المنشورات
قفا تريا ودقي فهاتا المخايل ... ولا تخشيا خلفًا لما أنا قائل
وزنها من الطويل الثاني.
الودق هاهنا المطر, وقيل: هو خروج القطر من الغيم بكثرة, وفيهما روى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: أن الودق مثل الدخان يخرج مع القطر من الغيم. والذي يدل عليه الاشتقاق أن الودق القطر, سمي ودقًا لأنه يدق من الأرض أي يقرب منها. والمخايل: جمع مخيلة وهي السحابة التي يخال فيها المطر. وفي الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى مخيلةً أقبل وأدبر كان يخاف أن يكون فيها عذاب». والمعنى: قفا تريا ما أفعل فقد رأيتما دلائله.
وقوله:
وآخر قطن من يديه الجنادل
أي: إني لا أحفل به ولا يقدر لي على مضرة؛ فكأن الجنادل إذا رماني بها قطن من لينها. يقال: قطن وقطن وقطن, قال الراجز: [الرجز]
كأن مجرى دمعها المستن
قطنة من أجود القطن ويروى: قطننة, ويجوز أن يكون التشديد استعمله الراجز للضرورة؛ فأما قول لبيد: [الكامل]
شاقتك ظعن الحي يوم تحملوا ... فتكنسوا قطنًا تصر خيامها
فيقال: أراد تكنسوا قطنًا, أي جعلوا ثيابًا من قطنٍ لهم مثل الكنس جمع كناسٍ, وهو حيث تكون الظبية والبقرة الوحشية. وقيل القطن: جمع قطينٍ وهم أهل الدار. وقيل القطن: جمع قطانٍ وهو جانب الهودج.
وقوله:
ويجهل أني مالك الأرض معسر ... وأني على ظهر السماكين راجل
نصب مالك الأرض على الحال؛ كأنه قال: يجهل هذا الرجل أني في حال ملكي الأرض معسر؛ لأن همتي وعظمها توهمني أني إذا ملكت الأرض فقير. والأحسن أن يكون العامل في مالك الأرض فعلًا مضمرًا هو كنت التي تكتفي باسم واحد, وكذلك يقولون في قول الشاعر: [الطويل]
ألم تر أني واردًا بعد سبعةٍ ... لأعمى وأني صادرًا لبصير
أراد: أني إذا كنت واردًا أي في حال ورودي. وكنت في معنى وقعت وحصلت.
ومالك الأرض نكرة لأنه في معنى الحال. واسم الفاعل إذا كان نكرةً لم يتعرف بالإضافة إلى المعرفة لأن معناه التنوين كأنه قال: أني مالكًا للأرض. ويجوز أن يكون العامل في مالك الأرض قوله: معسر لأن معسرًا اسم فاعل, واسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا كان في معنى الحال أو الاستقبال.
وقوله:
ومازلت طودًا لا تزول مناكبي ... إلى أن بدت للضيم في زلازل
الطود: الجبل. يقال: طود في الأرض إذا جول فيها, وكأنه مأخوذ من الأطواد أي الجبال؛ لأنه إذا سار في الأرض مر بأطوادها, وبعضهم ينشد هذا البيت: [الوافر]
أطود ما أطود ثم آوي ... إلى بيتٍ قعيدته لكاع
وأكثر الروايات: أطوف. وقال الراجز: [الرجز]
لا هم إن الأسود بن مقصود ... قد أخذ الهجمة ذات التطويد
والزلازل: جمع زلزلةٍ وهي الحركة الشديدة.
وقوله:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشى ... قلاقل عيسٍ كلهن قلاقل
القلقلة: الحركة العنيفة. والأحسن أن يكون في القافية قلاقل بضم القاف لأنه يقال: بعير قلقل وقلاقل؛ فضم القاف أحسن لأن لفظ الفتح قد جاء في قوله: قلاقل عيسٍ. وقولك: كل القوم صالح أقيس من قولك: كل القوم صالحون, وكلا الوجهين حسن.
وقوله (171/ب):
إذا الليل وارانا أرتنا خفافها ... بقدح الحصى ما لا ترينا المشاعل
وهذا المعنى قد سبق إليه الشعراء, قال الشنفرى: [الطويل]
إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي ... تطاير منه قادح ومفلل
يعني بالقادح: الذي يطير منه الشرر. وقال هميان في صفة الإبل: [الرجز]
توقد سرجًا بالحصى سوارجا
وقوله:
كأني من الوجناء في متن موجةٍ ... رمت بي بحارًا ما لهن سواحل
الوجناء: ناقة صلبة غليظة يقال إنها شبهت بالوجين من الأرض وهو غلظ منقاد, قال المثقب العبدي: [الوافر]
كأن مناخها ملقى لجامٍ ... على معزائه وعلى الوجين
وقيل: الوجناء العظيمة الوجنة وهي عظم الخد, وشبه الناقة بالموجة ترمي به بحارًا؛ يجوز أن يعني بها الليل أو الأرض الواسعة, أو يريد أن الأمرين قد اجتمعا له.
وقوله:
يخيل لي أن البلاد مسامعي ... وأني فيها ما تقول العواذل
يقول: لا أستقر في مكانٍ فكأن البلاد مسامعي وأنا فيها ما يقوله عاذلي وعاذلتي, فلا يستقر فيها منه شيء.
وقوله:
ومن يبغ ما أبغي من المجد والعلا ... تساوى المحايا عنده والمقاتل
المحايا: جمع محيا من قولهم: حييت محيًا وهو ضد الممات. والأقيس أن يقال: المحايي بياءين كما يقال في المسقى: المساقي, وفي المرمى: المرامي. ويجوز أن تقلب الياء الآخرة ألفًا لاستثقالهم الجمع بين ياءين كما قالوا: نوق معايا جمع معييةٍ.
وقوله:
غثاثة عيشي أن تغث كرامتي ... وليس بغث أن تغث المآكل
يقال: طعام غث بين الغثاثة والغثوثة إذا لم يكن طيبًا, وإنما أخذ من اللحم الغث وهو الذي لا دسم فيه. يقال: ناقة غثة والجمع غثاث, قال كثير: [المتقارب]
فغمرت منها ذوات السديف ... وأرويت ما كان منها غثاثا
ومن كلام العرب: تركنا بني فلانٍ يتكنفون بالغثاث؛ أي يجعلونها حول بيوتهم. والغثاث: المهازيل؛ أي قد ماتت إبلهم من الهزل فهي حول البيوت. وقال ابن الزبير لقوم من الأعراب: «والله إن كلامكم لغث, وإن سلاحكم لرث, وإنكم لعيال في الجدب, وأعداء في الخصب».
ويقال: عرفت غث فلان من سمينه؛ أي رديء علمه من جيده, قال الشاعر: [الوافر]
فإنما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي من سميني
ويقال: أغث الحديث إذا صار غثًا, قال قيس بن الخطيم: [المنسرح]
ولا يغث الحديث ما نطقت ... وهو بفيها ذو لذةٍ أنف
وقافيتها من المتدارك.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
21 أبريل 2024
تعليقات (0)