المنشورات
عزيز أسى من داؤه الحدق النجل ... عياء به مات المحبون من قبل
الوزن من أول الطويل.
عزيز: خبر متقدم إذا جعلت «من» معرفةً. وإن جعلتها نكرةً جاز أن يكون عزيز ابتداءً. وذهب بعض النحويين إلى أن المبتدأ والخبر إذا كان نكرتين فالمبتدأ هو الأول لا غير, وقد يكون المبتدأ والخبر نكرتين, وأحدهما أخص من الآخر؛ كقولك: ذهب خاتم في إصبعك. فخاتم هاهنا أخص من ذهب, وهو بأن يكون مبتدأ أولى من ذهب.
ويعاء: أي معيٍ لا يعرف دواؤه, ويجوز أن يكون عياء بدلًا من الحدق والنجل, ولا يمتنع أن يكون على إضمار هو. والأسى من قولك: أسوت الجرح إذا أصلحته وداويته. يقال: أسي الجرح أسوًا وأسى, قال الأعشى: [الخفيف]
عنده البر والتقى وأسى الشق ... ق وحمل لمضلع الأثقال
وقوله:
إذا عذلوا فيها أجبت بأنةٍ ... حبيبتا قلبي فؤادي هيا جمل
أنه: من أن المريض إذا اشتكى مرضه بصوت ضعيف. وقوله: حبيبتا يجوز أن يكون على معنى النداء: يا حبيبتا أراد حبيبتي فقلب (168/أ) الياء ألفًا. وقوله: قلبي منقطع من قوله حبيبتا؛ كأنه قال: أشكو قلبي, كما يقول القائل إذا أصاب يده شيء: يدي. وقوله: فؤادي مؤد معنى قوله: قلبي, وهو كما يقول من أصابه مؤذٍ في يده: آهٍ يدي كفي؛ أي إني قد أصبت في ذلك الموضع. والنصف الآخر من هذا البيت تفسير لقوله: أجبت بأنةٍ, وقوله: هيا جمل؛ أي أيا جمل على معنى النداء؛ كأنه ناداها واسمها جمل.
وقوله:
إلى واحد الدنيا إلى ابن محمدٍ ... شجاع الذي لله ثم له الفضل
قال: إلى واحد الدنيا وأراد أن يقول: ابن محمد, فلم يستقم له الوزن فجاء بإلى ثانية, وهم يفعلون ذلك في حروف الخفض كثيرًا, فيقولون: مررت بأخيك بأبي عبد الله, وجلست عند فلان عند كاتب الأمير. وحذف التنوين من شجاع لما كان ساكنًا ولقيته لام التعريف.
وقوله:
إلى الثمر الحلو الذي طيئ له ... فروع وقحطان بن هودٍ له أصل
النسابون يقولون: قحطان بن هود, واسم هود - فيما يزعمون - عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نح, وهذه أسماء أعجمية, وهم يزعمون أن هودًا كان من العرب, فإن كان الأمر على ما ذكر فهو مأخوذ من الهوادة وهي بقية الصلح. يقولون: لا هوادة بينهم؛ أي لم يبق بينهم رجوع إلى صلحٍ ومساومةٍ, وهي من: هاد يهود إذا رجع, ويقال: هود الرجل إذا مشي مشيًا ضعيفًا, وهود في غنائه إذا خفضه, قال الشاعر: [الطويل]
أمون من اللاتي تسمعن بالضحى ... قريض الردافى بالغناء المهود
الردافى: جمع رديف وهو الذي يردفه الإنسان خلفه. والأخبار متناقضة لأن أصحاب الأخبار يقولون: إن عادًا من العرب, ويدعي بعض الناس أن أول من تكلم بالعربية: يعرب بن قحطان بن هودٍ, والأسماء التي بين قحطان وبين نوح كلها أعجمية, إلا أنهم يدعون أن هودًا اسم عربي.
وقوله:
إلى القابض الأرواح والضيغم الذي ... تحدث عن وقفاته الخيل والرجل
ردد إلى مع المخفوض وقد تقدم القول فيه. وسكن القاف من وقفاته, وتحريكها أحسن, وقد مر مثل ذلك, وإنما يستعمل في الضرورة, قال ذو الرمة: [الطويل]
أبت ذكر في الصدر عودن قلبه ... خفوقًا ورقصات الهوى في المفاصل
وقوله:
رأيت ابن أم الموت لو أن بأسه ... فشا بين أهل الأرض لانقطع النسل
أصل فشا: الهمز, وقد استعملت غير مهموزة, قال الشاعر: [الطويل]
تفشأ إخوان الصفاء فعمهم ... وأسكت عني المعولات البواكيا
وقوله:
على سابحٍ موج المنايا بنحره ... غداة كأن النبل في صدره وبل
السابح: الفرس الذي كأنه يسبح في جريه, وهذا البيت يروى للنعمان بن بشير ولغيره, وهو قوله: [البسيط]
اليد سابحة والرجل ضارحة ... والعين قادحة والمتن مقبوب
يصف فرسًا أنثى ضارحة أي تضرح الحجارة, والضرح: الدفع, والعين قادحة أي غائرة.
وقوله:
ولولا تولي نفسه حمل حلمه ... عن الأرض لانهدت وناء بها الحمل
يقول: لولا أنا هذا الممدوح تولت نفسه النهضة بحلمه فنابت عن الأرض في ذلك؛ لعجزت الأرض أن تحمله فأصابها هد. وناء بها الحمل أي أسقطها إلى الأرض. يقال: ناء إذا نهض, وناء إذا سقط. والنوء عند العرب سقوط النجم, وهو من الأضداد يكون هبوطًا وطلوعًا.
وقوله:
ونادى الندى بالنائمين عن السرى ... فأسمعهم هبوا فقد هلك البخل
يقال: هب النائم إذا انتبه, قال الشاعر: [الطويل]
ألا أيها النوام ويحكم هبوا ... نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
وكل هاء وباء مشددة فإنما يستعملان في قوة الشيء ونشاطه, يقال: هب النائم لأنه يفارق السكون ويعمد لما يختار, وهبت الريح إذا جاءت بسكونٍ (*) , وهب التيس إذا نشط للسفاد, وهب السيف إذا اهتز للقطع.
وقوله:
وما تنقم الأيام ممن وجوهها ... لأخمصه في كل نائبةٍ نعل
أخمص الرجل: باطنها, شبه بالبطن الخميص, يقال: رجل خمصان, وامرأة خمصانة إذا وصف بانضمام البطن وخموصه, ويقال للجائع: خميص؛ لأن البطن يفقد الطعام فيضمر.
وقوله:
وما عزه فيها مراد أراده ... وإن عز إلا أن يكون له مثل
وما عزه: أي ما غلبه, وعز هاهنا متعد. والأحسن أن يكون في قوله: وإن عز غير متعد, ويقال في الأول: عزه يعزه بضم العين وفي (168/ب) الثاني: عز يعز بالكسر. يقول: ما عزه في هذه الدنيا مراد إلا أن يطلب له مثلًا فذلك متعذر لا يوجد.
وقوله:
كفى ثعلًا فخرًا بأنك منهم ... ودهرًا لأن أمسيت من أهله أهل
ثعل من طيئ, قال حاتم: [البسيط]
يا ليت شعري وليت غير نافعةٍ ... بأي حالٍ بها أمست بنو ثعلا
وثعل: من أسماء الثعلب وكذلك ثعالة. وقوله: بأنك منهم: الباء زائدة, وقوله: إنك منهم مع الباء في موضع رفع كالفاعل لكفى, ودهرًا معطوف على ثعل. يقول: كفى ثعلًا فخرًا أنك منهم, وكفى دهرًا فخرًا أنه أهل لأنك من أهله؛ وكأنه رفع أهلًا في آخر البيت على تقدير قوله: ودهرًا هو لأن أمسيت من أهله أهل. وبعض الناس يرفع دهرًا ولا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك.
وقوله:
وويل لنفسٍ حاولت منك غرةً ... وطوبى لعينٍ ساعةً منك لا تخلو
طوبى: كلمة مأخوذة من طاب يطيب, ويقال: إن مكوزة الأعرابي قرأ: {طيبى لهم وحسن مئاب}. وزعم سيبويه أن الفعلى إذا كانت أنثى الأفعل لم تستعمل إلا بالألف واللام أو مضافةً, وإنما قال ذلك يريد بها الأكثر من الكلام, وقد جاءت الفعلى, وهي أنثى الأفعل, على غير ما ذكر إلا أنها قليلة, منها قولهم: طوبى. وكان بعض النحويين ينكر قراءة من قرأ: {وقولوا للناس حسنى} , بغير تنوين؛ لأنه يرى أن الصواب: الحسنى. وقد جاءت أشياء نحو هذا كقولك: هم في دنيا صالحة, وإنما هي الدنيا أنثى الأدنى. وقالوا: هذه امرأة أخرى وخلة أخرى؛ وإنما هي أنثى الآخر, قال ابن أبي ربيعة: [الطويل]
وأخرى أتت من دون نعم ومثلها ... نهى ذا النهى لو يرعوي أو يفكر
وقافيتها من المتواتر.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
21 أبريل 2024
تعليقات (0)