المنشورات
عدم البخل بالعلم:
ومن سوء الخلق البخل بالعلم، والجود بالعلم أسمى من الجود بالمال؛ لأن شرف العلم أسمى من شرف المال، ومن بخل بعلمه وكتم ما عنده، فقد ظلم نفسه، وبآء بالخسران المبين.
قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
ومن قرأ تراجم أهل العلم وقف على كرمهم وجودهم بالعلم ما لا يسع المجال لنقله، ومن تتبع أيام شيوخنا الفضلاء كالعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة الفقية محمد بن صالح العثيمين، وجدها كلها جود بعلمهم من الصباح حتى المنام، وفي استقبال المستفتين، ووفود العلم.
وسافرت يوما مع رفيق الدرب الشيخ داود العسعوسي إلى شيخنا العلامة الألباني وعندي أسئلة على أصابع اليد، وكان جواب شيخنا الألباني فيها من بعد صلاة المغرب إلى أن دخل وقت العشاء ثم قال لي: قم أذن للصلاة!.
قال العلامه ابن قيم الجوزية: "ومن الجود بالعلم: أن السائل إذا سألك عن مسألة: استقصيت له جوابها جوابًا شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا "نعم" أو "لا" مقتصرًا عليها.
ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيميه -قدس الله روحه- في ذلك أمرأ عجبًا: كان إذا سئل عن مسألة حكمية، ذكر جوابها مذاهب الأئمة الأربعة، إذا قدر، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم: أعظم من فرحه بمسألته، وهذه فتاويه -رحمه الله- بين الناس، فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك.
فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلقاتها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه.
وقد سأل الصحابة -رضي الله عنهم- النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المتوضئ بماء البحر؟ فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فأجابهم عن سؤالهم، وجاد عليهم بما لعلهم في بعض الأحيان إليه أحوج مما سألوه عنه.
وكان خصومه -يعني شيخ الإسلام ابن تيميه- يعيبونه ويقولون: سأله السائل عن طريق مصر -مثلا- فيذكر له معها طريق مكة، والمدينة، وخراسان، والعراق، والهند، وأى حاجة بالسائل إلى ذلك؟
ولعمر الله ليس ذلك بعيب، وإنما العيب: الجهل والكبر" (1).
قلت: والبخل، وأيُ داءٍ أدوءُ من البخل، فمن جاد بعلمه نال ثلاث فضائل:
الأولى: الثواب.
والثانية: أتقان الحفظ، زيادة العلم.
والثالثة: نقل صورته ونظام علمه ليكون خلفا منه.
وقال بعضُ الحكماءِ: خَيرُ العلماءِ من لا يُقِل ولا يُمِل.
وقال بعضُ العلماءِ: كُل علمٍ كثُر على المُستمعِ ولم يُطَاوِعهُ الفهمُ ازداد القلبُ به عَمًى. وإِنمَا ينفعُ سمعُ الآذَانِ، إذا قَويَ فَهمُ القُلُوبِ فِي الأبدَانِ.
مصادر و المراجع :
١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ
المؤلف: خالد بن
جمعة بن عثمان الخراز
الناشر: مكتبة
أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت
الطبعة: الأولى،
1430 هـ - 2009 م
24 أبريل 2024
تعليقات (0)