المنشورات

أرق على أرقٍ ومثلي يأرق ... وجوى يزيد وعبرة تترقرق

وهي من أول الكامل.
الأرق: فقد النوم, يقال: أرقه تأريقًا, وأرقه إراقًا كما قالوا: كذبه كذابًا, وبيت تأبط يروى على وجهين, وهو قوله: [البسيط]
يا عيد مالك من هم وإيراق
فهذا مصدر: آرق يؤرق, ويروى: وإراق بتشديد الراء, ومثله قول الشاعر: [الطويل]
لعمري لقد خلفتني عن صحابتي ... وعن حوجٍ قضاؤها من شفائيا
يريد: مصدر قضيت. والجوى: الحزن (131/أ) الذي يستبطن الإنسان, فيكون في حشاه. ويقال لفساد الجوف: جوى, والعبرة: تردد الدمع في العين.
وقوله:
جربت من نار الهوى ما تنطقي ... نار الغضى وتكل عما تحرق
الغضى يوصف بأن جمره يبقى كثيرًا حتى يدعي له بعض الناس ما ينكره المعقول, قال سحيم: [الطويل]
كأن الثريا علقت فوق نحرها ... وجمر غضى هبت له الريح ذاكيا
فإن كان سحيم أراد أن حليها ثابت عليها فكأنه جمر غضى؛ لأنه يلبث أكثر من جمر سواه؛ فقد أجاد في ذلك, وأما غيره فيشبه الحلي بالجمر, وقد سبق سحيمًا امرؤ القيس فقال: [الطويل]
كأن على لباتها جمر مصطلٍ ... أصاب غضى جزلًا وكف بأجذال
وقوله:
وتفوج من طيب الثناء روائح ... لهم بكل مكانةٍ تستنشق
يقال: مكان ومكانة, واشتقاقه من كان يكون مثل قولك: مقام ومقامه, وأصل مكانٍ: مكون, فألقيت حركة الواو على الكاف, وقلبت ألفًا, وكذلك يفعلون بالواو والياء في المصدر واسم الزمان والمكان إذا جرين على الفعل. وقالوا في جمع مكانٍ: أمكنة, وهذا يدل على أن الميم أصلية؛ فيجوز أن يكون ذلك من نحو قولهم: تمسكن الرجل, فأثبتوا ميم مسكينٍ, وإنما القياس أن يقولوا: تسكن, وإذا حمل مكان على أنه من الكون وجب أن يقال في جمعه: مكاون, كما قالوا في جمع مقامٍ: مقاوم, قال الشاعر: [الطويل]
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جريرٍ يقومها
وقالوا: تمكن فلان في الموضع, فإن كان مكان من الكون فوزن أمكنةٍ: أمفلة؛ لأن عين الفعل سقط, ويجوز أن يكون مكان مشتقًا من مكن الضباب؛ أي: بيضها, قال الشاعر: [المتقارب]
ومكن الضباب طعام العريـ ... ـب لا تشتهيه نفوس العجم
والأشبه أن يكون قولهم: أمكنة على سبيل الغلط, وظنهم أن الميم أصلية, وإذا أخذ المكان من المكن؛ فالمراد أن المكان يقام فيه مقامًا دائمًا, كما أن مكن الضب يدوم في موضعه؛ فأما قول الشاعر: [الكامل]
بمجر منتحر الطلي تعفرت ... فيه الظباء بكل جو ممكن
باض النعام به فنفر سكنه ... إلا المقيم على الدوى المتأفن
أراد بالطلي الحمل من النجوم, شبهه بالحمل من الضأن؛ لأنهم يقولون: طليت الحمل إذا شددت رجله بالطلاء, وهو خيط, ويقال للطلاء: طلية, قال الرجز: [الرجز]
ما زال مذ قرف عنه جلبه ... له من اللؤم طلاء يجذبه
يريد أن الحمل من النجوم مطر في هذا الموضع فتعفرت فيه الظباء؛ أي: تمرغت فالتصقت بالعفر, وهو التراب. والجو: البطن من الأرض, والممكن يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون من مكن الضباب؛ أي: قد باضت فيه, والآخر أن يكون من المكنان, والمكنان: هو ضرب من النبت؛ أي: إنه قد نبت في هذا الموضع.
وقوله: باض النعام, أي: مطر بنوء النعائم من النجوم, فجعل مطرها كبيض النعام على معنى الاستعارة, وسكنه؛ أي: أهله, قال أبو ذؤيب: [الطويل]
أساءلت رسم الدار أم لم تسائل ... عن السكن أم عن عهده بالأوائل
يقول: مطر النعام بذلك الموضع, ونوؤها وخم وبيل فاعتل المقيمون به, ونفر الأصحاء, ولم يتخلف فيه إلا من أقام على مريضٍ.
والدوى في هذا الموضع: الذي به داء, والمتأفن: الذي قد ذهبت قوته, وهو مأخوذ من قولهم: أفنت الناقة إذا استقصيت حلبها, قال الشاعر: [الطويل]
إذا أفنت أروى عيالك أفنها ... وإن حينت أوفى على الوطب حينها
حينت: أي: خليت في حينٍ بعد حينٍ. 
وقوله: (131/ب)
أمطر على سحاب جودك ثرةً ... وانظر إلي برحمةٍ لا أغرق
يقال: أمطر ومطر, وكان أبو عبيدة يقول: إن أمطر لا يستعمل إلا في إمطار العقوبة, وقال غيره: يقال: مطر وأمطر بمعنى واحد, ويقال: سحابة ثرة؛ أي: كثيرة الماء بينة الثرارة والثرورة, وكذلك عين ثرة إذا كانت كثيرة الدمع, قال الراجز: [الرجز]
يا من لعينٍ ثرة المدامع ... يحفشها الشوق بماءٍ هامع
ويقال: فرس ثر؛ أي: كثير الجري, قال الشاعر: [الهزج]
وقد أغدو إلى الهيجا ... ء بالمحتبك الثر










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید