المنشورات

كيف تعرف عيوب نفسك؟

اعلم -رعاك الله أيها الودود- أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرًا بَصَّرَهُ، بعيوبِ نفسِه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبُه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكنَّ أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القَذَى في عينِ أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه؛ كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُبصِرُ أحدُكُم القَذاةَ في عينِ أخيهِ، وينسى الجِذْعَ في عينه مُعتَرِضًا" (1).
قال ابن حزم:
"العاقل: هو من ميَّز عيوبَ نفسه فغالَبَها، وسعى في قمعِها، والأحمقُ: هو الذي يَجهل عيوبَ نفسه، إمَّا لقلةِ عِلمه وتَمييزه، وضعفِ فِكرته، وإمَّا لأنَّه يُقَدِّرُ أن عيوبه خِصالٌ، وهذا أشدُّ عيبِ في الأرض" (2).

فمن أراد أن يعرف عيوبَ نفسه فله، في ذلك أربعُ طُرق:

الأول: أن يجلس بين يدي شيخٍ بصيرٍ بعيوبِ النفس، وعلى منهج السلف، يُعرِّفُهُ عيوبَ نفسه وطرقَ علاجها، وهذا قد عَزَّ في هذا الزمان وُجُودُه، فمن ظفر به، فقد وقع على الطبيب الحاذق، فلا ينبغي أن يفارقه، فمجالسته دواء، والأخذ بنصحه عافية.
الثاني: أن يطلب صديقًا صَدُوقًا بصيرًا مُتَدَينًا، يلاحظ أفعاله وأقواله، فما كره من أخلاقه وعيوبه، ينبهه عليها، وكان هذا دأب الكرام بقولهم: "رحم اللهُ من أهدى إليَّ عيوبي" (1).
فكل من كان أوفر عقلًا، كان أقل الناس إعجابًا، وأعظمهم اهتمامًا وفرحًا بتنبيه غيره له على عيوبه، يا لَلْأَسف فقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا.

الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنةِ أعدائه، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مُداهن يثني عليه ويُخفي عنه عيوبَه (2).
الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا فيهم فليبتعد عنه، وينفر منه، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى فما يتصف به غيره، فلا ينفك هو عن أصله، أو عن أعظم منه، أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه، ويطهرها من كل ما يذمه من غيره، وناهيك بهذا تأديبًا، فلو ترك الناس كل ما يكرهونه من غيرهم، لاستغنوا عن المؤدب، وهذا كله لازم لمن فقد شيخًا مربيًا ناصحًا في الدين، وإلا فمن وجده فقد وجد الطبيب فليلازمه، فإنه يخلصه من مرضه، فاحفظ هذا فإنه مهم.
وقيل لرجل: من أدبك؟ قال: رأيتُ جهل الجهال قبيحًا، فاجتنبته، فتأدبت.








مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید