المنشورات

دروع لملك الروم هذي الرسائل ... يرد بها عن نفسه ويشاغل

وزنها من ثاني الطويل.
وقوله:
ومن أي ماءٍ كان يسقي جياده ... ولم تصف من مزج الدماء المناهل
المناهل: جمع منهلٍ, والنهل: الشرب الأول, والنهل: الموضع الذي يشرب منه أو فيه, قال الشاعر: [المديد]
يورد الصعدة حتى إذا ما ... نهلت كان لها منه عل
العل والعلل: الشرب الثاني, ويقال للظمآن: ناهل؛ لأنه محتاج إلى النهل, قال النابغة الذبياني: [السريع]
والطاعن الطعنة يوم الوغى ... ينهل منها الأسل الناهل
أي يشرب منها الأسل الظمآن. والأسل لا يشرب, وإنما ذلك على المجاز والتوسع.
وقوله:
يقوم تقويم السماطين مشيه ... إليك إذا ما عوجته الأفاكل
السماط: صف ممدود مشبه بالسمط الذي هو اللؤلؤ؛ لأنه متصل كاتصاله؛ يعني أن الناس قيام للممدوح وهم سماطان. يأخذه الأفكل أي الرعدة, ولم يتصرف من الأفكل فعل, ولا جمع على فكلٍ؛ وإنما استدلوا على أن همزته زائدة؛ لأن هذا المثال تكثر الهمزة في أوله زائدةً.
وقوله:
فقاسمك العينين منه ولحظه ... سميك والخل الذي لا يزايل
يصف الرسول, وأنه ينظر إلى سيفك نصف نظرة, ويجعل نصفه الآخر إليك. وسميك يعني السيف, والخل مثل الخليل, والسيف يجعل خلا وخليلًا, قال الفرزدق: [الطويل]
وإني كما قالت نوار إذا اجتلت ... على رجلٍ ما سد كفي خليلها
أي سيفي, وكل ما قرب من الإنسان جاز أن يجعل خليلًا له, وقد سموا الأنف خليلًا, وينشد لأبي حية النميري: [الطويل]
إذا نفخت من اجانبٍ نفخت له ... أتاه برياها خليل يواصله
وقوله:
وأكبر منه همةً بعثت به ... إليك العدى واستنظرته الجحافل
الواو في قوله: وأكبر في معنى رب, ورفع أكبر على الإخبار أحسن ويكون مبتدأ.
وقوله: بعثت به وما بعده خبر عنه, واستنظرته في معنى انتظرته.
وقوله:
وما لونه مما تحصل مقلة ... ولا حده مما تجس الأنامل
يقول: تحير هذا الرسول في سيفٍ, ربيعة أصله؛ يعني الممدوح, وطابعه الرحمن؛ أي خالقه وهذا كقوله في الأخرى:
سرى السيف مما تطبع الهند صاحبي ... إلى السيف مما يطبع الله لا الهند
ولون هذا السيف, الذي هو الممدوح, ليس كلون اليسف؛ لأن السيوف تعرف ألوانها.
ولون هذا الممدوح لا يحصل؛ لأنه من هيبته لا يستطاع أن ينظر إليه, كما قال في الأخرى:
كأن شعاع عين الشمس فيه ... ففي أبصارنا عنه انكسار
ولا حده مما تجس الأنامل؛ أي هذا المسمى باليسف لا يمكن أن تجسه الأنامل؛ لأنه إذا كان النظر لا يصل إليه فبعد الأنامل أشد, والسيف المضروب يمكن أن تجس حده الأنامل.
وقوله:
رجا الروم من ترجي النوافل كلها ... لديه ولا ترجى لديه الطوائل
(151/ب) النوافل: العطايا التي لا تجب على المعطي. والطوائل: جمع طائلةٍ وطائلٍ. يقال لفلان عند فلان طائلة؛ أي أمر يطالبه به من قتل أو غيره. واشتقاق الطائلة فيه وجهان: أحدهما أن يكون من قوله: طال مكثه في الصدر, والآخر يكون من: طال غيره من الأمور أي ارتفع عنها, وهذا فعل معتل في الأصل. والأول لا تتعدى الأفعال منه, ومن الوجه الثاني قول الأول: [الكامل]
إن الفرزدق صخرة عادية ... طالت فليس تنالها الأوعالا
أي طالت الأوعال فليس تنالها.
وقوله:
فإن كان خوف القتل والأسر ساقهم ... فقد فعلوا ما القتل والأسر فاعل
فخافوك حتى ما لقتلٍ زيادة ... وجاؤوك حتى ما تراد السلاسل
يقول: إن كان ساقهم إليك خوف أسرٍ وقتلٍ؛ فقد فعلوا ما كان يفعل القتل والأسر الواقعان بهم, وربما كان انتظار الشيء أشد من مباشرته. ومن أمثال الأصمعي الموضوعة في كتاب الأمثال: «الحذر أشد من الوقعية». وقوله: فخافوك حتى ما لقتل زيادة؛ أي خافوك خوفًا لا يزيد خوفهم القتل عليه, وجاؤوك حتى لا حاجة إلى السلاسل التي تجعل في أعناق الأسرى. وهذا البيت كالتفسير للبيت الأول.
وقوله:
كريم متى استوهبت ما أنت راكب ... وقد لقحت حرب فإنك باذل
رفع كريمًا على تقدير قوله: أنت كريم, ووصفه أنه لو سئل ما هو راكب على ظهره في الحرب لوهبه للسائل. ولقحت الحرب إذا كان أمر يهيجها, وإنما شبهت بالناقة اللاقح. وكانت العرب تضن في الحروب بأن يردف الرجل على الفرس خوفًا أن تقصر عن حمل رجلين, ومن ذلك قول الفرار السلمي: [الطويل]
عدمت أناسًا بالجليل كأنما ... رئيسهم ليث ببيشة أفدع
كأن ابنة الشقراء لما ابتذلتها ... بذي الرمث ظبي في تبالة أخضع
غداة يقول القين هل أنت مردفي ... وما بين ظهر القين والرمح إصبع
فقلت له يابن الخبيثة إنها ... برب خفيفٍ واحدٍ هي أسرع
فإن يك عارًا يوم ذاك أتيته ... فراري فذاك الجيش قد فر أجمع
الجليل يجوز أن يكون موضعًا ينبت الثمام؛ لأن الثمام يقال له الجليل. وبيشة موضع يوصف بكثرة الأسد. وظبي أخضع؛ أي في عنقه اطمئنان, وتبالة موضع يوصف بالخصب.
قال لبيد: [الكامل]
فالضيف والجار الغريب كأنما ... هبطا تبالة مخصبًا أهضامها
ومن أمثالهام: «ما هبطت بطن تبالة لتحرم الأضياف» يقال ذلك لمن يجب عليه أن يفعل جميلًا فيضن به.
وقوله:
أذا الجود أعط الناس ما أنت مالك ... ولا تعطين الناس ما أنا قائل
ناداه بهمزة النداء؛ أي ياذا الجود أعط الناس مالك ولا تعطهم شعري؛ أي لا تجعلهم في طبقتي؛ فتقول للشاعر: أنت مثل فلان, أو شعرك مثل شعره.
وقوله:
أفي كل يومٍ تحت ضبني شويعر ... ضعيف يقاويني قصير يطاول
الضبن: ما تحت الإبط إلى الخاصرة, ويقال: هو مثل الكشح. قال أوس بن حجر: [المتقارب]
وأبيض بض عليه النسور ... وفي ضبنه ثعلب منكسر
ويقاويني: يفاعلني من القوة.
وقوله:
وما التيه طبي فيهم غير أنني ... بغيض إلي الجاهل المتعاقل
أصل الطب: العلم بالشيء, يقال: فلان طب بكذا وطبيب به. قال عنترة: [الكامل]
إن تغدفي دوني القناع فإنني ... طب بأخذ الفارس المستلئم
وقال علقمة: [الطويل]
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب
ثم اتسعوا في هذه (152/أ) الكلمة حتى سموا الداء طبًا؛ لأنه يفتقر إلى طب؛ أي دواء, وطبيب أي مداو. والطب في بيت أبي الطيب في معنى الداء, قال الشاعر: [الوافر]
ألا من مبلغ حسان عني ... أسحر كان طبك أم جنون
وقوله:
لعل لسيف الدولة القرم هبةً ... يعيش بها حق ويهلك باطل
يقال: هب السيف هبةً إذا اهتز في الضريبة, قال امرؤ القيس: [الطويل]
وأبيض كالمخراق بليت حده ... وهبته في السوق والقصرات
يجوز رفع هبةٍ على الابتداء, ونصبها معطوفةً على قوله: بليت حده؛ يعني سوق الإبل وقصراتها؛ لأنه كان يعقرها. والقصرات جمع قصرةٍ وهي أصل العنق, ويجوز أن تجعل القصرات هاهنا قصرات الناس؛ فيكون قد وصف نفسه بعقر الإبل للأضياف, وقتل الرجال في الحرب. والشاعر يشتكي في هذا البيت أنه لا ينصف في الرتبة, وهو ينتظر نظرًا من سيف الدولة يعيش به حقه, ويموت باطل سواه.
وقوله:
رميت عداه بالقوافي وفضله ... وهن الغوازي السالمات القواتل
القوافي هاهنا مراد بها الأبيات التي فيها القوافي, وقد جعلوا البيت قافيةً, وكذلك القصيدة. قال حسان بن ثابت: [الوافر]
فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء
فسروا القوافي في هذا البيت: الأبيات, ولا يبعد أن يراد بها القصائد. وقال كعب بن زهير: [الطويل]
فمن للقوافي بعد كعبٍ يحوكها ... إذا ما ثوى كعب وفوز جرول
وإذا جاء في شعر العرب ذكر القافية أو القوافي؛ فالمراد الأبيات التي فيها القوافي, ومذهب سعيد بن مسعدة: أن القافية الكلمة التي في آخر البيت, ويحتج أن قائلًا لو قال لغيره: اجمع لي قوافي على اللام؛ لقال له: منزل, وحومل, ونحو ذلك, فالقافية على مذهبه تزيد وتنقص, فمن قوافي: «قفا نبك»: حومل وشمأل والقرنفل والتدلل, ومن قوافي كلمة زهير التي على الميم في قوله: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم: معصم والدم ونحو ذلك.
وقد ذهب قوم إلى أن القافية النصف الآخر من البيت, وسئل بعض العرب عن القافية في قول الراجز: [الرجز]
بنات وطاءٍ علي خد الليل
فقال: خد الليل؛ فجعل الكلمة وما أضيف إليها قافيةً. وقال قطرب: القافية حرف الروي, وإلى هذا ذهب أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب, وقال قوم: القافية ما لزم الشاعر إعادته من الحروف والحركات وهذا أشبه أقوالهم بالقياس. وقوله: وهن الغوازي السالمات القواتل, يريد أنها تسير في البلاد ولا تخاف الهلكة, وهي مع ذلك قواتل: أي يذم بهن الإنسان؛ فيكون ذلك كالقتل له, ولذلك قال القائل: [المتقارب]
وجرح اللسان كجرح اليد
بل جرح اللسان أبقى على ممر الأيام, والجرح باليد قد يندمل في كثير من الأوقات.
وقوله:
قريب عليه كل ناءٍ على الورى ... إذا لثمته بالغبار القنابل
القنابل: جمع قنبلةٍ وهي الجماعة من الفرسان. قال النابغة الذبياني: [الطويل]
يحث الجياد جالزًا بردائه ... يقي صاحبيه ما تثير القنابل
جالزًا بردائه؛ أي قد عصب به رأسه, وأصل الجلز: العقد الشديد المحكم.
وقوله:
إذا العرب العرباء رازت نفوسها ... فأنت فتاها والمليك الحلاحل
العرباء صفة للعرب؛ أي: الخالصة, وهو من جنس قولهم: داهية دهياء, فأما قولهم: العرب العاربة؛ فأصحاب النسب يفسرون هذا اللفظ بأن المراد به قبائل من العرب درجت فلم يبق منها أحد يعرف؛ كعاد وثمود وجرهم وطسم وجديس وأميم, ويقال: أميم. وقولهم: العاربة توكيد لهم؛ كما يقال: شيب شائب, وموت مائت, وكذلك شغل شاغل, قال امرؤ القيس: [السريع]
حلت لي الخمر وكنت امرأً ... عن شربها في شغلٍ شاغل
وقال الراجز: [الرجز]
يخضبن بالحناء شيبًا شائبا ... يقلن كنا مرةً شبائبا
وقوله (152/ب):
أطاعتك في أرواحها وتصرفت ... بأمرك والتفت عليك القبائل
وكل أنابيب القنا مدد له ... وما تنكت الفرسان إلا العوامل
القبائل في آخر البيت مرفوعة بقوله: التفت, والهاء في أرواحها راجعة إلى العرب العرباء, وفي تصرفت ضمير يرجع إلى العرب أيضًا, وضرب أنابيب القنا مثلًا, وجعل العوامل هي التي تنكت الفرسان؛ أي تلقيهم, يقال: انتكت الرجل إذا وقع على رأسه, وأنشد ابن السكيت: [المنسرح]
منتكت الرأس فيه دامية ... جائشة لا تردها الفتل
أراد أن العرب كلها مدد لسيف الدولة؛ إلا أنه كعامل القناة, وما تنكت الفرسان إلا عوامل الرماح.
وقوله:
رأيتك لو لم يقتض الطعن في الوغى ... إليك انقيادًا لاقتضته الشمائل
يقال: فلان حسن الشمائل والشمال؛ يريدون حسن السجية والأخلاق. والأصل في ذلك أن الإنسان يشتمل على ما فيه مما يحمد, ويجوز أن تجعل الأخلاق مشتلمةً عليه, والناس يستعملون الشمائل في حسن الخلقة والقد, وهذا البيت ينسب إلى امرئ القيس: [الكامل]
فلئن كبرت لقد علمت بأنني ... حلو الشمائل ماجد الأصل
وقال النحويون: الشمائل واحدها شمال, ويجوز أن يكون شمال جمعًا؛ لأنهم يقولون دلاص للواحد والجمع؛ إذ كان فعيل وفعال يتقاربان, فإذا قيل: دلاص جاز أن يكون واحدًا وجمعًا لدلاصٍ مثل لفظه, وإذا صح قول امرئ القيس: [الطويل]
كنائن يجري فوقهن دليص
فيجوز أن يكون الدلاص جمع دليصٍ. وقال صخر بن معاوية بن الشريد: [الطويل]
ألم تعلما أن الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا
وقافيتها من المتقارب.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید