المنشورات

التطبيق العملي للتدبر عند النبي - صلى الله عليه وسلم -:

1 - عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: قال أَبُو بَكرٍ - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ اللهِ قَد شِبتَ؟ قال: "شَيَّبَتنِى هُودٌ، وَالوَاقِعَةُ، وَالمُرسَلاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذا الشمسُ كُورَت" (1).
واشتملت هذه السور على بيان مصارع الأقوام الذين كذبوا بالرسل، وفيها نهاية قوم هود، ونوح، وقوم شعيب، وصالح عليهم السلام، وفيها عقاب الله للقرى الظالمة، وفيها بيان ما عليه يوم القيامة من الأهوال {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)} [المزمل: 17].
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج 1: 2].
وفيها من التوجيهات والأوامر للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصريحًا وتلميحًا، مع الحذر من سلوك قريش المشين وإيذائها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
كقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)} [هود: 12].
أي فلعلك -لعظم ما تراه منهم من الكفر بنعم الله والتكذيب لآياته، واقتراح الآيات التي يقترحونها عليك على حسب هواهم وتعنتهم- تارك بعض ما أنزله عليك وأمرك بتبليغه مما يشق عليهم سماعه أو العمل به، أي: لا يمكن منك ذلك، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك، سواء أحبوا ذلك أو كرهوه (1).
وقوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} [هود: 35].
وهكذا تسلسلت الآيات في بيان إيذاء قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه افترى الأخبار الكاذبة، والحق أنها من عند الله سبحانه؛ لأنها غيب لا علم لأحد بها سوى الله تعالى، من أخبار الأمم السابقة، سواء القائم منها بمبانيها أم التي خربت وسقطت وبادت.
وقال سبحانه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} [هود: 49].
وقوله سبحانه: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)} [هود: 100].
وهذه عبر ومواعظ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} [هود: 103].
وهكذا يستمر التوجيه الرباني للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر سورة هود بالحث على إقامة الصلاة، والصبر والاستقامة، فما تلك البراهين من أخبار الأمم السابقة إلا موعظة لكل متعظ، وذكرى لكل متذكر.
وأما سورة الواقعة، والمُرسَلاتُ، وعَم يَتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشمسُ كُورَت فالغالب عليها أحداث يوم القيامة التي تتحرك لها القلوب اليقظة.
2 - عن أَبي ذر - رضي الله عنه - قال: قَامَ النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتى إِذَا أَصبَحَ بِآيَةِ، وَالآيَةُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] (1).
3 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقرَأ عَلَيَّ". قُلتُ: أقرَأُ عَلَيكَ وَعَلَيكَ أُنزِلَ؟ قَالَ: "فَإني أُحِب أَن أَسمعَهُ من غيرِي"، فَقَرَأتُ عَلَيهِ سُورَةَ النسَاءِ حَتى بَلَغتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41] قَالَ: "أَمسِك" , فَإِذا عَينَاهُ تَذرِفَانِ (2).
4 - عن مُعاذ بن عبد اللهِ الجُهَنِيِّ أَن رَجُلًا من جُهَينَةَ أَخبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقرَأُ فِي الصبحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} فِي الركعَتَينِ كِلتَيهِمَا، فَلا أَدرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَم قَرَأَ ذَلِكَ عَمداً" (1).
قال الشوكاني -رحمه الله-:
"تَرَدَّدَ الصحَابِيُّ في إِعَادَة النبِي - صلى الله عليه وسلم - للسورةِ هل كَانَ نِسيَانًا؛ لكونِ المُعتَاد من قِرَاءَته أن يَقرَأ في الركعَة الثانِيَة غير ما قَرَأَ به في الأُولَى، فلا يكون مشروعًا لأُمَّتِهِ، أَو فَعَلَهُ عَمداً لبَيَانِ الجَوَاز، فَتَكُون الإعَادَة مُتَرَددَة بَين المَشرُوعِية وَعَدَمهَا، وإذا دارَ الأمر بَين أن يَكُون مشرُوعاً، أَو غَير مَشرُوع، فحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على المشرُوعِية أَولَى؛ لأن الأصل في أَفعاله التشرِيع، والنسيَان على خلاف الأصل" (2).
قلت: والظاهر فعل ذلك عمداً للتشريع، وما هذا الفعل إلا من باب تدبر عظم السورة لما عليه الحال يوم القيامة.











مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید