المنشورات

كدعواك كل يدعي صحة العقل ... ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل

الوزن من الطويل الأول.
يقول: كل الناس يدعي أنه عاقل؛ لأن الإنسان لا يعلم بما فيه من جهل.
وقوله (175/أ):
لهنك: ذهب قوم إلى أن هذه الهاء بدل من همزة إنك لأن أصل هذه اللام أن تكون في أول الكلام, وهي لام توكيد, فكرهوا الجمع بينها وبين أن لأنهما توكيدان, فلما جعلوا الهمزة هاءً استحسنوا مجيء اللام. ويدل على أنها بدل من همزة إن مجيء اللام في الخبر, قال الشاعر: [الطويل]
لهنك من عبسيةٍ لوسيمة ... على هنواتٍ كاذبٍ من يقولها
وأنشد أبو زيد: [الكامل]
وأما لهنك من تذكر وصلها ... لعلى شفا يأسٍ وإن لم تيأس
وقال قوم: إنما أراد لله إنك, وحذف الهمزة لكثرة الاستعمال, ولأنهم حذفوا من هذا الاسم في قولهم:
لاه ابن عمك
يريدون: لله, وهذا أقوى من القول الأول, قال الشاعر: [الطويل]
لهن هوانا آل ليلي قديم ... وأفضل أهواء الرجال قديمها
ولم يجئ باللام في الخبر. وقال آخر: [الطويل]
ألا يا سنا برقٍ علي قلل الحمى ... لهنك من برقٍ علي كريم
ولما كثر اسم الله جلت عظمته على الألسن حذفوا منه الألف في الوقف فقالوا: [الرجز]
أقبل سيل جاء من عند الله ... يحرد حرد الجنة المغله
وقال آخر فحذف الألف في الوصل: [الوافر]
عليكم لعنة الله من رعاءٍ ... فقد ضاعت رعية ما رعيت
أتوني يضحكون ويهلكوها ... كأن وجوههم طليت بزيت
يقول الشاعر للعاذلة: أنت أولى لائمٍ بملامة, وأحوج إلى العذل ممن تعذلين. وضم الذال في يعذل أكثر, وقد حكيت بالكسر.
وقوله:
تقولين ما في الناس مثلك عاشق ... جدي مثل من أحببته تجدي مثلي
نصب مثلك لأنها نكرة, والتقدير: ما في الناس عاشق مثلك فلما قدمت مثلك على عشاق, وهي وصف له, نصبت على الحال كما قال القائل: [الطويل]
وتحت العوالي والظبى مستظلةً ... ظباء أعارتها العيون الجآذر
نصب مستظلة لأنه نعت لظباءٍ مقدم؛ كأنه قال: وتحت العوالي ظباء مستظلة.
ويدلك على أن مثلك نكرة وأن مثل ليست تتعرف بالإضافة إلى المعرفة قول أبي محجن الثقفي: [الكامل]
يارب مثلك في النساء غريرةٍ ... بيضاء قد متعتها بطلاق
يقول: إذا وجدت مثل من أحببته وجدت مثلي فإذا تعذر وجوده تعذر وجود من يشبهني.
وقوله:
محب كنى بالبيض عن مرهفاته ... وبالحسن في أجسامهن عن الصقل
أراد أنا محب فحذف لعلم السامع, ووصف نفسه بأن أحبابه السيوف, وأنه كنى بالبيض عن المرهفات التي هي الصوارم لا عن المرهفات التي عني بها النساء, وكنى عن الصقل بالحسن.
وقوله:
فما حرمت حسناء بالهجرٍ غبطةً ... ولا بلغتها من شكا الهجر بالوصل
الغبطة ما يسر الإنسان ويغبط عليه أي يحسد. وأصل الغبط أن يحسد الرجل غيره ويؤثر أن يكون له مثل ماله, ولا يكون له غرض في زوال نعمة المغبوط. والحسد أن يكون الحاسد مشتهيًا لزوال ما أعطيته المحسود, قال لبيد: [المنسرح]
كل بني حرةٍ مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يومًا يصيروا للبؤس والنكد
فقال الشاعر على سبيل الادعاء: فما حرمت حسناء غبطةً بالهجر, ولا بلغتها من شكا الهجر بالوصل. الهاء في بلغتها راجعة إلى الغبطة.
وقوله:
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ولا بد دون الشهد من إبر النحل
يقولون: لقيان ولقيان بضم اللام وكسرها. يقول لعاذلته: تريدين أن تأخذي المعالي رخيصةً ولابد دونها من لقيان الشدائد, كما أن مشتار الشهد يصبر على إبر النحل ليبلغ إلى ما يريد.
وجبال السراة يلاقي فيها مشتار العسل شدةً؛ لأنها تكون في مواضع يتعذر إليها الوصول؛ وذلك أن بعضها يعسل في عرض الجبل, فلا يمكن صعود المشتار إليها من أسفل الجبل؛ فيتدلى عليها من أعلاه بحبالٍ. قال أبو ذؤيب يصف المشتار: [الطويل]
تدلى عليها بالحبال موثق ... شديد الوصاة نابل وابن نابل
فحط عليها والضلوغ كأنها ... من الرعب أشباه السهام النواصل
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوبٍ عوامل
لم يرج في معنى: لم يخف.
وقوله (175/ب):
حذرت علينا الموت والخيل تدعي ... ولم تعلمي عن أي عاقبةٍ تجلي
جعل الادعاء الخيل وإنما الادعاء للفوارس, ومثل هذا كثير في كلامهم؛ يستعيرون الشيء من الاسم إلى مقاربه كما يقولون: قامت الحرب, وإنما يريدون قام الذين يتحاربون, وقد علم أن الحرب لا تقوم؛ لأن القيام من أفعال الحيوان.
وقوله:
ولست غبينًا لو شريت منيتي ... بإكرام دلار بن لشكروزٍ لي
البغداديون يفتحون دال دلار وهم أخبر بكلام فارس؛ لأنهم نشأوا مع الديلم وغيرهم من الفرس. والعرب تجري على تغيير الأسماء الأعجمية. ودلار على وزن فعال وليس له اشتقاق في كلام العرب؛ لأن الدلر كلمة لم تستعمل.
وقوله:
تمر الأنابيب الخواطر بيننا ... ونذكر إقبال الأمير فتحلولي
تحلولي: تفعوعل من الحلاوة. يقال: احلولى الشيء فهو محلولٍ, وأصل هذه الكلمة ألا تكون متعدية إلى مفعولٍ, وقد جاءت متعديةً في بعض المواضع, قال حميد بن ثور: [الطويل]
فلما مضى عامان بعد انفصاله ... عن الضرع واحلولى دماثًا يرودها
وقال تأبط شرًا: [الطويل]
يظل بموماةٍ ويمسي بغيرها ... جحيشًا ويعروري ظهور المهالك
عدى يعروري إلى جحيشٍ. وفي هذا البيت سناد وهو مجيء الواو قبل اللام التي هي الروي, وسهله بعض التسهيل أن الواو إذا انفتح ما قبلها لم يكمل لينها وكذلك الياء.
والسناد خمسة أضربٍ: سناد التأسيس: وهو أن يكون بيت مؤسسًا وبيت غير مؤسس.
والتأسيس: ألف بينها وبين حرف الروي حرف يسمى الدخيل, وذلك مثل قول العجاج: [الرجز]
وقوله (175/ب):
حذرت علينا الموت والخيل تدعي ... ولم تعلمي عن أي عاقبةٍ تجلي
جعل الادعاء الخيل وإنما الادعاء للفوارس, ومثل هذا كثير في كلامهم؛ يستعيرون الشيء من الاسم إلى مقاربه كما يقولون: قامت الحرب, وإنما يريدون قام الذين يتحاربون, وقد علم أن الحرب لا تقوم؛ لأن القيام من أفعال الحيوان.
وقوله:
ولست غبينًا لو شريت منيتي ... بإكرام دلار بن لشكروزٍ لي
البغداديون يفتحون دال دلار وهم أخبر بكلام فارس؛ لأنهم نشأوا مع الديلم وغيرهم من الفرس. والعرب تجري على تغيير الأسماء الأعجمية. ودلار على وزن فعال وليس له اشتقاق في كلام العرب؛ لأن الدلر كلمة لم تستعمل.
وقوله:
تمر الأنابيب الخواطر بيننا ... ونذكر إقبال الأمير فتحلولي
تحلولي: تفعوعل من الحلاوة. يقال: احلولى الشيء فهو محلولٍ, وأصل هذه الكلمة ألا تكون متعدية إلى مفعولٍ, وقد جاءت متعديةً في بعض المواضع, قال حميد بن ثور: [الطويل]
فلما مضى عامان بعد انفصاله ... عن الضرع واحلولى دماثًا يرودها
وقال تأبط شرًا: [الطويل]
يظل بموماةٍ ويمسي بغيرها ... جحيشًا ويعروري ظهور المهالك
عدى يعروري إلى جحيشٍ. وفي هذا البيت سناد وهو مجيء الواو قبل اللام التي هي الروي, وسهله بعض التسهيل أن الواو إذا انفتح ما قبلها لم يكمل لينها وكذلك الياء.
والسناد خمسة أضربٍ: سناد التأسيس: وهو أن يكون بيت مؤسسًا وبيت غير مؤسس.
والتأسيس: ألف بينها وبين حرف الروي حرف يسمى الدخيل, وذلك مثل قول العجاج: [الرجز]
ندمت ندامةً لو أن نفسي ... تطاوعني إذًا لبتكت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر الله حين كسرت قوسي
والضرب الثالث من ضروب السناد: سناد الإشباع. والإشباع حركة الحرف الدخيل, وهو الحرف الذي بين حرف التأسيس وحرف الروي في الشعر المطلق, فإذا جاء مفتوحًا مع مكسور فذلك سناد؛ كقول الراجز: [الرجز]
يا نخل ذات السدر والجراول ... تطاولي ما شئت أن تطاولي
فإن جاءت الضمة مع الكسرة فهو أسهل من مجيء الفتحة معها؛ لأن الكسرة والضمة متواخيتان, قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار المناكب
صدود خدودٍ والقنا متشاجر ... ولم تبرح الأقدام عند التضارب
والضرب الرابع من السناد: سناد الحذو وهو أن يكون ما قبل الردف مكسورًا, ثم يجيء مفتوحًا, أو تجيء الفتحة مع الضمة, قال عمرو بن معدي كرب فجاء بياءٍ مكسورٍ ما قبلها مع ياءٍ قبلها فتحة, وفي القصيدة واو ما قبلها مفتوح, قال: [الوافر]
تقول ظعينتي لما رأته ... شريجًا بين مبيض وجون
تراه كالثغام يعل مسكًا ... يسر الفاليات إذا فليني
وفي القصيدة:
لصلصلة اللجام برأس طرفٍ ... أحب إلي من أن تنكحيني
فأقسم لو جعلت علي دينًا ... بطعة فارسٍ لقضيت ديني
وقال عبيد بن الأبرص: [الوافر]
فإن يك فاتني ومضى شبابي ... وأصبح عارضي مثل اللجين
فقد ألج الخباء على عذارى ... كأن عيونهن عيون عين
(176/أ) والضرب الخامس من السناد هو: سناد التوجيه, وهي حركة ما قبل الروي في الشعر المقيد كان الخليل يرى اختلافها سنادًا كقول امرئ القيس: [المتقارب]
لا وأبيك ابنة العامر ... ي لا يدعي القوم أني أفر
تميم بن مر وأشياعها ... وكندة حولي جميعًا صبر
إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرقت الأرض واليوم قر
جاء بالفتحة مع الضمة والكسرة, وكان سعيد بن مسعدة لا يرى ذلك عيبًا لأنه كثير في أشعار الفحول.
وقوله:
فلا عدمت أرض العراقين فتنةً ... دعتك إليها كاشف الخوف والمحل
العراقان يراد بهما الكوفة والبصرة, وهما المصران والبصرتان, وقالوا للجزيرة وللموصل: الموصلان, وهو من جنس قولهم: العمران. وكاشف الخوف والمحل يحتمل أن يكون منصوبًا على النداء والحال.
وقوله:
ونرمي نواصيها من اسمك في الوغى ... بأنفذ من نشابنا ومن النبل
ونرمي نواصيها: أي نواصي خيل الأعداء نرميها إذا سميناك بما هو أقتل لها من نشابنا ومن النبل. والنشاب: كلمة عربية, وهي مأخوذة من قولهم: نشب في الشيء إذا علق به, قال ابن أبي ربيعة: [الكامل]
فسمعت ما قالت فبت كأنما ... يرمى الحشى بنوافذ النشاب
وقوله:
فإن تك من بعد القتال أتيتنا ... فقد هزم الأعداء ذكرك من قبل
قبل هاهنا نكرة, ولو كانت معرفةً لضمت وجعلت غايةً, وكذلك إذا جاءت منصوبةً؛ فهي ف يحال التنكير إذا قلت: جئت قبلا.
وقوله:
ومازلت أطوي القلب قبل اجتماعنا ... على حاجةٍ بين السنابك والسبل
السنابك: مقاديم الحوافر, ويقال للأرض الغليظة: سنبك. وجاء في الحديث: «تخرجكم الروم منها كفرًا كفرًا كما أخرجتموهم منها طفرًا طفرًا إلى سنبكٍ من الأرض» قيل: وما ذاك السنبك, قال: «حسمى جذام».
يريد الشاعر أنه كان يطوي في نفسه حاجة بين السنابك والسبل؛ أي إني كنت أريد المسير إليك وتلك حاجة بين السبل وبين السنابك؛ يعني سنابك الخيل.
وقوله:
وخيلٍ إذا مرت بوحشٍ وروضةٍ ... أبت رعيها إلا ومرجلنا يغلي
وصف أن خيلهم سوابق يصطاد عليها الوحش؛ فإذا مرت بروضة ووحش أبت رعيها إلا إذا غلت مراجلنا بلحم الصيد؛ وإنما المراد بهذا الوصف أصحابها وفرسانها؛ لأن الخيل لا يمكن أن تعتقد ذلك, وإنما هذا اللفظ كقولهم: صرعت الخيل فلانًا؛ وإنما صرعه الفارس بطعنةٍ أو ضربةٍ. قال الشاعر: [الطويل]
فكان صريع الخيل أول وهلةٍ ... فأهون به مختار جهلٍ على علم
وقوله:
ولكن رأيت الفضل في القصد شركةً ... وكان لك الفضلان بالقصد والفضل
يقول: كان عزمنا أن نقصدك, والقصد مقترن بفضل القاصد؛ فلما اتفق ورودك كان الفضلان لك لأنك جئتنا فلم نحتج أن نسير إليك. وقد شرح هذا البيت بما بعده وهو قوله:
وليس الذي يتبع الوبل رائدًا ... كمن جاءه في داره رائد الوبل
يقول: ليس الذي يسير فيرد مواقع الغيث كآخر مقيم جاءه المطر في بلاده؛ أي كنت أيها الرجال كالسحاب الذي جاءنا مطره ولم يحوجنا إلى المسير لنرعى ما أنبته فيما بعد من الأماكن.
وقوله:
وقاد لها دلار كل طمرةٍ ... تنيف بخديها سحوق من النخل
هذا المعنى قد سبق إليه الشعراء, قال امرؤ القيس: [المتقارب]
وسالفةٍ كسحوق الليا ... ن أضرم فيها الغوي السعر
يريد أنها شقراء فكأن غويًا أضرم في رأس نخلة نارًا, وهذا نحو من قول طفيل الغنوي: [الطويل]
كأن على أعرافه ولجامه ... سنا ضرمٍ من عرفجٍ متلهب
والليان: جمع لينه وهو ضرب من النخل وقال قوم: كل نخلة لينة. وقافيتها من المتواتر.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید