المنشورات

صلة الرحم في ظلال القرآن الكريم

قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1].
قال الحافظ ابن كثير: "أي: واتقوا الله بطاعتكم إياه.
قال إبراهيم ومجاهد والحسن: {تَسَاءَلُونَ بِهِ}: أي كما يقال أسألك بالله وبالرحم.
قال الضحاك: اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن بروها وصلوها" (1).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً: "اتقوا الله، وصلوا أرحامكم" (2).
وقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد: 22].
قال ابن كثير: "أي: تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء، تسفكون الدماء، وتقطعون الأرحام. ولهذا قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} [محمد: 23].
وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا، بل قد أمر تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والفعال، وبذل الأموال" (3).
قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)} [الأحزاب: 6].
المراد بأولي الأرحام القرابات، أي: بعضكم أحق بميراث بعض وهي ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة.
قال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}. أى: ذهب الميراث, وبقى النصر والبر والصلة والإِحسان والوصية (1).
وقال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)} [الروم: 38].
أي أن الله يأمر بإعطاء ذي القربى حقهم من البر والصلة وحسن العشرة، والإحسان إليهم أولاً.
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)} [الرعد: 21].
وقال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة:177].
أي أعطى المال من يتعين عطاؤه مع شدة حبه له, فآثر ما يحب الله تعالى على ما تتعلق به نفسه، فقدم أصحاب القرابات بالمال الأقرب فالأقرب؛ لأنهم أحق الناس بالبر؛ ولأنه أعرف الناس بحالهم وأوضاعهم وأحاسيسهم من غيره؛ لقربه منهم بسبب القرابة.
وقال تعالى: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 215]
وقال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال: 75].
وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132].
وقال سبحانه: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} [البلد: 15].
أي أطعم يتيمًا بينك وبينه قرابة، وهذا الإطعام من الأمور الأربعة التي يقتحم بها العقبة يوم القيامة.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90].
في هذه الآية الكريمة يأمر المولى سبحانه إعطاء ذي القربى ما يحتاجونه من الإحسان والبر وحسن العشرة، وكل ما فيه من أوجه العناية، وخصهم بالذكر لمزيد الاهتمام بهم.
في ضوء ما تقدم من الآيات القرآنية يدعونا الله -جل وعلا- إلى العناية بصلة الأرحام بالمقال والفعال، بتقديم العون والدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالأخص ذوي القربى بمزيد من الاهتمام، وجعل للوالدين النصيب الأول والأوفر، ثم الأقرب فالأقرب، ونهى عن القطيعة والهجر.
وخص الأقرب بالإرشاد والتوجيه؛ كما قال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132].
أما في الجانب المالي فدعا الله سبحانه عباده إلى العناية بذوي القربى بتقديم المال لهم عن غيرهم بالنفقة، الزكاة والصدقات للمستحقين منهم أو الهبات والعطاء، والعناية باليتيم منهم على وجه الخصوص.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید