المنشورات

حشاشة نفسٍ ودعت يوم ودعوا ... فلم أدر أي الظاعنين أشيع

وهي من ثاني الطويل في قول الخليل, ومن أول السحل الأول في قول غيره.
يروى: الظاعنين على الجمع, والظاعنين على التثنية؛ فإذا كان جمعًا فهو على ما يجب من الكلام؛ لأنه جعل الحشاشة مودعةً, وجعل المودعين جمعًا, وإذا روي على التثنية فإنه أجرى المودعين, الذي ذكرهم في قوله: ودعوا جارين مجرى الخليط, وهو نحو من قول الأسود بن يعفر: [الكامل]
إن المنية والحتوف كلاهما ... موفي المخارم يرقبان سوادي
جعل الحتوف بمنزلة العدو, والوجه الأول عندي أحسن؛ لأنه لا يفتقر إلى مثل هذا التأويل.
وقوله:
أشاروا بتسليمٍ فجدنا بأنفسٍ ... تسيل من الآماق والسم أدمع
الآماق: جمع موقٍ, وفيه لغات: مؤق, ومأق, ومؤقٍ, وحكى الفراء مأقي في وزن مفعلٍ مثل مأوي الإبل, وهما نادران في هذا الباب, ولم يأت على مفعلٍ غيرهما, وقد حكي في واحد الآماق: أمق وأمق, فإذا قيل مؤق بالهمز فالجمع آماق, مثل سؤرٍ وأسآرٍ؛ أي: بقية. قال الشاعر: [مجزوء الكامل]
فارقت هندًا ضلةً ... فأسيت عند فراقها
فالعين تسفح عبرةً ... للوجد من أمآقها
ومن قال: آسار في جمع سؤر, فقدم الهمزة, فجعلها تلي همزة أفعالٍ, ثم جعلها ألفًا فإنه يقول: آماق, والذين يقولون: موق, فيجعلون الهمزة واواً, لو قالوا: أمواق كما قالوا: عود وأعواد لم يبعد ذلك, إلا أن تركه (104/ب) على الهمز في الجمع أحسن, كما أن الذين قالوا: ذيب فجعلوا الهمزة ياءً لا يقولون: أذياب, كما يقولون: عيد وأعياد, والذين قالوا: مأقٍ على مثال مفعلٍ يقولون في الجمع: مآقٍ, قال الراجز: [الرجز]
جارية بيضاء في رتاق ... تدير طرفًا أكحل المآقي
وقال ذو الرمة في تثنية مأقٍ: [الوافر] 
على وجناء يذرف مأقياها ... من العيدي قد ضمرت كلالا
ومن قال: ماقٍ فخفف رده إلى الهمز في الجمع, كما أن الذي يقول: مأكل ثم يخفف الهمزة يقول في الجمع: مآكل, ولا يجريه مجرى خاتمٍ وخواتم, فيقول: مواكل ومن قال: أمق وأمق قال في الجمع: آماق في وزن آمالٍ, وهو على هذا القول أفعال؛ لأن الهمزة الأصلية هي التي صارت ألفًا, ومن قال: مؤق ثم قال: آماق فوزنها على قوله: عفال؛ لأن الهمزة المتوسطة صارت واليةً همزة أفعالٍ, ومن قال: مؤقٍ فجمعه مثل جمع مأقٍ.
والمراد بالمؤق مؤخر العين الذي يلي الأنف, ومن قال: ماق فخفف الهمزة لم يبعد أن يقول في الجمع أمواق.
والسم فيه لغات, وقد مضى ذكرها, وهذا المعنى يتردد في الشعر كثيرًا. وتدعي الشعراء أن الدمع هو نفس الإنسان, وقد استعمل ذلك أبو الطيب في قوله: [الكامل]
أرواحنا انهملت وعشنا بعدها ... من بعد ما قطرت على الأقدام
وقوله:
حشاي على جمرٍ ذكي من الهوى ... وعيناي في روضٍ من الحسن ترتع
لو كان الكلام منثورًا لكان الواجب أن يقول: ترتعان, ولكنه جعل الاثنين جمعًا, وذلك مثل قول الفرزدق: [الوافر]
فلو بخلت يداي بها وضنت ... لكان علي للقدر الخيار
ومما يجانس هذا قوله تعالى: {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعضٍ} , وأصل الرتوع: ذهاب الماشية في الرعي ومجيئها فيه, ثم كثر ذلك حتى استعمل للآدميين, وفي كتاب الله سبحانه: {أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب} , وقالوا: وحش رتاع ورتوع, وكذلك قالوا في الإبل, قال القطامي: [الوافر]
أكفرًا بعد دفع الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا
وقوله:
ولو حملت صم الجبال الذي بنا ... غداة افترقنا أوشكت تتصدع
أصل الصمم في الأذن, وقالوا للصخرة: صماء وللجبل: أصم, وهم يريدون أنه إذا ضرب بالملطس لم يكسره, وقالوا للفرس الشديد: صمم, قال الشاعر: [البسيط]
سميت نفسك فيها سابقًا صممًا ... وكان غيرك فيها السابق الصمم
وكأنه أخذ من الصمة, وهي الشدة, وقالوا للأسد: صمة, وكذلك للشجاع. وأوشكت: أي أسرعت. وجاءت أفعال للمقاربة لا تجيء معها (أن) , كقولهم: جعل يفعل, وكرب يقول, وكاد يطير من السرور؛ وكأن أبا الطيب شبه أوشك هاهنا بتلك الأفعال.
وتتصدع: في موضع نصبٍ على الحال؛ كأنه قال: أوشكت متصدعةً؛ أي: أسرعت في التصدع, ونحو من ذلك قولهم: أقبل يقول كذا أي: أقبل قائلًا, ولو كان الكلام منثورًا لكان ظهور (أن) هاهنا حسنًا, وإذا ظهرت صارت وما بعدها في موضع مفعولٍ, وبطل معنى الحال؛ لأن (أن) تدل على أن الفعل غير واقعٍ. والتصدع: التفرق, وصدع الإناء إذا شقه؛ لأنه يفرق أجزاءه, وكذلك صدع الرداء. قال عبد يغوث الحارثي: [الطويل]
كأني لم أركب جوادًا ولم أقل ... لخيلي كري كرةً من ورائيا
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ... لأيسار صدقٍ أعظموا ضوء ناريا
وأعقر للشرب الكرام مطيتي ... وأصدع بين القينتين ردائيا
وقوله:
بما بين جنبي التي خاض طيفها ... إلى الدياجي والخليون هجع
هذا مثل قولهم: بنفسي التي؛ لأن قوله: بما بين جنبي مؤد معنى النفس, فيجوز أن تكون «التي» وصلتها في موضع رفعٍ, ويكون التقدير: المفدية بما بين جنبي التي خاض طيفها, ويجوز أن يكون المضمر أفدي, وتكون «التي» في موضع نصبٍ.
والدياجي: جمع لا يستعمل واحده, وأشبه الأشياء به أن يكون واحده ديجوًا على مثال فيعولٍ من قولهم: دجا الليل يدجو إذا ألبس الأرض, فلما جمع قلبت الياء واواً؛ لأن كسرة الجمع وقعت قبلها, كما يقال في جمع ديجور: دياجير, ثم خففت الياء, كما فعلوا ذلك (105/أ) في أماني ونحوها, فإن ادعى مدعٍ أن أصل دياجٍ دياجير أو دياجيج, ثم حذفت الراء أو الجيم فقد ذهب مذهبًا, إلا أن الأول أشبه.
وقوله:
أتت زائرًا ما خامر الطيب ثوبها ... وكالمسك من أردانها يتضوع
استعمل زائرًا للمؤنث؛ لأنه ذهب إلى الشخص أو المحبوب, ومن هذا النوع قولهم للمرأة: ظبي وغزال, قال أبو دواد: [مجزوء الكامل]
ولقد دخلت الخدر يحـ ... ـفزني إلى الفرش القرام
فإذا غزال عاقد ... كالبدر فشغه المنام
وقال ابن أبي ربيعة: [السريع]
يا من لقلبٍ دنفٍ مغرم ... هام إلى هندٍ ولم يظلم
هام إلى ريمٍ لطيف الحشى ... عذب الثنايا حسن المبسم
ولكن أبا الطيب قال: أتت زائرًا فجاء بالفعل وفيه علامة التأنيث, وجاء بزائرٍ على لفظ التذكير؛ فكان ذلك أبعد من غيره, ولم يقل كما قال ذو الرمة استعمل زائرًا في المؤنث: [الطويل]
أتت تخبط الظلماء من جانبي قسًا ... وحب بها من خابط الليل زائرا
وقولهم: حبذا هند زائرًا, وحبذا هي طارقًا أحسن من قولهم: جاءت زائرًا.
وقوله:
فيا ليلةً ما كان أطول بتها ... وسم الأفاعي عذب ما أتجرع
في هذا الكلام حذف, والمعنى: ما كان أطولها, ولو كان في غير الشعر لجاز (بتك) مكان (بتها) , ويكون المعنى ما كان أطولك, ولما قال: بتها وجب أن يكون التقدير: ما أطولها, وهم يحذفون مفعول التعجب إذا كان المعنى دالًا عليه, كما يقال: لقيت فلانًا فما أعز وأكرم, فلما جئت باسم المتعجب منه في أول كلامك جاز أن تحذف العائد عليه, قال الشاعر: [الطويل]
نزلنا بسهمٍ والرياح تلفنا ... فلله سهم ما أدق وألأما
وقوله:
تذلل لها واخضع على القرب والنوى ... فما عاشق من لا يذل ويخضع
إن جعلت (من) معرفةً فعاشق خبر مقدم, كأنه قال: فما من لا يذل ويخضع عاشق, ويجوز أن ترفع عاشقًا بما, وتجعل (من) مرفوعًا بفعله, فإن جعلت (من) نكرةً جعلت عاشقًا اسم ما, ومن وما بعدها خبر.
وقوله:
فأرحام شعرٍ يتصلن لدنه ... وأرحام مالٍ ما تني تتقطع
يقال: لدن, بضم الدال, ولدن بفتحها, وزعموا أن فتحها لا يجوز إلا مع غدوةٍ إذا قلت: جئتك لدن غدوةً, ويقال لدن, بسكون الدال وفتح اللام, ولدن, بضم أوله, ولد, بغير نونٍ, ولد, بضم اللام والدال, ولد ساكنة الدال, والتشديد مع غير النون التي يراد بها الكناية عن الجمع قليل؛ لأنهم يقولون: لدنا, كما يقولون: عندنا, فإن كانت النون شددها بعض الفصحاء في مثل قوله: لدنه, ولدنك فإنما اجترأ على ذلك؛ لأنه سمعها مشددةً في مثل قوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علمًا} , وزعم بعض النحويين أن الفرق بين لدن وعند أن لدن تختص بمن تضاف إليه, فإذا قيل: جئتك من لدن محمدٍ فإنما يراد ما قرب منه, وإذا قيل: لدن فلانٍ مال فإنما يراد ما هو حاضر لديه, ولا يحسن عند صاحب هذا القول أن يقال: لدنه مال وهو بالشام, والمال بالعراق. ويحسن ذلك في عند, وليس هذا القول بشيء, ولا فرق بين معناهما في الحقيقة؛ إلا أن لدن كثرت فيها اللغات, وعند لزمت كسر العين وسكون النون, وقد حكيت عند وعند؛ وذلك قليل مهجور, وإذا قالوا: لدني فإنما شددوا النون ليسلم سكونها في قولك: لدن, كما أنهم قالوا: مني وعني, فجاؤوا بالتشديد كراهة أن يجيئوا بياء أن يكون مصنوعًا, وذلك قوله: [المديد أو الرمل]
أيها السائل عنه وعني ... لست من قيسٍ ولا قيس مني
وهذا البيت لا يثبت تخفيف النون فيه, إلا أن يكون ما بعده من الأبيات دالًا على ذلك, لأنها لو شددت والبيت فارد لكان الوزن قويمًا, إلا أنه في حال التخفيف (105/ب) يكون من ثالث الرمل, وفي التشديد يكون من أول المديد. وسيبويه يزعم أنهم إذا قالوا: لدن غدوةً فنصبوا الاسم بعدها فإنما شبهوه إذا ضمت الدال بقولك: هذا ضارب خالدًا, وإذا فتحت الدال شبه بقولهم: اضربن فلانًا, وقول الفراء في هذا أقرب؛ لأنه يذهب إلى أن (كان) بعد لدن مضمرة؛ كأنه قال: جئتك لدن كان الوقت غدوةً؛ لأن لدن يقع بعدها الفعل, كما قال القطامي: [الطويل]
صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب الذوائب 
وأنشد الفراء: [البسيط]
لدن كبيرًا إلى أن مسه الخرف
لأن لدن إذا وقعت على الزمان فقد صارت من أسمائه, فجاز أن يقع بعدها الفعل كما يقال: جئتك حين جاء فلان, وآتيك حين يقدم الحاج. واستعار الأرحام للشعر والمال, كما تفعل الشعراء فتخرج الأشياء من أصولها مستعارةً, فيقولون: يد الدهر, وماء الصبابة, وغمام العطاء, ونحو ذلك.
وقوله:
فتًى ألف جزءٍ رأيه في زمانه ... أقل جزيءٍ بعضه الرأي أجمع
هذا بيت لابد فيه من تقدير محذوفٍ, وإلا لم يصح معناه, وقوله: رأيه في زمانه في موضع مبتدأ, كأنه قال: فتًى رأيه في زمانه ألف جزءٍ أقل جزيءٍ منه, فكأن قوله: أقل جزيءٍ متصل بقوله: ألف جزءٍ, وقوله: أقل جزيءٍ: مبتدأ, وهو كالصفة لجزءٍ, ومثل هذا الحذف قليل جدًا, وبعضه: مبتدأ, والرأي أجمع: خبر لبعضٍ, وبعض وما بعدها في موضع وصفٍ لجزيءٍ, والهاء في بعضه عائدة على جزيءٍ.
وقوله:
غمام علينا ممطر ليس يقشع ... ولا البرق فيه خلبا ليس يلمع
الغمام: جمع غمامة, وهو مأخوذ من الم؛ أي: الستر, كأنه يغم الشمس. قال الهذلي: [الطويل]
كأن الغلام الحنظلي أجاره ... يمانية قد غم مفرقها القمل
ويقال: أقشع السحاب: إذا تجلى, وقشعته الريح إذا سفرته, وهذا أحد ما جاء على أفعل الشيء وفعله غيره, مثل: أكب لوجهه وكبه غيره, وله أمثال كثيرة. وبرق خلب؛ أي: خادع.
وقوله:
إذا عرضت حاج إليه فنفسه ... إلى نفسه فيها شفيع مشفع
يقال: حاجة وحاج, كما يقال: ساعة وساع, وحاجة وحوج على غير قياسٍ, وحاجة وحوائج كأنهم جمعوا حائجةً, وقالوا: رجل محوج إذا احتاج إلى النفقة, وهذا على غير قياسٍ لأن الأكثر أن يعلوا هذه الواو, فيقولوا: أقام فهو من قام يقوم, وألام إذا أتى ما يلام عليه وهو من اللوم, وربما أصحو في مثل هذه الأفعال, كما قالوا: أحول المنزل, وأحال, إلا أنهم قالوا: أحوج الرجل, ولم يقولوا: أحاج فيعلوا, إلا أن يكون في كلامٍ شاذ.
وقوله:
خبت نار حربٍ لم يهجها بنانه ... وأسمر عريان من القشر أصلع
خبت النار إذا سكن لهيبها, والمصدر الخبو, وقالوا: خبوت النار, قال الشاعر: [الوافر]
وتوقد باليفاع الليل ناري ... تشب إذا يحس لها خبوت
كأنه أبدل من الواو الآخرة تاءً, وذلك مشابه لقولهم: تخمة من الوخامة, وتكأة من توكأت؛ أبدلوا التاء من الواو المضمومة في أول الكلمة, فيجوز أن يكون الخبوت من هذا الجنس؛ لأن الواو قد أبدلت منها التاء في حال الحركة والسكون, فقالوا في افعتل من الوعد: اتعد, والرجل متعد, وقالوا: أتلج الشيء في الشيء بمعنى أولج, ولا يمتنع أن يكون خبت اللهيب أصلًا في كلامهم, ويكون مأخوذًا من الخبت وهو المطمئن من الأرض مع سهولةٍ, ومنه قالوا: أخبت الرجل إذا تأله وخشع, كأنه ذل حتى لصق بالخبت من الأرض, وقد قالوا: خبت الرجل بمعنى أخبت.
وقوله: خبت نار حربٍ؛ الأحسن أن تكون على معنى الدعاء, كما يقال: لا كانت حرب لم يهجها فلان. ويعني بالأسمر العريان من القشر: القلم, (106/أ) وجعله أصلع؛ لأنه لا نبات عليه, ومن ذلك قولهم للرأس: أصلع, وللجبل إذا لم يكن فيه شجر, وقالوا للحجر: صلع؛ لأنه لا ينبت.
وقوله:
نحيف الشوى يعدو على أم رأسه ... ويحفى فيقوى عدوه حين يقطع
قد مضى الكلام في الشوى, واتفق في هذا البيت أنه أراد بالشوى رأس القلم الذي يكتب به, وجعله نحيفًا؛ لأنه يقلم فيدق, وإنما يستعمل الشوى في القوائم, وقد استعمله هاهنا في الرأس, وإنما حسن ذلك؛ لأن القلم كالذي يمشي على رأسه فشبه رأسه بشوى الفرس, ولا يحسن أن يجعل الشوى هاهنا جمع شواةٍ؛ أي: جلدة الرأس, وإنما قوي استعماله نحيف الشوى في هذا الموضع؛ لأنهم يقولون في صفة الفرس: عبل الشوى. ويحفى من حفي الفرس إذا رق حافره من العدو أو المشي, لما جعل له شوًى جاز أن يصفه بالحفا, وذكر أنه يحفى تارةً ويعدو أخرى, ومثل هذه الأشياء سائغ كثير. وأم الرأس: مجتمعه ومعظمه.
وقوله:
وليس كبحر الماء يشتق قعره ... إلى حيث يفنى الماء حوت وضفدع
يقول: ليس هذا الممدوح كبحر الماء يمكن استقصاؤه ويشتقه إلى منتهاه الحوت والضفدع. وفي الضفدع لغتان: ضفدع, وهي اللغة المعروفة, وقد حكي ضفدع, بفتح الدال. وقعر الشيء: أسفله. وحوت مرفوع بيشتق, كأنه قال: ليس كبحر الماء يشتق حوت وضفدع قعره إلى حيث يفنى ماؤه.
وقوله:
أبحر يضر المعتفين وطعمه ... زعاق كبحرٍ لا يضر وينفع
يقال: ماء زعاق إذا لم يستطع شربه لمرارته وملوحته. يقال: قليب زعاق وأقلبة زعاق, ويقع على الواحد والجمع, قال الشاعر: [الكامل]
وكأن حيًا قبلهم لم يشربوا ... منه بأقلبةٍ أجن زعاق
وكأنه سمي زعاقًا؛ لأن شاربه يزعق أي يصيح لما يجده في فمه من كراهة الماء. ومن قولهم: زعق إذا صاح, وقالوا لفراخ الحجل: زعاقيق, ويجوز أن يقال ذلك للحجل لكثرة صياحه, قال الشاعر, وهذا البيت يروى لوعوعة بن الطرماح: [المتقارب]
كأن الزعاقيق والحيقطان ... يبادرن في المنزل الضيونا
وقالوا: مهر مزعوق إذا كان نشيطًا حديد النفس كأنه زعق به؛ أي: صيح.
وقوله:
يتيه الدقيق الفكر في بعد غوره ... ويغرق في تياره وهو مصقع
التيار: الموج؛ لأنه يجيء تارة, ويذهب أخرى, والمصقع من قولهم: صقع: إذا رفع صوته, وقيل: خطيب مصقع, إذا رفع صوته ليسمع الناس, ويجوز أن يكون أصله السين؛ لأنها إذا كانت في كلمة وبعدها قاف أو خاء أو طاء جاز أن تجعل صادًا فيقولون: سويق وصيوق, وسلخ الغنم وصلخها, وبسط وبصط.
وقوله:
ألا أيها القيل المقيم بمنبجٍ ... وهمته فوق السماكين توضع
يقال: وضع البعير في سيره, وأوضعه صاحبه, وكأن الوضع دون الخبب؛ أي: قد وضع عنه وحطت منزلته.
وقوله:
أليس عجيبًا أن وصفك معجز ... وأن ظنوني في معاليك تظلع
يقال: ظلع البعير وغيره: إذا لحق قوائمه ما ينكر من شدة السير, ثم استعير ذلك لمن أبطأ وقصر, حتى قيل: ظلعت الكواكب: إذا أبطأت في السير, قال طفيل الغنوي: [الطويل]
وقد سمنت حتى كأن مخاضها ... تفشغها ظلع وليست بظلع
وقالوا في الأمثال: «جاء بعدما نام ظالع الكلاب» , فقيل: أرادوا أنه به ظلعًا, فهو ينتظر أن تنام الكلاب فيعاظل الكلبة؛ لأنه لا يطيق هراشها, وقيل: بل الكلب إذا اشتدت حاجته إلى الغطال أصابه ظلع, قال الحطيئة: [الطويل] 
فحياك ود من هداك لفتيةٍ ... وخوصٍ بأعلى ذي طوالة هجد
تيممتنا من بعد ما نام ظالع الـ ... ـكلاب وأخبى ناره كل موقد
ويقال في المثل: «ارق على ظلعك»؛ أي: تكلف الأمر على ما بك من ضعفٍ, ويقال: ارقأ (106/ب) على ظلعك, بالهمز. قال الأفوه: [الرمل]
فارقأن منك على ظلعك قد ... فاتك القوم نجارًا وسعه









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید