المنشورات
قصة إسلام رجل إيطالي:
ما قصة هذا الرجل؟ وكيف أسلم؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله تعالى، فقد زارني أحد الفضلاء النبلاء من أهل الكويت في مسجد عبد الله خلف الدحيان في الفيحاء العامرة يوم الجمعة، وبعد أن انتهيت من الخُطبة، قدم لي فتى لم يتجاوز عمره الحادية عشرة اسمه جبريل، وقال لي: هذا الفتى إيطالي الأصل، ويتحدث العربية، أتمنى أن تسمع لقصته العجيبة، وكيف أسلم والده، ووالده موجود في المسجد، وحضر خطبتك، وهو لا ينطق بالعربية حتى الآن، فسألته عن سبب دخولهم في الإسلام، فقال: كان أبي يعمل مديرًا لأحد البنوك في إيطاليا، وفي يوم من الأيام صرف مبلغًا بطريق الخطأ يساوي ألفًا وخمسمائة دينار كويتي لامرأة مسلمة ترتدي الحجاب والنقاب من أصول صومالية تستوطن إيطاليا، والمرأة أخذت هذا المال وانصرفت، وعند وصولها للمنزل فوجئت بزيادة في المبلغ، فعزمت على رده من الغد، وبات والدي في هم طول ليلته، ومن الغد جاءت المرأة لرد المال، ففرح والدي (المدير) لقدومها وردها هذا المال، وعجب لخلقها غاية الاعجاب، وسألها عن سبب ردها المال، فقالت: هذا المال ليس حقا لي؛ لأن شريعتنا الإسلامية تمنعنا أن نأخذ مال الغير إلا بإذن أهله، فهذا مال محرم عليَّ، عندها قال أبي وكان على دين النصرانية: هذا دين عظيم الذي يحملك على حفظ مال الغير، فشكرها لهذا الخلق الكريم، وطلب منها تزويده بكتب تعرفه بالدين الإسلامي، فأسلم والدي بعد يوم واحد، وتزوج منها، وهي أمي الآن التي أحدثك عنها.
قال جبريل: وعزم أبي على نقل أمي إلى البلاد العربية إذا رزق بولد، حتى ينشأ في بيئة الصحابة التي قرأ عنها في الكتب، وبعد أن ولدتُ سماني جبريل، ثم نقلنا إلى مكان آمن في إحدى البلاد العربية حتى لا نتلوث بالعقائد الباطلة، والمشاهد السيئة في إيطاليا، ونشأ جبريل الذي هو أنا في بيئة مسلمة وتعلمت العربية، وحفظت من القرآن ثلاثة عشر جزأ بحمد الله تعالى، وبعد أحداث الحادي عشر من (سبتمبر) لعام 2001 ضغطت أمريكا على الأنظمة العربية، بضرورة إخراج الغربيين من بعض البلاد، وبالأخص من أسلم منهم، فتكدر أبي لهذا القرار، وعزم قبل العودة إلى إيطاليا أن يزور ثلاث دول عربية: دولة الكويت، ثم إمارة الشارقة في الإمارات، ثم مكة المكرمة، والمدينة النبوية، ويقدر الله سبحانه أن نصل إلى الكويت أولًا، ونستقر فيها بمساعدة أهل الخير، فعندما دخلنا الكويت أخذنا (فلان) بارك الله فيه، إلى ديوانه العامر بالإخوة الفضلاء، وندب الحضور إلى ضرورة مساعدتنا، وكنت أسمع حديثهم، وأبي جالسٌ إلى جانبي لا يفهم ما يقول الحضور؛ لأنه لا يحسن العربية، إلا إذا شرحت له، ومن سرورنا وسعادتنا أن تكفل بعضهم بالإقامة لنا، وآخر بالراتب، وثالث بأثاث الشقة، ورابع بأجرتها، وبعد أن خرجنا من الديوان وشرحت لأبي ما دار في الديوان فرح فرحا شديدًا، وحمد الله سبحانه، وقال: سبحان الله! كنت مهموماً مغمومًا، فأبدلني الله سبحانه فرجًا وسعةً، وتذكرت مناقب الأنصار مع المهاجرين، كيف فتحوا لهم القلوب والبيوت، وشاركوهم في الأموال والتجارة، فأنتم كذلك يا أهل الكويت، وقفتم مدي موقفا مشرفاً، زادكم الله فضلًا.
قال الابن جبريل: هذه قصة إسلام أبي, والحمد لله على نعمة الإسلام.
قلت: هل تأملتم سبب إسلام هذا الرجل، إنه موقف خلقي نبيل من هذه المرأة المسلمة، فلو أن كل مسلم ومسلمة امتثلوا آداب الإسلام بحق، وتخلقوا بقيمه، لكان الحال غير الحال.
وهذه قضية مهمة جداً، وهي الدعوة إلى الله سبحانه بوجوب التحلي بالعمل بعد العلم، فإن أهم ما يُميز الإنسان المسلم صورة تعامله مع الله، ومع إخوانه في الدين، ومع غيرهم، وهذه الصورة هي أول منظر يُرى به المسلم مع الله سبحانه، ومن محيطه، فإن أحسن، أرضى ربه ورضي عن نفسه، وأعطى صورة رائعة للآخرين عن هذا الدين، وعن معتقديه، فكأنه دعا بلسان الحال، وليس بلسان المقال إلى دينه دعوة أبلغ إلى القلب والعقل معًا وأوصل.
فالاستقامة على الأخلاق لها أثر كبير، ونفعها بليغ، ولا أدل على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة، حتى شهدوا له بالصدق والأمانة.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214]. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيتَكُم لو أَخبَرتكُم أن خَيْلًا تخرُجُ بِسَفحِ هذا الجبلِ، أكُنتم مُصدقيّ؟ " قالوا: ما جرّبنا عليك كذبًا. قال: "فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ" (1).
وقد بدأ انعكاس الصور السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار هذا الدين في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحيين، مارسوا سلوكهم الرشيد، فكانوا كحامل مصباح ينير طريقه لنفسه بمصباحه، فيرى الآخرون ذلك النور ويرون به، وليس أجمل منه في قلب الظلام، وبناء على ذلك الإقبال سريعا دون دافع سوى القدوة الحسنة، فرب صفة واحدة مما يأمر به الدين تترجم حية على يد مسلم صالح يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشرة؛ لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذي تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن من تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التي هي أول ما يُرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يحكم له أو عليه.
وُيذكر أنَّ قُتيبة بن مسلم الباهلي (1) (القائد المسلم الفاتح المشهور) عندما فتح سمرقند احتج أهلها وشكوا ظلمًا أصابهم، وتحاملًا من قتيبة عليهم، وأرسلوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، فأجلس لهم عمر بن عبد العزيز القاضي جميع بن حاضر الناجي، فقضى بخروج عرب سمرقند -وهم قتيبة وجنوده- إلى معسكرهم، وينابذوهم على سواء، فيكون صلحًا جديدًا أو ظفرًا عنوةً.
فقال أهل الرأي من أهل سمرقند: بل نرضي بما كان، ولا نجدِّد حربًا. وتراضوا بذلك، وقالوا: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمِنونا وأمناهم" .. فتركوا الأمر ورضوا ولم ينازعوا.
قلت: وذلك أنهم شاهدوا صدق المعاملة، والعفة والأمانة والمعروف والعدل، فحملهم على النطق بعودتهم لهم.
ويؤيد هذا قصة ثُماَمَة بن أثال الحنفي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - خَيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت برجُلٍ من بني حنيفةَ، يقالُ له ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ، [سيدُ أهلِ اليمامةِ]، فربطوهُ بسارية من سواري المسجد، فخرجَ إليهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ماذا عِندَك يا ثمامة؟ " فقال: عندي خُير يا محمدُ، إِن تقتلني تقتل ذا دَم، وإن تُنعم تُنعِم على شاكر؟ وإن كُنتَ تريدُ المال فَسَل منهُ ما شِئتَ، فتركهُ حتى كان الغدُ، ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي ما قلت لك، فقال: "أَطلِقُوا ثُمامة".
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسلَ ثُمّ دخل المسجد، فقال: "أشهدُ أَن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله" (1).
قلت: ما الذي حمل ثُمامة على الإسلام وقد وقع في الأسر؟ لماذا لم يذهب إلى أهلهِ بعد أن أطلقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأسر؟ لماذا لم يقل: إنَّ المسلمين أسروني وقيدوني في المسجد، وأنا سيد قومي، ولي مكانة رفيعة، وشأن عظيم؟! ولكن ثُمامة أبصر الدعوة العملية، فالدعوة إلى الله عملية وقولية، وقد سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في المسجد عن الإسلام، وشاهد تعامل الصحابة وتطبيقهم العملي لهذا الدين وحسن أخلاقهم، وهنا أدرك حقيقة الإسلام، فأسلم سريعا، ورب عملٍ واحد أبلغ من ألف قول.
مصادر و المراجع :
١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ
المؤلف: خالد بن
جمعة بن عثمان الخراز
الناشر: مكتبة
أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت
الطبعة: الأولى،
1430 هـ - 2009 م
23 أبريل 2024
تعليقات (0)