المنشورات

مراعاة الوقف والابتداء:

الوقف: قطع الصوت عن الكلمة زمناً يتنفس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة.
الابتداء: هو الشروع في القراءة سواء كان بعد قطع وانصراف عنها، أو بعد وقف (2).
والأصل في هذا ما رواه ابن أبي مُليكة عن أُمِّ سلمة أَنهَا سُئِلَت عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يقطع القرآن آية آية {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} (3).
وفي رواية: يقرأ (الفاتحة)، ويقطعها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)} ثم يقف، ثم يقول، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} .. الحديث (4).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لقد عشنا برهة من دهرنا واحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل (1).
هذا الأثر يدل على أن الصحابة الكرام كانوا يعتنون بالوقف، ويبين هذا الأثر نقد ابن عمر لذلك الواقع المؤلم بعدم العناية، فكيف لو سمع طلاب المدارس وخريجي بعض الجامعات كيف يرسلون القراءة مملوة بالأخطاء دون مراعاة للوقف أو الابتداء كما شبه هذا السوء بالتمر اليابس الرديء.
ولهذا "حض الأئمة على تعلمه ومعرفته والاعتناء به، واشترط كثير من العلماء على المجيز ألا يجيز أحدًا إلا بعد معرفته الوقف والابتداء؛ لأن به تعرف معاني القرآن، ولا يمكن استنباط الأدلة الشرعية إلا بمعرفة الفواصل" (2).
ومما تقدم يتضح لنا أن الوقف والابتداء كان محل عناية رسول الله والصحابة رضوان الله عليهم لما يترتب عليه من إيضاح المعاني القرآنية للمستمع، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان قارئ القرآن على دراية واسعة ومعرفة تامة بالوقوف.
ولعل الحكمة في هذا الفن من علوم القرآن الكريم ما حكاه الإمام النووي بقوله: "وينبغي للقارئِ إذا ابتدأ من وسط السورة، أو وقف على غير آخرها أن يبتدئَ من أول الكلام المرتبط بعضُهُ ببعض، وأن يقف على الكلام المُرتَبط، ولا يتقيد بالأجزاء والأعشار، فإنها قد تكونُ في وسط الكلام المرتبط، كالجزء الذي في قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53]، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24]،" ... ، فكل هذا وشبيهُهُ ينبغي أن لا يبتدأُ به لا يُوقف عليه، فإنه مُتعلقٌ بما قبلهُ، ولا يغترُّ الإنسانُ بكثرةِ الغافلين له من القراء الذين لا يُراعُونَ هذه الآداب ولا يفكرون في هذه المعاني .. ، ولهذا المعنى قال العلماءُ: قراءةُ سورةٍ قصيرةٍ بكمالها أفضلُ من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال (1).
قلت: ولهذا قسم أهل العلم الوقف إلى قسمين، الوقف الاختياري، والاضطراري، وفصلوا في الوقف الاختياري إلى تام وكافي وحسن وقبيح.
كما قسموا الابتداء إلى حسن وقبيح، ومزيد من الحديث عن السكت والقطع وغير ذلك مما هو مبسوط في علم التجويد بما لا يسمح المجال إلى تفصيله والاستشهاد عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "القراءة بأواخر السور وأواسطها فلم يكن غالباً عليهم، ولهذا يتورع في كراهة ذلك، وفيه النزاع المشهور في مذهب أحمد وغيره، ومن أعدل الأقوال في ذلك، قول من كره اعتياد ذلك دون فعله أحيانًا؛ لئلا يخرج عما مضت به السنة، وعادة السلف من الصحابة والتابعين" (1).
ولهذا اعتنى العلماء بهذا الفن عناية خاصة وأفردوه بالتأليف:
1 - "الإيضاح في الوقف والابتداء" للإمام أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري المتوفى سنة 328 هـ.
2 - "القطع والائتناف أو الوقف والابتداء" للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد النحاس المتوفي سنة 338هـ.
3 - "المكتفى في الوقف والابتداء في كتاب الله -عز وجل- " للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي المتوفى سنة 444 هـ.












مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید