاد في الثمن مزيدًا مثل زيادةٍ, قال الشاعر: [الكامل]
الله يعلم لو أردت زيادةً ... في الحب عندي ما وجدت مزيدا
وربما جاء فيه مفعل, قال الشاعر (98/أ): [الوافر]
أنا الرجل الذي قد عبتموه ... وما فيه لخلقٍ من معاب
وقال رؤبة: المعيش, فيجوز أن يكون أراد جمع معيشةٍ أو جعله اسمًا غير مجموعٍ, كما قالوا: المسير والمغيب, وذلك قوله: [الرجز]
إليك أشكو شدة المعيش
ومر أعوامٍ نتفن ريشي
نتف الحبارى عن قرى رهيش
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)