المنشورات

لا بد من البديل الحسن.

إذا تعود الإنسان مثلًا أن يسمع المعازف والأغاني، ويتلذَّذ بها، أصبحت جزأً من كيانه، فإذا أراد أن يترك هذه الأخلاق السيئة، ويخلع هذه العادات القبيحة، فلا بد أن يسد الفراغ الناتج عن تركه هذا السماع، فسماع القرآن الكريم هو البديل الحسن، فإذا تلذذ الإنسان بسماع كتاب الله تعالى وبقراءته والتغني به، وتدرج في شرب الدواء، فقد أوجد البديل للمعازف، والشاهد أنه لا بد من البديل الحسن ليحل مكان البديل السيئ فيسد الفراغ كي لا يعود إلى ما كان عليه.
قال ابن قيم الجوزية: "دواء صاحب مثل هذا الحال: أن ينقل بالتدريج إلى سماع القرآن بالأصوات الطيبة مع الإمعان في تفهم معانيه، وتدبر خطابه قليلًا قليلًا إلى أن ينخلع من قلبه سماع الأبيات، ويلبس محبة سماع الآيات، ويصير ذوقه وشربه وحاله ووجده فيه، فحينئذ يعلم هو من نفسه أنه لم يكن على شيء، ويتمثل حينئذ بقول القائل:
وكنت أرى أن قد تناهى بى الهوى ... إلى غاية ما فوقها لى مَطلبُ
فلما تلاقينا وعاينتُ حُسنها ... تيقنت أني إنما كنتُ أَلعبُ" (1)
ومن كان مشغولًا بأصدقاء الباطل، وأراد التخلص من هذه الصحبة السيئة التي تعوَّد عليها وتشرب منها أشياء كثيرة، فلا بد من صحبة أرباب الأخلاق العالية، فإذا لم يجد صُحبَةً حسنة لا يمكن أن يقعد في البيت ويعتزل، فلا بد من قرين طيب يملأ الفراغ الذي أحدثه هجر قُرَنَاء السوء، فالبديل ضروري، وهكذا نجد عندنا بدائل حسنة لكل خلق سيئ.
ولكن قد يقول قائل: بأن هذا يمكن أن يصدق في العادات والممارسات، ولكن ما بدائل الغضب، والكذب، والغش وغيرها؟، نقول: بدائلها الحلم والصدق والتحلي بالأخلاق الحسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله، أو إلى خير منه" (1).
وأذكر يوما اتصلت بي إحدى الأمهات تشكو من كثرة مطالعة ابنها التلفاز ليل نهار، وأنه يصعب التخلص منه، ويومها قلت لها: لا بد من بديل، فقالت: كيف؟ قلت: أن تشغليه بشيءِ نافع زراعة أو طلاء غرفة أو حرفة، أو تعليمه الحاسب الآلي، أو قراءة كتاب نافع، وبعدها لا أدري ماذا صنعت، وبعد ستة شهور تقريبًا اتصلت بي ثانية تشكر نصيحتي، فقد ابتعد الولد تماماً عن التلفاز بسبب اشتغاله بالزراعة المنزلية وترتيب الورود وري الزروع، فقلت: الحمد لله.
قال الماوردي في بيان الأحوال التي تقهر الشهوة: "ترغيبها في الحلال عوضًا، وإقناعُها بالمباح بدلًا، فإن الله تعالى ما حرم شيئًا إلا وأغنى عنه بمباح من جنسه؛ لما علمه من نوازع الشهوة، وتركيب الفطرة؛ ليكون ذلك عونًا على طاعته، وحاجزًا عن مخالفته" (2).
وهكذا نجد عندنا بدائل حسنة لكل خلق سيئ وبهذا نكون قد سرنا خطوتين:
الأولى: العزم على ترك العادة السيئة وتنفيذ ذلك، الثانية: إيجاد البديل الحسن.
ويمكن أن نُسَمِّي هذه المرحلة أيضاً بمرحلة (التحلي)، وهي التحلي بالأخلاق الكريمة بالبديل المشروع؛ لأن البديل غير المشروع مضر بصاحبه، وإليك قصة من استبدل البديل غير المشروع بالمشروع، ولد طائش عنيف في وعظ إخوانه، فكر أحدهم بفكرة تغير أخلاقه بالإغراء المحرم، فانحرف، ثم عادت عليهم الجريمة.
وفي أمثالهم يقول الشاعر:
نحن الذين غرسنا في أظالعنا ... سيوفنا وعبثنا فى روابينا
رماحُنَا لم تنل إلا أحبتنا ... ونارنا لم تنل إلا أهالينا











مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید