المنشورات

الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات:

فإذا اختلف المرء إلى هؤلاء، وأكثر من لقائهم وزيارتهم؛ تَخَلَّق بأخلاقهم، وقبس من سمتهم ونورهم.
أ- يرُوى أنَّ الأحنف بن قيس قال: "كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم كما نتعلم الفقه".
ب- كان أصحاب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يرحلون إليه، فينظرون إلى سمته، وهديه، ودَلَّه، قال: "فيتشبهون به" (1).
ج- قال الإمام مالك: قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. قال: وبعث ابن سيرين رجلًا فنظر كيف هَدْيُ القاسم (هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق) وحاله (2).
د- قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: روى أبو الحسين بن المنادي بسنده إلى الحسين بن إسماعيل قال: سمعت أبي يقول: "كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زُهاء على خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلمون منه حُسنَ الأدب، وحسن السمت" (3).
هـ- قال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد لابنه: "يا بني، إيت الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إليَّ لك من كثير من الحديث" (4).
و- وقال الأعمش: كانوا يأتون همام بن الحارث يتعلمون من هديه وسمته.
ز- قال ابن القاسم رحمه الله: "كنت آتي مالكًا غلسًا، فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنت أجد منه انشراح الصدر، فكنت آتي كل سحر، فتوسدت مرة في عتبته فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به، فركضتني سوداء له برجلها، وقالت لي: إن مولاك لا يغفل كما تغفل أنت،اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة" (1).
ح- زرت شيخنا الإمام الألباني رحمه الله ثلاث مرات في بيته، في الأردن على وجه الخصوص، وقد شاهدت من هديه في تنظيم وقته، وطريقه استخدامه للكهرباء، وصلاته، وطريقة جلوسه، ومحاورته، واستخدامه للهاتف، وكان رحمه الله إذا دخل غرفه فتح نورها، وإذا خرج منها أطفأ نورها، وهكذا يفعل مع كل غرفة، وأفدت من استخدامه للورق بما لا ضياع منها، فكان له معجمًا للحديث يكتب على ظهر الورقة بعض الأحاديث بأسانيدها من مخطوطات المكتبة الظاهرية، وخلف الورقة دعاية، أو دعوة زفاف، أو أخبار الصحف، وربما سألنا عن صحة الحديث، وهو علامة العصر في الحديث، فلله دره من إمام نادر.
قلت: ولا يلزم أن يكون هؤلاء الذين يختلف إليهم من أهل العلم فقط، بل قد يوجد من العوام من أهل البصيرة والفطرة السليمة من جُبِل على كريم الخلال وحميد الخصال.
قال ابن حزم: "وقد رأيتُ من غمار العامَّةِ من يجري في الاعتدال، وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدَّمُهُ فيه حكيمٌ عالمٌ رائِضٌ لنفسه، ولكنَّه قليلٌ جدًّا" (2).








مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید