المنشورات

الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -

القرآن الكريم مملوء بدعوة العقلاء إلى الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويشعر المسلم في قرارة نفسه بوجوب الأدب الكامل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فما أروع الأدب، وما أجل شأن المتأدبين، فالأدب هو: استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً (1).
وقال ابن منظور: "سمي أدبًا؛ لأنه يأدبُ الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح" (2).
والأدب مع الله تعالى، والأدب مع ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو: الدين كله.
وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقله أدبه: عنوان شقاوته وبواره (3).
وقسّم العلماء الأدب إلى ثلاثة أقسام:
1 - أدب مع الله سبحانه وتعالى.
2 - وأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه.
3 - وأدب مع خلْقِه" (4).
فالأدب مع الله تعالى أعلى المراتب، والعاقل: من يكون خُلُقه وأدبه مع الله تعالى عاليًا وهو أصل كلّ أدب، بل لا يتصف أحد بأدَبٍ إن عُدِمَ الأدب مع الله.
والأدب مع الله سبحانه هو حُسن الانقياد معه بإيقاع كل حركة على مُقتَضَى تعظيمه وإجلاله، والحياء منه، وهذا يشمل: القلب، واللسان، والأركان.
أما الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد أخل كثير من الناس بواجبهم تجاهه، بل هم يرون الغارات تشن وبشكل مستمر ومبرمج من اليهود والنصاري ومن لا خلاق له، ولا يحركون ساكناً، فقد دَأَبَ أعداءُ اللهِ يملائون الصحف والمنتديات الإلكترونية والكتب المدرسية الغربية بسمومهم وهجومهم الموبوء وإِساءاتهم المتكررة، ولا زالوا منذ البعثة إلى يومنا هذا يتعاونون على الإثم والعدوان على رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كشف الله سبحانه حقيقتهم في القرآن الكريم، وفضح حقدهم الدفين في الصد عن شريعة خاتم الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال: 36].
وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)} [الصف: 8].

"فليس عبثاً أن يضج العالم في جميع أطرافه لرجل ما عرفت البشرية مثله، وما مشى على أرضها أطهر منه خلقاً، ولا أنصح تاريخاً، وأنقى سيرة، وأصفى سريرة" (1).
أيها المسلمون الأبرار: أليس على يد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تم لنا الدين وبه ختمت الرسالات، وتأملوا كيف كنا قبل أن يبعث لنا صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164].
وقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
فالتأدب معه -عز وجل- هو الدين كله، ومتابعته من حب الله سبحانه، وطاعته من طاعة الله -عز وجل-.
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31].
بمتابعته يكون الفلاحُ والنصرُ، وتحصلُ السعادةُ والطمأنينةُ، وبمخالفتِه يكونُ الشقاءُ والذلُّ، ويعيش الإنسانُ حياة التعاسة.
لذا أرشدنا الله سبحانه إلى اتخاذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسوة، وقدوة، ومثال يحتذى به.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
كان في جميع أحواله حركة وسلوكًا قلبًا وقالبًا يمثل القرآن الكريم، فكان خلقه القرآن، ومن كان خلقه القرآن كان على خلق عظيم.
فطوبى للمؤمنين الذين يستظلون بظل القرآن الكريم، وينتهجون نهج رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطوبى لمن يلتمسون في رحابهما أمثلةً يحتذونها، ودروسًا يعملون بها، وهديًا يسيرون في ركابه، ونورًا يهتدون به في ظلمات الدنيا من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال.
فلنأخذ بلطائف خلقه، وثمار غرسه، ومواقف جهاده، وأدبه الذي أنعم الله عليه حين قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4].
وتأمل -وفقك الله للأدب- أدب الصديق - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، وقارن به سلوك الناس اليوم، وإِدعاء المحبة والمتابعة له.
عن سَهلِ بنِ سعدٍ الساعِدي أَن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذهبَ إلى بني عمرِو بنِ عوفٍ ليُصلحَ بينهم، فحانتِ الصلاةُ، فجاء المؤذِّنُ إِلى أبي بكرٍ فقال: أَتُصلِّي للناسِ فأقيم؟ قال: نعم. فصلَّى أَبو بكرٍ، فجاءَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والناسُ في الصلاةِ، فَتَخَلصَ حتَّى وقفَ في الصف، فصفقَ الناسُ، وكان أبو بكرٍ لا يَلْتفتُ في صلاتهِ. فلما أكثرَ الناسُ التصفيقَ التفتَ فرأَى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأَشارَ إليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِ امكُثْ مَكانَكَ، فرفعَ أَبو بكرِ - رضي الله عنه - يدَيهِ فحمِدَ اللهَ عَلَى ماْ أَمَرَهُ به رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن ذلكَ ثم استأخَر أبو بكرٍ حتى استوَى في الصفِّ، وَتقدمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فصلَّى، فلما انصرفَ قال: "يا أبا بكرٍ ما منعَكَ أن تثبُتَ إِذ أمرتُكَ؟ " فقال أبو بكرٍ: ما كان لابنِ أَبي قُحافَةَ أن يُصليَ بينَ يدى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مالي رأَيتُكم أكَثَرتمُ التصفيقَ؟ مَن رابَهُ شيء في صلاتهِ فليُسبِّح، فإنه إِذا سبحَ التُفِتَ إِليهِ، وَإِنَّما التصفيقُ للنساء" (1).
عن أبي رزين قال: قيل للعباس: أنت أكبرُ أو النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "هو أكبرُ وأنا ولدتُ قبله" (2).
وعن أنس قال - رضي الله عنه -: "إنَّ أبواب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تُقرَعُ بِالأَظَافِيرِ" (3).
وهذا الحديث غاية في الأدب والتوقير والإجلال من الصحابة الكرام.
والحديث عن أدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يطول، وحسبي بها مثلًا.
وهذا أوان الشروع في المقصود. اللهم اجعلنا من المتأدبين مع نبيك، المقتفين أثره، المتبعين لسنته، السائرين على نهجه، والسالكين على دربه يا رب.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید