المنشورات

ما أجدر الأيام والليالي ... بأن تقول ما له وما لي

وزنها من سادس السريع على رأي الخليل, وهي رجز عند العرب.
والهاء في قوله: ما له يعني بها نفسه؛ أي ما أجدر الأيام (178/أ) والليالي أن تشتكيني فتقول: ما له وما لي.
وقوله:
لا أن يكون هكذا مقالي ... فتًى بنيران الحروب صال
قوله: لا أن يكون هكذا مقالي؛ أي إني أشتكي وهي جديرة أن تشكوني, وفتًى بنيران الحروب صالٍ يريد به نفسه؛ أي أنا فتى صالٍ بنيران الحروب.
وقوله:
منها شرابي وبها اغتسالي ... لا تخطر الفحشاء لي ببال
الهاء في منها راجعة إلى نيران الحروب, يقول: إذا كان الناس يشربون الماء ويغتسلون به؛ فشرابي من نيران الحروب واغتسالي منها, ولما ذكر الاغتسال جاء بذكر الفحشاء.
وقوله:
لو جذب الزراد من أذيالي ... مخيرًا لي صنعتي سربال
ما سمته سرد سوى سروال ... وكيف لا وإنما إدلالي
يقول: لو أن الزراد خيرني فقال: ما تريد أن أصنع لك من اللباس لم أسمه شيئًا سوى سروال من زردٍ؛ لأن لي درعًا ومغفرًا. والرواية: سرد بالإضافة إلى سوى, وتنوين سردٍ أحسن. وقوله: لو جذب الزراد من أذيالي, يعني لو جذب أذيالي لينظر ما مقدار الذي أحتاج إليه. ومن شأن الخياط أن يفعل ذلك.
وقوله:
بفارس المجروح والشمال
المجروح والشمال: فرسان لعضد الدولة.
وقوله:
لما أصار القفص أمس الخالي ... وقتل الكرد عن القتال
حتى اتقت بالفر والإحفال
القفص: موضع في جبال فارس يكون فيه قوم, وهذا الكلام يدل على أن عضد الدولة أوقع بالمقيمين في هذا الموضع وجعله كأمس الذاهب, وهذا كلام قديم, ويروى لصخر ابن عمرو بن الشريد: [الكامل]
ولقد قتلتكم ثناء وموحدًا ... وتركت مرة مثل أمس الدابر
ويجوز أن يعني بالقفص أهل القفص فحذف المضاف, وقد مضى مثل ذلك. وقوله: وقتل الكرد عن القتال: عن هاهنا كأنها تؤدي معنى الباء الخافضة؛ كأنه قال: وقتل الكرد بالقتال, كما يقال: مرض فلان عن أكل كذا أو عن شربه؛ أي بأكله وشربه. ولا يجوز أن تكون عن هاهنا كقولك: طردهم عن المكان لأن الوجه الأول أبلغ.
وقوله:
وفي رقاق الأرض والرمال ... على دماء الأنس والأوصال
الرقاق من الأرض: أرض صلبة فيها رمل, قال لبيد: [الرمل]
ورقاقٍ عسبٍ ظلمانه ... كحزيق الحبشيين الزجل
الحزيق جمع حزيقةٍ وهي الجماعة من الناس وغيرهم. والزجل: جمع زجلة وهي الجماعة أيضًا.
وقوله:
منفرد المهر عن الرعال ... من عظم الهمة لا الملال
قيل إن عضد الدولة كان يتقدم أمام الجيش وحده ولا يكون معه أحد, وكذلك حكي عن نقفور دمستق الروم أنه كان يفعل.
وحدث قوم من الصوفية أنهم كانوا في بلاد فارس, وأنهم أصبحوا يومًا وهم أولو كلالٍ, فناموا في الشمس. قال المحدث عنهم كلامًا معناه أنهم أيقظهم فارس قد وقف عليهم, فسألهم عن حالهم, فأخبروه ثم تلاحق به العسكر وإذا هو عضد الدولة؛ فأمر لهم بشيء من المال فعرضه عليهم الخازن فلم يقبلوه, وكان قد رآهم بسوء حالٍ. قال المحدث: فلما رددنا المال رأيناه وهو يبكي.
وقوله:
ما يتحركن سوى انسلال ... فهن يضربن على التصهال
ما يتحركن يعني الخيل, وهذا الكلام عائد إلى الرعال وهي جمع رعيلٍ, والرعيل من الخيل: جماعة عليها فرسان, وقد يجوز أن تكون لا فوارس عليها إلا أنها في هذا الموضع لها فرسان, وجعلهن لا يتحركن لفط الهيبة, وإذا صهلن ضربن ليمسكن فلا يسمع لهن صهيل, هذا من قول الطائي: [الكامل]
فالمشي همس والنداء إشارة ... خوف انتقامك والحديث سرار
وقوله:
كل عليلٍ فوقها مختال ... يمسك فاه خشية السعال
من مطلع الشمس إلى الزوال
كل عليل يعني مريضًا فوق هذه الخيل, وهو من المختالين الذين تلحقهم (178/ب) الخيلاء لعظم قدرهم عند نفوسهم؛ يمسك فاه خشية أن يسعل لفرط الهيبة.
وقوله:
فلم يئل ما طار غير آل ... فما عدا فانغل في الأدغال
فلم يئل أي لم ينج, وغير آلٍ غير مقصرٍ, وما عدا من العدو, وانغل في الشيء إذا دخل فيه, قال ذو الرمة: [الوافر]
تريك بياض سنتها ووجهًا ... كقرن الشمس أفتق ثم زالا
أصاب خصاصةً فبدا كليلاً ... كلا وانغل سائره انغلالا
الخصاصة: الفرجة. وقوله: كلا أي مثل قولك: لا, وهذا كقول الآخر في صفة أرض: [الطويل]
يكون نزول القوم فيها كلا ولا ... غشاشًا ولا يدنون رحلًا إلى رحل
والأدغال جمع دغلٍ وهو شجر ملتف.
وقوله:
وما احتمى بالماء والدحال ... من الحرام اللحم والحلال
الدحال: جمع دحلٍ وهو موضع يضيق رأسه ويتسع أسفله, وربما نبت في أسفله شيء من الشجر. ويوصف القبر بانه كالبئر الدحول؛ يريدون التي فيها موضع يضيق ثم يتسع, قال الشاعر: [الطويل]
فإن الذي تبكين قد حال دونه ... تراب وزوراء المقام دحول
وقوله: من الحرام اللحم والحلال؛ يعني بالحرام اللحم: الخنزير والدب وما جرى مجراهما, وبالحلال: الظبي والوعل.
وقوله:
سقيًا لدشت الأرزن الطوال
الدشت: الأرض الواسعة, وربما قيلت بالسين, وهي أعجمية, وقد تكلمت بها العرب, قال الأعشى: [المنسرح]
قد علمت فارس وحمير والـ ... أعراب بالدشت أيهم نزلا
والأرزن شجر واحدته الأرزنة, وأنشد ابن السكيت: [البسيط]
إني وعيشك لا أقضي الغريم وإن ... طال المطال وما رقت له كبدي
إلا عصا أرزنٍ طارت برايتها ... تنتوء ضربتها بالكف والعضد
وأنشد ابن الأعرابي: [الرجز]
لو أن عودًا سمهريًا من قنا ... ومن جياد الأرزنات أرزنا
لاقى الذي لاقيته تفننا ... ومن تطاوحه الليالي عننا
والدهر والأيام يصبح قدونا
وقوله:
بين المروج الفيح والأغيال ... مجاور الخنزير للريبال
الفيح: جمع أفيح, والأغيال: جمع غيلٍ وهو شجر ملتف وقد مر ذكره. والخنزير يقال إنه ليس بعربي, وقال قوم: النون فيه زائدة وهو من قولهم: بعينه خزر, وقال قوم: بل هو مأخوذ من الخنزرة وهي فأس تكسر بها الحجارة سمي بذلك لغلظه وشدته.
وقوله:
داني الخنانيص في الأشبال ... مشترف الدب على الغزال
الخنانيص: أولاد الخنازير, الواحد خنوص. والخنص غير معروف في كلامهم. أي إن الأسد مجاورة فيه للخنازير, والدب في موضع مشرفٍ فهو يطل على الغزال لأنه في موضع سهل.
وقوله:
فقيدت الأيل في الحبال ... طوع وهوق الخيل والرجال
أهل اللغة يروون في الواحد: أيل وإيل, وقد ذكره هاهنا على أنه جمع, ويجوز أن يكون أبو الطيب وجده في بعض المواضع, ويجوز أن تكون الأيل جمع إيلٍ من قولهم: آل الشيء إلى كذا إذا صار إليه, ويعني بالأيل ما نجا من الوحوش؛ أي إن الناجي منها قد قيد في حبلٍ. والوهوق جمع وهقٍ, وهو شيء يكون مع الفوارس في الحرب؛ فربما ألقاه الفارس في عنق الآخر فكان ذلك سبب قتله أو أسره.
وقوله:
تسير سير النعم الأرسال ... معتمةً بيبس الأجذال
النعم: يراد به ما يملكه الناس من الإبل, فإذا قيل: الأنعام دخل فيه الظأن والمعز.
ويجيء في الشعر مذكرًا ولا يمنتع تأنيثه, قال خفاف بن ندبة: [السريع]
قد أشهد الغارة مبثوثةً ... تهوي هوي النعم الوارد
أراد أن الأوعال قد كثر صيدها فهي كثيرة كالنعم الذي بعضه في آثار بعضٍ, وكل شيء تتابع من الحيوان فهو أرسال كالجراد والقطا وغيرهما, قال امرؤ القيس: [السريع]
فيهن أرسال كرجل الدبا ... أو كقطا كاظمة الناهل
وقوله: بيبس الأجذال يعني قرون الوعول. واليبس ما يبس من الشجر؛ ولو رويت: اليبس جمع يابس لكان ذلك وجهًا. والأجذال: جمع جذلٍ وهو وتد غليظ, ويقال لأصل الشجرة: جذل.
فأما الحديث الذي جاء فيه: «أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب» ربما في هذا زادوا الكلام: وحجيرها المؤوم. يعني (179/أ) بالجذيل تصغير جذلٍ, وهو وتد ينصب في مراح الإبل لتحتك به الفصال الجربى, فلذلك قال المحكك, قال الهذلي: [الطويل]
على أنها قالت رأيت خويلدًا ... تغير حتى صار أسود كالجذل
وعذيقها المرجب يعني تصغير عذقٍ بفتح العين وهي النخلة. والمرجب الذي يبنى تحته مثل الدكان إذا كثر حمله مخافة أن يميل, وقد مر. وحجيرها المؤوم؛ أي المدور الصلب. وقرون الوعول توصف بالعظم, ويقال: وعل ناخس إذا وصل قرنه إلى عجزه فنخسه.
وقوله:
ولدن تحت أثقل الأحمال ... قد منعتهن من التفالي
يقول: هذه الوعول عليها من قرونها ثقل, وهي مولودة معها, وإنما تثقلها في حال الكبر. وقد منعتهن من التفالي؛ أي بعضها لا يفلي بعضًا, لأن قرونها تمنعها من ذلك.
والحمر الوحشية يتفالين, قال ذو الرمة, وذكر حمير وحشٍ: [الطويل]
وظلت بملقى واجفٍ جزع المعى ... قيامًا تفالى مصلخما أميرها
المصلخم: المتكبر, ويعني بأميرها عير الآتن.
وقوله:
لا تشرك الأجسام في الهزال
يعني أن قرونها إذا قل عليها المرعى فهزلت لم تشكرها في الهزال؛ بل هي باقية على ما كانت عليه.
وقوله:
إذا تلفتن إلى الأظلال ... أرينهن أشنع الأمثال
يعني يتلفتن: الوعول. يقول: إذا تلفت إلى أظلالهن رأين خلقًا ليست بالحسنة, وأرينهن: يعني الأظلال.
كأنما خلقن للإذلال ... زيادةً في سبة الجهال
في خلقن ضمير يعود إلى القرون. يقول: كأنهن خلقن ليذللن الأوعال بثقلهن, وهن مع ذلك زيادة في سبة الجهال؛ لأن العامة يقولون: فلان قران وقرنان وأقرن, يريدون بذلك سبًا قبيحًا.
وقوله:
والعضو ليس نافعًا في حال ... لسائر الجسم من الخبل
يقول: العضو إذا لم ينتفع به سائر الجسم فهو معدود من الخبال؛ أي يخبل الشخص الذي هو فيه. والخبال يوصف به الفاسد والمضطرب والمتغير العقل وغير ذلك من الأشياء المشاكلة هذه الأجناس. والعضو مبتدأ وخبره: من الخبال. والمعنى: أن اليد والرجل إذا لم ينتفع بها سائر الجسد فهي خبال له أي فساد. وبعض الناس يقول: إن قولهم: سائر كذا ينبغي أن يكون قد تقدمه شيء منه مثلما تقول: جاءني أخوك دون سائر أهلك, فالأخ بعض الأهل, قال الشنفرى: [الطويل]
إذا حملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
لما كان رأسه بعض جسده جاز أن يكون سائر بعده, ولا يحسن أن يقال أكلت اللحم دون سائر العنب, وإنما حملهم على هذا القول أنهم يرون سائر الشيء بناءً على فاعلٍ من السؤر أي البقية. يقال: أسأر في الإناء إذا ترك فيه شيئًا قليلًا, وهذا القول يضعف لأن سؤر الشيء بقيته اليسيرة, وسائر يستعمل في الشيء الكثير, قال الشاعر: [الطويل]
وما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر
المرء واحد. وقوله: سائر الناس يدخل فيه خلق كثير؛ وكأن هذا الوجه يدفع أن يكون سائر من السؤر, وإنما يجب أن يكون من قولهم: سار الشيء في غيره إذا انتشر فيه. يقول: سار النوم في جسده إذ سكن كل أعضائه, وسار الحديث في الناس إذا انتشر فيهم, ويقوي هذا المذهب أن سائرًا قد جاء وليس قبله شيء من جنسه, قال الراجز: [الرجز]
لو أن من يزجر بالحمام ... يقوم يوم وردها مقامي
إذا أضل سائر الأحلام 
وقوله:
فأوفت الفدر من الأوعال ... مرتديات بقسي الضال
أوفت أي علت وارتفعت. يقال: أوفى على الشيء إذا أشرف عليه من معالٍ, قال الشاعر: [البسيط]
أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك وراد فما وردا
والفدر: الأوعال المسان, قال الراعي النميري: [الكامل]
وكأنما انتطحت على أثباجها ... فدر تشابه قد تممن وعولا
وقوله: مرتيداتٍ بقسي الضال؛ أي قرونهن على رؤوسهن كالأردية, وقد انحنين على أصلابهن فكأنهن قسي الضال, والضال: ضرب من الشجر وهو السدر (179/ب) البري, وما نبت على الأنهار منه فهو العبري, قال ذو الرمة: [الوافر]
قطعت إذا تخوفت العواطي ... ضروب السدر عبريًا وضالا
وقوله:
نواخس الأطراف للأكفال ... يكدن ينفذن من الآطال
يعني أن قرونها تنخس أكفالها بأطرافها ويكدن أن ينفذن من الآطال, جمع إطلٍ, وهو الخاصرة.
وقوله:
لها لحى سود بلا سبال ... يصلحن للإضحاك لا الإجلال
يقول: لهذه الوعول لحى يصلحن أن يضحك بهن, ولا يصلحن للإجلال من قولك: أجللت الرجل إذا أكرمته.
وقوله:
كل أثيثٍ نبتها متفال ... لم تغذ بالمسك ولا الغوالي
يقول: لحاهن أثيثات النبت فكلها متفال؛ أي ليست رائحته بطيبة. والتفل ضد العطر. وامرأة متفال ضد معطار, قال امرؤ القيس: [الطويل]
إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها ... ومالت عليها هونةً غير متفال
والغوالي: كل ما غلا من الطيب من غلاء السعر؛ فأما خصومة الناس هذا الضرب من الطيب بالغالية, فيقال: إن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام دخل على معاوية فشم منه رائحةً طيبة فسأله عنها, فوصفها له, فقال معاوية: هذه غالية. والأشبه أن تكون الغالية كل شيء غالٍ من الطيب, وقيل: إن فاطمة عليها السلام قالت لما مات النبي صلى الله عليه وسلم: [الكامل]
ماذا على من مس تربة أحمدٍ ... ألا يمس مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام صرن لياليا
وقوله:
ترضى من الأدهان بالأبوال ... ومن ذكي الطيب بالدمال
يقول: إنها لا تدهن إلا أن يصيبها شيء من بولها فتقيمه مقام الدهن. والدمال نحو الزبل.
وقوله:
لو سرحت في عارضي محتال ... لعدها من شبكات المال
يقول: هذه اللحية لو سرحت في عارضي رجلٍ محتالٍ لعدها شبكةً يصطاد بها أموال الناس؛ لأنهم إذا نظروا إلى كبر لحيته ظنوا أن فيه خيرًا.
وقوله:
شبيهة الإدبار بالإقبال ... لا توثر الوجه على القذال
فاختلفت في وابلي نبال يريد أنها تنبت في قفاه كما تنبت في وجهه, فإذا أقبل فله لحية, وإذا أدبر فكذلك. يقول: رميت هذه الوعول بوبلين من نبال. وأصل الوابل في المطر, وهو الشديد الوقع, والنبال: جمع نبلٍ. وقال قوم: لا يقال للواحدة نبلة, وقال غيرهم: بل يقال: نبلة ونبلة, والقياس يوجب أن يقال: نبلة.
وقوله:
من أسفل الطود ومن معال ... قد أودعتها عتل الرجال
في كل كبدٍ كبدي نصال
دل على الوابلين من أين مجيئهما بقوله: من أسفل الطود ومن معال. والعتل: القسي الفارسية, وهذا البيت يروى لأمية بن أبي الصلت: [البسيط]
يرمون عن عتلٍ كأنها غبط ... وزمخرٍ يعجل الرامين إعجالا
ويروى: المرمي إعجالًا, والغبط: جمع غبيطٍ وهو مركب من مراكب النساء. يريد أن قسيهم منقوشة لأنهم كانوا ينقشون غبيط المرأة, والزمخر: سهام قصبية. والرجال: جمع راجل مثل: شاهد وشهادٍ, قال الشاعر: [الطويل]
أشد على رجال سعدٍ ونائل ... ومن يدعي الداعي إذا هو نددا
والهاء في أودعتها راجعة إلى الأوعال؛ يريد أن الرماة قد جعلت في كبد كل وعلٍ كبدي نصال, وكبد النصل ما غلظ منه.
وقوله:
فهن يهوين من القلال ... مقلوبة الأظلاف والأرقال
يهوين, يعني الوعول, أي يرمين فيتساقطن ولا ينحدرن كعادتهن في الانحدار؛ بل تنقلب أظلافهن وإرقالهن؛ لأنهن كن يقمن على الأظلاف ويرقلن بها فسقطن على غير هذه السجية.
وقوله:
يرقلن في الجو على المحال ... في طرقٍ سريعة الإيصال
يريد أنهن يسقطن من (180/أ) أعلى الجبل فيسقطن على ظهورهن. والمحال: جمع محالةٍ وهي فقارة الظهر. وقوله: في طرق سريعة الإيصال؛ أي إن الساقط من أعلى الجبل يصل إلى الأرض سريعًا, وإذا انحدر لنفسه أبطأ في النزول.
وقوله:
ينمن فيها نيمة الكسال ... على القفي أعجل العجال
أخبر أنهن ينمن, ولا نوم هنالك, وإنما يشبهن النائم لأنهن يهوين علي جنوبهن كما أن النائم يضطجع. والكسال: جمع كسلان مثل: عطشان وعطاش, ويقال: ما أحسن نيمته أي ضجعته للنوم. يقول: ينزلن على قفيهن تارة وعلى جنوبهن أخرى فنيمتهن نيمة الكسال, وهن على عجلة مفرطة.
وقوله:
فوحش نجدٍ منه في بلبال ... يخفن في سلمى وفي قبال
البلبال ما يجدن في قلوبهن من الفزع, والظاهر في أن سلمى أحد جبلي طيئ, ويجوز أن يكون سلمى هاهنا موضعًا آخر. وقبل جبل بنجد.
وقوله:
نوافر الضباب والأورال ... والخاضبات الربد والرئال
والظبي والخنساء والذيال
نصب نوافر على الحال ورفعها أحسن؛ لأنه قال: فوحش نجدٍ فيجعل نوافر كالخبر. والأورال: جمع ورلٍ. ويزعم الناس أن التمساح يبيض ويخرج بعض ما في بيضه إلى البر؛ فيقال له: الورل, وجمعه أورال. والخاضبات: النعام إذا رعت الربيع فخضبت سوقها بالصوم, وقيل: الخاضبات التي ترعى اليساريع فتحمر قوادمها, قال النابغة الذبياني: [البسيط]
كالخاضيات من الربد الظنابيب
الظنابيب: جمع ظنبوب وهو عظم الوظيف. والرئال: أولاد النعام.
وقوله:
يسمعن من أخباره الأزوال ... ما يبعث الخرس على السؤال
الأزوال: جمع زول وهو العجب, قال حاتم: [الطويل]
عطاؤكم زول ويرزأ مالكم ... فإني بكم ولا محالة ساخر
وقوله:
فحولها والعوذ والمتالي ... تود لو يتحفها بوال
المتالي: جمع متليةٍ وهي التي خلفها ولدها. زعم أن الوحش تود أن يتحفها الممدوح بوالٍ.
وقوله:
يركبها بالخطم والرحال ... يؤمنها من هذه الأهوال
الخطم: جمع خطام, وهو ما تخطم به الدابة. والرحال: جمع رحلٍ. يقول: الوحش في هذه المواضع النائية تود له أتحفها هذا الملك بوالٍ يستخدمها كغيرها من الدواب؛ لتأمن من الأهوال التي لقيتها الوحش في الدشت.
وقوله:
ويخمس العشب ولا تبالي ... وماء كل مسبلٍ هطال
يقول: كيف لهذه الوحش أن يكون عليها والٍ يؤمنها من الصيد فيخمس عليها العشب والماء الذي ترد, كما كانت الخلفاء تبعث السعادة فتأخذ الزكاة من أموال البادية.
وقوله:
لو شئت صدت الأسد بالثعالي ... أو شئت غرقت العدي بالآل
ادعى له ما لا يقدر عليه؛ وإنما قالت العرب: الثعالي والأراني تريد الثعالب والأرانب في ضرورة الشعر فأبدلت الياء من الباء, قال الشاعر: [البسيط]
لها أشارير من لحمٍ تتمره ... من الثعالي ووخز من أرانيها
وقوله:
ولو جعلت موضع الإلال ... لآلئًا قتلت باللآلي
الإلال: جمع ألةٍ وهي الحربة, والناس إذا قالوا: حربة فإنهم يعنون النصل وما تحته. والأجود أن يكون الشاعر أراد هاهنا بالإلال: النصال. يقول: لو مددت إليهم اللآلئ مكان النصال لقتلتهم بها.
وقوله:
لم يبق إلاطرد السعالي ... في الظلم الغائبة الهلال
على ظهر الإبل الأبال
كانت العرب تزعم أن السعالي من الجن ويسمونهن الغيلان, وقد مر ذكرهن, والإبل الأبال التي قد اجتزأت بالربيع عن الماء, وكذلك يقال للوحشية, قال الهذلي: [الطويل]
به أبلت شهري ربيع كليهما ... فقد بان فيها نسؤها واقترارها
نسؤها: ابتداء (180/ب) سمنها, واقترارها فيما قال بعضهم: بولها على أفخذها. ويجوز أن يكون من أنها أقامت بقرارٍ من الأرض. والصواب أن يقال: إبل أو أبل وأبل.
وقوله: أبال ضرورة.
قال العجاج: [الرجز]
وردته قبل قطاه الأرسال ... وقبل فراط الذياب العسال
كان ينبغي أن يقول: العواسل أو العسل فجاء به على فعالٍ, وإنما يجيء ذلك لمن يعقل, كقولهم: غائب وغياب, وعاذل وعذال. وقافيتها من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید