المنشورات
ملث القطر أعطشها ربوعا ... وإلا فاسقها السم النقيعا
وهي من أول الوافر على رأي الخليل, ومن أول السحل الرابع في قول غيره.
يقال: ألث القطر: إذا دام, وقد جرت عادة الشعراء أن يستسقوا للربوع, فخالفهم أبو الطيب في هذا الموضع, وذكر العلة في تركه استسقاء الغيث, وسؤاله إياه إن سقاها أن يكون ما يسقيه سمًا نقيعًا؛ وذلك قوله:
أسائلها عن المتديريها ... فلا تدري ولا تذري دموعا
جعل صمتها عن إجابة السائل, وأنها لا تدري ما فعل أهلها ولا تظهر عليهم البكاء, ذنبًا لها يوجب سؤاله الغيب أن يعطشها أو يسقيها نقيع السمام. وهذا من تكذب الشعراء الذي يستحسن ويسوغ في حكم النظم, وهو مجانس لقول الآخر: [البسيط]
إذا سقى الله أرضًا صوب غاديةٍ ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم
إلا أن هذا القائل ذم هذه (110/ب) البلاد؛ لأنها ليست منازل أحبابٍ فقال: [البسيط]
لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ ... ولا شعوب هوًى مني ولا نقم
ولن أحب بلادًا قد رأيت بها ... عنسًا ولا بلدًا حلت به قدم
والهاء في المتديريها, على مذهب بعض النحويين, في موضع نصبٍ, ولا يمتنع أن تكون مخوضةً, وبعضهم يختار الخفض لا غير, وقوم يعادلون بين الوجهين. ويقال: أذرى الدمع يذريه إذا ذرفه من عينيه, وهو من أذرته الريح.
وقوله:
لحاها الله إلا ماضييها ... زمان اللهو والخود الشموعا
يقال: لحاه: إذا لامه, وهو مأخوذ من لحيت العصا إذا قشرتها, وفيه لغتان: لحيت, ولحوت, فإذا أريد به اللوم لم يستعملون إلا بالياء, والشموع: المزاحة؛ يقال: شمع يشمع, وهي المشمعة, قال الهذلي: [الكامل]
فلبثن حينًا يعتلجن بروضةٍ ... فيحد طورًا في العلاج ويشمع
ويجوز أن يكون اشتقاق (شمع) في معنى (مزح) من الشمعة الموقدة؛ لأنها تضيء ولا يدوم ضياؤها, وكأنها ليست بجادةٍ في ذلك. وقالوا أشمع السراج: إذا اشتد ضوؤه, فكأنه صار مثل الشمعة في الضياء.
وقوله:
منعمة ممنعة رداح ... يكلف لفظها الطير الوقوعا
هذا معنى يتداوله الشعراء, مثل أن يقولوا: لو نادى فلان الطير لأجبنه, ولو سمعت العصم كلامه لنزلت إليه, ونحو منه قول النابلغة: [الكامل]
بتكلمٍ لو تستطيع حواره ... لدنت له أروى الهضاب الركد
وقال آخر: [الطويل]
ولو سمعت غربان ضرخة لفظها ... لأخرت عليها بين مثنى وموحد
وقوله:
ترفع ثوبها الأرداف عنها ... فيبقى من وشاحيها شسوعا
يقال: وشاح وإشاح, وهو شيء ينظم, وتجعله المرأة على خصرها, فربما كان لؤلؤًا, وربما كان خرزًا أو ودعًا. وقالوا: حمام موشح إذا كان فيه لون مخالف معظم لونه, قال ذو الرمة: [الطويل]
قد ارتحلت مي فهاتيك دارها ... بها السحم تردي والحمام الموشح
والردف: العجز, وكل ما تبع شيئًا فهو ردف له, يقال: ردفه وأردفه, والردف واحد كغيره من أعضاء البدن؛ إلا أن الشعراء يقولون: ثقيلة الأرداف يريدون مآخير الجسد.
والشسوع من (شسع) إذا بعد, وهذا المعنى مجانس لقول الآخر: [الكامل]
أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا
وقوله:
إذا ماست رأيت لها ارتجاجًا ... له لولا سواعدها نزوعا
ماست المرأة: إذا اضطربت في مشيها وتمايلت, وكذلك ماس الغصن, ومن أمثالهم: إن الغني طويل الذيل مياس» , يراد أنه من الأشر يتمايل. والارتجاج: الاضطراب, وفي كلام يروى عن ابنة الخس لما قيل لها: بم تعرفين لقاح ناقتك؟ قالت: أرى العين هاجا والسنام راجا وأراها تفاج ولا تبول. وقالوا: سمعت رجة الرعد؛ أي: صوته؛ وإنما يعنون أن صوته شديد ترتج له الأرض. والهاء في له عائدة على الثوب. ونزعا: فعول من (نزع الشيء) إذا نحاه عن موضعه, يقول: لولا سواعد هذه المرأة تمنع ثوبها من أن يزول عنها لألقاه عنها ارتجاجها في المشي.
وقوله:
تألم درزه والدرز لين ... كما تتألم العضب الصنيعا
تألم في معنى تتألم, والغالب على تفعل أنه لا يتعدى, وقد يجيء متعديًا كقولهم: تعلمت العلم, وتسديت الأمر؛ أي: ركبته, وعلوته. والمعنى تتألم من درزه, والدرز: أثر الخياطة, وهو قليل التردد في الكلام القديم, وقال بعضهم: إن الدنيا يقال لها أم درزٍ, يراد أنها تحوج إلى أن تخدم, كما يحوج الثوب إلى أن يخاط.
وقوله: (111/أ)
ذراعاها عدوا دملجيها ... يظن ضجيعها الزند الضجيعا
الدملج: كلمة قديمة, يقال: دملج ودملوج. قال الراجز: [الرجز]
كأن بين المرط والدمالج ... نافجةً من أطيب النوافج
فهذا جمع دملجٍ, ومن قال: دملوج؛ فقياسه أن يقول في الجمع: دماليج. والدملج يكون في العضد, وليس الذراع موضعًا له؛ لأن الذراع من المرفق إلى الكوع, والعضد من المرفق إلى المنكب, قال الراجز: [الرجز]
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت مني كذراعٍ من عضد
والمعنى أن دملجيها يثبتان في العضدين, ولا يقدران أن يخرجا إلى الذراع؛ فكأنهما للذراعين عدوان؛ لأن العدو يبعد ممن عاداه. ودملجاها قد غصا بعضديها, ففهما ثابتان, وهم يصفون المرأة بأنها تغص الحلي, ويملأ ساقها الخلخال, وزندها السوار, ومن ذلك قول المرار الأسدي: [الرمل]
يضرب السبعون في خلخالها ... فإذا ما أكرهته ينكسر
أي: يضيق عن مخدمها, فإذا أكرهته انكسر. والزند: موضع السوار, وقد أفرط في صفتها بالسمن حتى خرج إلى أمرٍ لو كان لأدى إلى الذم.
وقوله:
غدا بك كل خلوٍ مستهامًا ... واصبح كل مستورٍ خليعا
الخلو من قلبه خالٍ من هوى, وكل من فقد شيئًا فهو خلو منه. والمستهام الذي قد حمله الحب على أن يهيم في الأرض؛ أي: يذهب فيها. وأصل الخليع في الرجال هو الذي قد خلعه قومه فصاروا لا ينصرونه, ولا يحملون عنه إذا غرم, فهو فعيل في معنى مفعولٍ؛ أي: قد خلع من قومه, ثم كثرت هذه الكلمة, حتى قيل لمن شهر باللعب واللهو: خليع؛ أي: هو ممن ينبغي ألا يلتفت إليه أهله. ويجوز أن يكون مأخوذًا من الثوب الخليع؛ أي: الخلق, وكانوةا في الجاهلية يقامرون فربما قمر الرجل ماله وأهله, فيقال له: خليع عند ذلك؛ أي: قد خلع مما كان له. وقالوا للذي يقامر بالميسر: مخالع؛ لأنه إذا أسرف خلع من ماله, قال الطرماح: [الكامل]
في تيه مهمهةٍ كأن صويها ... أيدي مخالعةٍ تفيض وتنهد
وقوله:
أحبك أو يقولوا جر نمل ... ثبيرًا وابن إبراهيم ريعا
أو في معنى حتى هاهنا, وثبير: جبل, وهذا كما يقال: لا أكلمك حتى يشيب الغراب ويبيض القار؛ أي: إن ذلك لا يكون أبدًا, ومعنى البيت: أن حبي لك ثابت إلى أن يجر النمل ثبيرًا, أو يقول قائل: ريع ابن إبراهيم, وذلك شيء لا يكون أبدًا.
وقوله:
بعيد الصيت منبث السرايا ... يشيب ذكره الطفل الرضيعا
الصيت: مثل السمع, وهو ما يذهب للإنسان من ذكرٍ بين الناس, ويقال: ذهب صوته في معنى صيته, وأصات الرجل إذا صار له صيت, قال الشاعر: [الوافر]
ألا من مبلغ عوف بن كعبٍ ... فكيف أصات بعدكم النقيل
والنقيل: الذي ينتقل عن قومه. يقول: كيف صار له صيت لما اغترب؟ والسرية: جماعة يرسلها صاحب الجيش ليلًا, وهي مأخوذة من سرى وأسرى إذا سار الليل.
وقوله: يشيب ذكره الطفل الرضيعا: كلام قد اصطلح عليه الناس, وإنما يريدون به المبالغة في الأمر؛ أي: إن هذا الممدوح يشيب من خوفه الطفل, وهذا شيء لا يجوز أن يكون في الدار العاجلة, ولعل الله سبحانه وتعالى يحدثه في القيامة, كما قال تعالى: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} , وهم يدعون أن الرأس يشيب من الفرق, حتى زعم بعضهم أنه شاب في ليلةٍ. قال علي بن الجهم: [الخفيف]
إن أمرًا جنى علي مشيب الر ... أس في ليلةٍ لأمر عظيم
وقوله:
إن استعطيته ما في يديه ... فقدك سألت عن سر مذيعا
قدك: في معنى حسبك, وهي مما يستعمل بعده المضمر, فيقال: قدني, وقدك, قال زيد الخيل: [الوافر]
ولولا قوله يا زيد قدني ... إذًا قامت نويرة بالمآلي
وأدخلوا النون بعد الدال ليسلم لها السكون, كما فعلوا ذلك في عني ومني, وربما قالوا: قدي, قال الراجز (111/ب): [الرجز]
قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس الأمير بالشحيح الملحد
فقدي في آخر البيت: قيل: إن ياءها هي الياء التي في قدني, وقيل: ياؤها للإطلاق, وزعم قوم أنها إذا وليت الاسم الظاهر جاءت مخفوضةً, ويجوز فيها النصب, وقلما يستعمل بعدها الظاهر, وتم الكلام عند قوله: فقدك, ثم استأنف فقال: كأنك إذا سألته ما في يديه سألت عن سر من جرت عادته أن يذيع الأسرار, فأنت مستغنٍ عن سؤاله.
وقوله:
قبولك منه من عليه ... وإلا يبتدئ يره فظيعا
في هذا البيت ضمير مصدرٍ قد دل عليه الفعل, والضمير الذي قبل الهاء في قوله: يره راجع إلى الرجل, والهاء تعود على مضمرٍ آخر, كأنه قال: وإلا يبتدئ ير ترك الابتداء فظيعًا؛ أي: قبيحًا. يقال: أفظعني الأمر إذا أفزعني, وأمر مفظع وفظيع, وداهية مفظع, قال طفيل الغنوي: [الطويل]
أناس إذا ما الكلب أنكر أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء مفظع
والمن إذا إذا استعمل في معنى الإحسان والعطية جاء على ضربين:
أحدهما: أنه إكرام ليس معه ما يكدره من الاعتداد بالصنيعة.
والآخر: أن يكون ثم ذكر, فهذا يعترض عليه التكدير, وكثيرًا تقول العرب: أسر فلان فلانًا فمن عليه؛ إذا لم يطلب منه فداءً, ولم يقتله إن كان له ذحل عنده.
وقوله:
لهون المال أفرشه أديمًا ... وللتفريق يكره أن يضيعا
الهون: الهوان, وأفرشه أديمًا؛ أي: جعله كالفراش له, ومن شأنهم أن يفرغوا المال على نطعٍ, والكلام يتم عند قوله: وللتفريق, ثم قال: يكره أن يضيعا كالمفسر لما سبق من البيت, أي: إنه إنما أفرشه الأديم كراهةً لضياعه.
وقوله:
إذا مد الأمير رقاب قومٍ ... فما لكرامةٍ مد النطوعا
واحد النطوع: نطع في وزن ضلعٍ, وهذه أفصح اللغات, وقد قالوا: نطع, بفتح النون والطاء, ونطع, بفتح النون وسكون الطاء, ونطع على مثال جذعٍ, قال الراجز: [الرجز]
يضربن بالأزمة الخدودا ... ضرب الأكف النطع الجديدا
وقوله:
فليس بواهب إلا كثيرًا ... وليس بقاتلٍ إلا قريعا
القريع: السيد, وقد ذكر في الأضداد؛ فيجيء في معنى الكريم الرئيس, وفي معنى المغلوب الذليل, وكلاهما معدول عن مفعولٍ؛ فإذا كان مدحًا فهو من قولهم: قرعت الشيء, فهو مقروع: إذا أخذت خياره, فيقال: مقروع للمختار, ومقروع للذي بقي بعد أخذ الجيد. يقول: هذا الممدوح لا يقتل إلا سيدًا من القوم؛ لأن ذلك أعظم لخطره.
وقوله:
وليس مؤدبًا إلا بنصلٍ ... كفى الصمصامة التعب القطيعا
الصمصامة: من صفات السيف, وهو الماضي القاطع, يقال: صمصام وصمصامة, ويقولون: صمصامة عمرو بن معدي كرب وصمصامه. وقال عمرو: [الوافر]
خليل لم أخنه ولم يخني ... مع الصمصام أو سيفي سلام
أراد سلامة ذا فائشٍ الحميري فحذف الهاء, والذين يذهبون إلى أن الحرف المكرر يكون بدلًا من التشديد, كقولهم: رقرق في رقق, وغلغل في غلل, يرون أن الصمصام مأخوذ من صمم السيف إذا قطع في غير مفصلٍ. والقطيع: السوط, وهو فعيل في معنى مفعولٍ, كأنه معدول عن مقطوع.
يقول: إن هذا الممدوح لا يعاقب إلا بالسيف, فقد أراح السوط من التعب؛ لأنه لا يعاقب به, وجعل السوط يتعب على معنى الاستعارة؛ لأن الضرب به يتكرر؛ فإذا أقيم به الحد ضرب المحدود مئة سوطٍ أو ثمانين أو أربعين, والسيف طال ما قتل بضربةٍ واحدةٍ.
وقوله:
علي ليس يمنع من مجيءٍ ... مبارزه ويمنعه الرجوعا
يقول: إذا بارزه مبارز قتله أو أسره فيمنعه من الرجوع إلى أهله أو أصحابه. ويقال: إن أبا دلامة الشاعر بارز رجلًا (112/أ) من الخوارج فلما دنا منه قال الخارجي: [الرجز]
فويجر خدعته حتى انخدع ... فر من الموت وفي الموت وقع
فقال له أبو دلامة: أظنك لم تنو أهلك, قال الخارجي: أجل, فقال أبو دلامة: لكني أنوي دلامة, ورجع إلى أصحابه. فيقول: إن الممدوح لا يمكن من بارز من أن يرجع من حيث جاء؛ لأنه يعجله عن ذلك.
وقوله:
ونالت ثأرها الأكباد منه ... فأولته اندقاقًا أو صدوعا
جعل الأكباد كأنها تطلب ثأرًا عند الرماح, لأنها تطعن بها فتجازيها بأنها تدقها أو تصدعها, وهذا كله من المستعار, ونحو منه قوله في الأخرى: [الكامل]
في كل معتركٍ كلى مفرية ... يذممن منه ما الأسنة تحمد
جعل الكلى ذامةً, والأسنة حامدةً, وليسا مما يوصف بذم ولا حمدٍ.
وقوله:
فحد في ملتقى الخيلين عنه ... وإن كنت الغضنفرة الشجيعا
أدخل الهاء على الغضنفر للمبالغة, والغضنفر من صفات الأسد, وقيل: إنه الغليظ الجلد, وقالوا للبن الخاثر: غضنفر لغلظه. والشجيع: في معنى الشجاع, فالشجيع جارٍ على شجع كما أن كريمًا جارٍ على كرم, ويقال: شجيع وشجاع, وفي الجمع: شجعان وشجعان وشجعة وشجعة.
وقوله:
غمام ربما مطر انتقامًا ... فأقحط ودقه البلد المريعا
يقال: قحط المطر: إذا قل, وأقحطه الله سبحانه, قال الشاعر: [الخفيف]
وربيع المجاورين إذا ما ... قحط القطر واستقل الغمام
وقوله:
رآني بعد ما قطع المطايا ... تيممه وقطعت القطوعا
القطوع: جمع قطعٍ, وهي طنفسة تكون على كتفي البعير تحت الراكب, قال الشاعر: [الوافر]
أتتك العيس تنفخ في براها ... تكشف عن مناكبها القطوع
وقال زهير: [البسيط]
مقورة تتبارى لا شوار لها ... إلا القطوع على الأكوار والورك
وتيممه: قصده, يقول: قطع المطايا عن السير قصده. والشعراء يعتادون هذه الصفة على سبيل المبالغة وإن كان الممدوح مجاورًا لهم. يقول: صارت المطي رذايا من السير, وقطعت قطوعها لبعد المسافة.
وقوله:
وجاودني بأن يعطي وأحوي ... فأغرق نيله أخذي سريعا
المجاودة تقع من اثنين, مثل المكارمة, وغيرها مما هو على المفاعلة, يقول: جاودني بأن يجود علي, وأن آخذ منه جوده, وجعل أخذه كالجود على معنى المبالغة, وهذا المعنى مبني على قوله: وأخذك منه من عليه ... ............
وسكن الياء في (يعطي وأحوي) للضرورة, وذلك كثير في الشعر.
وقوله:
أمنسي السكون وحضرموتا ... ووالدتي وكندة والسبيعا
يروى عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه كان يقول في اسم القبيلة: السكون والسكون بالضم والفتح, فإذا ضم احتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع سكنٍ, وهو اسم الرجل. والسكن أهل الدار فجمع الاسم؛ لأن كل طائفة منهم جعلت فريقًا, كما يقال لمن أبوهم عمرو: العمور, ولمن أبوهم كعب: الكعاب.
والآخر: أن يكون السكون مصدر سكن سكونًا, والأول أقوى.
وإذا فتحت السين فهو فعول من (سكن). وكندة: مأخوذة من الغلظ وشدة اللحم, يقال: رجل مكنود إذا كان كذلك, ولا يمتنع أن تكون كندة من: كند النعمة إذا كفرها؛ لأن الكفر وجحد النعمة إنما يكون من غلظٍ في الخلق؛ فكأنه استعير من غلظ الخلقة. يقال: كاند وكنود, وأصحاب النسب ربما قالوا: كندي بمعنى كندة. والسبيع من همدان, وحضرموت قبيلة قديمة, وفي نسبها اختلاف, وبعض الناس يقول: هو حضرموت أخو سبأ ابن يشجب, وكان اسمه عبد النور, فقاتل يومًا قدام أخيه, فقال: حضرموت؛ فزعموا أنه سمي بذلك, وقال رؤبة: [الرجز]
أحضرت أهل حضرموتٍ موتا وهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا, فيقال في الرفع: حضرموت, ويجري في النصب والخفض والرفع مجرى ما لا ينصرف, والذي منعه من الصرف أنه معرفة ومركب من شيئين, والناس اليوم يظنون أن حضرموت بلد؛ وذلك سائغ في الكلام, كأنهم يريدون البلد الذي تحله حضرموت؛ وقد جاء ذلك في الشعر الفصيح, قال عبد يغوث الحارثي: [الطويل]
فيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ألا تلاقيا
أبا كربٍ والأيهمين كليهما ... وقيسًا بأعلى حضرموت اليمانيا
(112/ب) فقوله: بأعلى حضرموت يدل على أنه جعله مكانًا. وكذلك قول رؤبة: «أهل حضرموتٍ» , وحكي أن بعض العرب يضم الميم, فيقول: حضرموت, وإنما حملهم على ذلك أنهم أرادوا إخراجه إلى وزن يكون للأسماء الآحاد مثل: عقرقوفٍ وعضرفوطٍ, ومنهم من يقول: حضرموتٍ فيجعله كالاسم المضاف, فأما قول الراجر: [الرجز]
يا حضرموت بايعي أو فري ... جاءك معن وأبو الأغر
فيجوز أن يكون خاطب البلدة وهو يريد أهلها, كما يقال: يا آمد اتقي كذا وكذا, والمراد: يا أهل آمد, ويحتمل أن يريد القبيلة.
وقوله:
قد استقصيت في سلب الأعادي ... فرد لهم من السلب الهجوعا
يقال: سلبته سلبًا وسلبًا, وهو أحد المصادر التي جاءت على فعلٍ بتحريك العين, لأن الأكثر فيها أن تجيء على فعلٍ بالسكون. وينبغي أن يكون السلب في أول البيت مصدرًا ساكن اللام, ويكون السلب الثاني محرك اللام, يراد به ما سلب, كما يقال: نفضت نفضًا بسكون الفاء, والنفض ما نفض. والمعنى أنك قد سلبت الأعادي جميع ما يملكون, وكل خلةٍ مثل الأمن ونحوه, حتى سلبتهم الهجوع فاردده عليهم؛ لأنهم لا ينامون من خوفك.
وقوله:
إذا ما لم تسر جيشًا إليهم ... أسرت إلى قلوبهم الهلوعا
يقال: سار الجيش وأساره غيره, فهذا القياس. وقد حكي: سرت الدابة وأسرتها, فلا يمتنع على هذا أن يقال: سار الجيش وسرته؛ لأنه مأخوذ من سير الدابة. والهلوع: مثل الهلع, وهو أشد الفزع. وقيل: الهلع أن يذهب العقل من الرعب, ويقال: الهلوع والهلاك بمعنى: كما يقال: الصمات والصموت ورزاح الناقة والرزوح, وقال ذوم الرمة: [الطويل]
فمازال عن نفسي هلاع مداخل ... من الهم حتى كاد يبدو ضميرها
وقوله:
رضوا بك كالرضى بالشيب قسرًا ... وقد وخط النواصي والفروعا
يقال: وخطه الشيب في أول ما يبدو به, ووخطه بالرمح إذا طعنه طعنًا خفيفًا, والمعنى: أن أعداءك راضون بأنك قد علوتهم وهم كارهون؛ إلا أنهم لا يقدرون على دفعك كما أن الشيب يعلو المفارق على كرهٍ ممن يشيب.
وقوله:
فلا عزل وأنت بلا سلاحٍ ... لحاظك ما تكونه به منيعا
الأعزل: الذي لا سيف معه, وربما قالوا: الذي لا سلاح معه, وإنما قيل له أعزل لأنه يعتزل عن الحرب, ويقال في المصدر: أعزل بين العزل والعزل, كما يقال: السقم والسقم, والثكل والثكل, قال الهذلي: [الطويل]
وما هو إلا سيفه وثيابه ... وما بكم فقر إليه ولا عزل
وقالوا: السماك الأعزل ليضادوا به الرامح؛ فدل ذلك على أنه يحسن أن يقال للذي لا رمح معه: أعزل, قال كعب بن زهيرٍ: [الطويل]
فلما استقل الفرقدان زجرتها ... وهب سماك ذو سلاحٍ وأعزل
يقول: إذا كنت بلا سلاحٍ فلست بأعزل؛ لأن لحظك يقوم مقام السلاح فإذا نظرت إلى العدو انهزم.
وقوله:
لو استبدلت ذهنك ما حسامٍ ... قددت به المغافر والدروعا
المغافر: جمع مغفرٍ, وهو كمة من الزرد يجعلها الرجل على رأسه في الحرب, مأخوذ من: غفرت الشيء إذا سترته, فأما المغفر في غير هذا فضرب من الصمغ, وهو الذي يقال له: المغفور, بضم الميم وفتحها, ومن أمثالهم: «هذا الجنى لا أن يكد المغفر».
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)