المنشورات
أيدري الربع أي دمٍ أراقا ... وأي قلوب هذا الركب شاقا
وهي من الوافر الأول.
وما عفت الرياح له محلا ... عفاه من حدا بهم وساقا
يقال: عفا المنزل: إذا درس, وعفاه غيره: إذا درسه, ويقال: على آثارهم العفاء؛ أي: الدروس, وقالوا في قول زهير: [الوافر]
تحمل أهلها منها فبانوا ... على آثار ما ذهب العفاء
قيل: العفاء الدروس, وقيل: التراب, والبيت المتقدم يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون النصف الآخر نعتًا لقوله: محلًا, والوجه الآخر أن يكون الشاعر لما قال: وما عفت الرياح له محلًا, أخبر عن الذي عفاه؛ فيكون المعنى محمولًا على قول أبي الشيص: [مجزوء الرجز]
ما فرق الأحباب بعـ ... ــد الله إلا الإبل
وما على ظهر غرا ... ب البين تطوى الرحل
ولا إذا صاح غرا ... ب في الديار احتملوا
وما غراب البين إلـ ... لا ناقة أو جمل
(116/ب) فالنصف الآخر مبتدأ به, ولا موضع له من الإعراب؛ لأن الجمل إذا ابتدئ بها لم يحكم على مواضعها بنصبٍ ولا رفعٍ ولا خفضٍ.
وقوله:
فليت هوى الأحبة كان عدلًا ... فحمل كل قلبٍ ما أطاقا
ذكر أن الحب جائر, وتمنى أن يكون عادلًا في الحكم, فيحمل كل محب على حسب طاقته. وأصل العدل أنه مصدر عدل عدلًا, ثم وصف الواحد والاثنان والجميع, وكان ذلك أكثر اللغتين, قال زهير: [الطويل]
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضًى وهم عدل
وهذا يحمل على حذف مضافٍ كأنه قال: فهم ذوو عدل. وكذلك المصادر التي ينعت بها. وربما قالوا: قوم عدول, قال الشاعر: [الطويل]
طمعت بليلى أن تريع وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع
وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع
ومن هذا الباب قولهم: رجل ضيف, وكذلك يقال للجميع. وفي الكتاب العزيز: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} فجاء بالضيف موحدًا, ثم جاء بالنعت على الجمع, والقياس يوجب أن يقال: امرأة ضيف؛ إلا أن الشاعر قال: [الطويل]
لقى حملته أمه وهي ضيفة ... فجاءت بيتنٍ للضيافة أرشما
اليتن: الذي يولد فتخرج رجلاه قبل رأسه. والأرشم: الذي يتشمم الطعام فيتبعه. وأصل قولهم للجماعة: ضيف أنه مصدر ضاف يضيف ضيفًا إذا مال, ثم نقل من المصدر إلى النعت.
وقوله:
نظرت إليهم والعين شكرى ... فصارت كلها للدمع ماقا
شكرى أي: ممتلئة بالدمع, يقال: شكرت الضرة تشكر شكرًا إذا امتلأت لبنًا, ويقال: شكرت السحابة إذا كثر ماؤها. قال الراجز: [الرجز]
جاء الشتاء واربأل القبر ... وطلعت شمس عليها مغفر
وجعلت عين الشمال تشكر
والماق: جانب العين الذي يلي الأنف, وفيه لغات, يقال: مأق وموق, وحكى الفراء: مأقٍ على مثال مأوٍ, وزعم أنه لم يأت في كلام العرب نحو هذين الحرفين غير مأقي العين ومأوي الإبل, وقالوا: مؤق بالهمز. ومن قال: مأقٍ على مثال مفعل قال في الجمع: مآقٍ, ومن قال: مؤق مثل رؤدٍ فجمعه آماق, قال الشاعر: [مجزوء الكامل]
فارقت هندًا ضلةً ... فأسيت عند فراقها
فالعين تفسح عبرةً ... تنهل من آماقها
والذين قالوا: آبار في أبآر, وآسار في أسآر, جمع سؤر؛ أي: بقية, يقولون: آماق, ويروى لجميل بن معمرٍ: [الكامل]
إنا لنضرب جعفرًا بسيوفنا ... ضرب الغريبة تركب الآسارا
يريد الأسآرا. والمأق: هو الموضع الذي يخرج منه الدمع, وبالغ الشاعر في هذا البيت فأخبر أن الدمع يخرج من العين كلها إذا كانت محتفلةً.
وقوله:
وقد أخذ التمام البدر فيهم ... وأعطاني من السقم المحاقا
قوله: وقد أخذ التمام البدر فيهم: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون الذي عنى جماعةً, كل واحدٍ منها كأنه بدر تام, والآخر أن يكون عنى واحدًا بعينه. ويقال: محاق القمر ومحاقه, وثلاث ليالٍ من آخر الشهر, يقال لهن: ثلاث محاق, قال الشاعر: [الطويل]
تزوجتها قبل المحاق بليلةٍ ... فصار محاقًا كله ذلك الشهر
وقوله:
وبين الفرع والقدمين نور ... يقود بلا أزمتها النياقا
هذا البيت يدل على أنه عنى واحدًا في أشبه الوجهين, ولا يمتنع أن يكون عنى جمعًا, وأراد: أن بين فرع كل واحدٍ من أحبته وبين قدميه نورًا يقود النياق بغير أزمةٍ, وهذا مثل قول كثيرٍ: [الطويل]
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهك هاديا
إلا أن بيت أبي الطيب أبلغ؛ لأن كثيرًا إنما ادعى أن المطايا تسير على نور وجهها, والقود بغير الأزمة فوق هذه الرتبة بدرجاتٍ. والناقة من ذوات الواو, وأصلها: نوقة, فلما جمعت على فعالٍ انقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها, ولأنها كانت معتلة في الواحد.
وقالوا: استنوق الجمل: إذا صار كالناقة في ذله, قال الكميت: [الطويل]
هززتكم لو كان فيكم مهزة ... وذكرت ذا التأنيث فاستنوق الجمل
وقوله (117/أ):
وطرف إن سقى العشاق كأسًا ... بها نقص سقانيها دهاقا
دهاق: أي مملوءة, يقال: دهقت الكأس وأدهقتها, ولا يمتنع أن يكون دهقان القرية مأخوذًا من هذا اللفظ, ويكون وافق لفظ العربية, وتكون الألف والنون زائدتين, ودهقان القرية يكون فيها كالرئيس, وأكثر ما يعنون بذلك النصراني والمجوسي؛ فيريدون أنه إذا نزل به من يكرمه سقاه كأسًا دهاقًا من الخمر.
وقوله:
وخصر تثبت الأنظار فيه ... كأن عليه من حدقٍ نطاقا
النطاق: ثوب أو نحوه يشد به الإنسان وسطه, وأصل ذلك: أن الإنسان إذا هم بأمر شد له نطاقه؛ فكأنه إذا أراد أن ينطق بخطبةٍ أو يتكلم في جماعةٍ تحزم لذلك, فيكون اشتقاق النطاق من: نطق الإنسان, ويقال: بات فلان شديد النطاق, إذا بات ساهرًا, كأنه خائف من عدو, قال الشاعر: [المتقارب]
وليلة نحسٍ تبيت النسا ... ء للخوف وهي شداد النطق
ويقولون: حل الرجل نطاقه بالمكان: إذا أقام به, كما يقولون: ألقى عصاه, قال الشاعر: [الكامل]
ولقد هبطت الأرض حل بها الندى ... والغيث كل علاقةٍ ونطاق
والمعنى أن الشاعر أراد المبالغة في الصفة بالنعمة؛ فزعم أن العين إذا نظرت إلى هذا المحبوب صارت فيه ممثلةً, والعيون تكثر النظر إليه, فقد صار في خصره من الحدق نطاق؛ وهذا كذب يجب أن يستغفر منه, ومن الإصغاء إليه.
وقوله:
سلي عن سيرتي فرسي وسيفي ... ورمحي والهملعة الدفاقا
خرج من تلك الصفة إلى مخاطبة مؤنثٍ. وسيرة الرجل ما هو عليه من طريقةٍ وأخلاقٍ, يقال: سار الرجل سيرةً جميلةً أو قبيحةً, قال الهذلي: [الطويل]
فلا تجزعن من خطة أنت سرتها ... فأول راض خطةً من يسيرها
والهملعة: الناقة السريعة, والذكر: هملع, قال ذو الرمة: [الطويل]
سمام نجت منها المهارى وخلفت ... قراحيبها والماطلي الهملع
والهملع أيضًا: يوصف به الذئب لسرعته, قال الراجز: [الرجز]
مثلي لا يحسن قولًا فعفع ... والشاة لا تمشي على الهملع
وفعفع من زجر الضأن. ويقال: ناقة دفاق ودفاق؛ أي: غزيرة السير كأن سيرها يتدفق.
وقوله:
تركنا من وراء العيس نجدًا ... ونكبنا السماوة والعراقا
سماوة كلبٍ: معروفة, والنسب إليها: سماوي, قال جرير: [البسيط]
إذا علون سماويًا موارده ... من نحو دومة خبتًا قل تعريسي
ويقال: أسمى الحمار الوحشي بآتنه إذا أتى بهن السماوة, قال الأخطل: [البسيط]
كأنها لاقح الأقراب في لقحٍ ... أسمى بهن وغرته الأناصيل
والعراق: يختلف في اشتقاقه, فقيل: إنما سمي عراقًا؛ لأنه متسافل فشبه بعراق القربة, وهو الذي يكون في أسفلها, وقيل: هو أن يثنى أسفل الجلد, ثم يخرز, وقيل: سمي العراق؛ لأنه مستطيل, ولذلك قيل: عرق الشيء لما دخل في الأرض منه.
وقيل: العراق: ما بين دجلة والفرات, وهذا راجع إلى معنى الطول. وقال قوم: إنما قيل له: عراق لقربه من البحر, وهذه الأقوال متقاربة؛ لأنه يقال: هذا الشيء على عراقٍ واحدٍ؛ أي: على طريقةٍ واحدةٍ. ويروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: كان العراق بالفارسية يقال له: أران شهر فعرب فقيل له: العراق. وقول أبي عمرو: عرب فقيل: العراق ليس هو مجرى قولهم: الحمل بالفارسية البراق, وأصله البره؛ لأن اللفظين متقاربان, وليس أران شهر قريبًا من لفظ العراق, ويجوز أن يكون قوله: عرب؛ أي: سمي اسمًا عربيًا, كما أنا نقول:
بغداد اسم فارسي, فعربت؛ أي: سميت اسمًا عربيًا؛ فقيل: الزوراء, ومدينة السلام. ويجوز أن يكون قولهم: أران شهر معناه بالفارسية كبعض هذه المعاني المتقدم ذكرها, وقال قوم: إنما قيل له: العراق, لكثرة عروق الشجر فيه, وقد جاء في شعر الجاهلية, قال المتلمس: [البسيط]
أمي شآميةً إذ لا عراق لنا ... قومًا نحبهم إذ قومنا شوس
ونكبنا؛ أي: جعلناها وراء مناكبنا, والمنكب: رأس الكتف, ويقال: نكبت عن الشيء: إذا ملت عنه, والريح النكباء التي بين ريحين.
وقوله (117/ب):
فمازالت ترى والليل داجٍ ... لسيف الدولة الملك ائتلاقا
الائتلاق: الضياء. يقال: ائتلق الشيء يأتلق ائتلاقًا, قال الشاعر: [المنسرح]
يأتلق التاج فوق مفرقه ... على جبينٍ كأنه الذهب
وهذا معنى حسن؛ إلا أنه لا يجوز أن يكون, وهو نحو من قول حميد بن ثورٍ: [الطويل]
هداني لك الله الذي نور الهدى ... ونور وإسلام عليك دليل
وقوله:
أدلتها رياح المسك منه ... إذا فتحت مناخرها انتشاقا
هذا المعنى يتردد في الشعر, وهو من قول الأول: [الطويل]
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
وقال المسيب بن علس: [المتقارب]
وكالمسك ريح مقاماتهم ... وريح قبورهم أطيب
وقوله:
أباح الوحش - يا وحش - الأعادي ... فلم تتعرضين له الرفاقا
سكن الياء في الأعادي للضرورة, وزعم الفراء أنها لغة, وتسكين الياء مع الألف واللام أو الإضافة أسهل من حذف الياء مع التنوين, كما قال القائل: [الطويل]
ولو أن واشٍ باليمامة داره ... وكنت بأعلى حضرموت اهتدى ليا
وأنشد الفراء: [الكامل]
فكسوت عارٍ جسمه فتركته ... جذلان لان قميصه ورداؤه
وإذا وقع مثل هذا في القافية فهو أحسن منه في حشو البيت؛ لأن القافية موضع حذفٍ يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من ألفاظ الموزون, كقول بشر بن أبي خازمٍ: [الوافر]
كفى بالبين من أسماء كافٍ ... وليس لحبها ما عشت شاف
أسهل من قوله: فكسوت عارٍ. وتسكينه لم كالضرورة؛ لأن الأصل تحريك الميم؛ لأنهم حذفوا الألف من (ما) في مواضع كثر ترددها في الكلام, مثل قولهم: لم فعلت, وفيم جئت, وحتام تظلم, والأصل إثبات الألف, قال وضاح اليمن: [السريع]
يا أمة الواحد جودي أما ... إن تصرميني فلما أو بما
وقال الراجز فجمع بين التحريك والإسكان: [الرجز]
يا أسدي لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرمه
والرفاق في هذا البيت: يحتمل أن تكون مصدر رافقت, ويجوز أن يكون جمع رفقةٍ والمصدر أولى به من الجمع, وإذا جعل جمع رفقةٍ فالمعنى: لم تتعرضين الرفاق التي تصحبه أو هي له كالملك.
وقوله:
ولو تبعت ما طرحت قناه ... لكفك عن رذايانا وعاقا
سبق إلى هذا المعنى الأولون؛ أعني اتباع الطير والوحش؛ فروي للأفوه الأودي: [الرمل]
وترى الطير على آثارنا ... رأي عينٍ ثقةً أن ستمار
وقد استوفى النابغة الذبياني هذا الغرض فقال: [الطويل]
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طيرٍ تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا عرض الخطي فوق الكواثب
ولم يبالغ أبو الطيب في هذا البيت؛ لأنه جعل الوحش تتبع الجيش لتأكل من رذاياه. والرذايا: جمع رذيةٍ, وهي الناقة التي قد حسرها السير, ولم يقل كما قال الحكمي: [المديد]
تتآيا الطير غدوته ... ثقةً بالشبع من جزره
وقوله:
ولو سرنا إليه في طريقٍ ... من النيران لم نخف احتراقا
هذه مبالغة مستقصاة في سلامة القاصد لفضل المقصود, وسعوده الغالبة.
وقوله:
إمام للأئمة من قريشٍ ... إلى من يتقون له شقاقا
الأئمة: جمع إمامٍ. والأصل أإمة بهمزتين فجعلت الاهمزة الثانية ياءً لانكسارها, والأم: التقدم, يقال: أمهم إذا تقدمهم, وأمهم إذا قصدهم, وإذا قلت: هذا أفعل من هذا في (أم) قلت, على قول أبي الحسن سعيد بن مسعدة: هذا أوم من هذا, وعلى قول المازني: هذا أيم. والشقاق: المعاداة.
وقوله:
فلا تستنكرن له ابتسامًا ... إذا فهق المكر دمًا وضاقا
إذا رويت بكسر الراء في تستنكرن (118/أ) فهو خطاب لمؤنثٍ مبني على قوله: سلي عن سيرتي, وفتح الراء جائز على خروجه إلى خطاب المذكر؛ لأن البيتين متباعدان, وذلك كثير في الشعر وغيره, وفهق أي: امتلأ, يقال: فهو الحوض بالماء إذا امتلأ, وكذلك فهقت الجفنة بالطعام, قال الأعشى: [الطويل]
تروح على آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
الجابية: الحوض الصغير, ويروى: الشيخ والسيح؛ فالشيخ: أحد الشيوخ, والسيح: الماء الجاري على وجه الأرض.
وقوله:
إذا أنعلن في آثار قومٍ ... وإن بعدوا جعلنهم طراقا
أنعلن: يعني الخيل, يقول: إذا أنعلت خيله في طلب قومٍ أعداءٍ جعلن الأعداء طراقًا للنعال؛ أي: قتلنهم ووطئنهم بالحوافر. وطراق النعل: ما يجعل تحتها لتوقى به, فكل شيءٍ جعل تحت شيءٍ فهو طراق له. قال ذو الرمة: [الطويل]
طراق الخوافي واقع فوق ريعةٍ ... سقيط الندى في ريشه يترقرق
وقوله:
وإن نقع الصريخ إلى مكانٍ ... نصبن له مؤللةً دقاقا
نقع الصريخ إذا ارتفع, قال الراجز: [الرجز]
إذا عقيل رفعوا الرايات ... ونقع الصارخ للبيات
أبوا فما يعطون شيئًا هات
أراد: أبوا فما يعطون شيئًا من يقول هات. ومؤللة: أذن دقيقة الطرف, وذلك محمود في الخيل والإبل, قال الشاعر: [البسيط]
يخرجن من مستطير النقع داميةً ... كأن آذانها أطراف أقلام
وقال طرفة وذكر الناقة: [الطويل]
مؤللتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي شاةٍ بحومل مفرد
وإنما أراد أنها تشبه الآلة في دقة طرفها, وهي الحربة.
وقوله:
فكان الطعن بينهما جوابًا ... وكان اللبث بينهما فواقا
الفواق: ما بين الحلبتين, يقال: فوق الرجل فصيله, والمرأة رضيعها: إذا سقته فواقًا بعد فواقٍ. يقال: فواق, وفواق بفتح الفاء وضمها, وجمع الفواق: أفوقة, قال الراجز: [الرجز]
أخشى عليها رجلًا ذا معلقه ... معودًا شرب ذوات الأفوقه
وقال القطامي: [الوافر]
وصاف غلامنا رجلًا عليها ... مخافة أن يفوقها رضاعا
يقال: الولد رجل مع أمه إذا لم يمنع من الرضاع في حالٍ.
وقوله:
ملاقية نواصيها المنايا ... معاودة فوارسها العناقا
يجوز في ملاقيةٍ ومعاودةٍ الرفع والنصب, فالرفع على تقدير قوله: هي ملاقية, والعناق مصدر عانق الفارس الآخر إذا أخذ كل واحد بعنق صاحبه, وذلك أشد ما يكون من القتال, وإنما يفعلون ذلك إذا أرادوا الإسار, وقد أحسن زهير في قوله: [البسيط]
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
وقال الراعي: [الطويل]
وكان لها في سالف الدهر فارس ... إذا ما رأى قيد المئين يعانقه
يعني إذا رأى رجلًا يفدي نفسه إذا أسر بالمئين من الإبل عانقه, وقال آخر: [المتقارب]
تركت النزال لأهل النزال ... وأكرهت نفسي على ابن الصعق
جعلت يدي وشاحًا له ... وبعض الفوارس لا يعتنق
وقال آخر: [الطويل]
أعانق في القوم الكرام وأبتغي ... قيود المئين في الصباح وفي الدهم
وقوله:
تبيت رماحه فوق الهوادي ... وقد ضرب العجاج لها رواقا
الهوادي: جمع هادٍ, وهو العنق, قال القطامي: [البسيط]
إني وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلا ضربة الهادي
مثنٍ عليك بما استبقيت معرفتي ... وقد تعرض مني مقتل باد
ويقال للهادي: هادية أيضًا, وفي الحديث: «أن ضباعة, وهي امرأة من بني عبد المطلب, ذبحت شاةً قبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها يسأل إن كان بقي منها شيء فقالت: مابقي منها إلا الرقبة وأنا أكره أن أبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها, فقال: ابعثيها فإنها هادية الشاة, وهي أبعد الشاة من الأذى» واستعار الرواق هاهنا للغبار؛ لأنهم يركزون الرماح إلى رواق البيت, والهاء في لها يجوز أن تعود على الرماح, وعلى الهوادي.
وقوله (118/ب):
تميل كأن في الأبطال خمرًا ... عللن به اصطباحًا واغتباقا
في (تميل) ضمير يعود إلى الرماح؛ أي: كأنها قد شربت خمرًا بالدم الذي يخرج من الطعن. والاصطباح: الشرب مع الصبح, والاغتباق الشرب ليلًا.
وقوله:
تعجبت المدام وقد حساها ... فلم يسكر وجاد فما أفاقا
يقول: هذا الممدوح لا تسكره الخمر؛ لأن عقله يرتفع عن ذلك, وهو مع أنه لا تلحقه من الراح نشوة كأنه إذا جاد أخو سكرٍ لا يفيق؛ لأنهم يصفون أنفسهم ببذل أموالهم في حال الانتشاء, قال عنترة: [الكامل]
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي, وعرضي وافر لم يكلم
وهم يقرون بتغير العقل عند السكر. قال المنخل اليشكري: [مجزوء الكامل]
وإذا شربت فإنني ... رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير
وقوله:
وزنا قيمة الدهماء منه ... ووفينا القيان به الصداقا
الدهماء: فرس كان أعطاها إياه, وقد ذكرها في قوله: [الطويل]
وما تنكر الدهماء من رسم منزلٍ ... سقتها ضريب الشول فيه الولائد
يريد أنه وهب له الفرس, فكأنه وزن قيمتها من الشعر. وقوله: ووفينا القيان به الصدقا: القيان: جمع قينةٍ, وهي الأمة, وربما خص بها المغنية. يريد أنه وهب له جواري لما مدحه فكأنه أعطاهن الصداق من الشعر, وإنما جاء بالصداق للقافية, والقيان لا يعطين صداقًا, وهذا فن يستحسن من المنظوم؛ لأن القيان إنما يشترين بالأثمان, فأكرمهن عن ذلك, وجعلهن يعطين صداقًا كالحرائر, ويقال: صداق المرأة, وصداقها, وصدقتها, وصدقتها.
وقوله:
وحاشى لارتياحك أن يبارى ... وللكرم الذي لك أن يباقى
يقال: حاشى فلانٍ وحاشى لفلانٍ, وحاشة تتصرف, ولذلك نصبوا بها إذا فقدت اللام, قال النابغة في تصرفها: [البسيط]
ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد
وقد يخفضون بحاشى, ويقال: إن الخفض فيها على معنى اللام, يقولون: فعلوا كذا وكذا وكذا حاشاي فيجيئون بالياء, والقياس يوجب أن يقولوا حاشاني, كما يقال: راعاني, وأنشد الفراء: [الكامل]
في عصبةٍ عبدوا الصليب تخشعًا ... حاشاي إني مسلم معذور
معذور: أي: مختون. ويباقى: يفاعل من البقاء؛ أي: إنه طويل المدة, تزول الأشياء وهو باقٍ.
وقوله:
ولكنا نداعب منك قومًا ... تراجعت القروم له حقاقا
يقال: لكنا ولكننا, كما يقال: إنا وإننا, وكأنا وكأننا. ونداعب من المداعبة, وهي الممازحة. والقرم: أصله في فحل الإبل, ثم وصف به الرجل الرئيس. والحقاق: جمع حق, وهو الذي قد وفى ثلاث سنين, ودخل في الرابعة, قال الشاعر: [الوافر]
وأرسل مهملًا جذعًا وحقًا ... بلا جحد النبات ولا جديب
وإنما قيل له: حق؛ لأنه قد استحق أن يحمل عليه, وأن يركب, وقيل للأنثى: حقة؛ لأنها استحقت أن يضربها الفحل, قال الشاعر: [الرمل]
قرن الظهر إلى العصر كما ... تقرن الحقة بالحق الذكر
ويقال: حقاق في الجمع, فيجوز أن يكون جمع حقةٍ وحق, قال الشاعر: [الوافر]
زووها عنكم وغلت عليكم ... وأعطينا بها مائةً حقاقا
فإذا قيل: حقق فهي للإناث لا غير. قال المسيب بن علس: [الكامل]
قد نالني منه على عدمٍ ... مثل الفسيل صغارها الحقق
وقوله:
فأبلغ حاسدي عليك أني ... كبا برق يحاول لي لحاقا
كبا: أي: عثر, وإنما ذلك للخيل, وغيرها من الحيوان, فاستعاره للبرق, وزعم أنه لا يلحق, وذلك من المبالغة التي تحيل الصدق إلى الكذب.
وقوله:
وهل تغني الرسائل في عدو ... إذا ما لم يطن ظبًى رقاقا
الظبى: جمع ظبيةٍ, وهي حد السيف, وقيل: ظبة السيف: طرفة, ويقال في الجمع: ظبون وظبين, قال الكميت (119/أ): [الوافر]
يرى الراؤون في الشفرات منها ... كنار أبي الحباحب والظبينا
وقوله:
إذا ما الناس جربهم لبيب ... فإني قد أكلتهم وذاقا
هذا البيت في غاية المبالغة, وحسن اللفظ؛ لأن الإنسان إذا أكل الشيء فقد خبر منه ما لا يخبر غيره, فجعل الذين جربوا الناس كأنهم قد ذاقوا طعامًا تفرد بأكله.
والذوق: إنما يستعمل في الشيء القليل حتى إنه يقال: ذاقه بطرف لسانه, ويقال: ذاق القوس إذا مدها مدًا يسيرًا, قال الشماخ: [الطويل]
وذاق فأعطته من اللين جانبًا ... كفى, ولها أن تغرق السهم حاجز
وقوله:
يقصر عن يمينك كل بحرٍ ... وعما لم تلقه ما ألاقا
يقال: ألاق الشيء إذا أمسكه, وتلقه: يجوز أن تكون عائدةً على اليمين, وعلى الممدح, يقول: البحر يليق ماءه أي: يمسكه, ونوالك يقصر عنه ما ألاقه البحر. وقافية هذه القصيدة من المتواتر, وهو حرف متحرك بعده ساكن, فالقافية هاهنا القاف والألف على هذا القول. وعلى قول الخيل المتحرك الذي قبل الألف, ومعها القاف, والألف الثانية, والألف الأولى.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
20 أبريل 2024
تعليقات (0)