المنشورات

تحري الإخلاص عند تعلُّم القرآن وتلاوته:

الإخلاص لغة:
خَلْص خُلُوصًا، وخِلاصًا: صفا وزال عنه شَوبُهُ، وأخلصَ الشيءَ: أصفاه ونقَّاهُ من شَوبه (1).
وفي لسان العرب: المُخلِص: الذي وحد اللهُ تعالى خالصًا، ولذلك قيل لسورة: قل هو الله أحد لأنها خالصةٌ سميت بذلك لأنها خالصة في صفة الله تعالى وتقدس، أو لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله -عز وجل-، وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد (2).

أما في الاصطلاح:
للإخلاص أوجه كثيرة ذكرها الإمام ابن قيم الجوزية.
منها: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
وقيل: تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين، وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء: أن يكون ظاهره خيرًا من باطنه.
وقال صاحب المنازل: الإخلاص تصفية العمل من كُلِّ شوب (1).
وحقيقة الإخلاص: التبَرِّي عن كُلِّ ما دُونَ الله تعالى (2).
قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2].
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
قراَءة القرآن من أجل العبادات، وأفضل القربات التي يبتغي فيها المرء وجه الله تعالى، وكل عمل يُتَقربُ به إلى الله، ولا يتحقق فيه شرطا قبول العمل -الإخلاص والمتابعة- فهو مردود على صاحبه؛ لهذا قال السلف: قل للمرائي: لا تتعب!
ويكفي القارئ زجرًا ووعيدًا أن يعلم عقوبة من تعلم القرآن لكي يقال عنه قارئ! أو يقرأ وهو يرائي، فعاقبة أمره خُسرا، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إن أَوَّلَ الناسِ يقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ، رَجل استُشهِدَ، فَاُتِيَ بِهِ فَعَرفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قال: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قال: قاتلتُ فِيكَ حَتى اشتُشهِدتُ, قال: كَذبتَ، وَلكِنَّكَ قاتلتَ لأَن يُقَالَ: جَرِيءٌ, فقَد قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتى أُلقِيَ فِي النَّارِ. ورجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلمَهُ، وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قال: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قال: تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ. قال: كَذبتَ، وَلَكِنكَ تَعَلمتَ العِلمَ لِيقَالَ: عَالِم، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ. ثُم أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتى أُلقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجلٌ وَسَّع اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ من أَضنَاف المَالِ كُلِّهِ، فَأُتيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قال: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قال: مَا ترَكتُ من سَبِيلِ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فيهَا إلاَّ أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ. قال: كَذبتَ. وَلَكِنكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَد قِيلَ. ثُم أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ، ثُم أُلقِيَ فِي النَّارِ .. " (1). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
قال النووي -رحمه الله-: "الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة، أو مدح من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى .. ، وينبغي أن لا يقصد به توصلًا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك" (2).











مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید