المنشورات

أحوال الإنسان في أخلاقه

اعلم -أحسن الله إليك- أنَّ الإنسان لا يخلو من إحدى ست أحوال: الأولى: أن تكون أخلاقه كلها صالحة في الأحوال كلها، فهي النفس الزكية، وصلاحها هو الخير التام، وصاحبها هو السيد بالاستحقاق، فيحفظ صلاح أخلاقه كما يحفظ صلاح جسده، ولا يغفل عن مراعاتها، ثقة بصلاحها، فإن الهوى مراصد، والمهمل معرض للفساد.
والحالة الثانية:
أن تكون أخلاقه كلها فاسدة في الأحوال كلها، فهي النفس الخبيثة، وفسادها هو الشر التام، وصاحبها هو الشقي بالاستحقاق، فيعالج فساد نفسه كعلاجه مرض جسده، وهو أصعب أحوالها علاجًا، وأبطؤها صلاحًا.
وقد قال بعض الحكماء: لا مرض أوجع من قلة العقل.

والحالة الثالثة:
أن تكون أخلاقه صالحة في كل الأحوال، فتنقلب كلها إلى الفساد في كل الأحوال، فهو المستعاذ به من "الحور بعد الكور" (1).
والحالة الرابعة:
أن تكون كل أحواله فاسدة في كل الأحوال، فتنقلب إلى الصلاح في كل الأحوال، فما ذاك إلا لداع غلب على الطبع، فاجتذبه، وقوي عليه حتى قلبه، فيراعي حفظ أسبابه، وتقوية مواده، ولا يغفله؛ فيجذبه الطبع السابق كما اجتذبه، فإن نوازع الطباع أجذب، وهي إلى ما ناسبها أقرب، وقليل الفساد صلح أن يكون محفوظ الصلاح.
قال بعض الحكماء: "كل متأدب من غيره متى لم يدم عليه الأدب، اختل ما يستفيد منه، ورجع إلى طبعه".
وملاك صلاحها أن تكاثر من وافقه في الصلاح، وتجانب من خالفه فيه، فإن للصحبهَ تأثيرًا في اكتساب الأخلاق.

قال بعضُ البُلَغاءُ: صلاح الشيم بمعاشرة الكرام، وفسادها بمخالطة اللئام.

والحالة الخامسة:
أن تكون أخلاقه صالحة في كل الأحوال، وبعضها فاسدة، فقد أعطته نفسه من صلاحها شطرًا، ومنحته من فسادها شطرًا، وهما متنافران، وفيما أعطت عون على ما منعت إن روعيت، وفيما منعت فساد لما أعطت إن أهملت.

والحالة السادسة:
أن تكون كل أخلاقه صالحة في بعض الأوقات، وبعضها فاسدة في بعض الأوقات الأخرى، فقد ترددت النفس بينهما، وتواطأت لهما، والفساد داخل عليها، وليس منها، والعقل مساعد، والهوى معتدٍ، وكل واحد منهما جاذب للنفس، وهي تنقاد إلى ما وافقها، فإن توفرت فضائلها انقادت للعقل في صلاح الأخلاق، وإن زادت رذائلها اتبعت الهوى في فساد الأخلاق؛ لأن العقل علم روحاني يقود إلى الخير، والشهوة خلق بهيمي يقود إلى الشر، فأطلق عنان النفس إذا انقادت للعقل، واقبضه إذا اتبعت الهوى، تجدها على الصلاح مساعدة، وللفساد معاندة، فحسبك بها للعقل عونًا وظهيرًا.
قال الرشيد: "قبح الله المرء لا واعظ له من عقله، ولا مطيع له من نفسه" (1).
قلت:
أخي -يحفظك الله تعالى- هذه الأحوال الستة المذكورة، والعاقل اللبيب من كان دائمًا على الحالة الأولى، فإن حاد عنها، رجع إلى ربه وتاب وأناب، وعاد إلى عقله ورشده، نسأل الله السلامة، والله الهادي إلى الصواب.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید