المنشورات

أراع كذا كل الأنام همام ... وسح له رسل الملوك غمام

الوزن من ثالث الطويل.
والسح أصله في: سح الغيم المطر إذا صبه صبًا كبيرًا. فزعم أن غمامًا قد سح الرسل من عند الملوك الراغبين في صلح الممدوح. وأكثر ما يستعملون السح في الماء والدمع وما جرى مجراهما من المائعات. وقالوا: سح التمر من الجراب إذا صبه صبًا متتابعًا. قال الشاعر: [الوافر]
وربة غارةٍ أوضعت فيه ا ... كسح الهاجري جريم تمر
وقوله:
تنام لديك الرسل أمنًا وغبطةً ... وأجفان رب الرسل ليس تنام
الأحسن في «ليس» هاهنا أن تكون في معنى «ما» لتخلو من الضمير؛ لأنه إذا جعلها فعلًا كان الأحسن أن يقول: ليست تنام, وقد تقدم له نحو من هذا.
وقوله:
حذارًا لمعروري الجياد فجاءةً ... إلى الطعن قبلًا ما لهن لجام
وصفه بأنه يعروري الجياد؛ أي: يركبها أعراءً. وقد بالغ في مدحه مبالغةً وجب أن ينزهه معها عن اعريراء الجياد إذ كان ذلك لا مفخر فيه لمثله. وقال: ما لهن لجام فوحد في موضع الجمع. وقد وصفت العرب إعجال الحروب إياها عن إلجام الخيل. قال الشاعر: [المتقارب]
غداة مررن بآل الربا ... ب تعجل بالركض أن تلجما
وبعضهم يفتخر بإلجام الفرس قبل إسراجه؛ لأنه إذا وضع اللجام في رأسه أمكنه أن يعررويه بغير سرج. وقال بعض الشعراء: [المتقارب]
إذا قيل أي فتى تعلمون ... بصعلوك فهرٍ ومحتاجها
ومن يعجل الخيل يوم الوغى ... بإلجامها قبل إسراجها
أشارت نساء بني غالبٍ ... إليك به قبل أزوجها
وقوله:
تعطف فيه والأعنى شعرها ... وتضرب فيه والسياط كلام
لما ذكر أنه يعروري الجياد ذكر أن الخيل تعطف والأعنى شعرها, وإنما أراد أن يقوله: والأعنة أعرافها فلم يستقم له الوزن. وقوله: وتضرب به والسياط كلام نحو من قوله:
فطرفه يشير إليها من بعيدٍ فتفهم
وقوله:
فإن كنت لا تعطي الذمام طواعةً ... فعوذ الأعادي بالكريم ذمام
الطواعة في معنى الطواعية. والمصادر يشترك فيها هذان البناءان: الفعالة والفعالية, مثل: الطواعة والطواعية, والطماعة والطماعية, والرفاهة والرفاهية. قال الشاعر: [الطويل]
أما والذي مسحت أر كان بيته ... طماعيةً أن يغفر الذنب غافره
يقول: إن كنت لا تعطيهم ذمامك وأنت مقيم؛ فكأنك قد أعطيتهم إياه لأن العوذ بالكريم ذمام.
وقوله:
أذا الحرب قد أتعبتها فاله ساعةً ... ليغمد نصل أو يحل حزام
أذا الحرب؛ أي: يا ذا الحرب. وذو: كناية عن صاحب الشيء ومالكه, ونحو ذلك؛ يقال: فلان ذو مالٍ وذو جاهٍ. وقوله: فاله ساعةً, وهو من لهيت عن الشيء إذا تركته, وليس من اللهو. ليغمد نصل لأني قد حطمت السيوف وأفنيتها في قتال العدو, وقد طال إتعابك الخيل وإعمالك إياها في الحروب, فأرحها سعةً لتحل عنها لحزم. والعرب تجعل الحزام وشده كالمثل في الجد؛ فيقولون: شد حزامه لكذا, وحيزمه وحيازيمه. والحزيم: الموضع الذي يحزم. وقيل للضروع: الحيازيم؛ لأن الراكب يحزمها في بعض الأوقات. قال ذو الرمة: [البسيط]
تعتاده زفرات من تذكرها ... تكاد ترفض منهن الحيازيم
وأما قول امرئ القيس: [الكامل]
خفض إليك من الوعيد فإنني ... مما ألاقي لا أشد حزامي
أي: إني لا أحفل بمن يوعدني إذ كنت كثير اللقاء للأعداء؛ فهذا وجه. ويحتمل وجهًا آخر, وهو أن يريد أن حزامه أبدًا مشدود فهو لا يشده لأنه لا يزال متأهبًا للحرب.
وقوله: (192/ب)
فإن طال أعمار الرماح بهدنةٍ ... فإن الذي يعمرن عندك عام
يقول: إن طالت أعمار الرماح عندك لهدنةٍ تقع بينك وبين العدو - والهدنة من الهدون, وهو السكون - فإن الذي تعمر الأرماح عام لا غير؛ لأنك لا ترى المهادنة أكثر من السنة الواحدة. وجعل للرماح أعمارًا وهي المدة التي تسلم فيها من الحطم والانكسار.
وقوله:
متى عاود الجالون عاودت أرضهم ... وفيها رقاب للسيوف وهام
يقال: جلا القوم عن منازلهم, جلا إذا خرجوا. وقال قوم: جلوا إذا خرجوا وهم كارهون, وجلوا إذا خرجوا منها وهم مختارون. يقول: إذا عاود الجالون بلادهم عاودتها, وقد نشأت فيها رقاب وهام؛ لأنهم جلو بأطفالٍ وعاودوا والطفل قد ارتفع عن الطفولية, وقد بين الشعر الغرض بقوله:
وربوا لك الأطفال حتى تصيبها ... وقد كعبت بنت وشب غلام
يقال: كعبت الجارية تكعب إذا ظهر ثديها, وكان مثل الكعب, والجارية كاعب وكعاب, ويقال: كعبت فهي مكعب؛ أي: كانوا أطفالًا ليس فهم ما خدم؛ فجئتهم وقد صلحوا للخدمة. وقافيتها من المتواتر.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید