المنشورات

أعددت للغادرين أسيافا ... أجدع منهم بهن آنافا

الوزن من ثاني المنسرح, لم يذكره الخليل, وقد تردد ذكره في شعر أبي الطيب, والقافية من المتواتر.
أصل الجدع: القطع, ثم كثر استعمال ذلك في الأنف والأذن, ولم يقولوا: جدعت رجله, ولا يده, قال الشاعر: [الكامل]
حتى إذا خفت الصياح وصرعت ... قتلى كمنجدعٍ من الغلان
أي: كشجرٍ قد قطع, والغلان: جمع غال, وهو وادٍ كثير الشجر. وقالوا: عبد مجدع؛ أي: يدعى عليه, فيقال: جدع الله أنفه, وإن لم يكن به جدع, قال الشاعر: [الطويل]
فلا تأممن أن تكون نعامةً ... ولا الملك أن يهدى لعبدٍ مجدع
فأما قولهم للولد السيئ الغذاء: جدع, فإنهم يريدون أنه كالذي قطع عنه الغذاء, قال أوس بن حجرٍ: [المنسرح]
وذات هدمٍ عالٍ نواشرها ... تسكت بالماء تولبًا جدعا
وصحف هذا البيت بعض العلماء فقال: جذعا, ومن ذلك قولهم: سقبان مجدعة إذا لم تمكن من اللبن, قال الشنفرى: [الطويل]
ولست بمهيافٍ يعشي سوامه ... مجدعةً سقبانها وهي بهل
وقالوا للسنة الشديدة: جداع, معدول مثل حذام وقطام. قال أبو حنبل الطائي: [الوافر]
لقد آليت أعذر في جداع ... ولو أعطيت أمات الرباع
وقوله:
لا يرحم الله أرؤسًا لهم ... أطرن عن هامهن أقحافا
يقال لعظم الرأس إذا انقطع: قحف, وجمعه أقحاف, وفي أطرن ضمير يرجع إلى الأسياف.
وقوله:
ما ينقم السيف غير قلتهم ... وأن تكون المئون آلافا
يقال: نقمت الشيء إذا أنكرته, بفتح القاف, وقد كسرت, والفتح أجود, وعلى ذلك ينشد قول الشاعر: [المنسرح]
ما نقموا من بني أمية الـ ... لا أنهم يحلمون إن غضبوا
ونصف البيت الآخر محمول على النفي, كأنه قال: ما (116/أ) ينقم السيف إلا قلتهم وألا تكون المئون آلافًا, فحذف (لا) لعلم السامع بما يريد, وليس هذا بأبعد من قولهم: والله أفعل, أي: لا أفعل. ويجوز أن يكون الشاعر أراد أن زيادتهم على الآلاف مما ينقم السيف؛ لأنه يريد الكثرة.
والمائة: تجيء على جموعٍ مختلفة؛ فيقال: مئات ومئٍ, ومئون, ومئيات في الضرورة, وقالوا: مين في الشعر, وهم يريدون مئين, فحذفوا الهمزة, وأعربوا النون, وهذا البيت يروى لحسان: [الوافر]
وذلك أن ألفهم سواء ... بواحدنا نعم أيضًا ومين
وأنشد الفراء: [البسيط]
فقلت والمرء قد تخطيه مبنيته ... أدنى عطائهم إياي ميئات
وقوله:
يا شر لحمٍ فجعته بدمٍ ... وزار للخامعات أجوافا
والخامعات: يعني بها الضباع, قال مالك بن نويرة: [الكامل]
يا لهف من عرفاء ذات فليلةٍ ... تأتي إلي على ثلاثٍ تخمع
وقال آخر: [الوافر]
وجاءت جيأل وأبو بنيها ... أحم المأقيين لهم خماع
يقول: قتلتهم فأكلتهم الضباع.
وقوله:
قد كنت أغنيت عن سؤالك بي ... من زجر الطير لي ومن عافا
كأنه بلغه أن هؤلاء الهاربين منه سألوا عنه منجمًا ليعطيهم خبره, أو من يجري مجرى المنجم ويتعاطى زجر الطير وعيافتها, فيحكم عليها إذا مرت به, فيتيمن مرةً, ويتطير أخرى, وبعض الناس يروي لذي الرمة بيتين, وليسا في كل الروايات, وهما: [الطويل]
رأيت غرابًا واقعًا فوق بانةٍ ... من البان لم ينبت لها ورق خضر
فقلت غراب باغترابٍ وبانة ... لبينٍ ألا هذي العيافة والزجر
وقوله:
وعدت ذا النصل من تعرضه ... وخفت لما اعترضت إخلافا
قوله: تعرضه؛ أي: تعرض له, واستعمل الوعد هاهنا في الشر, ثم رجع إلى مخاطبة من خاطبه في أول الأبيات, والأجود أن يكون قوله: لما اعترضت يعني به اللحم الذي فجعه بدمٍ, وقد تقدم ذكره.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید