المنشورات
أوه بديل من قولتي واها ... لمن نأت والبديل ذكراها
(239/ب) الوزن من ثاني المنسرح لم يذكره الخليل.
أوه: كلمة تقال عند التأوه من قولهم: رجل أواه أي كثير التأوه. قال الشاعر: [الطويل]
فأوه من البعد الذي دون أهلها ... ومن خرق أرضٍ دائم العسلان
وقال العبدي: [الوافر]
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ ... تأوه آهة الرجل الحزين
وواهاً كلمة تقال عند التعجب من الشيء. قال الراجز: [الرجز]
وهاً لسلمى, ثم واهاً واها ... يا ليت عينيها لنا وفاها
بثمنٍ نرضي به أباها ولو أن لي في هذا البيت حكماً لجعلت بدلاً من «قولتي»: «قولنا»؛ لأنه أقوى من التأنيث. يقول: نأت هذه الموصوفة, وحصل ذكراها بديلًا منها.
وقال:
أوه من الا أرى محاسنها ... وأصل واهاً وأوه مرآها
أضاف أصل إلى قوله: واهاً, وتركه منصوباً على الحكاية. يقول: أصل قولي واهاً وأوه أني رأيتها. ومرآها: مفعل من الرؤية, وألقى حركة أن على نون من في قوله: من ان لا أرى ليقيم الوزن.
وقوله:
شامية طال ما خلوت بها ... تبصر في ناظري محياها
شامية: نسبها إلى الشام على ما يجب في أصل النسب, وزعم أنه تبصر وجهها في ناظر عينيه, ثم قال:
فقبلت ناظري تغالطني ... وإنما قبلت به فاها
لما ذكر أنها تبصر وجهها في ناظره زعم أنها قبلت فاها المتصور لها في ناظره, وهذا بيت يشابه قول الصنوبري: [الكامل]
لولا الحياء لظل يلثم ثغره ... إذ كان يبصر وجهه في الكاس
وقوله:
فليتها لا تزال آويه ... وليته لا يزال مأواها
الهاء في قوله: آويه تعود إلى الناظر. يقول: ليتها لا تزال آويةً في ناظري, وليته لا يزال مأواها؛ وهذا كلام يغني بعضه عن بعضٍ؛ لأن قوله: لاتزال آويه يدل على أنه مأواها, وكذلك مأواها يدل على أنها آوية به.
وقوله:
تبل خدي كلما ابتسمت ... من مطرٍ برقه ثناياها
هذا البيت يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون أنها كلما ابتسمت أخذه البكاء؛ لأنه يخاف من الفراق أو تغير النية فيكون المعنى كقوله: ظلت أشكو وتبسم
والآخر: أن تكون تقبله فيصيب خديه شيء من الريق, وإن قل. ويقوي هذا البيت قوله: فقبلت ناظري.
وقوله:
ما نفضت في يدي غدائرها ... جعلته في المدام أفواها
هذا البيت يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون «ما» في معنى الذي وهي مبتدأ, وخبرها قوله: جعلته, وما بعده إلى آخر البيت. والآخر: أن تكون «ما» في معنى الجزاء وتنتصب بنفضت, وتكون نفضت في موضع جزمٍ لأنها شرط, وقوله: جعلته: جزاء. وأفواه الطيب واحدها: فوه.
وقوله:
لقيننا والحمول سائرة ... وهن در فذبن أمواها
الحمول: السائرون من قولهم: احتملوا عن الدار إذا ارتحلوا عنها. وهو اسم جامع يجوز أن يجمع الرجال والنساء وما حمل من المتاع. وقوله: وهن در فذبن أمواها؛ شبه النساء بالدر. ونصب أمواهٍ يحتمل أن يكون مفعولًا, وأن يكون حالًا, ويجوز أن يعني أنهن استحيين فذبن من الحياء على معنى المبالغة؛ والمراد: كدن يذبن؛ أي قاربن, ويجوز أن يعني أنهن بكين فجعل بكاءهن كالذوب.
وقوله: (240/أ)
في بلدٍ تضرب الحجال به ... على حسانٍ ولسن أشباها
وقد مر ذكر الحجال, وقوله: الحسان ولسن أشباها؛ أي بعضهن أفضل من بعض؛ وكأنه فضل التي ذكر عليهن؛ فقال:
كل مهاةٍ كأن مقلتها ... تقول إياكم وإياها
فيهن من تقطر السيوف دماً ... إذا لسان المحب سماها
يقول: كأن مقلتها تخذرنا منها فتقول: إياكم وإياها؛ أي احفظوا نفوسكم وملا تلحظوها, فإن ذلك مؤد لكم إلى الهلاك. ووصف قومها بالغيرة, وإن سماها المحب هموا بقتله؛ فإن كان له قوم ينصرونه شبت بينهم وبين قومها حرب وقطرت السيوف دماءً لذلك.
وقوله:
أحب حمصاً خناصرةٍ ... وكل نفسٍ تحب محياها
حمص: اسم أعجمي, وقد وافقت من قول العرب قولهم: حمص الجرح إذا ذهب ورمه. وخناصرة معروفة بالشام, وقد ذكرت في الشعر الفصيح, وإن كانت عربية الأصل, فاشتقاقها من الخصر أي البرد, ومن اختصار الشيء أي الاقتناع منه بالقليل, وجمعها الراعي بالألف والتاء, فقال: خناصرات كما قالوا: عرفات, قال: [الوافر]
رعين الحمض حمض خناصراتٍ ... بما في القرع من ديم الغوادي
القرع: يعني كروشها, أي إنها قد قرعت عن شرب الماء؛ أي صارت إذا قرعها وجدت لذلك أذى. وقيل: القرع التي ذهب شحمها. وقال عدي بن الرقاع: [الكامل]
وإذا الربيع تتابعت أنواءه ... فسقى خناصرة الأحص وجادها
وقوله:
حيث التقى خدها وتفاح لبـ ... ـنان وثغري على حمياها
التفاح قد جاء في شعر العرب, قال حسان: [الوافر]
كأن سبيةً في بيت رأسٍ ... يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو طعم غض ... من التفاح هصره اجتناء
ويجب أن يكون اشتقاقه من التفح وليس ذلك بمستعمل. وقال بعض أهل العلم: يجوز أن يكون أصله: فواح من فاحت الرئاحة تفوح, ثم نقلت الواو إلى أوله, كما قالوا: جذب وجبذ. وقيل: وفاح فلما وقعت الواو في أوله وهي مضمومة جعلت تاءً كما قالوا: تخمة وتراث, وهي من الوخامة, وتراث من ورث. ولبنان معروف بالشام. وقال الراعي: [الوافر]
سيكفيك الإله ومسنمات ... كنجدل لبن تطرد الصلالا
فقيل: أراد لبنان فحذف. وقيل: بل لبن جبل آخر.
والهاء في حمياها يجوز أن تكون راجعة إلى البلاد التي ذكرها, ولا يمتنع أن تعود على المرأة الموصوفة, وهي الحميا التي حضرت معها. وحميا الراح: سورتها؛ وهو مما استعمل مصغراً واشتقاقها من: حمي الشيء إذا اشتد في وقودٍ أو نحوه.
وقوله:
وصفت فيها مصيف باديةٍ ... شتوت بالصحصحان مشتاها
الصحصحان ها هنا: موضع بعينه؛ ويقال: مكان صحصحان وصحصح وصحصاح إذا كان واسعاً. قال الراجز: [الرجز]
وصحصحانٍ قذفٍ كالترس
وقال آخر: [الرجز]
كأننا فوق الفضاء الصحصح ... نرمي الموامي بنجومٍ لمح
وقال آخر: [الرجز]
تركته للقدر المتاح ... مجدلًا بالصحصح الصحصاح
والمصيف - ها هنا - مصدر صاف يصيف بالموضع إذا أقام به في الصيف. والمشتى مصدر شتا يشتو إذا أقام بالمكان في الشتاء.
وقوله:
أو عبرت هجمة بنا تركت ... تكوس بين الشروب عقراها
الهجمة: قطعة من الإبل, يقال: هي من ستين إلى مائة, وقيل: من خمسين إلى مائةٍ, وقيل: من سبعين. (240/ب) وهذه الأقوال متقاربة. وأما قول المرقش: [البسيط]
أضحت خلاءً وقد كان بها ... في سالف الدهر أرباب الهجوم
يجوز أن تكون الهجوم جمع هجمةٍ من الإبل على حذف الهاء؛ كما قالوةا: نعمة وأنعم فجمعوا نعمةً كما يجمعون فعلًا؛ فيقولون: ضرساً وجرواً. ويجوز أن تكون الهجوم جمع هجمٍ وهو قدح عظيم يحلب فيه. وأنشد أبو عمرو الشيباني: [البسيط]
أتملأ الهجم رسلًا وهي وادعة ... حتى تكاد نواحي الهجم تنثلم
وتكوس من قولهم: كاس البعير إذا عقر إحدى قوائمه فمشى على ثلاث. قالت الخنساء: [المتقارب]
فظلت تكوس على أكرعٍ ... ثلاثٍ وكان لها أربع
والشروب: جمع شربٍ, وهم القوم الذين يشربون الراح. والعقرى: جمع عقيرٍ, مثل: جريحٍ وجرحى.
وقوله:
والخيل مطرودة وطاردة ... تجر طولى القنا وقصراها
إذا كانت الفعلى أنثى الأفعل, مثل الطولى والقصرى؛ فأكثر ما تجيء مستعملةً بالألف واللام كقولك: الكبرى والصغرى, أو مضافةً كما قال سحيم: [الطويل]
عبثن بمسواكي وغادرن مذهباً ... من الصوغ في صغرى بنان شماليا
ولا يقال: صغرى وكبرى إلا في شذوذٍ.
وقوله:
وقد رأيت الملوك قاطبةً ... وسرت حتى رأيت مولاها
قاطبةً تستعمل في معنى الجماعة, وهي مأخوذة من: قطبت الشيء بالشيء إذا خلطته, ونصب قاطبةً على الحال, وقيل: هي كالوصف لمصدرٍ محذوف.
والمولى: كلمة تستعمل في الشيء وضده, وهو ها هنا المولى الذي يملك غيره. واصطلحت الكتاب على أن قولهم في المخاطبة للملك: مولانا أشرف من سيدنا, وهذا وهم وقع في القديم لأن العبد يجوز أن يقال له: مولى, وكذلك الحليف والمعتق وابن العم, فقد صح أن هذه الكلمة يشترك فيها الرفيع والوضيع. والسيد كلمة لا تستعمل إلا في معنى السيادة والرفعة؛ وكانت المخاطبة بها للملوك أوجب.
وقوله:
أبا شجاعٍ بفارسٍ عضد الدو ... لة فناخسراً شهنشاها
قوله: أبا شجاع بدل من قوله: مولاها, وهذا ببيت جامع على قصر وزنه؛ لأنه ذكر فيه كنية الممدوح واسمه, وذكر البلاد التي هو فيها, ولقبه ونعته بملك الملوك, وهو قوله: شهنشاها. وقد استعملت العرب شهنشاها. قال الأعشى: [الطويل]
وكسرى شهنشاه الذي شاع ذكره ... له ما اشتهى راح ذكي وديسق
الديسق: الفضة, ويقال: هو خوان من فضة.
وقوله:
أسامياً لم تزده معرفةً ... وإنما لذةً ذكرناها
قوله: أسامياً جمع أسماءٍ, وأسماء جمع اسمٍ, واسم وزنه أفع, لأنه من: سما يسمو فحذفت منه الواو, وقالوا: سم وسم فحذفوا ألف الوصل, وجاءت الياء في الأسامي لأجل كسرة الميم. وهذا البيت احتجاج بما ذكره من اسم الممدوح وكنيته وصفته. يقول: هذه الأسامي لم نزده بها اشتهاراً, وإنما ذكرناها ملتذذين بذكرها.
وقوله:
تقود مستحسن الكلام لنا ... كما تقود السحاب عظماها
يقول: هذه الأسماء المذكورة تقود لنا ما يحسن من الكلام, كما أن عظمى السحاب تقود ما وراءها.
وقوله:
لا تجد الخمر في مكارمه ... إذا انتشى خلةً تلافاها
(241/أ) يقول: من غيرته الخمر فأحدثت فيه خلقاً لا يعرف منه بجودٍ أو شجاعة؛ فإن هذا الملك لا تقدر الخمر أن تزيده شيئاً يحمد عليه, وهذا المعنى متكرر في أشعار العرب كقول امرئ القيس: [الطويل]
سماحة ذا وبشر ذا ووفاء ذا ... ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
وقوله:
تصاحب الراح أريحيته ... فتسقط الراح دون أدناها
الأريحية: الهزة للمكارم والارتياح إليها, ويجوز أن يكون اشتقاقها من الريح التي تهب, فألقت العرب الياء في الريح وكرهوا أن يردوا الواو في قولهم: أريحية, فتلتبس بالاشتقاق من الروح ومن الروح, وهو تباعد ما بين الرجلين. يقول: لا تجد الراح إذا صاحبت أريحيته زيادةً في كرمه؛ لأنها تسقط دون أدنى ما فيه.
وقوله:
تسر طرباته كرائنه ... ثم يزيل السرور عقباها
الكرائن: جمع كرينةٍ, وهي المغنية, وليس في كلامهم: الكرن. قال لبيد: [الكامل]
وصبوح صافيةٍ وجذب كرينةٍ ... بموترٍ تأتاله إبهامها
ويروى: تأتى له. والكران: العود. قال امرؤ القيس: [الطويل]
فإن أمس مكروباً فيا رب قينةٍ ... منعمةٍ أعملتها بكران
وسكن الراء من طرباته, وقد جرت عادته بذلك.
وقوله:
بكل موهوبةٍ مولولةٍ ... قاطعةٍ زيرها ومثناها
هذا البيت مفسر للبيت الأول. يقول: إذا طرب هذا الملك لغناء القينة فرحت بذلك, ولا يتم فرحها لأن عقباها تصير إلى ما تكره؛ وذلك أنه يهبها فترى أن ذلك مصيبة عظيمة لخروجها إلى غيره. ومولولة أي تردد الويل, وإذا قيل: إن هذه اللفظة مأخوذة من واو وياءٍ ولامٍ؛ فوزنها فلفلة؛ لأن الياء من الويل سقطت وهي العين فبقيت الفاء واللام.
والزير والمثنى معروفان من أوتار العود؛ أي إنها تقطع آلات الغناء؛ لأنها تنوي أنها لا تعرض بعد هذه الكائنة للألحان.
وقوله:
تعود عوم القذاة في زبدٍ ... من جود كف الأمير يغشاها
يعني أن هذه الموهوبة كأنها قذاة في جود هذا الملك تعوم في زبدٍ قد غشيها من جود كفه. وجعله في أول المدح مولى الملوك, ثم خاطبه بالأمير؛ فكأنه قد نقصه عن الرتبة الأولى.
وقوله:
تشرق تيجانه بغرته ... إشراق ألفاظه بمعناها
تشرق: من إشراق الشمس. يقال: أشرقت إذا أضاءت وصفت, وشرقت إذا طلعت, ويقال: مكان مشراق إذا كانت الشمس تطلع عليه في أكثر النهار. قال تأبط شراً: [البسيط]
وقلةٍ كشباة الرمح باسقةٍ ... ضحيانةٍ في شهور الصيف مشراق
الضحيانة: الظاهرة للشمس, ومنه قوله تعالى: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}.
ويقال: جئت فلاناً كل شارقٍ؛ أي كل يومٍ طلعت فيه الشمس.
وقوله:
دان له شرقها ومغربها ... ونفسه تستقل دنياها
دان: أي أطاع, والشرق أصله أن يكون مصدراً ثم قيل للمكان: شرق؛ لأن الشرق يكون فيه. (241/ب) فأما المشرق فالموضع الذي الشرق فيه. وكذلك الغرب؛ إنما هو مصدر في الأصل؛ ثم قيل للمكان: غرب. فأما المغرب فموضع الغروب. والهاء في شرقها ومغربها راجعة إلى الدنيا.
وقوله:
تجمعت في فؤاده همم ... ملء فؤاد الزمان إحداها
يقول: هذا الممدوح عظيم الهمم؛ فأصغر هممه ملء قلب الزمان, وهذا إفراط في المبالغة. واشتقاق الهمة والهم واحد؛ إلا أنهم استعملوا الهم في الحزن وشغل القلب, واستعملوه في معنى الهمة.
وقوله:
فإن أتى حظها بأزمنةٍ ... أوسع من ذا الزمان أبداها
حظها: يعني الدنيا. يقول: إن كان للدنيا حظ يأتيها بزمانٍ أوسع من زمانها الذي هي فيه أبدى هذا الممدوح هممه. والهم والهمة مشتقان من الهميم وهو الدبيب. يقال: همت الهوام على وجه الأرض أي دبت. والمراد أن الهم يهم في القلب؛ أي يدب, وكذلك الهمة. قال الهذلي: [الطويل]
كأن بقايا الأثر في صفحاته ... مدارج شبثانٍ لهن هميم
وقوله:
وصارت الفيلقان واحدةً ... تعثر أحياؤها بموتاها
الفيلق: الكتيبة, وإنما أخذت من الفلق وهي الداهية. وقوله: صارت الفيلقان؛ أراد بإحداهما الجماعة التي في طاعة هذا الملك, وبالأخرى الجماعة التي ليست في طاعته؛ فإن كان الذي ذكره الشاعر من حظ الدنيا فإن المخالفين لهذا الممدوح يصيرون من عبيده وأصحابه.
وقوله:
ودارت النيرات في فلكٍ ... تسجد أقماره لأبهاها
يقول: إن صح هذا المرجو صار الناس كلهم في طاعةٍ واحدة, ودارت ذوات النور في فلكٍ أقماره تسجد لأكثرها بهاءً ونوراً؛ يعني الممدوح. والأجود أن يروى: أقماره, وتكون الهاء عائدةً على الفلك. وإن رويت: أقمارها, وجعلت الهاء عائدةً على النيرات فذلك جائز؛ إلا أن عودة الهاء إلى الفلك أحسن لأن الهاء والألف تكررت في القافية, فحسن أن تكون الهاء في أقماره راجعةً إلى الفلك.
وقوله:
الفارس المتقى السلاح به ... المثني عليه الوغا وخيلاها
إذا خفض الفارس جعل متصلًا بقوله: لأبهاها, ورفعه جائز على أن يضمر له مبتدأ, ويحتمل النصب على إضمار فعلٍ.
وقوله:
لو أنكرت من حيائها يده ... في الحرب آثارها عرفناها
يقول: هذا الممدوح عظيم الحياء لا يؤثر أن يتحدث عنه بشيءٍ من المكارم والشجاعة,فلو أن يده أنكرت ما تؤثره في الحرب من الطعن والضرب لعلمنا أنها هي الفاعلة ذاك؛ لأن غيرها من الأيادي لا يقدر عليه.
وقوله:
وكيف تخفى التي زيادتها ... وناقع الموت بعض سيماها
ذكر أبو الفتح ابن جني رحمه الله أن الزيادة: السوط في هذا البيت, ولا يمتنع ذلك, والأشبه أن تكون الزيادة ها هنا السيف؛ لأنه قرنه بناقع الموت. والموت الناقع الذي قد اجتمع (242/أ) من قولهم: ماء ناقع؛ أي مجتمع في موضعه.
وقوله:
لو كفر العالمون نعمته ... لما عدت نفسه سجاياها
يقول: لو كفر الناس نعم هذا الملك لما أخر عنهم الإنعام؛ لأن نفسه مخلوقة على فعل الإحسان فلا يغيرها عن مغير.
وقوله:
كالشمس لا تبتغي بما صنعت ... منفعةً عندهم ولا جاها
يقول: هذا الملك يحسن إلى العالم ولا يريد منهم جزاءً, فمثله مثل الشمس ينتفع بها كل الحيوان ولا تبغي بذلك ثناءً ولا نفعاً. ومصالح بني آدم جعلها البارئ جلت عظمته في طلوع الشمس عليهم؛ لأنها إذا لم تطلع على الموضع لم يكن فيه نبت ولا شجر ولم يسكنه حيوان.
وقوله:
الواسع العذر أن يتيه على الد ... نيا وأبنائها وما تاها
يقول: هذا الملك لو تاه على الدنيا ومن بها من الخلق لكان عذره مبسوطاً في ذلك, ولكنه لكرمه لم يته.
وقوله:
ول السلاطين من تولاها ... والجأ إليه تكن حدياها
قوله: من تولاها يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون معناه عرف السلاطين بمن وليها فإنهم لا يعرفون قدره.
والآخر: أن تكون «من» على معنى الاستفهام كأنه يقول للسلاطين: من تولاكم؛ أي أتدرون من هو فنبؤه عظيم فيجب عليكم أن تعظموه. وقوله: حدياها كلمة جاءت مصغرةً, وأصلها من: حدا الشيء يحدوه إذا تبعه, وإنما قيل لمن يحدو بالإبل: حادٍ؛ لأنه يتبعها. ويقال: فلان حدياك؛ أي الذي يقال لك: افعل كما يفعل. وقوله: تكن حدياها؛ أي إذا لجأت إليه كنت حديا السلاطني؛ أي يقال لهم: اتبعوا فلاناً فيما فعل.
قال عمرو بن كلثوم: [الوافر]
حديا الناس كلهم جميعاً ... مقارعةً بنيهم عن بنينا
وقوله:
ولا تغرنك الإمارة في غيـ ... ـر أميرٍ وإن بها باهى
يقول: إن رأيت إنساناً يعرف بالأمير فلا تغرنك هذه الصفة فإنه لا يستحق أن يكون أميراً وإن افتخر بذلك وتجمل به عند الناس. ويقال: فلان أمير وفلانة أميرة, وقد يقال للمرأة: أمير على التشبيه؛ أي تقوم مقامه وتغني غناه. قال الشاعر: [الوافر]
فليت أميرنا - وعزلت عنا - ... مخضبة أناملها كعاب
وقال آخر: [الوافر]
ولو جاؤوا ببرة أو بهندٍ ... لبايعنا أميرة مؤمنينا
وقوله:
وإنما الملك رب مملكة ... قد فغم الخافقين رياها
يقال: فغمه الطيب إذا ملأ أنفه رائحته, ولا يستعمل ذلك في غير الطيب. والريا:
الرائحة الطيبة, وأصل ذلك في الطيب؛ وإنما قيل للرائحة: ريا لأنها تحدث في الزهر إذا روي من السحاب.
وقوله:
مبتسم والوجوه عابسة ... سلم العدا عنده كهيجاها
الهيجا: تمد وتقصر, وهي من: هاج الشيء يهيج. قال الراجز: [الرجز]
يا رب هيجا هي خير من دعه ... أكل يومٍ هامتي مروعه
ويروى: مقزعه؛ أي فيها قنازع شعرٍ. وقال آخر في مد الهيجاء: [الطويل]
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك عضب مهند
أي: فيحسبك ويحسب الضحاك. ومعنى يحسبك: يكفيك.
وقوله: (242/ب)
الناس كالعابدين آلهةً ... وعبده كالموحد الله
يقول: الناس الذين في طاعة غيره كأنهم يعبدون آلهةً مختلفةً وعبيده الذين يطيعونه كأنهم الموحدون.
وهذا كقوله: [الطويل]
ولست مليكاً هازماً لنظيره ... ولكنك التوحيد للشرك هازم
وقافيتها من المتواتر.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
22 أبريل 2024
تعليقات (0)