المنشورات

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقي

وهي من ثاني الطويل.
قوله: ما يلقى الفؤاد: في موضع رفع بالابتداء, والتقدير: ما يلقى الفؤاد من أجل عينيك, وهذا الرفع هو الذي يسميه الكوفيون: خبرًا لصفةٍ؛ لأنهم يسمون حروف الخفض: حروف الصفات, ورفعه عند سعيد بن مسعدة بفعلٍ مضمرٍ كأنه قال: لعينيك حدث أو استقر ما يلقى الفؤاد.
وقوله:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ... ولكن من يبصر جفونك يعشق
من: في موضع رفع, ولكن مقدرة بعدها هاء, كأنه قال: ولكنه, وإذا دخل على من التي يجازى بها عامل لم تعمل شيئًا, فإذا قلت: إن من يأتيني آتيه؛ فجعلت من في موضع نصب لم يقع الشرط والجزاء, فإن أردت ذلك نويت إضمار الهاء, كأنك قلت: إنه من يأتني آته, وعلى ذلك أنشدوا قول الشاعر: [الخفيف]
إن من يدخل الكنيسة يومًا ... يلق فيها جآذرًا وظباء
كأنه قال: إنه من يدخل الكنيسة, وقال الأعشى: [الخفيف]
إن من لام في هوى ابنة حسا ... ن ألمه فأعصه في الخطوب
كأنه قال: إنه من لامني. وهذا البيت ينسب إلى أمية بن أبي الصلت: [الطويل]
ولكن من لم يلق أمرًا يخافه ... بعدته ينزل وهو أعزل
ويروى: لا يلق, كأنه قال: ولكنه, وفي الكتاب العزيز: {إنه من يأت ربه مجرمًا}. وما يجري في ذلك مجرى من, يقول: ما تفعل أفعل, وفي التنزيل: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله} , فإن قلت: إنما تفعله من خيرٍ تجاز عليه لم يجز الشرط والجزاء إلا على إضمار هاءٍ.
وقوله:
وبين الرضى والسخط والقرب والنوى ... مجال لدمع المقلة المترقوق
يقال: ترقرق الدمع إذا جرى على الخد, ووزن ترقرق عند سيبويه: تفعلل, وعند صاحب كتاب العين: تفعفع, وعند الفراء, وأبي إسحاق الزجاج: تفعفل. ويقال: دمع رقراق, قال امرؤ القيس: [المتقارب]
فأسبل دمعي كفيض الجمان ... أو الدر رقراقه المنحدر
وقوله:
وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي
ادعى أبو الطيب أن أحلى الهوى ما شك في الوصل ربه, وفي الهجر. وليس هذه الصفة صفة حلوٍ؛ بل هذا الفن يجب أن يوصف بالمرارة, وإنما حلاوة الهوى أن يكون سالمًا من الفراق والهجر, وقد وصفت ذلك الشعراء, قال الشاعر: [الطويل]
إذ الناس ناس والأحبة جيرة ... جميع وإذ كل الزمان ربيع
وقال كثير: [الطويل]
سقى الله أيامًا لنا لسن رجعًا ... إلينا وعصر الحاجبية من عصر
ليالي أجررت البطالة مقودي ... تمر الليالي والشهور ولا أدري
وقال كثير أيضًا في صفة تمكن المحب من هواه: [الوافر]
إلا يا حبذا نفحات نجدٍ ... وريا روضه بعد القطار
وأهلك إذ يحل الحي نجدًا ... وأنت على زمانك غير زار
شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سرار
وقال المجنون فيما رووا: [الطويل]
تعلقت ليلى وهي ذات موصدٍ ... وليدًا, ولما يبد من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم ياليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم
المؤصد: مثل الأصدة, ويقال: إنها الصدرة أو نحو منها, قال الشاعر في صفة راعٍ (119/ب): [البسيط]
مثل البرام غدا في أصدةٍ خلقٍ ... لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
وقوله:
وغضبى من الإدلال سكرى من الصبى ... شفعت إليها من شبابي بريق
ريق الشباب: أوله, وأصله من ذوات الواو؛ لأنه إن أخذ من الروق؛ أي: الأول, أو من راق يروق إذا أعجب فكأنه من ذوات الواو, وأصله ريوق, كما أن أصل سيدٍ: سيود, فقلبت الواو ياءً.
وقوله:
وأشنب معسول الثنيات واضحٍ ... سترت فمي عنه فقبل مفرقي
وأجياد غزلانٍ كجيدك زرنني ... فلم أتبين عاطلًا من مطوق
هذان البيتان من أحسن ما قيل في العفة, وقوله: معسول الثنيات؛ أي: كأن فيه العسل, والبيت الذي أوله: وأشنب: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعني بأشنب شخصًا, والآخر: أن يعني فمًا. والوجه الآخر أحسن؛ لأن الشنب مقصور على الفم والأسنان, ويقال: غزال أجيد أي: طويل الجيد, قال عمر بن أبي ربيعة: [المتقارب]
دعاني من بعد شيب القذال ... غزال له عنق أجيد
وهذا مما تفق فيه الجيد المراد به العنق, والجيد إذا كان جمع الأجيد؛ فجاءا على لفظٍ واحدٍ, لأنك إذا قلت: هذه غزلان جيد فالجمع مساوٍ للعنق في اللفظ.
وقوله:
وما كل من يهوى يعف إذا خلا ... عفافي ويرضي الحب والخيل تلتقي
كانت نساء العرب تفتخر بشجاعة رجالها, وتذكر أنهم إن لم يقاتلوا لم يسمحن لهم بالوصال, ومن ذلك قول القائلة, وهو يروى لهند بنت عتبة بن ربيعة, ولا مرأةٍ من إيادٍ لما تلاقوا هم والفرس:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
المسك في المفارق ... والدر في المخانق
إن تقلبوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
وقوله: سقى الله أيام الصبا ما يسرها ... ويفعل فعل البابلي المعتق
البابلي: شراب منسوب إلى بابل, وهي كلمة ليست بالعربية, وليس في كلام العرب باءان بعدهما لام, وقد استعملت العرب بابل في أشعارٍ, قال: [الكامل]
هذا ورب مسوفين صبحتهم ... من خمر بابل لذةً للشارب
أراد بمسوفين قومًا عطاشًا, يقال لهم: سوف تسقمون وسوف تروون. وقد جرت عادة الشعراء أن يثنوا على ما سلف من الزمان, كما يثنون على من يعقل, وقد سلك أبو الطيب في هذا البيت مسلك غيره, فدعا لأيام الصبا أن تسقى ما يسرها, وليست مما يحس, نحو من هذا الفن ذمهم الزمان, وهو لا يعلم ولا يستطيع أن يفعل حسنًا ولا قبيحًا؛ وإنما يفعلون هذه الأشياء على معنى المجاز والاتساع في اللغة, كما قالوا: نام الليل؛ لأنه ينام فيه, ولا علم لليل بنومٍ, ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
فإن تحدث الأيام بيني وبينها ... بذي الأثل صيفًا مثل صيفي ومربعي
أسد بأعناق النوى بعد هذه ... مرائر إن جاذبنها لم تقطع
إنما أراد أن يحدث في الأسام فجعل الإحداث منسوبًا إليها على السعة.
وقوله:
إذا ما لبست الدهر مستمتعًا به ... تخرقت والملبوس لم يتخرق
هذا البيت إذا طولب الشاعر بحسن الأدب وجب ألا يقابل الممدوح بمثله, وقد أنكر عبد الملك بن مروان على جريرٍ ما هو دون هذا, وذلك أنه لما أنشده: [الوافر]
أتصحو أم فؤادك غير صاح
قال له عبد الملك: بل فؤادك, أنكر عليه مخاطبته إياه بالكاف. ولا ريب أن الشاعر لم يرد بهذا إلا نفسه أو غيره من المخاطبين دون الممدوح, ولكن يكره مثل هذ خيفةً من التطير.
وقوله:
أدرنا عيونًا حائراتٍ كأنها ... مركبة أحداقها فوق زئبق
أراد أنهم يبكون؛ فالمدمع يجول في العيون كانه زئبق فشبه به الدمع؛ لأنهم إذا وصفوا الماء بالصفاء قالوا: كأنه دموع, وأراد أن نظرهم لا يثبت لكثرة البكاء.
وقوله:
نودعهم والبين فينا كأنه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق
الفيلق: الكتيبة العظيمة كأنها تفلق هام من يحارب؛ ولذلك قيل للداهية: فلق وفلقة؛ (120/أ) لأنها كالتي تفلق الرأس, قال الأعشى: [السريع]
في فيلقٍ شهباء ملمومةٍ ... تعصف بالدارع والحاسر
القنا: ليس بين واحده وجمعه فرق إلا الهاء, فإذا كان الجمع كذلك جاز أن يجمع نعته وأن يوحد, فلو قال القائل: قنًا ماضٍ قاضٍ, فوحد الصفة لكان مصيبًا, وكذلك لو قال: قنًا قواضٍ مواضٍ. وقوله: قواضٍ يجوز أن يكون رفعًا على البدل من قنا ابن أبي الهيجاء, أو إضمار هي, فيكون خبر ابتداءٍ محذوفٍ.
والدروع: تنسب إلى داود, وقد نسبها بعضهم إلى سليمان على معنى الغلط, قال النابغة الذبياني: [الطويل]
وكل صموتٍ نثلةٍ تبعيةٍ ... ونسج سليمٍ كل قضاء ذائل
النثلة: الدرع القصيرة, وقال الحطيئة: [البسيط]
وما رضيت لهم حتى رفدتهم ... من ائلٍ رهط بسطامٍ بأصرام
فيه الرماح وفيه كل سابغةً ... قضاء محكمةٍ من نسج سلام
بنى سليمان على فعالٍ, وجعله كالأسماء العربية. وقد نسبوا الدروع إلى فرعون, قال الشاعر: [السريع]
وكل فرعونيةٍ لونها ... مثل غدير الديمة الغاديه
وقد جعل أبو ذؤيب تبعًا صنعًا للسوابغ, وإنما كانت تصنع له. قال: [الكامل]
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داوود أو صنع السوابغ تبع
وهذا من جنس قولهم: قتل الأمير فلانًا, وهو لم يك قتله بنفسه وإنما أمر غيره بذلك.
والخدرنق: ذكر العناكب, وربما قالوا: هو العنكبوت, وفيه لغات: خدرنق وخدرق وخذرق.
وقوله:
هوادٍ لأملاك البلاد كأنها ... تخير أرواح وتنتقي
اللام في قوله: لأملاك الجيوش (*): في معنى إلى كأنها تهدي الفوارس إلى طعن الأملاك.
وقوله:
تفك عليهم كل درعٍ وجوشنٍ ... وتفري إليهم كل سورٍ وخندق
الجوشن في كلام العرب: الصدر, وقد مر ذكره, وليس في كلامهم الجشن فيكون مشتقًا منه. وإن كان الجوشن من الحديد عربيًا, فاشتقاقه من الجوش, ووزنه فعلن, وتفري إذا ضمت التاء فهو قطع على جهة الإفساد, وقد قالوا: فرى في معنى أفرى, وكثر قولهم: تفري, بفتح التاء في معنى الإصلاح, قال زهير: [الكامل]
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ــض القوم يخلق ثم لا يفري
والسور: إذا أريد به سور المدينة: فهو مأخوذ من السورة؛ أي: الارتفاع, ومن قولهم: سار يسور إذا وثب, وبيت النابغة ينشد على وجهين: [الطويل]
ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملكٍ دونها يتذبذب
ومنه قولهم: رجل مسور؛ أي: ذو سورة. والخندق ليس له أصل في كلام العرب, إلا أنهم قد تكلموا به قديمًا, واحتفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خندقًا في المدينة, قال الراجز: [الرجز]
فصدهم عن لعلعٍ وبارق ... ضرب يشظيهم عن الخنادق
وقال النابغة: [الوافر]
فدوخت البلاد فكل قصرٍ ... يجلل خندقًا منه وحامي
وليس في كلامهم الخدق, فيشتق منه الخندق, وتكون نونه زائدةً.
وقوله:
يغير بها بين اللقان وواسطٍ ... ويركزها بين الفرات وجلق
اللقان: اسم أعجمي, وقد وافق من العربية الفعال من: لقنت الشيء إذا فهمته وحفظته, وجلق: اسم لدمشق وبلادها, ويقال: إنه في الأصل اسم صنمٍ. وفعل: بناء قليل في كلام العرب, وقد وافق جلق لفظ قولهم: جلق رأسه: إذا حلقه.
والفرات, بالتاء لا غير, وإنما ذكر ذلك, لأن كثيرًا من البادية اليوم يقولون: الفراه, بالهاء؛ وذلك على سبيل الغلط, وقد تردد الفرات في القرآن وغيره, ولم يستعمل منه فعل, ومن الدليل على أن تاءه أصلية قول الأعشى: [السريع]
ما يجعل الجد الظنون الذي ... جنب صوب المسبل الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما ... يقذف بالبوصي والماهر
فثبات الياء في النسب يدل على أنها أصلية, لا يجب أن يوقف عليها بالهاء.
وقوله:
ويرجعها حمرًا كأن صحيحها ... يبكي دمًا من رحمة المتدقق
هذا من أحسن ما وصفت به الرماح, ولم يسبق إليه قائله؛ لأنه وصف أن الدماء تجري عليها وهي متدققة, كأن سالمها يبكي على ما هلك منها, وكلاهما قد وصف بجريان الدم. والكلام (*) (20/ب) المشقق: يجوز أن يريد به الذي اشتق بعضه من بعضٍ, فيكون ذلك مدحًا للكلام, وصفةً للممدوح بأن ما صعب لديه هين, فهو كالذي يلعب به, ويحتمل أن يعني بالمشقق: الكلام الذي كأنه مكسر من قولك: شققت العود, وغيره, ويكون هذا الكلام لما ينظمه الشعراء في مدحه؛ لأن ذمه لهم قد تكرر مثل قوله:
والشعر تهذي طماطمه 
وقوله:
رأى ملك الروم ارتياحك للندى ... فقام مقام المجتدي المتملق
المتملق: الذي يخضع ويلين كلامه, وهو مأخوذ من الصخرة الملقة, وهي الملساء, قال الهذلي: [الوافر]
أتيح لها أقيدر ذو حشيفٍ ... إذا سامت على الملقات ساما
ويقال: ملق جلده: إذا غسله, قال الراجز: [الرجز]
رأت غلامًا جلده لم يملق ... بماء حمامٍ ولم يخلق
وقوله:
وخلى الرماح السمهرية صاغرًا ... لأدرب منه بالطعان وأحذق
الرماح السمهرية: فيها قولان: بعض الناس يزعم أن ردينة كان لها زوج يقال له: سمهر, فنسبت الرماح إليه. وقال غيرهم: إنما هو من اسمهر الشيء إذا اشتد, وجاء هذا الاسم منسوبًا, كما قالوا للقوي من الإبل: قيسري, كأنه منسوب إلى قيسر, وكما قالوا للشاب: قنسري كأنه منسوب إلى قنسرٍ, قال رؤبة: [الرجز]
فازجر بني النجاخة الفشوس ... عن مسمهر ليس بالفيوش
وقوله:
ولم يثنك الأعداء عن مهجاتهم ... بمثل خضوعٍ في كلامٍ منمق
يقال: كلام منمق؛ أي: محسن, ويقال: نمق الكتاب إذا كتبه, ونظر بعض العرب إلى رجل قد كتب شيئًا, ثم محاه فقال: نمنقه ثم لمقه. واللمق عندهم من الأضداد, ويكون في معنى كتب, وفي معنى محا.
وقوله:
وكنت إذا كاتبته قبل هذه ... كتبت إليه في قذال الدمستق
القذال: معروف, وهو منقطع منبت الشعر في مؤخر الرأس, ويقال: قذله الحجام إذا حجمه في ذلك الموضع.
والدمستق: كلمة رومية لم تستعمل في الكلام القديم, وبناؤها لم يأت في أبنية العرب لأنه فعلل, ومن شأن أصحاب التصريف إذا جاء اسم على بناءٍ لم تستعمله العرب, وفيه حرف من حروف الزيادة؛ حكموا عليه بأنه؛ وإن لم يشتق منه ما يدل على زيادة الحرف, مثال ذلك أن يقولوا في الكنهبل, وهو الشجر العظام: نونه زائدة؛ لأنه ليس في كلامهم مثل فرزدق.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن كنهبلًا بناء كل حروفه أصلية, فوزنه على هذا القول: فعلل, وفي القول الأول: فنعلل؛ فل أن الدمستق عربي وحمل على هذا القياس لكان وزنه على أحد القولين: فعلل, وعلى القول الآخر فعلتل.
وقوله:
فإن تعطه بعض الأمان فسائل ... وإن تعطه حد الحسام فأخلق
أخلق به: في معنى ما أخلقه, أي: أجدره؛ يقال: أخلق بفلانٍ أن يفعل كذا, وهذا لفظ موضوع للتعجب, وقد حذف الباء التي جرت عادتها أن تجيء بعد هذا اللفظ كما جاء في التنزيل: {أسمع بهم وأبصر} , لما جاء بقوله: «بهم» في اللفظ الأول حذفه في الثاني, ومثل ذلك قول الكميت: [الكامل]
دار التي تركتك غير ملومةٍ ... كلفًا وأرع بها عليك وأشفق
وقد يحذفون الباء, وإن لم تحذف في أول الكلام, قال عروة بن الورد: [الطويل]
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًا وإن يستغن يومًا فأجدر
أي: ما أجدره بالغنى.
وقوله:
لقد وردوا ورد القطا شفراتها ... ومروا عليها رزدقًا بعد رزدق (*)
الشفرات: جمع شفرةٍ, وهي معروفة, والشفرة هاهنا: حد السيف, وكان أصلها من شفير الشيء, يقال: هو على شفير كذا؛ أي: مشرف عليه؛ كأنه واقف على آخره. والرزدق (*): الصف الممدود, وأصله فارسي معرب. ووصف أنهم وردوا السيوف وردًا متتابعًا كورد القطا الماء, ويجوز أن يكون أراد أنهم سافروا إلى السيوف حتى وردوها, كما أن القطا الوارد يجيء من البلد البعيد ليصل إلى الماء.
وقوله: (21/أ)
بلغت بسيف الدولة النور رتبةً ... أنرت بها ما بين غربٍ ومشرق
جعل النور وصفًا لسيف الدولة على سبيل المبالغة, وذكر أنه بلغ رتبةً أنار بها ما بين الشرق والغرب, وإنما أراد علو الذكر والنباهة الكائنة بعد الخمول.
وقوله:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمقٍ ... أراه غباري ثم قال له الحق
سكن واو يلهو للضرورة, كما قال الشاعر: [الطويل]
أترضون أن تغزو تميم بلادكم ... بألفي كمي ذي سلاحٍ مقاتل
وقوله:
ويمتحن الناس الأمير برأيه ... ويغضي على علمٍ بكل ممخرق
الممخرق: كلمة مولدة, وأصلها من المخراق, وهو ثوب يفتل ويلعب به الصبيان يتضاربون به كالتضارب بالسيوف, ولذلك قال عمرو بن كلثومٍ: [الوافر]
كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
وقال قيس بن الخطيم: [الطويل]
أجالدهم يوم الحديقة معلمًا ... كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
ووزن مخراقٍ: مفعال, ووزن ممخرقٍ: ممفعل, وقد جاء نحو من هذا في قولهم: تمسكن الرجل, ووزن تمسكن: تمفعل, ومثله: تمدرع إذا لبس المدرعة.
وقوله:
وإطراق طرف العين ليس بنافعٍ ... إذا كان طرف القلب ليس بمطرق
أطرق الرجل: إذا نظر إلى الأرض, واشتقاق ذلك من أنه ينظر إلى الطريق الذي يطؤه, ومن أمثالهم: «أطرق كرى أطرق كرى إن النعام في القرى» يضرب ذلك مثلًا للرجل يتكلم في موضعٍ, وفيه أحق بالكلام منه, والمعنى في ذلك أن النعام أعظم شخوصًا من الكروان, جمع كروانٍ, وكرى في المثل مراد به الكروان, ورخم على قول من قال: يا حار, وقد استعمله الفرزدق بالألف واللام, قال: [الطويل]
على حين أن جربت وابيض مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من أحاربه
وأطرقا اسم موضع, وقد جاء في شعر أبي ذؤيبٍ, قال: [المتقارب]
على «أطرقا» باليات الخيا ... م إلا الثمام وإلا العصي
ويقال: إن هذا الموضع سمي بأطرقا؛ لأن ثلاثةً عبروا فيه فأحس أحدهم نبأةً, فقال لصاحبيه: أطرقا. والله العالم بيقين الأمور. واستعار أبو الطيب الإطراق لطرف القلب, والمستعار كثير في الشعر.
وقوله:
إذا سعت الأعداء في كيد مجده ... سعى مجده في جده سعي محنق
المجد: الشرف. قال قوم: لا يقال ماجد للرجل حتى يكون شريف الآباء, وقال قوم: بل الماجد البين الفضل في نفسه, ومنه قولهم في المثل: «في كل شجرٍ نار واستمجد المرخ والعفار». ويقال: إن المجد مأخوذ من: أمجدت الدابة إذا أكثرت علفها. والجد: الحظ, والمحنق: المغتاظ. والمعنى: أن الأعداء إذا سعت في كيد مجد هذا الممدوح سعى حظه سعي مغضبٍ يجتهد في أن يفعل فيما يستقبل أكثر مما فعل في الزمان الأول.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید