المنشورات

حجب ذا البحر بحار دونه ... يذمها الناس ويحمدونه

الوزن من مشطور الرجز, وهو رابعه, وهذا الضرب من الشعر يسمى ذا الوجهين؛ لأنه إذا وقفت هاؤه فهو حسن, وإن جئت به مطلقاً فكذلك.
ويقال: إن سيف الدولة رأى في المنام أن حيةً قد تطوقت على داره, فعظم عليه ذلك, فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ماء, فأمر بحفرٍ يحفر بين داره وبين قويق حتى أدار الماء حول الدار. وكان في حمص رجل ضرير من أهل العلم يفسر المنامات, وقد لقيته أنا في زمان الطفولية, فدخل على سيف الدولة فسأله عن المنام فقال له كلاماً معناه: أن الروم تحتوي على دارك؛ فأمر به فدفع وأخرج بعنف. وقضى الله سبحانه أن الروم خرجوا ففتحوا حلب واستولوا على دار سيف الدولة, فذكر معبر المنام أنه دخل على سيف الدولة بعدما كان من أمر الروم فقال له: ما كان من أمر ذلك المنام الملعن.
وقوله:
يا ماء هل حسدتنا معينه ... أم اشتهيت أن ترى قرينه
يقال: حسدت الرجل على كذا وحسدته إياه, وفي الكتاب العزيز: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}. وقال الشاعر في حذف حرف الخفض مع الحسد: [الوافر]
ونارٍ قدرفعت بعيد وهنٍ ... بدارٍ لا أريد بها مقاما
سوى ترحيل راحلةٍ وعينٍ ... أكالئها مخافة أن تناما
أتوا ناري فقلت: منون أنتم ... فقالوا: الجن قلت: عموا ظلاما
وقلت: إلى الطعام, فقال منهم ... زعيم: نحسد الإنس الطعاما
أي: على الطعام. يقول للماء: أحسدتنا على قرب سيف الدولة أم اشتهيت أن ترى قريناً له.
وقوله:
أم انتجعت للغنى يمينه ... أم زرته مكثراً قطينه
يقول للماء: أم انتجعت يمينه؟ وأصل الانتجاع الطلب للكلأ والرعي, ثم صار طلب كل خير نجعةً. أم أردت يا ماء أن تكثر قطينه أي حشمه. قال الشاعر: [الطويل]
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها
وقوله:
أم جئته مخندقاً حصونه ... إن الجياد والقنا يكفينه
يقول: أجئته يا ماء لتجري في خندق داره فتكون لها كالمخندق, وليس بمحتاج إلى ذلك, إن الجياد والقنا يكفينه.
وقوله:
يا رب لج جعلت سفينه ... وعازب الروض توفت عونه
ذكر له حديث عبوره في قباقبٍ في الغزاة التي غرق فيها خليفة بن جندي العقيلي, وكان سيف الدولة قد ولاه شيزر. والعازب من الأرض هو البعيد الذي لم يوطأ, والعون يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع عانةٍ وهي الجماعة من آتن الوحش, يقال: عانة وعون, كما يقال: ساحة وسوح.
والآخر: أن يكون جمع عوانٍ وهي التي قد حملت بطنين أو ثلاثة, وقولهم في صفة حمار الوحش: إنه لمتل عونٍ يفسر على هذين الوجهين.
وقوله: توفت عونه من الوفاة التي هي موت؛ أي صادت وحش هذا الروض فكانت سبب هلاكها.
وقوله:
وذي جنونٍ أذهبت جنونه ... وشرب كأسٍ أكثرت رنينه
(222/أ) قوله: وذي جنون؛ يعني رجلًا كأنه مجنون من كبره ونخوته؛ لا أنه مجنون في الحقيقة. وشرب كأسٍ جعلتهم يرنون كما يرن النساء.
وقوله:
وأبدلت غناءه أنينه ... وضيغمٍ أولجها عرينه
يريد أنه أوقع بشرب الكأس فأصابتهم جراح يئنون منها فكان أنينهم بدل غنائهم. وعرين الأسد حيث يأوي من الغابة. وعرين كل شيء: فناؤه وما قرب منه, وفي الحديث: «يموت في عرين الكعبة رجل عليه ثلثا عذاب هذه الأمة».
وقوله:
وملك أوطأها جبينه ... يقودها مسهداً جفونه
مباشرًا بنفسه شؤونه ... مشرفاً بطعنه طعينه
نصب مسهداً على الحال, وعدى مسهدًا إلى الجفون ونصبها لأنها مفعولة. وذكر أنه لا يعتمد على غيره في الحرب, وأنه يباشرها بنفسه, وإذا طعن فارساً شرف بطعنه.
وقوله:
عفيف ما في ثوبه مأمونه ... أبيض ما في تاجه ميمونه
نصب عفيفاً على الحال وهو نكرة, وإن كان مضافاً إضافةً تنتهي إلى الهاء في ثوبه.
والهاء معرفة, وكأن التقدير: عفيف الجسم الذي هو في ثوبه, وهو مؤد معنى قولك: عفيفاً جسمه.
وقوله:
بحر يكون كل بحرٍ نونه ... شمس تمنى الشمس أن تكونه
النون: السمكة. قال الشاعر: [البسيط]
يا أم إني أكلت النون بعدكم ... فكيف لي بطعامٍ هاضمٍ نوني
جعل البحر كالنون في جود الممدوح, والشمس تمنى أن تكونه, وهذا الماء يحتمل أن يكون في موضعها إياه؛ وقد مر في شعره مواضع من هذا الجنس تحتمل الضمير المتصل والمنفصل.
وقوله:
إن تدع يا سيف لتستعينه ... يجبك قبل أن تتم سينه
هذا مبالغة مفرطة لأن السين حرف واحد. وقد اختلف الناس في الحرف المتحرك؛ فقبل: الحركة قبله, وقيل: معه, وقيل: بعده, وأقل ما يخبر به الإنسان عن مراده حرف متحرك بعده ساكن. والقافية من المتدارك إذا نطق بالواو بعد الهاء, وإذا وقف على الهاء فهي من المتواتر.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید