المنشورات

نزور دياراً ما نحب لها مغنى ... ونسأل فيها غير ساكنها الإذنا

الوزن من أول الطويل والقافية من المتواتر.
نزور دياراً لا نحب مغنى من مغانيها, ونستأذن في زيارتها غير أهلها؛ يعني سيف الدولة.
وقوله:
نقود إليها الآخذات لنا المدى ... عليها الكماة المحسنون بها ظنا
ونصفي الذي يكنى أبا الحسن الهوى ... ونرضي الذي يسمى الإله ولا يكنى
حمل الشاعر هذا البيت على الحقيقة وجعل الممدوح له كنية, وإنما جرت العادة أن يكنى من له ولد أو يرجى أن يولد له. والله سبحانه جل عن جميع الأشياء, وقد كانوا في الجاهلية يزعمون أن آلهتهم من الأصنام بنات الله, تعالى عن الشبه والأوهام. وقال بعضهم في التلبية: لبيك لا شريك لك؛ إلا شريك هو لك, تملكه وما ملك, أبو بنات بفدك. وقال بعض شعراء الجاهلية: [الوافر]
فما كثرت فائدتي بغنمٍ ... كفى ضد الفوائد ما يطيب
ولا خالست رب البيت سراً ... أبو العزى لجارته رقيب
وقوله:
وأنا إذا ما الموت صرح في الوغى ... لبسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
قصدنا له قصد الحبيب لقاؤه ... إلينا وقلنا للسيوف هلمنا
صرح: أي صار صريحاً خالصاً. وقوله: لبسنا إلى حاجتنا الضرب والطعنا؛ يقول: لا نلبس الدروع لأنا لا نحتمي بها, ونلبس الضرب والطعن؛ أي نتقي بها الأعداء كما يتقيها غيرنا بالدروع. والهاء في قوله: الحبيب لقاؤه عائدة على الموت.
وقوله: هلمن: تستعمل هلم على وجهين: فمنهم من يقول للواحد والاثنين والجميع والمذكر والمؤنث على لفظ واحد: [هلم] , ومنهم من يقول للاثنين: هلما, وللجميع: هلموا, وللنسوة: هلممن. وكأن الشاعر قال: هلمن فأدخل النون الشديدة على قوله: هلموا, كما تقول للجماعة: اضربن يا قوم. وليس ذلك بمجمعٍ عليه. وخاطب السيوف خطاب من يعقل فقال: هلموا قبل إدخال النون, وذلك جائز لأنه يجعل السيوف كأنها تعقل.
وقوله:
وخيلٍ حشوناها الأسنة بعدما ... تكدسن من هنا علينا ومن هنا
تكدسن: أي ركبن رؤوسهن في العدو. قالت الخنساء: [المتقارب]
وخيلٍ تكدسن بالدارعيـ ... ـن تحت العجاجة يجمزن جمزا
وقوله: من هنا علينا ومن هنا؛ أي من هذا الموضع وهذا الموضع؛ وعندهم أن هنا أقرب من هنا. قال ذو الرمة: [البسيط]
هنا وهنا ومن هنا لهن بها ... إذا تخالفت الأصوات هينوم
وقوله:
ضربن إلينا بالسياط جهالةً ... فلما تعارفنا ضربن بها عنا
يقول: حملوا علينا فضربوا جيادهم بالسياط, لأنهم بنا جاهلون, فلما تعارفنا ضربوا جيادهم بالسياط نافرين عنا كما ضربوهن إلينا وهم مقبلون.
وقوله:
تعد القرى والمس بنا الجيش لمسةً ... نبار إلى ما تشتهي يدك اليمنى
خرج إلىم خاطبة سيف الدولة بالكاف بعدما خاطبه بالهاء وذلك سائغ كثير. يقول: تعد القرى؛ أي اتركها وعدها إلى غيرها, والمس بنا الجيش. صير الجيش كأنه في كفه؛
وذلك تعظيم للممدوح؛ وجعل الجيش - وهو أحدهم - يبارون إلى الروم يده اليمنى؛ لأن الضرب والطعن إنما يكون باليمنى, والمباراة أن يفعل الرجل كما يفعل الآخر.
وقوله:
وإن كنت سيف الدولة العضب فيهم ... فدعنا نكن قبل الضراب القنا اللدنا
يقول: إن كنت سيف الدولة العضب؛ والسيف هو الذي يعول عليه؛ فدعنا نكن قدامك, كما أن الرمح يطعن به قبل الضرب بالسيف؛ فاجعلنا كالقنا الذي يتقدمك.
وقوله:
فلولاك لم تجر الدماء ولا اللها ... ولم يك للدنيا ولا أهلها معنى
اللها: جمع لهوةٍ وهي العطية, وأصل ذلك القبضة من الطعام التي تطرح في فم الرحى. كما يقول: لولا أنت يا سيف الدولة لم تجر دماء الأعداء ولا المواهب إلى المعتفين, ولم يك للدنيا والساكنين بها معنى يعرف.
وقوله:
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ... وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا
يقول: إن الفتى قد يتخوف وهو آمن؛ إلا أن التخوف قد حصل معه وإن كان لا تلحق به نكبة. والأمن قد يكون في موضع تخوفٍ وهو يرى أنه في أمن؛ فإذا رأيى ذلك فكأنه لا تخوف عنده, ولا هو في مكان خوفٍ؛ وكأنه يقول: نحن وإن كنا في موضع المخافة فإنا نرى ذلك أمناً.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید