المنشورات
ومنزلٍ ليس لنا بمنزل ... ولا لغير الغاديات الهطل
وهي من مشطور الرجز وهو رابعه. الغاديات: السحائب التي تجيء بالنهار.
وقوله:
ندي الخزامى ذفر القرنفل ... محللٍ ملوحش لم يحلل
يقول: هذا المنزل ندي الخزامي؛ أي عهده بالمطر قريب فخزاماه ندية. والذفر: شدة الرائحة من الطيب وضده؛ بتحريك الذال وفتح الفاء؛ يقال: ذفر الشيء ذفرًا فهو ذفر. محلل ملوحش: أي تحله الوحش لم يحلل بالإنسز
وقوله (167/أ):
عن لنا فيه مراعي مغزل ... محين النفس بعيد الموئل
مراعي مغزل: يعني ظبيًا مع ظبية لها غزال أي ولد. ومراعي يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون يرعى معها.
والآخر: أن يكون يراعيها من المراعاة من قولك: فلان يراعي فلانًا؛ أي ينظر إلى أموره ويتعدها, وأصل ذلك من مراعاة الكلأ. ومحين: من الحين. والموئل: الملجأ.
وقوله:
وعادة العري عن التفضل
يقول: هذا الظبي قد استغنى بعادة العري عن لبس الثياب. والتفضل من قولهم: تفضلت المرأة والرجل إذا كان عليهما ثوب واحد, قال امرؤ القيس: [الطويل]
فجئت وقد نضت لنومٍ ثيابها ... لدى الخدر إلا لبسة المتفضل
ويقال: امرأة فضل أي عليها ثوب واحد, قال المتنخل الهذلي: [البسيط]
السالك الثغرة المرهوب جانبها ... مشي الهلوك عليها درعها الفضل
رفع الفضل لأنه جعله نعتًا للهلوك على الموضع؛ لأن معنى قوله: مشي الهلوك؛ أي: تمشي مشي الهلوك.
وقولهك
معترضًا بمثل قرن الإيل
يصف الظبي بطول القرن فيقال: إيل بكسر الهمزة وفتح الياء, وأيل بضم الهمزة أيضًا.
وقوله:
يحول بين الكلب والتأمل ... فحل كلابي وثاق الأحبل
يريد أن هذا الظبي يسبق لحظ الكلب ويعجله أن يتأمله. وأصل التأمل أن ينظر الإنسان إلى شيء له فيه أمل فيردد النظر فيه, قال الشاعر: [الطويل]
تأملتها معترةً فكأنما ... رأيت بها من سنة البدر مطلعا
ثم استعمل التأمل في كل شيء ينظر فيه, وإن لم يكن للإنسان فيه أمل, قال أوس بن حجرٍ: [الطويل]
صحا قلبه من سكره وتأملا ... وكان بذكرى أم عمروٍ موكلا
والكلاب: الذي يمارس أمر الكلاب؛ إما لنفسه وأما لغيره, وهو المكلب أيضًا.
وقوله:
عن أشدق مسوجرٍ مسلسل ... أقب ساطٍ شرسٍ شمردل
الأشدق: الواسع الشدق, مسوجر: أي في رقبته ساجور, ومسلسل: أي في رقبته سلسلة, وكل شيء اتصل فهو مسلسل حتى إنهم يقولون: سلاسل البرق؛ يعنون اتصال بعضه ببعض, قال الراجز: [الرجز]
تربعت والدهر عنها غافل
آثار أحوى برقه سلاسل
والأقب: الضامر, وساطٍ: الاشتقاق فيه يدل على أنه من السطوة, وربما فسر الرواة ساطيًا بقولهم: هو الرافع ذنبه, ولعله إنما يفعل ذلك إذا عزم أن يسطو واجتهد في أمر. والشرس: السيئ الخلق, وشمردل: طويل.
وقوله:
منها إذا يثغ له لا يغزل
يثغ له: مجزوم بإذا وإنما يجزم بها في الضرورة, يقال: إن الكلب إذا أدرك الظبي فربما ثغا في وجهه ففزع منه الكلب فعجز عن صيده؛ فيقال عند ذلك: غزل عجز عن صيد الغزال, وكأنهم قالوا: غزل يريدون أنه أصابه ذلك من أجل الغزال فاشتقوا له وصفًا من لفظه.
وقوله:
مؤجد الفقرة رخو المفصل
المؤجد: المقوى, يقال: بناء مؤجد؛ أي محكم, ومنه قيل: ناقة أجد إذا كانت مؤثقة الخلق, قال المتلمس: [الطويل]
إن الهوان حمار الأهل يعرفه ... والطرف ينكره والعرمس الأجد
والفقرة: الواحدة من فقر الظهر, ووصفه برخاوة المفصل لأنه نعته بسرعة بسط المفاصل وقبضها.
وقوله:
له إذا أدبر لحظ المقبل ... يعدو إذا أحزن عدو المسهل
بعض الكلاب إذا عدا التفت في عدوه, وقد ذكر ذلك الحكمي في صفة الكلب فقال: [الرجز]
لفت المشير موهنًا بناره
وأحزن: إذا أخذ في الحزن من الأرض وهو الصلب؛ أي إنه لا يعجز في الحزون أن يعدو كعدوه في السهول.
وقوله:
إذا تلا جاء المدى وقد تلي ... يقعي جلوس البدوي المصطلي
الإقعاء: أن يعتمد على ذبنه. ونهي عن الإقعاء في الصلاة, وهو أن ينصب الرجل ركبتيه. ويقال: أقعى فهو مقعٍ, وحكى أبو عبيدة: قاعٍ في معنى مقعٍ, وأنشد في شواذ الغريب: [الطويل]
وأنكرت من زبان خضرة وجهه ... وأنفًا له مثل التؤيليل قاعيا
والأفصح ما قال الآخر: [الطويل]
فأقع كما أقعى أبوك على استه ... رأى أن ريمًا فوقه لا يطاوله
وإذا تلا: أي إذا تبع جاء المدى, وهو متلو: أي قد سبق.
وقوله:
بأربعٍ مجدولةٍ لم تجدل ... فتل الأيادي ربذات الأرجل
مجدولة: أي مفتولة بخلق الله سبحانه لم يجدلها الآدميون, وفتل الأيادي: جمع أفتل والمصدر: الفتل, قال الأعشى: [البسيط]
جاوزته بطليحٍ حرةٍ سرحٍ ... في مرفقيها إذا استعرضتها فتل
وقال: فتل الأيادي وإنما هي (176/ب) يدان؛ فجمع لأن التثنية جمع, وفي الكتاب العزيز: {قالوا لا تخف خصمان} , فكذلك قال: ربذات الأرجل وإنما هي رجلان, والربذات واحدتها ربذة وهي السريعة الخفيفة, قال عنترة: [الكامل]
ربذٍ يداه بالقداح إذا شتا ... هتاك رايات التجار ملوم
وقوله:
آثارها أمثالها في الجندل ... يكاد في الوثب من التفتل
يجمع بين متنه والكلكل ... وبين أعلاه وبين الأسفل
آثارها: الهاء عائدة على يدي الكلب ورجليه؛ أي إنه يؤثر في الجندل صورًا كصور يديه ورجليه, وجعله يكاد من تفتله في الوثب بجمع بين متنه والكلكل. والمتن: أسفل العجز, والكلكل: الصدر, وهذا يجانس قوله في صفة الأسد:
حتى حسبت العرض منه الطولا
وبين أعلاه وبين الأسفل؛ أي بين أعلى خلقه وأسفله.
وقوله:
شبيه وسمي الحضار بالولي ... كأنه مضبر من جرول
الوسمي: أول المطر, والولي الذي يليه, والحضار يريد الفعال من المحاضرة, وهي المفاعلة من الحضر, والحضر: شدة العدو. يريد أن أول عدوه كآخره. ومضبر: أي قد جمع بعضه إلى بعض, ومن ذلك إضبارة الكتب. والجرول: الحجر.
وقوله:
موثق على رماح ذبل ... ذي ذنبٍ أجرد غير أعزل
شبه قوائمه بالرماح, ووصف ذنبه بأنه غير أعزل, وهو من الأذناب الذي يميل إلى أحد الجانبين؛ فكأنه ينعزل عن موضعه, وذلك مذموم في الكلب وفي الفرس, قال امرؤ القيس: [الطويل]
بضافٍ فويق الأرض ليس بأعزل
وقوله:
لو كان يبلي السوط تحريك بلي ... نيل المنى وحكم نفس المرسل
يقول: هذا الكلب من فرط نشاطه يحرك ذنبه, فلو كان السوط يبليه التحريك لبلي هذا الذنب. يقول: هذا الكلب نيل المنى؛ أي تنال به الأمنية, ومرسله في الصيد له حكم نفسه.
وقوله:
وعقلة الظبي وحتف التتفل ... فانبريا فذين تحت القسطل
عقلة الظبي: أي كأنه يعقله بعقالٍ. والتتفل: ولد الثعلب, وفذين: أي فردين.
وقوله:
قد ضمن الآخر قتل الأول ... في هبوةٍ كلاهما لم يذهل
هبوة: أي غبار, ولم يذهل: أي لم يذهب عقله بل هو مجتهد؛ فالكلب يجتهد في لحاق الصيد, والظبي لم يذهل عن طلب الخلاص.
وقوله:
لا يأتلي في ترك ألا يأتلي ... مقتحمًا على المكان الأهول
قوله: لا يأتلي أي لا يقصر من قولهم: ألا فهو آلٍ إذا قصر. يقول: المطارد والمطرود كلاهما لا يأتلي في ترك ألا يأتلي؛ أي لا يقصر في ترك ألا يقصر, والاقتحام: الدخول في الشيء بسرعة.
وقوله:
حتى إذا قيل له نلت افعل ... افتر عن مذروبةٍ كالأنصل
حتى إذا قيل له: الهاء عائدة على الكب, أي قد نلت ما تريد فافعل ما في نفسك.
افتر: أي فتح فاه فبدت أسنانه وأنيابه, ومذروبة: أي كأنها محددة وإن كانت لم تحدد.
وقوله:
كأنها من سعةٍ في هوجل
الهوجل: الأرض الواسعة.
وقوله:
فحال ما للقفز للتجدل ... وصار ما في جلده في المرجل
أي كانت قوائمه تقفز وصارت بعد القفز للتجدل. والتجدل: الوقوع على الأرض, وقد مر ذكره. وصار ما في جلده في المرجل؛ أي أخذوا لحمه فجعلوه في قدرٍ.
وقوله:
فلم يضرنا معه فقد الأجدل
سكن العين في معه وذاك جائز؛ إلا أنه ليس باللغة العالية, وأنشد سيبويه: [الوافر]
[و] ريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
وأنشد الفراء: [الوافر]
ومن يتق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد
الأجدل: الصقر. يقول: لم يضرنا مع هذا الكلب فقد الأجدل لأنه أغنانا عنه. وقافيتها من المتدارك.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
21 أبريل 2024
تعليقات (0)