المنشورات
توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وإجلال شخصه.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف: 157].
وقال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح8: 9].
قلت: وبسط الحليمي -رحمه الله- في بيان الفرق بين المحبة والتعظيم فقال:"وهو باب في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله وتوقيره ... ، وهذِه منزلة فوق المحبة؛ لأنه ليس كل محب معظمًا، ألا ترى أن الوالد يحب ولده فيجمع بين التكريم والتعظيم، والسيد قد يحب مماليكه ولكن لا يعظمهم، والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم، فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة ... ، وإذا كان هذا هكذا فما بين العبد وسيده، والوالد وولده، فمعلوم أن حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم والإماء على أولادهم؛ لأن الله تعالى أنقذنا من النار في الآخرة، وعصم به أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلنا وأولادنا في العاجلة، فهذا إثابة لما أطعناه فيه إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذِه النعمة؟ وأية منه إلى هذا الشيء؟ ثم إنه -عز وجل- ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة؟ وأي درجة؟ فحق علينا القول إذًا أن نحبه ونجله ونعظمه أكثر من إجلال كل عبد سيده، وكل ولد والده" (1).
والتوقير: يعني الإجلال والإكرام، والتشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه أي النبي - صلى الله عليه وسلم - تعظموه وتفخموه (2).
والمراد بالتعظيم عند الإطلاق كل ما سبق، وفي اللغة، ولفلان عظمةٌ عند الناس، أي حُرمه يُعظمُ لها (3).
قلت: ومن أمثلة التوقير والتقدير والإجلال عند الصحابة الكرام -رضي الله عنهم جميعًا- ما يلي:
1 - عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في حديث إسلامه وفيه: "وَمَا كَانَ أَحَدٌ أحبَّ إِلَيَّ من رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَجَلَّ فِي عَينِي مِنهُ. وَمَا كنتُ أُطِيقُ أن أَملأَ عَينَيَّ مِنهُ إِجلالًا لَهُ. وَلَو سئلتُ أن أَصِفَهُ مَا أَطَقتُ، لأني لَم أَكُن أَملأُ عَينَيَّ مِنهُ" (1).
2 - عن المِسوَرِ بنِ مَخرَمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية، وفيه أن عروة بن مسعود جَعلَ يَرمُقُ أصحابَ النبَّيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعَينَيهِ، قال: فوَاللهِ ما تَنَخمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُخامةً إِلا وَقعَت في كفِّ رجُلٍ منهم، فدَلكَ بها وَجهَهُ وجِلدَه، وإِذا أمرَهُم ابتَدَرُوا أمرَه، وإذا تَوَضأ كادُوا يَقتَتِلونَ على وَضُوئِه، وإِذا تَكلموا خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّونَ إِليهِ النظرَ تَعظيمًا لهُ.
فرجعَ عُروةُ إِلى أصحابهِ فقال: أي قَومٍ، والله لقَد وفَدتُ علي المُلوكِ، ووَفدتُ على قَيصَرَ وكِسرَى والنجاشيّ، واللهِ إِن رأيتُ مَليكًا قطُّ يُعظِّمهُ أصحابهُ ما يعظم أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - محمدًا، واللهِ إن يَتنَخَّمُ نُخامةً إِلا وَقَعَت في كف رجُلٍ منهم فدَلَكَ بها وَجهَه وجِلده، وإذا أمرَهم ابتَدروا أمرَه، وإذا تَوَضأ كادوا يَقتَتِلونَ على وَضوئِه، وإِذا تكلموا خَفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدونَ إليهِ النظرَ تَعظيمًا له (2).
3 - ومِن أعجب ما قرأتُ في السيرة النبوية من جمال التوقير، وحسن التقدير: قصة نزول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دار أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة في الهجرة، ونزل في دار أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، قال أبو أيوب: لما نزل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي نزل في السُّفْل، وأنا وأم أيوب في العُلو، فقلتُ له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أكره وأعظم أن كون فوقَك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل. فقال: "يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن أكون في سفل البيت"، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفله، وكنا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حُبٌّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة ما لنا لحافٌ غيرها ننشف بها الماء، تخوفاً أن يقطر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه شيء فيؤذيه (1).
قلت: فهل وقف العقلاء عند خوف أبي أيوب - رضي الله عنه - من تلك القطرة، وتأملها حق التأمل وأنزلها على الواقع فيرى العجب، ولا تظن أيها (القارئ) أنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك، والله المستعان.
مصادر و المراجع :
١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ
المؤلف: خالد بن
جمعة بن عثمان الخراز
الناشر: مكتبة
أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت
الطبعة: الأولى،
1430 هـ - 2009 م
23 أبريل 2024
تعليقات (0)