المنشورات

ملام النوى في ظلمها غاية الظلم ... لعل بها مثل الذي بي من السقم

الوزن من أول الطويل.
يقول: ملام النوى في ظلمها ظلم, وقد صدق في هذا القول لأن النوى لا حس لها فتوصف بنصفةٍ ولا ظلم. ثم استشهد على براءة النوى من الظلم بقوله: لعل بها مثل الذي بي من السقم وهذا ظن كاذب, وقد علم قائل البيت أن النوى لا تسقم ولا يصيبها داء, ولكن جاء به على مذهب الشعراء لأن الشعر بني على قيل المحال.
وقوله:
فلو لم تغر لم تزو عني لقاءكم ... ولو لم تردكم لم تكن فيكم خصمي
هذا البيت تقوية لما ظنه في البيت الأول؛ لأنه قال: لعل بها, فكان كالشاك, ثم أقام الأدلة على أن ظنه صحيح, فقال: لو لم تغر - من الغيرة؛ يعني النوى - لم تزو عني لقاءكم؛ أي لم تصرفه.
وقوله:
أمنعمة بالعودة الظبية التي ... بغير ولي كان نائلها الوسمي
الظبية: يجوز أن تكون في نبية المبتدأ؛ كأنه قال: الظبية منعمة كما تقول: أقائم فلان فتدخل الهمزة على قائمٍ. والمعنى: أفلان قائم. ويجوز أن تكون الظبية مرتفعة بفعلها لأن منعمةً معتمدة على الهمزة؛ ولولا ذلك لم يجز أن تكون إلا خبرًا مقدمًا على رأي سيبويه.
ويجوز أن ترفع الظبية بفعلها إذا لم يكن ثم استفهام, وتكون الظبية سادةً م سد الخبر, وتكون منعمة ابتداءً.
وقوله:
ونكهتها والمندلي وقرقف ... معتقة صهباء في الريح والطعم
(202/أ) المندل والمندلي: العود الذي يتبخر به, قال الشاعر: [الطويل]
إذا جلست نادى بما في ثيابها ... ذكي الشذا والمندلي المطير
يقال: إن الشذي رائحة المسك, قال الشاعر: [الهزج]
لمن نار بأعلى التلـ ... ـل من غمدان ما تخبو
إذا ما خمدت وهنًا ... علاها المندل الرطب
وقالوا: مندل ومندلي كما قالوا: رجل أحمر وأحمري. والقرقف: من صفات الخمر, وقيل: إنما سميت قرقفًا لأنها تقرقف؛ أي ترعد. وقالوا: ديك قراقف؛ أي يحرك رأسه إذا صاح. قال الشاعر: [الطويل]
لعمري لئن أصبحت في دار تولبٍ ... يغنيك بالأسحار ديك قراقف
وقوله:
يحاذرني حتفي كأني حتفه ... وتنكزني الأفعى فيقتلها سمي
الأفعى: اسم يقع على الذكر والأنثى مثل الأرنب. فإذا أرادوا الذكر قالوا: أفعوان. وقد أنث الأفعى في هذا البيت, وذكره القائل في قوله: [المديد]
مطرق يرشح موتًا كما أطـ ... ـرق أفعى ينفث الموت صل
والنكز: يقال إنه لدغ الحية بأنفها, والنشط: لدغها بفيها.
وقوله:
طوال الردينيات يقصفها دمي ... وبيض السريجيات يقطعها لحمي
السريجيات: سيوف تنسب إلى قينٍ يقال له: سريج, ويقال: إنه من بني أسد, قال الشاعر: [الوافر]
وأسياف تنخلها سريج ... لها في هامهم أثر شنيع
وقوله:
برتني السرى بري المدى فرددنني ... أخف على المركوب من نفسي جرمي
جعل السرى جمع سريةٍ؛ وقلما تفرد فلذلك قال: رددنني. والجرم: الجسم؛ ثم استعملوا الجرم في معنى الصوت واللون لأن الألوان تتصل بالأجرام؛ فجعل اللون جرمًا؛ وكذلك الصوت يخرج من الجرم؛ إلا أن الغالب على هذه الكلمة أن الجرم هو الجسم. وجرمي: مرفوع بمعنى أخاف. والفعل لا يتصرف منه, فلو رفع أخف لكان وجهًا, ويجعل خبرًا لقوله: جرمي. وإذا نصبت أخف فهو على الحال لأن رد أصلها أن تتعدى إلى مفعول واحد, تقول: رددت الرسول إلى القوم, ورددت الثوب إلى صاحبه. وإذا جعلت: رددنني في معنى جعلنني جاز أن تكون أخف مفعولًا ثانيًا.
وقوله: أخف على المركوب من نفسي جرمي: مبالغة في صفة النحول لم يعبر عنها المتقدمون بهذه العبارة؛ إلا أن يكون الشاعر لم يسر شعره فيعرف.
وقوله:
وأبصر من زرقاء جو لأنني ... إذا نظرت عيناي شاواهما علمي
جو: اسم اليمامة, قال الشاعر: [البسيط]
فاستنزلوا أهل جو من مساكنهم ... وهدموا عالي البنيان فاتضعا
وكان بجو امرأة يقال لها: عنز زرقاء توصف بحدة البصر, وهي التي ذكرها النابغة في قوله: [البسيط]
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام سراع وارد الثمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فكملت مائة فيها حمامتنا ... وأسرعت حسبةً في ذلك العدد
فحسبوه فألفوه كما زعمت ... تسعًا وتسعين لم تنقص ولم تزد
ويقال: إنها نظرت إلى سرب قطًا فقالت هذه المقالة.
ويقال: إن ملكًا من حمير يقال له: حسان غزا اليمامة فنظرت هذه المرأة فأبصرت الجيش على مسافةٍ بعيدة, فقالت: لقد جاءكم الشجر أو غزتكم حمير, وقالت لهم: إني أرى رجلًا يأكل كتفًا أو يخصف نعلًا؛ فكذبوها فيما قالته. وقد وصف ذلك الأعشى في قوله: [البسيط]
ما نظرت ذات أشفارٍ كنظرتها ... إنسان عينٍ وموقًا لم يكن قمعا
قالت أرى رجلًا في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفًا أيةً صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي السم والسلعا
وفي هذه المرأة يقول القائل: [الرمل]
شر يوميها وأرداه لها ... ركبت عنز بحدجٍ جملا
لا ت رى خارجةً من بيتها ... وتراهن إليها رسلا
جمع رسول, ويروى: رسلًا, أي بعضهن في إثر بعض.
وقال القائل مدعيًا: أنا أبصر من زرقاء جو؛ لأنها شكت لما نظرت, فقالت: أرى رجلًا يأكل كتفًا أو يخصف نعلًا؛ فزعم الشاعم أن عينيه يشاويهما علمه؛ أي يسابقهما, وفضل نفسه في النظر على زرقاء اليمامة. والشأو: الطلق, يقال: جرى شأواً أو شأوين؛ أي طلقًا أو طلقين, والقياس يوجب أن يقول: شآهما في وزن: رآهما (202/ب) لأنه بنى فاعل من الشأو, ولكنه أنس بالواو كما أنست العرب بايلاء في الديار فقالوا: تدير القوم؛ وإنما الدار من ذوات الواو. وقد أنكر أبو الفتح بن جني هذا الحرف, وما جاء به الشاعر غير مستنكرٍ؛ لأن القلب في كلامهم كثير لاسيما مع الهمزة والألف إذا اجتمعا في فعلٍ. يقولون: ساءني وسآني, وراءني, ورآني, قال الشاعر: [الوافر]
لقد لاقت قريظة ما سآها ... وحل بدارها ذل ذليل
وقال آخر فجمع بين اللغتين: [الكامل]
بان الحمول فما شأونك نقرةً ... ولقد أراك تشاء بالأظعان
قال في أول البيت: شأونك وفي آخره: تشاء, ولو جاء به على اللفظ الأول لوجب أن يقول: تشأى؛ فكأن الشاعر قال: شاواهما علمي, فقلب شأوت إلى شاوى, وهي من ذوات الواو, وخفف الهمزة التي هي آخر الفعل.
وقوله:
كأني دحوت الأرض من خبرتي بها ... كأني بنى الأسكندر السد من عزمي
دحوت الأرض أي بسطتها, ومنه: أدحي النعام؛ لأنها تدحو المكان بأرجلها أي توسعه وتبسطه, ومنه بنو دحي من الأنصار.
و: كأني بنى الأسكندر السد من عزمي: هو نقيض النصف الأول, وذلك مستحسن في صناعة النظم لأنه زعم أنه كالذي دحا الأرض من خبرته بها. والدحو: البسط وخفض المرتفع, وهو ضد البناء الذي ذكره في النصف الثاني. وادعى أن الأسكندر كأنه بنى السد من عزمه لشدته.
والأسكندر: اسم أعجمي, ولم يأت على وزنه في كلام العرب إلا أنه وافق في الزنة قولهم: احرنجم وبابه, إلا أنهمزة الأسكندر مفتوحة وهمزة احرنجم مكسورة. ولو كسر كاسر همة الأسكندر لكان ذلكمستمرًا؛ لأنهم إذا أخرجوا الكلمة من كلام العجم إلى اللفظ العربي اجتهدوا في أن تكون موافقةً للعربية في الوزن. مثال ذلك أنهم يقولون لاسم الموضع: زبطرة فيفتحون الزاي إذا تركوا الكلمة على الأصل, فإذا أرادوا أن يشبهوها بالعربية كسروا الزاي لتصير في وزن: سبطرةٍ وهي الطويلة, وليس في كلام العرب مثل: دمقسٍ بفتح الدال, وكل ما جاء في كلامهم على هذا الوزن فهو مكسور الأول.
ويجوز أن يقال: كأني وكأنني, والأصل إثبات النون, وكذلك في إنني؛ وإنما تحذف لاجتماع النونات. ولو أن الكلام منثور لكان مجيئه بالواو في قوله: كأني بنى الأسكندر أحسن لأنه جاء بجملة بعد جملة, ولم يعطف أحدهما على الأخرى, فكأنه قال: أخوك حاضر أبوك غائب, فجاء بجملتين ليس بينهما حرف عطف, ومجيئه بالواو أحسن.
وقوله:
لألقى ابن إسحق الذي دق فهمه ... فأبدع حتى جل عن دقة الفهم
إسحاق: كلمة أعجمية لم تنصرف للتعريف والعجمة, وقد وافقت من العربية مصدر قولهم: أسحقه الله إسحاقًا. ولو سمي رجل بإسحاق والمراد المصدر لوجب أن يصرف. كما أنه لو سمي بيعقوب, والمراد ذكر الحجل لوجب أن يصرف؛ لأن اليعقوب إذا أريد به الطائر عربي, وإنما وافق لفظ الأعجمي. وقوله: فأبدع حتى جل عن دقة الفهم, هـ من قول الأول: [المديد]
حدث ما نابنا مصمئل ... جل حتى دق فيه الأجل
وقوله:
يمين بني قحطن رأس قضاعةٍ ... وعرنينها بدر النجوم بني فهم
جعله يمينهم لأن اليمين أفضل من الشمال, وهي التي يباشر بها الضرب والطعن وغيرهما من الأعمال؛ ولذلك قالوا في مدح الرجل: كلتا يديه يمين؛ أي هو يعمل بهما فشماله كأنها يمين. قال الشاعرة: [الوافر]
فإن على السماوة من عقيلٍ ... فتى كلتا يديه له يمين
ولما جعل الشاعر الممدوح يمينًا لم يرض له بذلك حتى جعله رأسًا, وكلاهما من أعضاء الجسد, وفي ذلك صنعة: جاء بعضو مع عضوٍ. وقضاعة: اختلف الناس في اشتقاقه, قيل: هو من قولهم: انقضع من قومه إذا انقطع منهم. وقيل: قضاعة: دابة تسكن الماء. وبنو فهمٍ من تنوخ. وفي قيس عيلان بنو فهمٍ وهم حي تأبط شرًا.
وقوله:
إذا بيت الأعداء كان استماعهم ... صرير العوالي قبل قعقعة اللجم
بيت الأعداء؛ أي طرقهم بياتًا وهم نائمون, وصرير العوالي: صوتها, وكأن الصرير صوت دقيق (103/أ) [وكأن أصوات اللجم] قعقعة. وأكثر ما يستعمل في الحديد: الصلصلة, فإذا كانوا قد وصفوا الحلي بالقعقعة فالحديد أولى به من ذلك. قال النابغة: [الطويل]
يسهد من نوم العشاء سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع
وقوله:
مذل الأعزاء المعز وإن يؤن ... به يتمهم فالموتم الجابر اليتم
ذكر أنه يعز ويذل. وقوله: يؤن من قولهم: آن الشيء يئين إذا حان, وهو مثل قولهم: أنى يأني, وإحدى الكلمتين مقلوبة عن الأخرى. واليتم: أصله الانفراد, وأكثر ما يستعمل في موت الأب إذا كان للآدميين, وإذا كان في البهائم فاليتم موت الأم. وإنما يريد هاهنا أنه يقتل الآباء؛ وإن قتلهم وأيتم أولادهم فإنه يجبر الأيتام الذي هو أيتمهم. وأضاف اليتم هاهنا على معنى قوله: يتم أولادهم فحذف المضاف. وقال الشاعر: [مجزوء الكامل]
كوماء يسمو فوقها ... مثل اليتيم من الأرانب
يعني بالأرانب: جمع أرنبٍ وهو الموضع المرتفع من الأرض, واليتيم: المنفرد؛ وإنما يصف ناقةً بعظم السنام.
وقوله:
وإن تمس داءً في القلوب قناته ... فممسكها منه الشفاء من العدم
يقول: إن تك قناته داءً في القلوب؛ أي يطعنها بها - ويجوز أن يعني أنها تهاب قناته فهيبتها داء في القلوب - فإن ممسكها يشفي من العدم.
وقوله: ممسكها يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون يعني بالممسك الرجل كما تقول: لك من فلان صديق؛ أي هو صديقك.
والآخر: أن يكون المعني بالممسك هو اليد من الرجل لأن الأعطية إليها تنسب؛ فيكون التقدير: العضو الذي أمسك القناة من هذا الرجل هو مذهب العدم عن الناس.
وقوله:
مقلد طاغي الشفرتين محكم ... على الهام إلا أنه جائر الحكم
يريد أن سيفه قد ظغت شفرتاه في قتل الناس, وكل شيء زاد فزيادته مؤدية إلى هلكه فهو طاغٍ. وفي التنزيل: {إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية}. وادعى أن سيفه محكم على الهام, وهو مع ذلك جائر في الحكومة, وإنما ينبغي أن يحكم المنصف, وهذا لفظ يحتمله الشعر, ولا حكم للسيف وإنما هو لمن يضرب به.
وقوله:
تحرج من حقن الدماء كأنه ... يرى قتل نفسٍ ترك رأسٍ علم جسم
في «تحرج» ضمير يرجع إلى السيف, وجاء بكأنما بعد ذلك فخفف بالتشبيه ما أفرط فيه من الكذب؛ لأنه التشبيه لم يحكم بوقوعه.
وقوله:
وجدنا ابن إسحق الحسين كحده ... على كثرة القتلى بريئًا من الإثم
الهاء في «حده» راجعة إلى السيف, وذكر أن الممدوح لا يقتل أحدًا إلا باستحقاق, فهو برريء من الإثم, كما أن سيفه لا ذنب له.
وقوله:
مع الحزم حتى لو تعمد تركه ... لألحقه تضييعه الحزم بالحزم
أصل الحزم: شد الشيء كالثياب ونحوها إذا أرادوا أن يحفظوها. يقال: حزم الشيء, فهو محزوم, ثم استعمل ذلك في جودة الرأي وترك التفريط. يقال: لإلان حازم إذا كان يحكم أموره ولا يغفل عن فعلٍ يجلب إليه صلاحًا, والمصدر من الحازم: الحزامة والحزومة. قال الشاعر: [المتقارب]
وأن الحزامة أن تصرفوا ... لحي سوانا صدور الأسل
وأصل الحزم: التعدي؛ إلا أنه لما نقل إلى الرجل بطل تعديه. يقول: هذا الممدوح لا يفارقه الحزم فلو ضيعه لصيره ذلك إليه. قال الشاعر: [الطويل]
دعوت أبا أروى إلى الرأي كي يرى ... برأيٍ أصيلٍ أو يعود إلى حلم
وداعٍ دعاه البغي والحين كاسمه ... وللحين أحداث تصد عن الحزم
وقوله:
وأرهب حتى لو تأمل درعه ... جرت جزعًا من غير نارٍ ولا فحم
هذا سرف في الصفة؛ يقول: لو نظر إلى درعه وهي حديد لذابت, والمعروف في الفحم تحريك الحاء, قال الراجز: [الرجز]
جاؤوا بزوريهم وجئنا بالأصم ... شيخٍ لنا معاودٍ ضرب البهم
وقاتلوا لو ينفخون في فحم
(203/ب) يعني بزوريهم: تثنية زورٍ, وهو شيء كانت العرب تفعله في الجاهلية يجيئون بالصنم الذي يعبدونه أو شيء ينصبونه, ثم يقولون: لا نفر حتى يفر هذا المنصوب.
وقوله: لو ينفخون في فحم, أي: وقاتلوا لو ينتفعون بالقتال؛ وإنما مثلهم مثل من ينفخ في حطبٍ لا تأخذ فيه النار. وقال النابغة الذبياني في صفة الثور الوحشي: [البسيط]
مقابل الريح روقيه وصفحته ... كالهبرقي تنحى ينفخ الفحما
الهبرقي: الصائغ والحداد. وتنحى: أي اعتمد, ويروى: تشحى من شحا فاه إذا فتحه.
وقوله:
وجاد فلولا جوده غير شاربٍ ... لقيل كريم هيجته ابنة الكرم
جاد: فيه ضمير يعود إلى الممدوح, وغير شاربٍ: منصوب على الحال, وقدجرت عادة العرب أن تصف من سكر بالجود وتوهم الباطل. قال عنترة: [الكامل]
فإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وقال المنخل اليشكري: [مجزوء الكامل]
فإذا سكرت فإنني ... رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير
أي: أظني أني ملك فأجود بما أملك.
وقوله:
أطعناك طوع الدهر يابن ابن يوسف ... بشهوتنا والحاسدو لك بالرغم
حذف النون من قوله: الحاسدون لما استقبلتها اللام لأنهم يتوهمون الإضافة في هذا الموضع؛ كأنه قال: والحاسدوك. فكذلك قالوا: لا خفي له لأنهم توهموا سقوط اللام, وقدحذفوا نون الجميع وإن لم يكن ثم لام الإضافة. ويروى بيت ينسب إلى عبيدٍ الأسدي, وهو قوله: [الرمل]
ولقد يغني بها جيرانك الـ ... ـممسكو منها بأسباب الوصال
وقوله:
دعيت بتفريظيك في كل مجلسٍ ... وظن الذي يدعو ثنائي عليك اسمي
التقريظ: الثناء على الرجل بالجميل, وهو مأخوذ من: قرظت الأديم إذا دبغته بالقرظ لتطيب رائحته, واستعمل ذلك في معنى الثناء على الإنسان؛ لأن الثناء عليه يحسن ذكره ويطيب رائحته. وقد قالوا: فلان يقارظ فلانًا؛ أي كل واحد منهما يثني على صاحبه. قال الراجز: [الرجز]
أهوج إلا أنه يماظظ ... لا يرتجي خيرًا ولا يقارظ
وقال: تقريظيك, فلو أنه في غير الشعر لكان الأحسن أن يقول: تقريظي إياك.
وقوله:
إذا ما ضربت القرن ثم أجزتني ... فكل ذهبًا لي مرةً منه بالكلم
يقول: ضربتك واسعة فإذا أردت أن تجيزني فأعطني مقدارما تسع من الذهب؛ وقد عرفت بالثناء عليك حتى كأنه صار اسمًا لي. ويحتمل أن يكون أراد: إني أمدحك بالشعر فيقول الناس: هذا شاعر الأمير, فقد اشتق لي اسم من مدحك.
وقوله:
فكم قائل لو كان ذا الشخص نفسه ... لكان قراه ممكن العسكر الدهم
يقول: كما قائلٍ لو كان هذا الشخص - يعني شخص الممدوح - عظيمًا كعظم نفسه لكان قراه - أي ظهره - مكمنًا للعسكر الدهم؛ أي العسكر العظيم.
وقوله:
وقائلةٍ - والأرض أعني - تعجبًا ... علي امرؤ يمشي بوقري من الحلم
إن جعل «قائلةً» معطوفةً على قائلٍ فالمعنى: وكم قائلةٍ؛ فيكون قد جعل الأرض هاهنا مبعضةً كأنه جعل أرض الشام تقول ذلك, وأرض العراق, وأرض الحجاز وغيرهن. وإن جعل الواو في قوله: وقائلة بمعنى رب وجب أن يعني الأرض كلها. والوقر: الثقل. وقافية هذه القصيدة من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید