المنشورات

فراق ومن فارقت غير مذمم ... وأم ومن يممت خير ميمم

وزنها من الطويل الثالث.
وفراق مرفوع لأنه خبر مبتدأٍ محذوف؛ أي هذا فارق, ويجوز أن تضمر له فعلًا كأنه قال: وقع فراق وحدث فراق. ويقال: يممت وأممت ويممت الرجل وأممته. قال الشاعر: [الوافر]
فلم أجبن ولم أنكل ولكن ... يممت بها أبا عمرو بن عمرو
الهاء في بها راجعة إلى الطعن, ولم يجر لها ذكر ولكن الغرض قد بان في قوله: [الوافر]
تركت الرمح يبرق في صلاه ... كأن صلاته خرطوم نسر
وقوله:
وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ ... إذا لم أبجل عنده وأكرم
أبجدل في معنى أعظم ويعرف موضعي. يقال: رجل بجيل وبجال إذا كان ضخمًا سيدًا. وهذا الشعر يروى لزهير بن جناب الكلبي: [مجزوء الكامل]
أبني إن أهلك فإني ... قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أبناء سا ... داتٍ زنادكم وريه
من كل ما نال امرؤ ... قد نلته إلا التحيه
يعني: الملك, ويروى: من كل ما نال الفتى
والموت أجمل بامرئٍ ... فليهلكن وبه بقيه
من أن يرى الشيخ البجا ... ل يقاد يهدى بالعشيه
وقوله:
سجية نفسٍ ما تزال مليحةً ... من الضيم مرميًا بها كل مخرم
سجية: مرفوعة لأنها خبر ابتداءٍ محذوفٍ كأنه وصف حال نفسه, ثم قال: هذه سجية نفسٍ, فلو نصبها لجاز, ويكون نصبها بإضمار فعل, كأنه قال: اعتدت سجية نفسٍ.
ويجوز أن ينصبها لأنها تكون بدلًا من مصدرٍ محذوفٍ, كأنه قال: مرميًا بها كل مخرمٍ رميًا سجيةً. والسجية مأخوذة من قولهم: سجا البحر والليل إذا سكنا؛ كأنهم يريدون بها الغريزة التي يسكن إليها الإنسان ويسجو. ومليحة من قولهم: ألاح من الشيء إذا أشفق منه. قال جميل بن معمر: [المنسرح]
غير بغضٍ له ولا سأمٍ ... غير أني ألحت من ملله
والمخرم: الطريق في الجبل والمصعد فيه.
وقوله:
رحلت فكم باكٍ بأجفان شادنٍ ... علي وكم باكٍ بأجفان ضيغم
عرض في هذا البيت بسيف الدولة لأنه جعله أحد الضياغم التي تبكي عليه, ثم قال:
وما ربه القرط المليح مكانه ... بأجزع من رب الحسام المصمم
يقول: وما المرأة الباكية علي ذات القرط بأجزع من صاحب السيف. وكان أبو الطيب ترك أهله بحلب لما انصرف.
وقوله:
فلو كان ما بي من حبيبٍ مقنعٍ ... عذرت ولكن من حبيبٍ معمم
هذا تصريح بالعتب على سيف الدولة. يقول: لو أن ما بي من حبيبٍ صاحب مقنعةٍ لعذرته, ولكنه من حبيب معممٍ, والمعمم ها هنا ضد المقنع, ويستعمل المعمم في معنى المسود, ويحسن استعماله في هذا الموضع لأنه يصير موضوعًا موضع المعمم ضد المقنع, والمراد به السيد.
وقوله:
وأحلم عن خلي وأعلم أنه ... متى أجزه حلمًا على الجهل يندم
وصف أنه يحلم عن الخل لعلمه أنه متى يجزه يجهله حلمًا يندم على ما فرط منه, وهذه صفة خل جميل الطريقة. وفي الناس من إذا حلم عنه الصديق زاد في الطمع والأذية. وهذا كله تعريض بسيف الدولة.
وقوله:
وإن بذل الإنسان لي جود عابسٍ ... جزيت بجود التارك المتبسم
يقول: لا آخذ الصلة من الإنسان حتى يكون معها بشر وبشاشة, وإن بذل عطيةً من هو عابس جزيته عن جوده بجود, وهو تركي عطيته مع تبسمٍ مني. يريد أني أزيد على ما فعل لأنه بذل جودًا بعبوسٍ وجزيته جودًا بتبسمٍ.
وقوله: (214/أ)
وأهوى من الفتيان كل سميدعٍ ... نجيبٍ كصدر السمهري المقوم
السميدع: يختلف في العبارة عنه؛ يقال: هو السيد الكريم, ويقال: هو السيد الشجاع. ورووا عن المنتجع بن نبهان الكلابي أنه قال: السميدع: السيد الموطأ الأكناف. وقوله: الموطأ الأكناف يدل على أنه وصفه بالحلم.
وقوله:
خطت تحته العيس الفلاة وخالطت ... به الخيل كبات الخميس العرموم
يقول: أحب من الفتيان من قد ركب العيس وقطع الفلوات, وهومع ذلك قد شاهد الحروب وكبات الخميس؛ أي حملاته في الحرب. يقال: كان ذلك في كبة القوم أي في حملتهم.
وقوله:
ولا عفة في سيفه وسنانه ... ولكنها في الكف والفرج والفم
نفى عن هذا الموصوف عفة السنان والسيف؛ لأنه وصفه بقتل الأعداء, وذكر أنه عفيف الطرق؛ أي لا ينظر إلى ما يكره النظر إليه, فهو عفيف الطرف والفرج والفم.
وعفة الفم تحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون يمسك لسانه عن الغيبة.
والآخر: أن يريد: كرم مأكله وأنه لا يصيب مالًا إلا من وجهه.
وقوله:
فدى لأبي المسك الكرام فإنها ... سوابق خيلٍ يهتدين بأدهم
الهاء في إنها عائدة على الكرام, ويجوز أن يكون الذي حمله على ذلك أنه شبههم بالسوابق, وقال: يهتدين فجعل الضمير عائدًا عليها, ولو قال: إنهم سوابق خيلٍ يهتدون لكان حسنًا.
وقوله:
أغر بمجدٍ قد شخصن وراءه ... إلى خلقٍ رحبٍ وخلقٍ مطهم
شبه كافورًا بجوادٍ أدهم وجعله أغر بمجد. وزعم أن السوابق قد شخصن وراءه إلى خلقٍ رحبٍ وخلقٍ مطهم. والتطهيم حسن الخلق. ويقولون: المطهم من الخيل الذي يحسن كل عضوٍ منه.
وقوله:
يضيق على من رآه العذر أن يرى ... ضعيف المساعي أو قليل التكرم
يقول: من رأى كافورًا ضاق عذره في أن يكون ضعيفًا في المساعي؛ يريد جمع مسعاةٍ, وهي السعي في الكرم؛ لأن السعي يستعمل في مواضع كثيرة. وأصل السعي: المشي, فربما كان بطيئًا وربما كان سريعًا. وقالوا: سعى فلان إلى السلطان؛ يريدون المشي إليه بما يضر الناس, وكانوا يسمون الذين يبعثهم السلطان لأخذ الصدقة من العرب: سعاةً, لأنهم يمشون في ذلك. وأصل السعي: المشي. وقالوا: سعى فلان على قومه إذا كان يجتهد في مصالحهم؛ فيجوز أن يكون ماشيًا ويجوز أن يكون راكبًا. قال زهير: [الطويل]
سعى بينهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يبلغوا ولم يلاموا ولم يألوا
وقال أبو قيس بن الأسلت: [السريع]
أسعى على جل بني مالكٍ ... كل امرئٍ في قومه ساع
أي يسعى في مصالحهم. فأما قول الراجز: [الرجز]
يا أيها الساعي على غير قدم ... تعلمن أن الدواة والقلم
يفنى ويبقى ما كتبت في الغنم فإنه يريد أن ساعيًا بعثه السلطان فكتب عليه في عدة الغنم أكثر مما له.
وقوله:
ومن مثل كافورٍ إذا الخيل أحجمت ... وكان قليلًا من يقول لها اقدمي
يقال في زجر الفرس: اقدم بفتح الدال, والألف ألف وصلٍ, وأقدم بفتح الهمزة وكسر الدال مأخوذًا من قولهم: أقدم يقدم. وبيت عنترة ينشد على وجهين: [الكامل]
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قول الفوارس ويك عنتر اقدم
ويروى: عنتر اقدم.
وقوله:
شديد ثبات الطرف والنقع واصل ... إلى لهوات الفارس المتلثم
يقول: هذا الممدوح شديد ثبات الطرف إذا وصل النقع - أي: الغبار - إلى فم الفارس الملثم, وإنما يصل إليه لأنه قد كلح لكراهة المت, كما قال عنترة: [الكامل]
إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
وهذا نحو من قوله في الأخرى: [الطويل]
بصير وما بين الشاعين مظلم
وقوله:
ويومًا يغيظ الحاسدين وحالةً ... أقيم الشقا فيها مقام التنعم
الشقاء عند قومٍ ممدود, وقصره ضرورة وهمزته منقلبة عن واوٍ, وأصله شقاو؛ فلما وقعت الواو طرفًا وقبلها ألف قلبت (214/ب) همزةً. وقال قوم: الشقاء يمد ويقصر.
قال عمرو ابن كلثوم: [الوافر]
ولا شمطاء لم يترك شقاها ... لها من تسعةٍ إلا جنينا
وبيت ابن أبي ربيعة ينشد ممدودًا: [المتقارب]
لمما شقائي تعلقتكم ... وقد كان لي عنكم مقصد
وقال آخر: [البسيط]
صبت عليه ولم تنصب عن كثبٍ ... إن الشقاء على الأشقين مصبوب
وقوله:
فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها ... بقلب المشوق المستهام المتيم
يقال إن مصر - هذه البلدة - منسوبة إلى رجل يقال له: مصراييم من ولد سام بن نوح فهي تعرف ولا تصرف, والناس يسمون كل بلد آهلٍ مصرًا, والمصر: الحاجز بين الشيئين.
قال أمية بن أبي الصلت: [البسيط]
وجعل الشمس مصرًا لاخفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا
وقوله:
ولا نبحت خيلي كلاب قبائلٍ ... كأن بها في الليل حملات ديلم
سكن ميم حملات والأجود فتحها, وقد فعل هذا في مواضع كثيرة, وأراد بالديلم هذا الجيل المعروف, فأما قول عنترة: [الكامل]
زوراء تنفر عن حياض الديلم
فيقال: إنه أراد الأعداء؛ ويجوز مثل ذلك؛ لأن العرب كانت معادية لغيرها من العجم فكأنه جعل الأعادي كلهم ديلمًا. وقيل الديلم: الكثير من الإبل, وأنشد في عجز بيتٍ: [الرجز]
يعطي الهنيدات والديلما
فأما قول رؤبة: [الرجز]
في ذي قدامى مرجحن ديلمه
فيجوز أن يعني به هذا الفن من العجم, وأن يعني الأعداء كلهم. وإذا قيل: إن الديلم الكثير من الإبل جاز أن يحمل قول عنترة عليه.
وقوله:
ولا اتبعت آثارنا عين قائفٍ ... فلم تر إلا حافرًا فوق منسم
القائف: الذي يقوف القوم؛ ؛ أي يتبع آثارهم. قال الشاعر: [الطويل]
كذبت عليك لا تزال تقوفني ... كما قاف آثار الطريدة قائف
وكأن يقوف مقلوب عن قفا يقفو. وقوله: فلم تر إلا حافرًا؛ يريد: أثر حافرٍ فوق أثر منسم فحذف, وكانت العرب تركب الإبل وتجنب إليها الخيل, فلذلك قدم الحافر على المنسم. قال الشاعر: [الطويل]
فألا وألا يا امرأ القيس بعدما ... خصفن بأخفاف المطى الحوافرا
فكأنه قلب الكلام وأراد: خصفن أخفاف المطي بالحوافر.
وقوله:
وسمنا بها البيداء حتى تغمرت ... من النيل واستذرت بظل المقطم
الهاء في بها عائدة على الإبل والخيل؛ أي أثرن في البيداء آثارًا كأنها وسوم. وفي تغمرت ضمير يعود على الإبل والخيل. والتغمر شرب دون الري. واستذرت؛ أي كانت في الذرى, يقال: استذرى بفلان إذا حل بذاره أي فنائه, وإنما أراد بالاستذراء: الاستظلال. والمقطم: بل بمصر معروف.
وقوله:
وأبلج يعصي باختصاصي مشيره ... عصيت بقصديه مشيري ولومي
أبلج: معطوف على المقطم, ويعني به كافورًا كأنه قال: استذرت بظل المقطم وظل أبلج. والأبلج: المفترق الحاجبين, ويقال: الفرق بينهما بلجة, ومن أمثالهم: «الحق أبلج والباطل لجلج». قال الراجز: [الرجز]
إن ابتسامًا بالنقي الأبلج ... ونظرًا في الحاجب المزجج
مئينة من الفعال الأسمج
والهاء في مشيره عائدة على كافور. مئينة أي مظنة من كذا, وجدير به؛ وإنما يعرض بوزيره أبي الفضل ابن الفرات. وقوله: بقصديه يريد بقصدي إياه, وهذا موضع يحتمل منفصل الضمير ومتصله, والمنفصل أحسن, ولكن الوزن منع من ذلك.
وقوله:
قد اخترتك الأملاك فاختر لهم بنا ... حديثًا وقد حكمت رأيك فاحكم
أراد: قد اخترتك من الأملاك, وفي الكتاب العزيز: {واختار موسى قومه سبعين} أي: من قومه. قال الفرزدق: [الطويل]
منا الذي اختير الرجال سماحةً ... وجودًا إذا هب الرياح الزعازع
أراد: اختير من الرجال. وقوله: فاختر لهم بنا حديثًا؛ أي اجعل حديثهم بنا حسنًا, وفي هذا الكلام تخويف من الهجو, وقوى ذلك بقوله: وقد حكمت رأيك فاحكم
أي: احكم لنفسك بما تختار.
وقوله:
وقد وصل المهر الذي فوق فخذه ... من اسمك ما في كل عنقٍ ومعصم
كان أنفذ إليه مهرًا موسوم الفخذ باسم كافورٍ, وادعى الشاعر أن اسم كافور موسوم به كل عنق ومعصم.
وقوله: (215/أ)
لك الحيوان الراكب الخيل كله ... وإن كان بالنيران غير موسم
الحيوان عند الخليل أصله حييان, فقلبت الياء الثانية واواً. وقال قوم: بل الواو فيه أصلية؛ كأنهم يذهبون إلى أن أصل الحياة حيوة, ويحتجون بأن بعض العرب يشيرون إلى ضمة الياء إذا قالوا: الحياة, ولذلك كتبت في المصحف بالواو. وقافيتها من المتدارك.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید