المنشورات
أينفع في الخيمة العذل ... وتشمل من دهرها يشمل
الوزن من المتقارب الثالث.
الخيمة التي تذكرها العرب في الشعر إنما هي عيدان تنصب وتظلل وتظلل بالثمام, ولم يكونوا يعرفون هذه الخيم, ويجوز أن يكون اسمها مولدًا, وهي مأخوذة من الاسم الأول على التشبيه, ويدلك على ذلك قول امرئ القيس: [المتقارب]
أمرج خيامهم أم عشر ... أم القلب في إثرهم منحدر
فدد ذلك على أن خيامهم شجرية. ويجوز أن يكون اشتقاق الخيمة أنها تخيم الحر عن المستظل بها أو البرد, من قولهم: خام الجبان عن الشيء إذا حاد, ثم اشتقوا من الخيمة اسمًا للإقامة, وقالوا: خيم بالمكان إذا أقام به, وأصل ذلك أن يبني به خيامًا, ثم قالوا: خيم إذا أقام وإن لم تكن له خيمة.
والعذل هاهنا جمع عاذل. وقد يقال عذل في جمع عاذلةٍ, ولم يرد هاهنا إلا الرجال (144/ب) , وتشمل أي تضم, وتشتمل بمن يشمل دهرها يعني الممدوح, ويجوز رفع وتشمل على العطف ونصبها على إضمار أن؛ لأن الاستفهام قد تقدم في أول البيت, ويكون التقدير: أيجتمع عذل العذل واشتمال هذه الخيمة على الذي يشمل دهرها. والمراد أنه لا ينبغي أن تعذل لأنها قد بنيت لأمرٍ عظيم لم تطقه.
وقوله:
فلم لا تلوم الذي لامها ... وما فص خاتمه يذبل
يذبل جبل معروف, ويقال: فص الخاتم بالفتح وهو أفصح, ويقال بالكسر.
يقول: لم لا تلوم هذه الخيمة من لامها على السقوط, والذي لامها ليس فص خاتمه يذبل, وهذه مبالغة عظيمة؛ لأنه جعل الذي يجترئ على لوم هذه الخيمة يجب أن يكون فص خاتمه مثل هذا الجبل المستعظم, وكيف يلومها وهو حقير, إنما شخصه كشخص غيره من الناس.
وقوله:
رأت لون نورك في لونها ... كلون الغزالة لا يغسل
يقال: إن أصل الغزالة ارتفاع الشمس وهو وقت, ثم سميت الشمس غزالةً, قال ذو الرمة: [الوافر]
فأشرفت الغزالة رأس حوضى ... لرامتهم فما أغني قبالا
وقال الراجز: [الرجز]
قالت له وارتفقت ألا فتى ... يسوق بالقوم غزالات الضحى
وقيل: إنما سميت الشمس غزالةً لأنهم جعلوا حبالها كالغزل الذي تغزله المرأة. وأراد أن لون هذا الممدوح لا يلحقه التغير كلون الشمس الذي لا يزول عنها بالغسل.
وقوله:
وأن لها شرفًا باذخًا ... وأن الخيام بها تخجل
الخجل في بني آدم استرخاء يلحق من الحياء فاستعاره للخيام؛ أي هذه الخيمة إذا نظرت الخيام إلى عظيم شرفها خجلت, وعلمت أنها مفتضحة إذا قيست بهذه الخيمة, وإنما أخذ خجل بني آدم من قولهم: خجل الوادي إذا كثر نبته وطال, ومن شأن النبت إذا طال أن ينعطف ويضعف. وذكر ابن السكيت في كتاب «الأضداد» أن الخجل يكون النشاط ويكون الكسل, وأنشد في الخجل إذا أريد به النشاط, عن أبي تمام الباهلي: [الرجز]
إذا دعا الصارخ غير المتصل ... جاءك منهم كل ذيالٍ خجل
وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: «إذا جعتن دقعتن, وإذا شبعتن خجلتن» , وقال أصحاب اللغة: الدقع سوء احتمال الفقر, والخجل سوء احتمال الغنى, وينشد قول الكميت: [المتقارب]
ألم يدقعوا عندما نابهم ... لعض زمانٍ ولم يخجلوا
وقوله:
ولما أمرت بتطنيبها ... أشيع بأنك لا ترحل
تطنيبها مد أطنابها, وأشيع الشيء إذا ظهر؛ يقال: شاع الخبر وأشاعه الناس, وقولهم: أشاع الخبر بغير باء أحسن من قولهم: أشاع بالخبر.
وقوله:
فما العاندون وما أثلوا ... وما الحاسدون وما قولوا
يقال: أثل الرجل الشيء إذا جعل له أصلًا, وبناء أثيل إذا أحكم؛ وإنما أخذ ذلك من الأثلة. والأثل شجر عظيم؛ فشبه ما يؤثله الرجل ويسعى له في الزيادة بالأثلة لأنها شجرة قوية. وقولوا: من كثرة القول, ومنه قولهم: تقول فلان كلامًا إذا اختلقه.
وقوله:
وملمومة زرد ثوبها ... ولكنه بالقنا مخمل
جعل الزرد ثوبًا وجعل القنا خمله, وتشبيههم الدرع بالثوب قديم. قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
ولما رأيت الحرب حربًا تجردت ... لبست مع البردين ثوب المحارب
مضاعفةً يغشى الأنامل ريعها ... كأن قتيريها عيون الجنادب
وقال القطامي: [البسيط]
نقريهم لهذمياتٍ نقد بها ... ما كان خاط عليهم كل زراد
فجعل الزراد خياطًا للدروع, وصير الشاعر القنا خملًا للزرد, استعاره من خمل القطيعة وغيرها, وهو ما يظهر من الهدب. وهذا البيت يقارب معنى البيت الآخر: [الوافر]
فلو أنا شهدناكم نصرنا ... بذي لجبٍ أزب من العوالي
(145/أ) فقال: أزب أي كثير الشعر. وزعم أن الزرد والقنا كالثوب الذي يكون له خمل.
وقوله:
يفاجئ جيشًا بها حينه ... وينذر جيشًا بها القسطل
يفاجئ أي يلاقي لقاءً على غفلة, وينذر جيشًا بها قسطلها؛ أي غبارها. يقول: مرة يفجأ الجيش فيكون حينه قد حضر, ومرة ينذر أعداءه بالقسطل المثار؛ أي الغبار.
وقوله:
جعلتك بالقلب لي عدة ... لأنك باليد لا تجعل
يقول: جعلتك في قلب الجيش لي عادة؛ لأنك لا تجعل في شمال الجيش ولا يمناه؛ إذ كان عميد الجيش إنما يكون في القلب, فهذا وجه.
ووجه آخر, وهو أجود, أن يريد الشاعر قلب نفسه؛ أي جعلتك عدتي بقلبي لأنك أجل من أن تجعل بايد؛ لأنها إنما تتصرف فيما صغر من الأشياء, والقلب يتسع في الضمير حتىإنه يضمر ما لا يدرك.
وقوله:
فإن طبعت قبلك المرهفات ... فإنك من قبلها المقصل
يقال: أرهف السيف إذا حدد وأرق, والمقصل من: قصل الشيء إذا قطعه.
وقوله:
وكيف تقصر عن غايةٍ ... وأمك من ليثها مشبل
يقال: أسد مشبل إذا كان له أولاد, وكذلك لبؤة مشبل, يستوي في ذلك الذكر والأنثى, وقال تأبط شرًا: [الطويل]
كأن الذي يأوي إلى بنفسه ... يلوذ بصنعاء الذراعين مشبل
والأضبط الذي يعمل بكلتي يديه؛ وإنما أخذ ذلك من قولهم: ضبطت الشيء إذا أمسكته فلم يقع من يدك, ويقال في المثل: " هو أضبط من عائشة بن عثمٍ ", وهو رجل أورد إبله ماءً فوقعت منها بكرة في البئر, فأدرك ذنبها فأخذه ومنعها من الوقوع. والأسد يوصف بالضبط, ويقال إن نادبة روح بن حاتمٍ المهلبي قالت: [مجزوء الرمل]
أسد أضبط يمشي ... بين طرفاء وغيل
لبسه من نسج داو ... د كضحضاح المسيل
وقوله:
وقد ولدتك فقال الورى ... ألم تكن الشمس لا تنجل
يقال: نجل الرجل ولده, وكذلك المرأة إذا ولداه, قال الأعشى: [المنسرح]
أنجب أزمان والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا
يفسر هذا البيت على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: أنجب والده به أزمان إذ نجلا.
وقوله:
فتبًا لدين عبيد النجوم ... ومن يدعي أنها تعقل
تبًا: أي خسرانا لقوم يعبدون النجوم ويزعمون أنها تعقل, وقد ادعت الصائبة ذلك وغيرها؛ فكان في الجاهلية من يعبد الشعرى. وقوله: تأمل في آخر القصيدة لا يجوز ترك همزة؛ لأنه يصير سنادًا, وكذلك همز مأسلٍ في قول امرئ القيس: [الطويل]
وجارتها أم الرباب بمأسل
والقافية من المتدارك.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
21 أبريل 2024
تعليقات (0)