المنشورات

فؤاد ما تسليه المدام ... وعمر مثل ما تهب اللئام

الوزن من الوافر.
وقوله: فؤاد خبر كلامٍ محذوفٍ, أو يكون مبتدأً محذف الخبر. ويجوز أن يعني نفسه, ويحتمل أن يعني كل من له فؤاد؛ فإذا عنى نفسه فكأنه قال: لي فؤاد, أو فؤاد بين جنبي, أو نحو ذلك. فإذا عنى كل فؤادٍ من الناس فالمعنى: لكل أحدٍ, أو فؤاد لكل إنسان.
والعموم في هذا أحسن من الخصوص لأن أعمار أهل هذا العصر إذا قيست إلى القدم بطول الآباد فإنها كالشيء الحقير المتناهي في القصر.
وقوله:
ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام
(204/أ) واحد الضخام: ضخم, وأصل الضخامة أن تستعمل في الجسم, ثم استعير ذلك في الخلق والحسب. قال كثير: [الطويل]
منعمة لم يغذها بؤس عيشةٍ ... وفي الحسب الضخم الرفيع نجارها
وقال الراجز: [الرجز]
ضخم يحب الخلق الأضخما
وقوله:
وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام
زعم أنه ليس من هذا العالم لكونه فيهم, وإنما مثله مثل الذهب معدنه في الرغام وليس هو منه. والمعدن من قولهم: عدن بالمكان إذا أقام به, ومنها اشتقاق جنات عدنٍ, أي إقامةٍ, ومن هذا سمي الرجل: عدنان.
وقوله:
أرانب غير أنهم ملوك ... مفتحة عيونهم نيام
الأرانب تنام وعيناها مفتحتان. وشبه الناس بالأرانب لأن عيونهم مفتحة, وكأنهم مع ذلك نيام, ولم يرد النوم الذي هو ضد اليقظة, وإنما أراد أنهم بله لا يفطنون لما هم فيه. والعرب تمدح بقلة النوم وتذم إذا ألف الرجل ذلك. قال الطرماح: [الطويل]
وليس أخو الحاجات من بات نائمًا ... ولكن أخوها من يبيت على رجل
وقال الراعي: [الطويل]
كفاني عرفان الكرى وكفيته ... كلوء النجوم والنعاس يعانقه
فبات يريه عرسه وبناته ... وبت أريه النجم أين مخافقه
وقال عروة بن الوردفي ذم النوم: [الطويل]
ينام عشاءً ثم يصبح ناعسًا ... يحت الحصى عن جنبه المتعفر
وقوله:
بأجسامٍ يحر القتل فيها ... وما أقرانها إلا الطعام
أصل الحر في حرارة الشمس والنار, ثم استعير ذلك في غيرهما. يقال: حر اليوم يحر ويحر إذا اشتد حره. يقول: القتل كثير في هذه الأجسام؛ وما أقرانها - يريد: جمع القرن في الحرب - إلا الطعام؛ أي إنهم يأكلون فيكون ذلك سبب موتهم. ويروى عن ابن مسعود أنه قال: «أصل كل دغاء البردة» أي التخمة. وقال بعض المتقدمين: يموت آلاف رجالٍ بالشبع قبل أن يموت رجل من الجوع. وتشبيهه الموت بالقتل مثل قوله في الأخرى: [الطويل]
إذا ما تبينت الزمان وصرفه ... تيقنت أن الموت ضرب من القتل
وقوله:
وخيلٍ ما يخر لها طعين ... كأن قنا فوارسها ثمام
إن أراد بعض الخيل فهو صادق في ذلك؛ إلا أن كثيرًا من الملوك تجري خيلهم في الميادين وتلعب فرسانها بالرماح المدة الطويلة ولا يكون هناك قتل ولا جرح؛ فكأن قناهم ثمام؛ وهو نبت ضعيف تغطي به الأسقية, وتظلل به الخيام المتخذة من الشجر. قال جميل بن معمر: [الخفيف]
وصريعًامن الثمام تراءى ... دارجات المدب في خلله
فإن أراد أن الخيل كلها لا يخر لها طعين فذلك محال تدل المشاهدة على غيره؛ لأن سكان العمد من البادية لا يعمدون أن تصرع برماحهم القتلى في كل أوانٍ.
وقوله:
خليلك أنت لا من قلت خلي ... وإن كثر التجمل والكلام
يقول: خليلك أيها الرجل نفسك لا غيرك من الناس, فاحذر أن تغتر بخليل. والخليل: مأخوذ من الخلة وهي المودة. يقال: فلان خليلك وخلتك, وبين الرجلين خلال أي مخالة. قال الشاعر: [المتقارب]
ألا أبلغا خلتي جابرًا ... بأن خليلك لم يقتل
وإن تجمل بالكلام متجمل فلا تغتر بما ظهر فإن الناس لا تصفو المودة منهم لصديق.
وقولهك
ولو حيز الحفاظ بغير عقلٍ ... تجنب عنق صيقله الحسام
هذاا لبيت متصل بما قبله. يقول: الناس لا عقول لهم, وإنما يؤدي إلى حفظ المودة عقل الإنسان, ولو جاء الحفاظ عن ذي عقلٍ لوجب أن يتجنب السيف عنق من صقله. وابن آدم كالسيف لا عقل له صحيح فكيف يعتمد جميل الأفعال.
وقوله:
وشبه الشيء منجذب إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطغام
يقول: الدنيا لا عقل لها وكذلك أهلها, وشبه الشيء ينجذب إليه؛ فأبناؤها يشابهونها فيما يفعلون من الكذب وقلة الإنصاف. والطغام: جمع طغامةٍ, وهو الجاهل الذي لا يعرف شيئًا. وفي حكاية ذكرها ابن السكيت معناها أن رجلًا ممن كان يتردد إلى أبي مهدية الأعرابي سافر, فلما قدم قال له أبو مهدية: كيف مال الناس, أو نحو ذلك, فقال الرجل: وما المال, فقال له أبو مهدية: يا طغامة لقد أحفيتني بالمسألة وأنت لا تدري ما المال. فلزمت الطغامة ذلك الرجل, وقال فيه بعض النحويين: [الكامل]
من كان يعجبه الطغامة كلها ... فعليه ميمونًا أبا الضحاك
(204/ب) رجلًا تجمعت الطغامة كلها ... فيه وحالفها براك براك
ولم يصرفوا من الطغام فعلًا.
وقوله:
ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام
يقول: الدنيا ترفع قومًا لا يستحقون أن يرتفعوا وتحط من يجب أن يكون مرفوعًا, ولو لم يعل إلا من له مقدار في نفسه لكان الجيش أولى بالعلو من القتام الذي ترفعه حوافر الخيل.
وقوله:
ولو لم يرع إلا مستحق ... لرتبته أسامهم المسام
يقول: لو لم يل أمور الناس إلا مستحق لذلك لوجب أن يكون بعض الرعاة مرعيًا. وإنما هذا المثل لبني آدم. يريد: أن الرجل منهم يلي الجماعة الكثيرة فيهم من هو أحق منه بالولاية, وجعل المسيم مثلًا لمن له رعية من الناس, وجعل رعاياه كأنها مسام. يقال: سام المال في الأرض إذا ذهب فيها, وأسامة غيره إذا خلاه وإياها.
وقوله:
إذا كان الشباب السكر والشيـ ... ـب هما فالحياة هي الحمام
يقول: إذا كان الشاب كالسكر لا يصحبه معقول الإنسان, وكان الشاب إذا جرب وعقل جاءه الشيب فاهتم لذلك؛ فالحياة هي الحما؛ أي الموت خير منها. وقد قال القائل: [الوافر]
إذا احتاج الكريم إلى لئيمٍ ... ففي موت الكريم له حياة
وقوله:
وما كل بمعذورٍ ببخلٍ ... ولا كل على بخلٍ يلام
يريد أن المكثر أخا اليسار يلام على بخله, وأن المقتر إذا بخل فلا لوم عليه. وهذا المعنى كأنه مستخرج من قول الحكمي: [الطويل]
كفى حزنًا أن الجواد مقتر ... عليه ولا معروف عند بخيل
وقوله:
ولم أر مثل جيراني ومثلي ... لمثلي عند مثلهم مقام
عرض بذم جيرانه ولام نفسه على الإقامة بينهم؛ إذ كانوا لا يجودون بشيء وهو مفتقر إلى جود الكرام؛ فوجب أن لا يكونمثله مقيمًا بين أمثالهم, وقد بين الغرض في البيت الآتي من بعد.
وقوله:
بأرضٍ ما اشتهيت رأيت فيها ... فليس يفوتها إلا كرام
وصف الأرض وأنها كثيرة الخير تصلح للإثامة ولكن لا كرام فيها.
وقوله:
بها الجيلان من فخرٍ وصخرٍ ... أنافا: ذا المغيث وذا اللكام
الهاء في «بها» تعود إلى الأرض. جعل المغيث - وهو الممدوح - جبلًا من فخر مجاورًا في هذه البلدة جبلًا من صخر وهو اللكام. وبعد هذا البيت ما يخرج به المغيث من جملة المذمومين لأنه قال:
وليست من مواطنه ولكن ... يمر بها كما مر الغمام
نفى عن هذه الأرض أن تكون من مواطن الممدوح, وجعله يمر بها كما يمر الغمام فيصيب من نفعه؛ فميزه بهذا البيت من المقيمين بالأرض المذمومة التي ليس يفوتها إلا الكرام.
وقوله:
سقى الله ابن منجبةٍ سقاني ... بدر ما لراضعه فطام
أصل الدر: اللبن, وكأنه سمي بالمصدر من قولهم: در الشيء يدر إذا غزر. وقالوا: لله دره؛ أي: لله اللبن الذي أرضع به؛ يقولون ذلك للرجل إذا عجبوا من فضله. وهم يجيئون بهذه اللام للتعجب. يقولون: لله در فلان أي: كأن الله سبحانه فضل اللبن الذي سقي به على غيره, وربما قالوا: لله در الرجل, وهم يذمونه, فاستعملوه في الشيء وضده. قال ابن قيس الرقيات: [الخفيف]
إن لله در قومٍ يريدو ... نك بالنقص والشقاء شقاء
إن في معنى نعم, فهذا ذم للقوم.
وقال آخر: [مجزوء الكامل]
كم شامت بي إذ هلكـ ... ـت وقائل لله دره
فأما قول مالك بن الريب: [الطويل]
فلله دري يوم أترك طائعًا ... بني بأعلى الرقمتين وماليا
فيجوز أن يكون عجب من نفسه حين ترك بنيه وماله, ويكون كاللائم نفسه على ما صنع. ويحتمل أن يكون أراد أنه فعل فعلًا جميلًا فحمد نفسه عليه لأنه ذكر في هذه القصيدة أنه غازٍ, فقال: [الطويل]
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى ... وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
وقول القائل: بدر ما لراضعه فطام: كناية عن جودٍ متصل ليس له فناء ولا انقضاء, وليس هو كالرضاع الذي يفطم منه الصبي, بل هو دائم للأبد.
وقوله:
فقد خفي الزمان بها علينا ... كسلك الدر يخفيه النظام
قوله بها: الهاء راجعة إلى عطاياه, وادعى أنها قد انتظمت الزمان, فغطته كتغطية الدر ما نظم فيه من السلوك.
وقوله:
تلذ له المروة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
المروة: أصلها الهمز, وهي مأخوذة من المرء, كما أن الرجولية مأخوذة من الرجل. ومن عادة الناس أن يقولوا: لإلان رجل يصفونه بالفضل على غيره, والرجال كثير, ومثل هذا يتردد في الكلام والشعر.
وقوله: مروءة, من قولهم: فلان امرؤ على معنى التفضيل, كما يقولون: إنسان إذا وصفوه بالفضل, وقد علم أن أمثاله في الشخص كثير, ومن هذا النحو قول الهذلي: (205/أ) [الطويل]
لعمر أبي الطير المربة بالضحى ... على خالدٍ أن قد وقعن على لحم
أراد: على لحم له شأن ليس لغيره من اللحوم. وروي أن يهوديًا رأى علي بن أبي طالب عليه السلام يشتري جهاز عروس فسأله: بمن تزوج, فقال: بفاطمة ابنة محمد عليهما السلام فقال اليهودي: لقد تزوجت بامرأةٍ؛ أي: بامرأة لها شأن عظيم.
وقوله:
تعلقها هوى قيسٍ لليلى ... وواصلها فليس به سقام
يقول: هذا الممدوح يحب المعالي حبًا شديدًا كحب قيسٍ لليلى. وقيس هذا هو الذي يزعم الناس أنه المجنون وينسبون إليه أشعارًا كثيرة, وهو قيس بن الملوح, وقيل: الملوح, وقد اختلفوا في شأنه حتى قال بعض الناس: إن أخباره موضوعة وإنه لم يكن قط. وهذا ادعاء ليس بصحيح لأن ذكره أسير مما زعموا وقد تناقلت أشعاره الرواة.
وقوله:
يروع ركانةً ويذوب ظرفًا .. فما ندري أشيخ أم غلام
الظرف: يستعمله الناس في حسن الهيئة وحسن الوجه. ويقال: إن الظريف هو البليغ اللسان, وفي بعض الحديث: «إذا كان اللص ظريفًا لم يقطع» أي: إذا كان له لسان وخاطر لم تعوزه حجة يخلص بها من القطع.
وقيل: الظريف: الحاذق بالشيء, وقيل: الظريف الذي كأنه ظرف للفضل, والظرف هو الإناء.
وحكى النحويون: ظروف في جمع ظريف, وذكروا أنه اسم للجمع. وذكر السكري أن بعض الناس يروي قول أبي ذؤيب: [الطويل]
وإن غلامًا نيل في عهد كاهلٍ ... لظرف كريم الوالدين صريح
فيقول مكان لظرف: لظرف. فإن صحت هذه الرواية فظرف واحد ظروف إذا وصف به القوم وليس باسمٍ للجمع.
وقوله:
وقبض نواله شرف وعز ... وقبض نوال بعض القوم ذام
الذام: العيب, ومن أمثالهم: «لكل حسناء ذام» , و «لا تعدم الحسناء ذامًا» , قال أبو داد الإيادي: [الخفيف]
في نظامٍ ما كنت فيهم فلا يغـ ... ررك شيء لكل حسناء ذام
ويقال: ذان بالنون. وفي قصيدة قيس بن الخطيم التي أولها: [المتقارب]
أجد بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شأننا شانها:
رددنا الكتيبة مفلولةً ... بها أفنها وبها ذانها
وبعض الناس يروي هذا البيت في أبيات رويها باء ويروي: ذابها في مكان ذانها.
وقوله:
أقامت في الرقاب له أيادٍ ... هي الأطواق والناس الحمام
يقول القائل: قلده طوق الحمامة إذا وصل به أمرًا مشهورًا؛ إما من خيرٍ وإما من شر. وقال شاعر في عهد النبي صلى الله عليه يخاطب أبا سفيان بن حرب, وكان باع دارًا بمكة لأحد بني جحش إخوة زينب ابنة جحش: [مجزوء الكامل]
دار ابن أختك بعتها ... تنفي بها عنك الغرامه
اذهب بها اذهب بها ... طوقتها طوق الحمامه
وقال المسيب بن علس: [الطويل]
وقلدها طوق الحمامة عامرًا ... وسفيان إذ كان الجيااد لهم نفل
وقوله:
إذا عد الكرام فتلك عجل ... كما الأنواء حين تعدع عام
يقول: إذا عد الكرام فعجل تجمعها, كما أن الأنواء التي هي منسوبة إلى النجوم ثمانية وعشرون بعدة منازل القمر, وهي أربعة عشر شامية, وأربعة عشر يمانية:
فالشامية: الشرطان, والبطين, والثريا, والدبران, والهقعة, والهنعة, والذراع, والنثرة, والطرف, والجبهة, والزبرة, والصرفة, والعواء, والسماك.
واليمانية: الغفر, والزبانى, والإكليل, والقلب, والشولة, والنعائم, والبلدة, وسعد بلع, وسعد الذابح, وسعد السعود وسعد الأخبية, وفرغ الدلو المقدم, وفرغ الدلو المؤخر, والرشاء.
فهذه النجوم اليمانية, ولكل نجم منها ثلاثة عشر يومًا من السنة إلا الجبهة؛ فإن لها أربعة عشر يومًا.
وقوله: (205/ب)
تقي جبهاتهتم ما في ذراهم ... إذا بشفارها حمي اللطام
يقول: هؤلاء القوم - أي بنو عجلٍ - يقون بجبهاتهم ما في ذراهم؛ أي في فنائهم؛ إذ كان اللطام بشفار السيف. يصفهم بالشجاعة وأنهم يبلون نفوسهم في المكارم فلا يسمحون لعدهم بما حموه.
وقوله:
ولو يممتهم في الحشر تجدو ... لأعطوك الذي صلوا وصاموا
تجدوا: أي تطلب جداهم, وهذه تناهٍ في صفة الجود, وقد سبقه إليه حبيب بن أوس في قوله: [الطويل]
ولو قصرت أمواله عن سماحه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته
ولو لم يجد في قسمة العمر حيلةً ... وجاز له الإعطاء من حسناته
لجاد بها من غير كفرٍ بربه ... وواساهم من صومه وصلاته
وقوله:
قبيل أنت أنت وأنت منهم ... وجدك بشر الملك الهمام
قوله: أنت أنت يقول: أنت الرجل المشهر المعروف. وتقول للرجل: فلان هو هو؛ أي هو الذي عرف وشهر فضله, ومن ذلك قول أبي خراش: [الطويل]
رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي: هم القوم الذين كنت أخافهم وأتقيهم. ولما شهد له بالفضل قال: وأنت من هؤلاء القوم الذين هم بنو عجلٍ, ومنهم جدك المسمى ببشرٍ. وذهب بعض الناس إلى أن الكلام فيه تقديم وتأخير كأنه قال: أنت وأنت منهم, وهذا تعسف لا يحتاج إليه.
وقوله:
لمن مال تمزقه العطايا ... ويشرك في رغائبه الأنام
ولا ندعوك صاحبه فترضى ... لأن بصحبةٍ يجب الذمام
قال: لمن مال تمزقه العطايا فاستفهم, وعلمه ثابت بأنه مال الممدوح. ثم قال: ولا ندعوك صاحبه فترضى؛ لأنه لو صاحبك لوجب له ذمام عليك, وإنما يمر بك مرور مجتازٍ لا تلبث له لديك. وقوله: لأن بصحبةٍ يجب الذمام: يجب أن يكون في «أن» ضمير كأنه قال: لأنه بصحبةٍ, وتكون الهاء عائدةً على الأمر والشأن, وإن لم يجعل في «أن» ضمير؛ فكأنه أولى أن قوله: يجب, وأن لا تلي الفعل إلا وفيها ضمير.
وقوله:
تحايده كأنك سامري ... تصافحه يد فيها جذام
السمرة لهم مذهب معروف, وأنهم إذا مسلهم غيرهم بيده أو لاصقهم؛ فلهم بركة فيها ماء إذا ماسهم سواهم طرحوا أنفسهم فيفها بثيابهم يرون أن ذلك طهارة لهم, وحديثهم في الكتاب الكريم. والسامري هو الذي زين لهم اتخاذ العجل فضرب به الشاعر المثل, وجعل الممدوح لا يقرب من المال وينفر منه, كما ينفر السامري من مصافحة يدٍ بها جذام, هذه نهاية في صفة النفار من المال.
وقوله:
إذا ما العالمون عروك قالوا: ... أفدنا أيها الحبر الإمام
عروك: من عرا الرجل غيره إذا أتاه لزيارة أو حاجة. وجعل العلماء إذا جاؤوا هذا الممدوح سألوه أن يفيدهم. والحبر: العالم, يقال بفتح الحاء وكسرها, وبعض الناس يختار الكسر وبعضهم يختار الفتح, واشتقاقه من تحبير الشيء أي تحسينه, ومنه اشتقاق الحبرة من الثياب. وكان معاوية إذا قدم عليه قوم من أهل المدينة قال: هل معكم من حبرات قيسٍ شيء؛ يعني شعر قيس بن الخطيم. ويروون أن عبد الرحمن بن حسان دخل على أبيه وهو صبي فقال: يا أبه لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرةٍ - يعني زنبورًا -. فعلم حسان أنه سيقول الشعر لما سمع منه هذه المقالة. وقافيتها من المتواتر.









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید