المنشورات

واحر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم

الوزن من البسيط الأول.
والهاء في قلباه يجوز فيها الضم والكسر؛ فمن كسر فلالتقاء الساكنين, ومن ضم فلأنه شبهها بهاء عصاه ورحاه. وبعض النحويين يري أن ترك الياء في هذا الموضع روي لأنها تحذف في قولك: يا غلام, وإذا أضيف الغلام إلى غيره لم تحذف منه كقولك: يا غلام غلامي, ويا عبد عبدي. وقد حكى سعيد بن مسعده أن بعرض العرب يقول: جاءني غلام فيحذف الياء في غير النداء؛ فإذا أخذ بغير هذا القول فحذف الياء من قوله: واحر قلباه سائغ يسير. وكذلك من عاب إثبات الياء في الوصل وزعم أنها إنما تثبت في الوقف فقد جاء خلاف ما زعم في الشعر. أنشد يعقوب بن السكيت: [الرجز]
يا مرحبًا بحمار عفراء ... إذا أتى قربنه لما شاء
من الحشيش والشعير والماء
وقال آخر: [الرجز]
يا مرحباه بحمار الناجيه ... إذا أتى قربته للسانيه
وقال آخر: [الرجز]
يارب يا رباه إياك أسل ... عفراء يارباه من قبل الأجل
وقال آخر: [الوافر]
يارب يا رباه إياك أسل ... عفراء يارباه من قبل الأجل
وقال آخر: [الوافر]
إليك أتوب يا رباه مما ... جنيت فقد تظاهرت الذنوب
والمعنى أن الشاعر يقول: وا حر قلبي, والذي أوجب حره أن قلب عدوي شبم. والشبم: البارد, ووصف الموت بالشبم لأنه برد. قال الشاعر: [المتقارب]
وقد شبهوا العير أفراسنا ... فقد وجدوا سيرها ذا شبم
أي: ذا برد؛ أي: ظنوا أن أفراسنا عير تحمل طعامًا وميرةً, فإن ميرها شبم أي موت بارد.
ويجوز أن يعني بالشبم أن الحديد بارد وهو يؤدي إلى الموت. قال الشاعر: [البسيط]
ولوا سارعًا لدى الطرفا تشدخهم ... زرق الأسنة في أطرافها شبم
وقد استعمل لفظ الشبم في غير معنى البرد؛ فقيل لدفيفٍ أو عودٍ يجعل في فم العناق أو الجدي ليمنعه من الرضاع: شبام. قال عدي بن زيد العبادي: [الخفيف]
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المهيمن الخلاق
ليس للمرء عصمة من رزايا الدهـ ... ـر تغني عنه شبام عناق
وقالوا في بعض الأمثال: «تفرق من صوت الغراب وتقدم على الأسد المشبم» , وهو الذي في فمه شبام. والشبامان: خيطان في البرقع تشدهما المرأة إلى قفاها.
وقوله: ومن بجسمي وحالي عنده سقم؛ أي: جسمي سقيم عنده لكثرة الهموم, وحالي سقيمة أيضًا؛ أي إني قليل ذات اليد.
وقوله:
مالي أكتم حبًا قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الأمم
أكتم: أكثر الكتمان, ومن شأن المحب أن يكتم ما به. يقول: حبي سيف الدولة قد برى جسمي وأنا كاتم له, وغيري يدعي حبه, ويظهر ما يضمر سواه.
وقوله: (187/ب)
إن كان يجمعنا حب لغرته ... فليت أنا بقدر الحب نقتسم
الغرة: يراد بها الوجه, ويكنى بذلك عن سائر الجسد؛ لأن القائل إذا قال: أحب غرة فلان فليس يريد أنه يحب وجهه دون يده وغيرها من الأعضاء؛ وإنما دل بذكر الغرة على أنه يحب الشخص بأسره.
وقوله: يجمعنا يحتمل وجهين:
أحدهما: إن كان يجمعنا من آفاق البلاد المتباعدة حب لغرته فليت أنا نقتسم بره كما نقتسم حبه.
والآخر: أن يريد إن كان يجمعني وغيري, أي أكون أنا وهو محبين لسيف الدولة؛ فليت حظي منه بمقدار حظي من المحبة, وهذا كما تقول: أنا وفلان تجمع بيننا الكنية أو التجارة؛ أي كلانا من أهلها.
وقوله:
قد زرته وسيوف الهند مغمدة ... وقد نظرت إليه والسيوف دم
أي: قد زرته في أيام السلم وأيام الحرب. وقوله: والسيوف دم كلام يستعمل مثله الناس كثيرًا؛ فيقولون: صار السيف دمًا, إذا خضب بالدم, وكذلك الثوب ونحوه. ومعلوم أنهم لم يريدوا أن عنصر السيف صار من الدماء.
وقوله:
فوت العدو الذي يممته ظفر ... في طيه أسف في طيه نعم
في طيه أسف: الهاء في طيه عائدة إلى الظفر؛ أي: إن فوته إياك إنما وقع به لخوفه منك؛ لأنه هاب لقاءك فهرب. وإنما يعني أن سيف الدولة أسف لذلك. وقوله: في طيه نعم: الهاء في الطي الثاني ترجع إلى الأسف, وقد شرح ذلك الشاعر في البيت الذي يليه بقوله:
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت ... لك المهابة ما لا تصنع البهم
البهم: جمع بهمةٍ. يقال: فارس بهمة إذا كان لا يدرى كيف يؤتى له. فإذا قالوا: فارس بهمةٍ - بالإضافة - فالمراد أنه فارس يلقى بهمةً؛ أي فارسًا مثله؛ أي فارسًا يعد لأمرٍ مبهمٍ يعجز كشفه. ومن ذلك قول الشاعر: [الكامل]
غدر ابن جرموزٍ بفارس بهمةٍ ... عند اللقاء وكان غير معرد
وقوله:
ألزمت نفسك شيئًا ليس يلزمها ... ألا يواريهم أرض ولا علم
يقول للمدوح: ألزمت نفسك غير لازم لها لأنك أردت ألا تواريهم أرض ولا علم, أي جبل. والأقضية جرت بغير ذلك. تواريهم: أي تسترهم.
وقوله:
عليك هزمهم في كل معتركٍ ... وما عليك بهم عار إذا انهزموا
أصل الهزم: كسر الشيء. يقال: صارت في الحجر هزمة إذا ضرب بمعول فصار فيه أثر منخض. ويقال: في الأديم هزول؛ أي مواضع قد أخلقت فالماء يخرج من خلالها. ويقال: تهزم البيض من الحديد إذا ضرب بالسيوف فتكسر. قال جرير: [الطويل]
ويوم أبي قابوس لم تعطه المنى ... ولكن ضربنا الهام حتى تهزما
وقال المرقش الأصغر: [مجزوء البسيط]
تبكي على الدهر, والدهر الذي ... أبكاك, فالعين كالشن الهزيم
يقول: عليك هزم الأعداء في كل المواطن, وإذا انهزموا فلا عار عليك, وترك اتباعهم أجمل لأنه كالعفو عنهم.
وقوله:
أما ترى ظفرًا حلوًا سوى ظفرٍ ... تصافحت فيه بيض الهند واللمم
تصافحت: أي تلاقت بالصفاح. وصفحة الشيء: جانبه إذا عرض, يقال: صافح الرجل الآخر إذا وضع يده في يده, ومن ذلك قيل للحجارة العراض: صفاح. قال البرج بن مسهرٍ الطائي: [الوافر]
نطوف ما نطوف ثم نأوي ... ذوو الأموال منا والعديم
إلى حفرٍ أسافلهن جوف ... وأعلاهن صفاح مقيم
يقول: لا يستحلى الظفر إلا أن تضرب الرؤوس بالسيوف.
وقوله:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
زعم أنه أعدل الناس إلا في معاملته إياه. وهذه شكوي مفرطة لأنه قال في موضع آخر [الطويل]:
وما يوجع الحرمان من كف حارمٍ ... كما يوجع الحرمان من كف رازق
فإذا كان عادلًا في الناس كلهم إلا في معاملته فقد وصفه بأقبح الجور. ووصف الممدوح بثلاثة أوصافٍ مختلفةٍ, فقوله: فيك الخصام؛ أي أنت الشيء الذي يختصم فيه. وأنت الخصم, وهو غير مختصمٍ فيه. وأنت الحكم, وليس الحكم بأحد الخصمين ولا بالشيء الذي وقه فيه الخصام؛ يقال: رجل خصم فيستعمل للواحد (188/أ) والاثنين والجميع, وفي الكتاب العزيز: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} , فالخصم هاهنا جماعة. وقال زهير في جمع خصم على خصوم: [الوافر]
لعمر أبيك ما هرم بن سلمى ... بملحي إذا اللؤماء ليموا
ولا ساهي الفؤاد ولا عيي اللـ ... ـسان إذا تشاجرت الخصوم
وقوله:
أعيذها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسب اشحم فيمن شحمه ورم
الأجود أني كون في «تحسب» ضمير عائد على النظرات, ولا يمتنع أن يكون المضمر هو الممدوح؛ كأنه قال: أعيذ نظراتك من أن تحسب - أيها الملك - الورم شحمًا. وهذا لفظ يجوز أن يكون لم يسبق إليه الشاعر, والمعنى حسن, وليس على قدر معناه. والشحم والورم متضادان؛ لأن الشحم يحدث عن الصحة, والورم يحدث عن المرض, فيقال: ورم أنف الرجل إذا أنف الشيء وكرهه, كأنما حدث لأنفه ورم.
وقوله:
ومن انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
هذا البيت ممض لمن قيل فيه لأنه يقول له: لك ناظران لا تبصر بهما؛ فجعله وهو بصير كبعض العميان.
وقوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم
حمل «الذي» على المعنى ولم يحملها على اللفظ؛ لأن «الذي» يطلب راجعًا إليها, وما رجع إليها الضمير. ولو كان الكلام منثورًا لكان وجه الكلام أن يقول: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبه وأسمعت كلماته من به صمم, وقد جاء في الشعر مثل هذا كثيرًا. قال الراجز: [الرجز]
أنا الذي فررت يوم الحره ... والحر لا يفر إلا مره
وإنما وجه الكلام أن يقول: أنا الذي فر يوم الحرة, و «الذي» لم يعد إليها ضمير.
وقال آخر: [الرجز]
يا مر يا بن واقعٍ يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا
وإنما وجه الكلام أن يقول: أنت الذي طلق عام جاع. وقال مهلهل: [الكامل]
وأنا الذي قتلت بكرًا بالقنا ... وتركت تغلب غير ذات سنام
وإنما وجه الكلام: وأنا الذي قتل بكرًا وترك تغلب. وقوله للممدوح: أنا الذي ينظر إلى أدبى الأعمى أفلا تنظر إليه وأنت في حكم البصير؟ وأسمعت كلماتي الأصم وأنت سميع أفلا تفهم ما أقول.
وقوله:
أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم
نصب ملء جفوني على تقدير قوله: أنام نومًا ملء جفوني موضوع موضع المصدر؛ وهذا كقولهم: قعد القرفصاء؛ أي قعد القعدة التي هي كذلك. والهاء في شواردها عائدة إلى كلماته. ويحتمل أن يكون أراد بالكلمات جمع كلمةٍ التي هي لفظة واحدة, وهذا أشد في المبالغة من سواه. ويجوز أن يعني بالكلمات القصائد؛ لأنهم يسمون القصيدة كلمة. والقصائد توصف بالشرود؛ أي تسير في الأرض كسير النعام الشارد وغيره. قال القطامي: [البسيط]
مالي أرى الناس مزورًا فحولهم ... عني إذا سمعوا صوتي وإنشادي
إلا أخي بني الجوال يوعدني ... ماذا يقول ابن جوالٍ بإيعادي
وطالما ذب عني سير شرد ... يصبحن فوق لسان الراكب الغادي
يعني الأبيات والقصائد, وذلك مما تصفه الشعراء. قال المسيب بن علس: [الكامل]
فلأهدين مع الرياح قصيدةً ... مني مغلغلةً إلى القعقاع
ترد المياه فلا تزال غريبةً ... في القوم بين تمثلٍ وسماع
وجراها: جرى كلمة على فعلى, مأخوذة من قولك: جره يجره؛ أي كان سببه؛ كما تقول في الكلام: أصابني تعب جر فلان إلى ذلك؛ أي بجره, ومن أجل جره؛ أي يسهر القوم لأجل هذه الشوارد ويختصمون, وأنا نائم لا أشعر بذلك.
وقوله:
وجاهلٍ مده في جهله ضحكي ... حتى أتته يد فراسة وفم
الواو في معنى رب, ومده؛ أي جذبه وجره, وفي الكتاب العزيز: {وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون}. يقول: رب جاهلٍ غره مني ضحكي. يقال: ضحك, وضحك, وضحك, وضحك, وقد مضى القول في ذلك, وأن حروف الحلق إذا كانت ثاني فعل من الأسماء أو فعلٍ من الأفعال جازت فيها هذه الوجوه الأربعة. وقيل للطلع: ضحك كأن النخل يضحك عنه, وشبهوا به العسل الأبيض. قال الهذلي: [الطويل]
فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله ... هو الضحك إلا أنه عمل النخل
ويد فراسة؛ أي تدق الأعناق. وأصل الفرس: دق العنق, ثم صار كل قتل فرسًا. قال الهذلي: (188/ب) [البسيط]
يا مي لا يعجز الأيام ذو لبدٍ ... من الضراغم رزام وفراس
الرزام: الذي يجثم على فريسته.
وقوله:
إذا رأيت نيوب الليث بارزةً ... فلا تظنن أن الليث مبتسم
يقول لسيف الدولة: إذا الليث أبرز نيوبه فليس ذلك تبسمًا منه؛ وإنما هو إرادة للصولة, وهذا نقيض ما زعمه الفرزدق في وصف الذئب لما رفع ناره, فجاءه يلتمس عنده الخير, فقال وذكر الذئب: [الطويل]
فلما دنا قلت ادن دونك إنني ... وإياك في زادي لمشتركان
وبت أقد الزاد بيني وبينه ... على ضوء نارٍ مرةً ودخان
وقلت له لما تكشر ضاحكًا ... وقائم سيفي من يدي بمكان
تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما ... أخيين كانا أرضعا بلبان
ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى ... رماك بسهمٍ أو شباة سنان
وقال المرقش في نحو من ذلك: [الطويل]
ولما أضأنا النار عند شوائنا ... عرانا عليها أطلس اللون بائس
نبذت إليه فلذةً من شوائنا ... حياءً وما فحشي على من أجالس
فآض بها جذلان ينفض رأسه ... كما آض بالنهب الكمي المخالس
وقوله:
ومهجةٍ مهجتي من هم صاحبها ... أدركتها بجوادٍ ظهره حرم
يقول: ورب مهجةٍ مهجتي من هم صاحبها أي هو يؤثرأن يقتلني - أدركتها - أي بلغت ما أريد منها - بجوادٍ ظهره حرم؛ أي إذا ركبته فكأنني في حرمٍ لا يصل إلى أحد بسوء.
وقوله:
رجلاه في الركض رجل واليدان يد ... وفعله ما تريد الكف والقدم
يريد أن رجليه كل واحدةٍ منهما مثل الأخرى في العدو, وكذلك يداه, ويجوز أن يريد أنهما تقعان معًا. وفعله؛ يعني الجواد؛ ما تريد كف راكبه وقدمه؛ أي هو جواد مؤدب, فإذا قصر عنانه قصر في الجري, وإذا أرخي له في العنان بذل ما يريده الراكب من الجري, وكذلك إن حرك الفارس قدمه عليه ليمتري حضره فإنه يسمح بما يرضيه. ونحو من هذا المعني قول ساعدة بن جؤية الهذلي: [البسيط]
يوشونهن إذا ما آنسوا فزعًا ... تحت السنور بالأقدام والجذم
يعني بالجذم: السياط, واحدها جذمة. ويروى: بالأعقاب, وهو جمع عقب الإنسان. ويوشونهن؛ أي يستخرجون ما عندهن من الجري.
وقوله:
ومرهفٍ سرت بين الموجتين به ... حتى ضربت وموج البحر يلتطم
المرهف: سيف رقيق. وجعل نفسه سائرًا بين الموجتين؛ أي بين قرنين يخاف منهما الموت, واستعار للموت موجًا؛ وإنما هو للبحر وما جري مجراه من المياه الكثيرة كالفرات وغيره من الأنهار. قال أبو ذؤيب: [الطويل]
فجاء بها ما شئت من لطمية ... يدوم الفرات فوقها ويموج
وخطئ أبو ذؤيب في هذا البيت. وقيل: إن الدرة لا تكون في الفرات. وقيل: أراد باللطمية: الدرة التي تحمل في اللطيمة, وهي العير التي تحمل المسك.
وقال قوم: أبو ذؤيب في جبال هذيل, ولم يكن ليخفى عليه أن الدر لا يكون في الفرات. وقيل: أراد أن حول الصدفة التي فيها الدرة ماءً كثيرًا كأنه الفرات إذا هاج. وقال قوم: الصدفة إذا شقت عن الدرة خرج منها ماء فذلك الذي أراد الهذلي. وقيل: إنما أراد ماء الدرة في نفسها وحسنها, وشبه ماء الدرة بماء الفرات.
وقوله:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني ... والحرب والضرب والقرطاس والقلم
ادعى أن الخيل والليل وما ذكر بعدهما تعرفه, ومثل هذا قد يذكر في الشعر. والقرطاس: أعجمي معرب, وكسر القاف فيه أفصح اللغات لأن القرآن بها جاء. وقد حكي: قرطاس بضم القاف. قال الراجز: [الرجز]
هل تعرف الدار بذات أوطاس ... رسومها مثل رسوم القرطاس
يقال في الجمع: قراطس وقراطيس. قال جرير: [البسيط]
بين المخيصف والعزاف منزلة ... كالوحي من عهد موسى في القراطيس
وقال الراجز: [الرجز]
قفي المطي في المحل الطامس ... كأنه ما خط في القراطس
وكان لأيوب بن عبيد العنبري جمل يقال له: قرطاس - وأيوب أحد اللصوص, وقد أدرك أول خلافه بني العباس, واستشهد بعض أصحاب اللغة بشعره - فقال في جمله: [البسيط]
قد مت من حب قرطاسٍ يفندني ... أهلي فوا كبدي من حب قرطاس
محض النجار عتيق الجد تحسبه ... ظبيًا تقلب في قفرٍ من الناس
وقالوا: قرطس في معنى قرطاس. والقلم مأخوذ من قلمت الظفر إذا قطعته, وهو فعل من القلم لأنه يقلم, كما قالواة لما هدم: هدم, ولما نقض من الجدر: نقض.
وقوله: (189/أ)
صحبت في الفلوات الوحش منفردًا ... حتى تعجب مني القور والأكم
القور: جمع قارةٍ؛ فقيل: هي الأكمة السوداء شبهت بالقار المعروف. وقيل: بل كل أكمةٍ قارة لأنها تنقار من غيرها أي تنقطع. والقارة: قوم من العرب يوصفون بجودة الرمي؛ وهم من بني خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر. وإنما قيل لهم قارة لأن قومهم أرادوا أن يفرقوهم لأمر حدث فقال قائل منهم: [الوافر]
دعونا قارةً لا تفرقونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم
وقالوا في المثل: «أنصف القارة من راماها»؛ أي هم قوم رماة فقد أنصفهم من حاربهم بما يعرفون. والأكم: جمع أكمةٍ, وتجمع أكم على آكام وإكام. وقيل لها: أكمة لا رتفاعها؛ ولذلك قيل اللحم الذي في أعلى الفخذين: مآكم.
وقوله:
ما كان أخلقنا منكم بتكرمةٍ ... لو أن أمركم من أمرنا أمم
ما كان أخلقنا؛ أي أجدرنا. والأمم: أمر بين أمرين, لا قريب ولا بعيد. قال الراجز: [الرجز]
تسألني برامتين شلجما ... لو أنها تطلب شيئًا أمما
وقال آخر: [المنسرح]
كوفية نازح محلتها ... لا أمم دارها ولا صقب
وقوله:
ما أبعد العيب والنقصان من شرفي ... أنا الثريا وذان الشيب والهرم
يقول: أنا الثريا, وذان؛ يعني العيب والنقصان؛ أي هذان الشيب والهرم, والثريا آمنة منهما لأنها لا تشيب ولا تهرم.
وقوله:
ليت الغمام الذي عندي صواعقه ... يزيلهن إلى من عنده الديم
يعني بالغمام: سيف الدولة, وبصواعقه ما يلحقه من الأذية, شبهها بالصواعق. والصاعقة هي الراعدة التي يسمع لها صوت عظيم وربما كان معها برق يحرق. يقال: صاعقة وصاقعة. قال الراجز: [الرجز]
يحكون بالهندية اللوامع ... تبوج البرق عن الصواقع
والديم: جمع ديمةٍ, وهو مطر ليس بالشديد يدوم أيامًا, وأقل ما يكون يوم وليلة. وهو من ذوات الواو لأنه من: دام يدوم. وأنسواة بالياء فقالوا: ديم المطر, ولم يردوها إلى الواو.
قال الراجز: [الرجز]
هو الجواد بن الجواد بن سبل ... إن ديموا جاد وإن جادوا وبل
وقالوا: كثيب مديم إذا سقته الديم.
وقوله:
أرى النوم تقتضيني كل مرحلةٍ ... لا تستقل بها الوخادة الرسم
النوى هاهنا في معنى النية, وإنما قيل للبعد: نوى لأنه يكون في نية القوم أي ما ينوون. والمرحلة: ما بين المنزلين. يقول: أرى نيتي تقتضيني مراحل شدادًا لا تستقل - أي لا ترتفع - إذا همت بالنهوض. والوخادة: فعالة من الوخد, وهو ضرب من سير الخيل وعدوها, ويستعمل في الإبل والنعام. والرسم: جمع رسوم. والرسيم: ضرب من السير العجل. قال الراجز: [الرجز]
ما لك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله
وقوله:
لئن تركن ضميرًا عن ميامننا ... ليحدثن لمن ودعتهم ندم
ضمير: موضع يقوم من دمشق. قال عبيدالله بن قيس: [الخفيف]
فضمير فالماطرون فحورا ... ن خلاء بسابس الأطلال
وقوله
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون هم
هذه دعوى كغيرها, وإنما غرضه أن الرجل إذا فارق أناسًا وقد ظنوا أنه غير مفارقً لهم أسفوا له فكأنهم راحلون.
وقوله:
شر البلاد مكان لا صديق به ... وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
الوصم: العيب. يقال: ما في العود وصم ولا فصم. فالوصم ما فيه من عقدة ونحوها, والفصم الأثر فيه نحو الشق. وقد يكون الانفصام انقطاعًا, وفي الكتاب العزيز: {لا انفصام لها}. والتوصيم يزعمون أنه في معنى الكسل, وهو راجع إلى معنى الوصم. قال لبيد: [الرمل]
وإذا حاولت أمرًا فارتحل ... ثم لا يثنيك توصيم الكسل
وجاء في الحديث: «إن الإنسان إذا نام حتى يصبح أصبح موصمًا؛ أي به كسل».
وقوله:
وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
يقول: شرد البلاد مكان يعوزك فيه الصديق, وشر ما يقتنصه الإنسان - أي يصيده - قنص تشترك فيه البزاة الشهب والرخم؛ لأن البزاة تصيد, والرخم إنما يقع على الجيف, وكأنه جعل ما يصيبه في هذه البلاد من الرزق شيئًا لا خير فيه؛ لأن الرخم تقع عليه فتصيب منه كما تصيب البزاة. ويقال في جمع الرخمة: {خم (189/ب) كما يقال في جمع الخشب:
خشب, وفي جمع الأكمة: أكم. قال الشاعر: [الطويل]
فإن ينج يدمى عارضاه فإننا ... تركنا بنيه للضباع وللرخم
وقال آخر: [الطويل]
وإني لأرجو أن تكون عوائدي ... ضباعًا ورخمًا حول جسمي عوافيا
والرخم, في غير هذا الموضع: عطف الشاة على ولدها وإرضاعها إياه. قال الراجز: [الرجز]
حاشكة الدرة بلهاء الرخم
وقوله:
بأي لفظٍ تقول الشعر زعنفة ... تجوز عندك لا عرب ولا عجم
الزعنفة: طرف الشيء والقطعة منه التي لا حاجة به إليها, وزعانف الأديم: أطرافه, وكلك ما تدلى من أطراف الثوب. ويقال لما قشر عن السمك: زعانف. والزعانف من القوم الذين يكونون في أطرافهم وليسوا من صميمهم, فإذا وقعت الحرب انضموا إلى معظم الناس. قال الشاعر: [الطويل]
فأدن رباط الجون مني فإنه ... دنا الشر واحتل الجميع الزعانف
وقوله:
هذا عتابك إلا أنه مقة ... قد ضمن الدر إلا أنه كلم
المقة: أصلها الومقة فحذفت الواو التي هي فاء الفعل فقيل: مقة. ووزن مقةٍ: علة, وهذا الحذف مطرد في هذا الباب؛ يقولون: وزنت الشيء زنةً, ووعدت الرجل عدةً, فإذا جاء حرف الحلق فتحوا في بعض المواضع وكسروا؛ يقولون: في فلانٍ ضعة وضعة, وفي وجهه قحة وقحة, وفي الدابة طأة وطئة. وقافيتها من المتراكب.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید