المنشورات
المنهج الحق الرشيد في التعامل مع زلات العلماء
من المتقرر شرعًا أن العلماء غير معصومين، بل هم عرضةٌ للخطأ، والسهو، والغفلة، والتقصير، فتقع منهم الزلات والأخطاء والهفوات، كما في حديث أنس مرفوعاً: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". رواه أحمد.
فالمنهج الذي ينبغي أن يتبع في التعامل مع زلاتهم قائم بعد ثبوت كونها زلةً على ركنين (1):
الأول: علم اعتماد تلك الزلة والأخذ بها إذا جاءت على خلاف الشريعة، ولو أخذ الناس بزلات العلماء ونوادرهم، ربما أفضى بهم ذلك إلى الضلال المبين.
قال الإمام الأوزاعي -رحمه الله تعالى-: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام" اهـ.
والعلماء الأجلاء نصووا على أن الأصل كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه متى ظهر خلاف ذلك لم تكن لهم طاعة.
قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال الإمام مالك: إنما أنا بشر أخطئُ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.
وقال الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقال الإمام أحمد: رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار (1).
وأما الاجتهادات المختلفة فإنهم لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله، بل قالوا اجتهدنا برأينا، فمن شاء قبله، ومن شاء لم يقبله، ولم يلزموا به الأمة.
والخلاصة أن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعًا ضلال، وأن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غيره، فهذا هو الركن الأول.
* الركن الثاني: العدل في الحكم على صاحبها:
فلا ينسب إليه التقصير ولا يشنع عليه من أجلها، ولا ترد بقية أقواله وآرائه وفتاويه بسببها.
قال الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: "من له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته في قلوب المسلمين" (2).
وإذا كانت زلة العالم هذه غير ذات أثر على الناس، فالواجب سترها، فإن العلماء من ذوي الهيئات كما في الحديث: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أنَّ الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم إلى يوم القيامة: أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونًا بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين.
ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين:
طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد، ثم قال: ومن سلك طريق الاعتدال عظَّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب، فيحب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم" (2).
وعلى هذا ينبغي أن يعلم أن عدم متابعة العالم على زلته لا يعني عدم توقيره، بل الحق أحق أن يتبع، فطاعة العلماء عندنا واعتبار العلماء في شرعنا ليس مقصودًا لذاته، بل لما قام فيهم من العلم بالله والعلم عن الله -عز وجل-، وإلا أصبحنا كبني إسرائيل؛ كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].
والناس في هذا الأمر بين طرفين ووسط:
1 - طرف أهدر مكانة العلماء واستخف بهم وبأقدارهم كالخوارج الذين لم يرفعوا بسادات العلماء من صحابه الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسًا.
2 - طرف يجعل للعلماء قداسة لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
3 - وهدى الله أهل الحق فحفظوا لأهل العلم أقدارهم، وعرفوا أنهم أدلاء علي حكم الله سبحانه، ليس لهم قداسة في ذواتهم، وأنهم غير معصومين عن الخطأ، وأن طاعتهم إنما تجب باعتبارهم أنهم طريق لطاعة الله -عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
والخلاصة أن العالم بحكم كونه بشرًا غير معصوم، قد يقع في خطأ غير مقصود، أو يزل وحينئذ لا يتابع في زلته، وعدم متابعته فيما أخطأ فيه لا يعني عدم توقيره.
مصادر و المراجع :
١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ
المؤلف: خالد بن
جمعة بن عثمان الخراز
الناشر: مكتبة
أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت
الطبعة: الأولى،
1430 هـ - 2009 م
24 أبريل 2024
تعليقات (0)