المنشورات

أثلث فإن أيها الطلل ... نبكي وترزم تحتنا الإبل

وزنها من رابع الكامل.
قوله: أثلث من ثلثت الاثنين إذا كنت لهم ثالثًا. يقول: نحن نبكي والإبل ترزم؛ أي نحن فابك أيها الطلل أو افعل ما يدل على أسفك. ويقال: أرزمت الناقة إذا حنت. قال أبو ذؤيب: [الطويل]
فتلك التي لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل
وقوله:
أو لا فلا عتب على طللٍ ... إن الطلول لمثلها فعل
يقول: افعل أيها الطلل كما تفعل أو لا تفعل شيئًا, فإن الطلول عادتها ألا تظهر أسفًا على الظاعن.
وقوله:
لو كنت تنطق قلت معتذرًا ... بي غير ما بك أيها الرجل
أبكاك أنك بعض من شغفوا ... ولم ابك أني بعض من قتلوا
يقول: لو أنك (176/ب) تقدر على النطق لاعتذرت من تركك البكاء ونحوه؛ فقلت: أبكاك أيها القائل أنهم شغفوك؛ أي غلبوا على قلبك فبكيت إذ فارقوك, ولم أبك لأنهم قتلوني برحيلهم, وليس عند المقتول بكاء ولا غيره مما يفعله الأحياء. وألقى حركة الهمزة من أبك على ميم "لم" وحذفها.
وقوله:
إن الذين أقمت واحتملوا ... أيامهم لديارهم دول
هذا البيت يجوز أن يكون متصلًا بالكلام المحكي على الطلل ولا يمتنع أن يكون من خطاب الشاعر إياه. والبيت يحتمل ضم التاء من أقمت وفتحها.
وقوله:
الحسن يرحل كلما رحلوا ... معهم وينزل حيثما نزلوا
في مقلتي رشأٍ تديرهما ... بدوية فتنت بها الحلل
تشكو المطاعم طول هجرتها ... وصدودها ومن الذي تصل
ما أسأرت في القعب من لبنٍ ... تركته وهو المسك والعسل
أسأرت: في معنى أبقت, ولم يزل الكلام يحتمل أن يكون حكايةً عن الطلل, وعن الشاعر حتى جاء هذا البيت وهو قوله:
قالت ألا تصحو
فعلم أنه من كلام الشاعر.
وقوله:
ملك إذا ما الرمح أدركه ... أود ذكرناه فيعتدل
الأود: الاعوجاج, وهذه دعوى مفرطة ولكن الشعراء يفعلون ذلك. يقول: هذا الملك قد عدل في رعاياه حتى إن الرمح إذا اتأذ, أي اعوج, ذكر له فاعتدل.
وقوله:
حتى أتى الدنيا ابن بجدتها ... فشكا إليه السهل والجبل
يقال: هو ابن بجدة الأمر والأرض إذا كان عالمًا بها وبما يشكل من الأمور. يقال: بجد في المكان إذا أقام به, لأن من أقام بالأرض علم كيف تكون أحوال أهلها, وكيف يجب أن يدبرها من وليها, فلما جاء هذا الممدوح إلى الدنيا وهي محتاجة إلى العدل شكا سهلها وجبلها إليه.
وقوله:
شكوى العليل إلى الكفيل به ... ألا تمر بجسمه العلل
يقول: شكا إليه السهل والجبل شكوى العليل إلى الكفيل به, والهاء في به راجعة إلى العليل. والكفيل الذي يكفل أي يضمن, والمضمون أن هذا العليل لا تمر العلل بجسمه.
وقوله:
قالت, فلا كذبت, شجاعته ... أقدم فنفسك ما لها أجل
ادعى الشاعر أن شجاعة هذا الممدوح قالت له: أقدم فما لنفسك أجل تخشاه كآجال الناس.
وقوله:
عدد الوفود العامدين له ... دون السلاح الشكل والعقل
فلشكلهم في خيله عمل ... ولعقلهم في بخته شغل
الوفود تجيء معها بالشكل والعقل, فالشكل تعدها لخيله الموهوبة لهم, والعقل تريدها لإبله التي تصير إليهم.
وقوله:
تمسي على أيدي مواهبه ... هي أو بقيتها أو البدل
يقول: الذي تأخذه الوفود من خيله وإبله على ثلاثة أصنافٍ: فإما أن تكون موفورةً قد كان قبلها غيرها فهي تسلم إليهم, وإما أن تكون قد بقيت منها بقية فهم المحكمون فيها, أو قد وهبها كلها واستبدل غيرها فهم يأخذون البدل.
وقوله:
نشتاق من يده إلى سبلٍ ... شوقًا إليه ينبت الأسل
السبل: المطر. يقول: نشتاق من يده إلى مطرٍ ينبت الأسل, أي الرماح, شوقًا إلى يديه لأنه يطعن به الأعداء.
وقوله:
سبل تطول المكرمات به ... والمجد لا الحوذان والنفل
الحوذان والنفل ضربان من النبت. أي: جودهذا الممدوح تطول به المكارم, وليس هو كغيره من الأمطار ينبت به الحوذان والنفل وغيرهما من النبات.
وقوله:
وإلىحصى أرضٍ أقام بها ... بالناس من تقبيلها يلل
يقول: ينبت الأسل (177/أ) شوقًا إلى يده وإلى حصى أرضٍ هو نازل بها يقبلها الناس حتى بهم يلل من تقبيلها. واليلل: انقلاب الأسنان إلى داخل. يقال: رجل أيل وامرأة يلاء. قال لبيد: [الرمل]
رقميات عليها ناهض ... تكلح الأروق منهم والأيل
وقوله:
إن لم تخالطه ضواحكهم ... فلمن تصان وتذخر القبل
يقول: الناس يشتاقون إلى تقبيل حصى هذه الأرض, وإن لم تخالط ضواحكهم, وهي ما ظهر من أسنان الإنسان إذا ضحك, هذا الحصى المذكور فلأي شيء تذخر القبل؟
وقوله:
وإذا الخميس أبى السجود له ... سجدت له فيه القنا الذبل
يقول: إذا لم يسجد له الخميس, وإنما أراد بالسجود انحناءهم لتقبيل الأرض, سجدت له فيه - أي في الخميس - القنا الذبل, أي خفضت للطعن فكأنها ساجدة.
وقوله:
وإذا القلوب أبت حكومته ... رضيت بحكم سيوفه القلل
يقول: إذا أبت قلوب الأعداء ما يحكم رضيت القلل بأن تصيبها سيوفه, والقلل أعالي الرؤوس.
وقوله:
أرضيت وهسوذان ما حكمت ... أم تستزيد, لأمك الهبل
وهسوذان: الخارجي الذي خرج على بني بويه, وفي حكمت ضمير عائد إلى سيوف الممدوح وقناه.
وقوله:
وردت بلادك غير مغمدةٍ ... وكأنها بين القنا شعل
يقول: وردت هذه السيوف بلادك يا أيها الخارجي وكأنها شعل بين الرماح.
وقوله:
والقوم في أعيانهم خزر ... والخيل في أعيانها قبل
الأعيان: جمع عينٍ وهو جمع القلة, وأعين أكثر في الكلام, قال الشاعر: [الطويل]
ولكنما أغدو علي مفاضة ... دلاص كأعيان الجراد المنظم
وأنشد أبو زيد: [البسيط]
إما تري شمطًا في الرأس حل به ... من بعد أسود داجي اللون فينان
فقد أروع قلوب الغانيات به ... حتى يملن بأجيادٍ وأعيان
وقال آخر في الأعين: [الكامل]
ونظرن من خلل السجوف بأعينٍ ... مرضى مخالطها السقام صحاح
والخزر أن ينظر الإنسان بجانب عينه الذي يلي الأنف.
وقوله:
فأتوك ليس لمن أتوا قبل ... بهم وليس لمن نأوا خلل
قد تردد في شعره مثل قوله: ليس لمن أتوا قبل, والأحسن أن يكون الفعل موحدًا في خبر من إذا أمكن ذلك. تقول: جاءني من أكرمك؛ فيكون أحسن من قولك: من أكرموك. فأما قوله: فأتوك ليس لمن أتوا فما يمكن فيه توحيد الفعل إذ كان قد سبقه قولهم: أتوك. وقوله: ليس لمن نأوا قد يمكن فيه توحيد الفعل؛ إلا أنه لما جمع في النصف الأول آثر أن يقول: نأوا في النصف الثاني.
وقوله:
لم يدر من بالري أنهم ... فصلوا ولا يدري إذا قفلوا
يقول: أنصار هذا الملك كثير؛ فبعضهم يهزم أعداءه, وجماعة من أصحابه لم يعلموا بغزو الجيش ولا قفوله.
وقوله:
فأتيت معتزمًا ولا أسد ... ومضيت منهزمًا ولا وعل
يقول: أتيت معتزمًا ولا أسد يعتزم كاعتزامك, ومضيت منهزمًا ولا وعل ينهزم كانهزامك.
وقوله:
تعطي سلاحهم وراحهم ... ما لم تكن لتناله المقل
يقول: انهزمت وأعطيت سلاح هؤلاء القوم الذين هم عند عضد الدولة وراحهم, جمع راحة اليد, ما لم تكن لتناله المقل من بعده.
وقوله:
أسخى الملوك بنقل مملكةٍ ... من كاد عنه الرأس ينتقل
جعل وهسوذان ملكًا, وذكر أن أسخى الملوك بنقل مملكة من كاد عنه الرأس ينتقل؛ يعني وهسوذان.
وقوله (177/ب):
لولا الجهالة ما دلفت إلى ... قومٍ غرقت وإنما تفلوا
يقول: لولا جهالتك أيها الخارجي مادلفت إلى قوم. يقال: دلف الرجل يدلف دلفًا إذا مشى مشيًا متقاربًا مثل مشي الشيخ الكبير. ومشى الرجل في الحرب إذا أثقله السلاح, قال أوس بن حجر: [الطويل]
كهمك لا عهد الشباب يضلني ... ولا هرم ممن توجه دالف
يقول: دلفت إلى قومٍ غرقت؛ وإنما تفلوا عليك فغرقت في تفلتهم. وتفلوا أي بصقوا.
وقوله:
لا أقبلوا سرًا ولا ظفروا ... غدرًا ولا نصرتهم الغيل
يقول: لم يقبلوا إليك وهم يخفون أنفسهم ليختلوك بذلك, ولا نصروا عليك لغدرٍ بك؛ وإنما أخذوك ببأسهم وقوتهم ولم تعنهم عليك غيل الدهر؛ أي لم يلحقك موت ولا مرض فيصدك عن القتال.
وقوله:
لا يستحي أحد يقال له ... نضلوك آل بويه أو فضلوا
قدروا عفوا, وعدوا وفوا, سئلوا ... أغنوا, علوا أعلوا, ولوا عدلوا
يقال: استحيا الرجل واستحى وقد مر. ونضلوك أصله في النضال أي المراماة؛ يقال: ناضل فلان فلانًا إذا راماه, فإذا غلب واحد منهما الآخر قيل: نضله ينضله, وأصل النضال أن يتراميا لينظر أيهما أجود رميًا وأبعد سهمًا, ثم جعل النضال المراماة في الحرب, قال أبو حية النميري: [الطويل]
ألا رب يومٍ لو رمتني رميتها ... ولكن عهدي بالنضال قديم
ثم أخرج النضال إلى المفاخرة وإن لم يكن ثم رماء, قال الشاعر: [البسيط]
قد ناضلوك فأبدوا من كنائنهم ... مجدًا تليدًا ونبلًا غير أنكاس
يقال: إنهم كانوا إذا جزوا ناصية فارس جعلها أحدهم في كنانته, فإذا فاخر أظهرها وقال: هذه ناصية فلان.
والمعنى أن الشاعر قال: لا يستحي أحد يقال له: نضلك آل بويه أو نضلوك, وهذا نحو قولهم في صدر الإسلام: ما استحيا فارس انهزم من عبد الله بن خازم السلمي أو من قطري بن الفجاءة المازني. والبيت الذي أوله: «قدروا» قلما يوجد مثله في الأشعار لأنه أخبر عن الممدوحين بعشرة أخبار في بيتٍ واحد, وهو الرابع من الكامل, ولو أنه الأول لجاز أن يجيء فيه اثنا عشر خبرًا من هذا الجنس.
وقوله:
فوق السماء وفوق ما طلبوا ... فإذا أرادوا غايةً نزلوا
ادعى أن هؤلاء القوم فوق ما يطلبون من المعالي؛ فإذا أرادوا غايةً لا يصل إليها سواهم نزلوا إليها من مراتبهم إذ كانت أشرف مما يلتمسون.
وقوله:
قطعت مكارمهم صوارمهم ... فإذا تعذر كاذب قبلوا
يقول: هؤلاء القوم كرام تصد مكارمهم سيوفهم أن تقتل أعاديهم, فإذا تعذر إليهم المذنبون قبلوا المعاذير, وإن علموا أنها ليست بالصادقة.
وقوله:
لا يشهرون على مخالفهم ... سيفًا يقوم مقامه العذل
يقول: هؤلاء القوم فيهم رفق وإحسان؛ فهم لا يشهرون سيفًا إذا كان القول يكفيهم أن يشهروه. وهذا المعنى قد سبق إليه المتقدمون, وقال بعض الملوك: إذا كفاني الكلام لم أرفع السوط, وإذا كفاني السوط لم أشهر السيف.
وقوله:
فأبو علي من به قهروا ... وأبو شجاعٍ من به كملوا
حلفت لذا بركات غرة ذا ... في المهد ألا فاتهم أمل
أبو علي هو: الحسن بن بويه والد عضد الدولة أبي شجاع. يقول: أبو علي الذي ظفرهم بالمملكة, وأبو شجاع كملت لهم به الإرادة. والقافية من المتراكب.












مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید