المنشورات
أخلاق حامل القرآن الكريم
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا عليمًا سِكِّيتًا، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون جافيًا ولا غافلًا، ولا صخابًا، ولا صياحًا، ولا حديدًا" (2).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "من جَمَعَ القُرآنَ فقد حَمَلَ أمرًا عظيماً، لقد أُدرِجَت النبُوَّةُ بين كتفيهِ غيرَ أنَّهُ لا يُوحى إليه، ولا ينبغي لحاملِ القُرآنِ أن يَجِدَ مع منْ يَجِدُ، ولا يَجهَلَ معَ من يَجهَلُ، لأن القرآنَ في جَوفِهِ" (1).
قوله: يجد أي يغضب. قوله: يجهل: أي يفسق.
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-:
"ينبغي لحاملِ القرآن أن لا يكونَ له حاجةً إلى أحدٍ من الخلقِ، إلى الخليفةِ فمن دُونهَ، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه.
حاملُ القرآن حاملُ راية الإسلامِ، لا ينبغي له أن يلغُو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع من يلهو" (2).
قال الإِمام الآجُرِّي -رحمه الله-:
"فينبغي له أن يجعل القرآنَ ربيعاً لقلبهِ، وُيعمرَ به ما خربَ من قلبهِ، يتأدّبَ بآدابِ القرآنِ، ويتخلقَ بأخلاق شريفةٍ، يبينُ بها عن سائر الناس ممن لا يقرأُ القرآنَ.
فأولُ ما ينبغي له: أَن يستعمِلَ تقوى الله -عز وجل- في السِّر والعلانيَةِ، باستعمالِ الورعِ في مطعمهِ، ومشربه، وملبسهِ، ومكسبهِ، ويكونَ بصيراً بزمانه وفساد أهلهِ، فهو يحذرهم على دينه، مقبلًا على شأنهِ، مهموماً بإصلاحِ ما فسدَ من أمرهِ، حافظًا للسانهِ، مُميزًا لكلامهِ.
إن تكلم تكلم بعلمِ، إذا رأى الكلامَ صوابًا، وإذا سكتَ سكتَ بعلمِ، إذا كانَ السكوتُ صوابًا، قليلَ الخوضِ فيما لا يعنيه، يخافُ من لسانهِ أشدَّ ممَّا يخافُ من عدوه، يحبسُ لسانهُ كحبسهِ لعدوه، ليأمنَ من شرِّهِ وسوءِ عاقبتهِ، قليلَ الضحك فيما يضحك فيه الناسُ، لسوءِ عاقبةِ الضَّحك، إن سُرَّ بشيءٍ ممَّا يُوافقُ الحقَّ تبسَّمَ، يكرهُ المزاحَ خوفًا من اللعبِ، فإن مزحَ قال حقاً، باسطَ الوجهِ، طيِّبَ الكلامِ.
لا يمدحُ نفسهُ بما فيه، فكيفَ بما ليس فيه، يحذرُ من نفسه أن تغلِبَهُ على ما تهوى مما يُسخطُ مولاهُ، لا يغتابُ أحدًا، ولا يحقر أحدًا، ولا يسبُّ أحداً، ولا يشمتُ بمصيبةِ، ولا يبغي على أحدِ، ولا يحسدهُ، ولا يُسيء الظَّنَّ بأحدٍ إلا بمن يستحقُ، يحسدُ بعلمِ، ويظنُ بعلمٍ، ويتكلمُ بما في الإنسانِ من عيبٍ بعلمِ، ويسكتُ عن حقيقة ما فيه بعلمِ، قد جعلَ القرآن والسُّنةَ والفقهَ دليلهُ إلى كل خُلُقٍ حسنِ جميلِ، حافظاً لجميعِ جوارحهِ عمَّا نُهي عنهُ، إنْ مشى مَشى بعلمِ، وإن قعدَ قعدَ بعلمِ، يجتهدُ ليسلمَ الناسُ من لسانهِ ويدهِ. ولا يجهلُ؛ فإن جُهِلَ عليه حَلُمَ، ولا يظلمُ، فإن ظُلمَ عَفَا، ولا يبغي، وإن بُغي عليه صبرَ، يكظمُ غيظهُ ليُرضيَ ربَّهُ، وغبطَ عدُوّهُ، متواضعٌ في نفسهِ، إذا قيل لهُ الحقُّ قَبِلَهُ، من صغيرٍ أو كبيرٍ.
يطلبُ الرِّفعةَ من الله -عز وجل- لا من المخلوقين، ماقتاً للكبر، خائفًا على نفسهِ منهُ، لا يتأكلُ بالقرآن، ولا يُحب أن تُقضى له به الحوائجُ، ولا يسعى به إلى أبناءِ الملوكِ، ولا يُجالسُ بهِ الأغنياءَ ليكرموهُ.
إن كَسَبَ النَّاسُ من الدنيا الكثيرَ بلا فقهِ ولا بصيرةِ، كسبَ هوَ القليلَ بفقهٍ وعلمٍ، إن لبسَ الناسُ اللِّينَ الفاخرَ، لبسَ هو من الحلال ما يسترُ عورتهُ، إن وُسِّعَ عليه وسَّعَ، وإن أُمسِكَ عليه أَمسَكَ، يقنعُ بالقليلِ فيكفيه، ويحذرُ على نفسهِ من الدنيا ما يطغيهِ.
يتَّبعُ واجباتِ القرآن والسنَّةِ، يأكلُ الطعامَ بعلمٍ، ويشربُ بعلمٍ، ويلبسُ بعلمٍ، وينامُ بعلمٍ، ويُجامعُ أهلهُ بعلمٍ، ويصحبُ الإخوانَ بعلمٍ، يزورهم بعلمٍ، وَيستأذنُ عليهم بعلمٍ، يُجاورُ جاره بعلمِ.
ويُلزمُ نفسهُ برَّ والدَيهُ، فيخفضُ لهما جناحهُ، ويخفضُ لصوتهما صوتَهُ، ويبذلُ لهما مالهُ، وينظرُ إليهما بعينِ الوقارِ والرحمة، يدعو لهما بالبقاءِ، ويشكرُ لهما عند الكبر، لا يضجرُ بهما، ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعةِ أعانهما، وإن استعانا به على معصيةِ، لم يعنهما عليها، ورفق بهما في معصيتة إياهما، يُحسنُ الأدبَ ليرجعا عن قبيحِ ما أرادا، ممَّا لا يحسنُ بهما فعلُهُ، يصلُ الرحم، ويكرهُ القطيعةَ، لمن قطعهُ، من عصى الله فيه، أطاع الله فيه.
يصحبُ المؤمنين بعلمٍ، ويجالسُهُم بعلمٍ، مَن صحبهُ نَفَعَهُ، حسنُ المجالسةِ لمنِ جالسَ، إن علم غيرهُ رفقَ به، لا يُعَنفُ من أخطأ ولا يُخجلُهُ، رفيق في أُمُورهِ، صبورٌ على تعليم الخير، يأنسُ به المتعلمُ، ويفرحُ به المجالسُ، مُجالستهُ تُفيدُ خيرًا، مُؤدِّبٌ لمن جالسهُ بأدبِ القرآنِ والسُّنَّةِ.
إن أصيبَ بمصيبةِ، فالقرآنُ والسنةُ له مؤدبانِ، يحزنُ بعلمٍ، ويبكي بعلمٍ، ويصبرُ بعلمٍ، ويتطهرُ بعلمٍ، ويصلي بعلمٍ، ويزكي بعلمٍ،ويتصدقُ بعلمٍ، ويصومُ بعلمِ ويحجُّ بعلمٍ، ويجاهدُ بعلمٍ، ويكتسبُ بعلمٍ، وينفقُ بعلمٍ، وينبسطُ في الاْمورِ بعلمٍ، وينقبضُ عنها بعلمٍ، قد أدبهُ القرَآنُ والسُّنَّةُ.
يتصفحُ القرآنَ ليؤدبَ نفسهُ، ولا يرضى من نفسهِ أن يُؤدي ما فرض اللهُ -عز وجل- عليه بجهلٍ، قد جعل العلمَ والفقه دليلهُ إلى كل خيرِ .. ، فالمؤمن العاقلُ إذا تلا القرآن استعرض، فكانَ كالمرآة يرى بها ما أحسنَ من فعله، وما قَبُحَ منه، فما حذَّرهُ مولاهُ حذِرهُ، وما خوَّفهُ من عقابه خافهُ، وما رغبهُ فيه مولاهُ، رغبَ فيه ورجاهُ.
فمن كانت هذه صفتهُ، أو ما قاربَ هذه الصفة، فقد تلاهُ حقَّ تلاوته، ورعاهُ حقَّ رعايته، وكان له القرآنُ شاهدًا، وشفيعًا، وأنيسًا، وحرزًا، ومن كان هذا وصفهُ نفعَ نفسهُ، ونفعَ أهلَهُ، وعاد على والديه، وعلى ولدهِ كُلُّ خيرٍ في الدنيا والآخرة" (1).
قلت: أحسن -والله- الإمام الآجري في وصفه أخلاق حملة القرآن الكريم وصفاتهم، وحريٌّ بكل عاقل أن يتصف بذلك، ويتأدب بأدب القرآن الكريم.
ولا شك أن لتلاوة القرآن الكريم آدابًا كثيرة، حسبنا أن نشير إلى طائفة منها باختصار.
وقد اعتنى العلماء بذكر الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها القارئ، والتي تلزم قارئ القرآن والمستمع له.
* بعض مراجع آداب حامل القرآن:
1 - "أخلاق حملة القرآن" للإمام الآجري.
2 - "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي.
3 - "التبيان في آداب حملة القرآن" للإمام النووي.
4 - "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي.
5 - "مناهل العرفان في علوم القرآن" للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني.
6 - "البرهان في علوم القرآن" للإمام بدر الدين الزركشي.
مصادر و المراجع :
١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ
المؤلف: خالد بن
جمعة بن عثمان الخراز
الناشر: مكتبة
أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت
الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م
23 أبريل 2024
تعليقات (0)