المنشورات

العَمل الصالح:

العمل لغة: المهنة والفعل.

أما في الاصطلاح: هو العمل المراعى من الخلل (1).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
دائرة العمل الصالح واسعة جداً، وجولة فقط في بعض أركان الإسلام تُرِي العاقل الآثار العظيمة في تزكية النفس، فبقدر عقل الإنسان تكون عبادته، وتأمل قول الفجار كما في القرآن الكريم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: 10].

فالصلاة مثلًا تحمل العاقل على البعد عن الفحشاء والمنكر، وتزيد المرء خشوعًا، وتربطه بالخالق، وتحمله على أداء حقوق الغير.
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا خير فيها هي من أهل النار".
قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار (قطع من الأقط، وهو لبن جامد) ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ مِن أَهلِ الجَنَّة" (2).
وليس هذا فحسب، حتى القادم لها أن يتخلق بالسكينة وهي التأني في الحركة وعدم العجلة، والوقار في الهيئة بخفض الصوت وغض البصر ونحوهما.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أُقِيَمتِ الصلاة، فلا تَأتوهَا تَسعَونَ، وأتُوها وأنتم تمشُونَ، وعليكُمُ السَّكينةُ، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكُم فَأتِموا" (1).
والزكاة أُخِذَ اسمها من الزكاء، وهو النماء والطهارة والبركة، والقيام بها تحمل صاحبها على تطهير النفس من الشح والبخل، وتدفع به إلى أبواب الرحمة ومعونة المحتاجين، وتزرع في القلب الصفاء، وترفع منه التعالي على الناس.
قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة: 267].
وقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

والصيام هو أحد أركان الإسلام، والحكمة من مشروعيته الوصول إلى حقيقة التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
والصوم الحقيقي يمنع صاحبه من الوقوع في المعاصي، ويحجز العاقل عن تسلط الهوى.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ، فليسَ للهِ حاجة في أن يَدَع طعامَهُ وشَرابه" (1).
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصِّيامُ جُنَّة، فلا يَرفُث ولا يَجهَل. وإِنِ امرُؤ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ، فليَقُل: إِني صائم -مرَّتين- والذي نفسي بيدِهِ، لَخُلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن رِيحِ المسك، يَترُكُ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهوتَهُ مِن أجلي، الصِّيامُ لي وأنا أجزي به، والحسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها" (2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاعَ الباءةَ فليتزوَّج، فإنَّهُ أغضٌّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليهِ بالصَّوم؛ فإنهُ لهُ وجاء" (3).
والصوم يحمل صاحبه على الكرم؛ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناسِ بالخير، وكان أجوَدَ ما يكون في رمضانَ حِينَ يلقاهُ جبريلُ" (4).

والحج شُرع لمنافع كثيرة، وتحقيق مصالح الدين والدنيا، وبه يزكي العاقل نفسه من الرياء، والسمعة ويجتنب الرفث والفسوق والجدال، وهو تدريب عملي على الصبر وكظم الغيظ والتعاون والإيثار والحب والتواضع.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام162: 163].
وقال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلًا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة: 197].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُث ولم يَفسُق، رجَعَ كما ولَدَتهُ أمُّه" (1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - موجهًا الناس عند الإفاضة من عرفاتِ إلى مزدلفة: "السَّكينةُ عبادَ اللهِ السَّكينةُ" (2).

وفي العشرة الزوجية:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء: 19].
وقال سبحانه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231].
وقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

وفي البيع والشراء:
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: "رحمَ اللهُ رجُلًا سَمحًا إذا باعَ، وإِذا اشترَى، وإِذا اقتضى" (1).
فالدين كله خلق، والعبادات كلها أخلاق، مع الله سبحانه، ثم هي مع الناس، والعاقل من تأمل ذلك، وحقق معنى العبودية في أخلاقه وعبادته ومعاملاته وسلوكه، فحياة من طبع على الأخلاق أكمل وأسعد، من الذي يقهر نفسه، ويغالب طبعه، حتى يكون كذلك.












مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید